البــاب الأول: عناصر الوصف الخارجي
من كتاب "فن الكتابة: تقنيات الوصف"
للكاتب: عبد الله خمّار
الفصـــل الرابــــع
الطعــــوم
ووسيلتها حاسة الذوق وهي اللسان. والأطعمة والأشربة من لذائذ الحياة الدنيا. ونحن نأكل في المتوسط. ثلاث مرات في اليوم. وهناك من يأكل أكثر كما أن هناك من لا يستطيع الحصول على وجبة واحدة في اليوم. والناس يقضون في التحضير للطعام وتجهيزه وقتا طويلا. وفي كل بلد تجد أسواق الخضر والفواكه واللحوم والسمك تأخذ حيزا كبيرا من مساحتها، وجزءا لا يستهان به من نشاطها إلى جانب المخابز والمطاعم والمقاهي، ومجمعات الصناعات الغذائية، كالمعجنات، والمصبرات، والمربيات. ومعظم الأراضي المزروعة والبساتين تستخدم لإنتاج الغذاء. وتتباهى الأمم بأطباقها مثلما تتباهى بإنتاجها العلمي والأدبي، لأنه نتاج حضارة توارثتها الأجيال، حيث تتعلم البنات عن الأمهات طرق صنع المأكولات المختلفة التي أخذنها عن الجدات. والمكتبات مليئة بالكتب التي تريك طرق صنع المأكولات والحلويات وتحضيرها في مختلف البلدان والأقطار.
الصناعات المرتبطة بالأغذية:
وترتبط صناعات كثيرة بالغذاء كصناعة الأواني والأكواب الذهبية والفضية والخزفية والنحاسية والزجاجية بأنواعها المختلفة ومنها الكريستال، وكذلك الآلات الكهربائية المختلفة المعدة لمساعدة المرأة في تحضير المأكولات.
الأطباق الوطنية والمحلية:
وهناك بعض الأطباق ترتبط بالبلدان، كالكسكسي الذي اشتهر به المغرب العربي، وأنواع الكبّة التي اشتهرت بها بلاد الشام، والملوخية المشهورة في مصر وتونس، والبسطيلة المغربية، والسليق والهريس في السعودية والخليج، والبيتزا الإيطالية.
كما أن بعض الأطباق تشتهر بها مدينة أو منطقة كالتليتلي في قسنطينة، والشخشوخة في بسكرة، وحلويات البقلاوة في العاصمة.
الأطعمة تدل على اصحابها:
ويستخدم الكاتب الأطعمة ليدلنا على هوية أبطاله وبلادهم أو مكان وجودهم. ويكشف لنا أيضا عن مستوى معشيتهم، فقراء كانوا أو أغنياء، وعلى نهمهم وشراهتهم أو قناعتهم وزهدهم، وعلى مرضهم واتباعهم نظاما غذائيا معينا، أو على فقدان شهيتهم لسبب من الأسباب العاطفية أو الأخبار الأليمة. كما تدلنا طريقة أكلهم على معرفتهم بآداب المائدة أو جهلهم بها. وتدلنا في بعض الأحيان على تدينهم إذا امتنعوا عن أكل وشرب بعض المحرمات في ديانتهم أو العكس. وكذلك تدلنا بعض الأطعمة على المواسم والأعياد والمآدب التي ترتبط بها، وعلى مناسبات الأفراح أو المآتم.
وكذلك يظهر الأكل على الطاولة أو على "المائدة" الصغيرة أو على الأرض، والأكل في وعاء واحد أو تخصيص صحن لكل واحد، والأكل باليد أو بالشوكة والسكين، وتناول الرجال للطعام وحدهم أو مع نسائهم، يظهر كل هذا تمسك الناس بالعادات والتقاليد أو تخليهم عنها. أما ترتيب المائدة وتزيينها فيدل على ذوقهم.
وكما ترتبط الأطعمة بالناس ترتبط بالأماكن، فالمطبخ في البيت والأسواق والمقاهي والمطاعم في الخارج، ونظافة هذه الأمكنة وترتيبها والروائح المنبعثة منها تدل على أصحابها.
أنواع الأطعمة:
وعلى الواصف أن يعرف الأطعمة والأشربة بأشكالها من مقبلات وسلطات وحساء وخضروات ومعجنات ولحوم وأسماك وطيور ودجاج. وأن يعرف الأطباق العربية والشرقية والإفريقية والأوروبية من مشويات ومقليات ومحمرات ومحشوات ساخنة وباردة، والبهارات التي توضع فيها كالفلفل والقرنفل والقرفة والهيل والزنجبيل ورأس الحانوت وغيرها. وأنواع الحلويات العربية والغربية، والأشربة من مرطبات وعصير ومشروبات غازية، وأن يعرف روائحها وطعومها. وأن يميز بين مذاق هذه الطعوم فيعرف الحلو والمر والحامض، والعذب والمالح والمز، والحار والحاذق والحريف، والتافه والسليخ والدسم. وأن يلم بما يصيب الأكولين والشرهين من البطنة والتخمة وارتفاع الضغط وغيرها من أمراض المعدة والكبد والأمعاء وما يصيب الجياع من الهزال وفقر الدم والدوار والإغماء.
تداخل حاستي الذوق والشم:
وتجدر الإشارة إلى أن حاستي الشم والذوق متداخلتان في الإنسان بحيث يخيل إليه أنه يتذوق شيئا في حين أنه يشمه. وتصبح المأكولات بلا طعم إذا حدث ما يعطل حاسة الشم، لذلك لا يستطيع المزكوم أن يستطعم ما يأكل مصداقا لقول المتبني:
ومن يكُ ذا فم مُرٍّ مريض ٍ يجدْ مُرّاً به الماءَ الزُّلالا
شرح ديوان المتنبي (3)ص344
لذلك كثيرا ما نجد تلازم عنصري الطعوم والرائحة في الوصف، ولعلك لاحظت ذلك في أمثلة روائح الأطعمة.
وهذه بعض الأمثلة عن الطعوم:
1 - فطور الصباح ( نجيب محفوظ):
"وجاءت الأم حاملة صينية الطعام الكبيرة، فوضعتها فوق السماط وتقهقرت إلى جدار الحجرة، على كثب من خوان، وضعت عليه "قلة" ووقفت متأهبة لتلبية أية إشارة. وكان يتوسط الصينية النحاسية اللامعة، طبق كبير بيضاوي، امتلأ بالمدمس المقلي بالسمن والبيض، وفي أحد طرفيها تراكمت الأرغفة الساخنة، وفي الطرف الآخر صفت أطباق صغيرة بالجبن والليمون والفلفل المخللين، والشطة والملح والفلفل الأسود. فهاجت بطون الإخوة بشهوة الطعام، ولكنهم حافظوا على جمودهم، متجاهلين المنظر البهيج الذي أنزل عليهم، كأنه لم يحرك فيهم ساكنا، حتى مد السيد يده إلى رغيف، فتناوله، ثم شطره وهو يتمتم: "كلوا". فامتدت الأيدي إلى الأرغفة في ترتيب يتبع السن، ياسين، ففهمي، ثم كمال، وأقبلوا على الطعام ملتزمين أدبهم وحياءهم".
بين القصرين (1) ص 26
2 - وليمة النجاح (إلفة الإدلبي):
"جلسنا إلى المائدة التي نصبناها في أرض الديار تحت العريشة. وكانت أمي قد طبخت لنا ألوانا كثيرة؛ "فتة مكدوس"، كبة مشوية"، "كبة لبنية"، "فخذة ورز"، "سجقات مع اليبرق". هذه الأكلة الأخيرة اشتهرت أمي بطبخها. هذا كله مع أنواع من السلطات والمقبلات. و كان أبي قد أوصى على "صدر نمورة ". عندما دخل من الباب فاحت منه رائحة زكية، رائحة السمن البلدي الذي يفتح الشهية. هذا كله كي نجاري ضيوفنا (الميادنة) في كرمهم المعروف.
تصدر أبي المائدة، وراح يسكب الطعام لضيوفه ويملأ لهم الصحون ويحلف عليهم أن يأكلوا ما سكبه لهم، ولا يقبل لهم عذرا، مثنيا على طبخ أمي الذي لا يجارى في جودته، ثم يقول: إنه سعيد جدا بنجاح أولاده".
دمشق يا بسمة الحزن ص 96
3 - طعام التجار (الطيب صالح):
"وكما يصلي الناس جماعة في المسجد، سيتعشون هم مجتمعين، جالسين في دائرة حول صحون الطعام، يرف عليهم ضوء المصباح الكبير، المعلق في متجر سعيد. يأكلون بنهم، شأن الرجال الذين تعرق جباههم من الجهد سحابة يومهم. يأكلون الدجاج المحمر، والملوخية بالمرق، والبامية المصنوعة في الطاجن. في كل ليلة، يذبح أحدهم إما شاة صغيرة، وإما حملا، ويغدو عليهم أطفالهم بمزيد من الأكل. ينزل الصحن مليئا، وما يلبث أن يرتد فارغا. هذا الوقت، من الليل، هو قمة يومهم: لمثل هذا تعمل زوجاتهم من طلوع الشمس إلى غروبها. يأتيهم المرق في صحون عميقة، واللحم المحمر في صحون بيضاوية واسعة. يأكلون الأرز وخبزا سميكا من القمح، وفطائر رقيقة تصنع على صاجات ملساء من الحديد. يأكلون السمك واللحم والخضار، والبصل والفجل. لا يبالون ماذا يأكلون".
عرس الزين ص 113
4 - طعام العمال في الكهف أثناء فترة الاستعمار (محمد ديب):
"كانوا يأكلون، فبعض يأكل خبزا وقليلا من مصالة اللبن، وبعض يأكل خبزا أو قليلا من الزيتون، وبعض يأكل مع الخبز بطاطس طبخت بكثير من الماء، وقطرة من زيت. إنهم يمضغون طعامهم صامتين، وفوق رؤوسهم تتدلى شباك طويلة من شباك العنكبوت، وهي تتأرجح متراخية، كسلى".
الدار الكبيرة: الحريق: النول ص 462
5 - أطعمة محرمة (فورستر):
"فمسألة طعام البروفسور "جدبول" وطعام الآخرين تعد مشكلتين لا مشكلة واحدة. ولم يكن البروفسور هندوكيا متزمتا؛ فهو يتناول الشاي والفاكهة والصودا والحلوى مهما يكن طاهيها، ثم الخضراوات والأرز إذا كان طاهيها برهميا، ولكنه لا يتناول اللحوم أو الفطائر ما لم تكن تشتمل على البيض، ولا يسمح لأي شخص آخر أن يأكل لحم البقر؛ فشرحة من لحم البقر في صحيفة بعيدة تفسد عليه سعادته. أما الآخرون فيمكن أن يأكلوا لحم الخنزير المقدد، ولكن دين عزيز الخاص يعترض على لحم الخنزير؛ وهو لم يتصور أن يأكل أناس آخرون لحم الخنزير. واصطدمت به المتاعب واحدة بعد الأخرى، لأنه تحدى روح الأرض الهندية التي تحاول أن تبقي الناس في طبقات مستقلة".
رحلة إلى الهند ص 187
6 - طعام الفقراء (إلفة الإدلبي):
"جاءت أمي من غرفتها وجلست معنا على المائدة، كان الطعام مجدَّرة مع مخلل اللفت، وباذنجان مقلي مع البقدونس المفروم، والثوم المدقوق".
دمشق يا بسمة الحزن ص 227
7 - الطعم الواحد (ليلى بعلبكي):
"عندنا في البيت، للشاي، كما للكوسى، للأرز، للمربيات، للفواكه، لكل أنواع المآكل طعم واحد!
أنا الوحيدة في البيت التي اكتشفت ذلك. وتغضب والدتي، تغضب حين أتناول الحلويات أو الفاكهة قبل الحساء، حين أستعمل صحنا واحدا أصب فيه كل الأنواع الموجودة على المائدة، وأمضغ لقمة من هذا النوع، ولقمة من ذاك! تثور والدتي، لأنها تظن أنني قليلة الأدب. لا! لا! لأن لكل أنواع المآكل عندنا طعما واحدا!"
أنا أحيا - ص 106
8- الطعام لغاية جمالية (نجيب محفوظ):
"وأقبلت خديجة على الفول والبيض بشهية كانت مضرب الأمثال في الأسرة. وكان للطعام بينهن - إلى فائدته الغذائية - غاية جمالية عليا، بصفته الدعامة الطبيعية للسمنة، فكن يتناولنه في تؤدة واهتمام. ويبالغن في سحقه وطحنه فإذا شبعن لم يمسكن، ولكن يستزدن منه حتى يمتلئن، على تفاوت لطاقاتهن. فكانت الأم أسرعهن إلى الانتهاء، تليها عائشة، ثم تنفرد خديجة ببقايا المائدة، فلا تتخلى عنها إلا وهي أطباق مغسولة".
بين القصرين (1)ص 35
9- الطعام النيء (همنغواي):
"وتحت النجوم، وفي غمرة من الليل الآخذ برده في الاشتداد شيئا بعد شيء، أكل "سانتياغو" الصياد الشيخ نصف قدة من لحم الدلفين، وإحدى السمكتين الطائرتين بعد أن طرح أحشاءها واقتطع رأسها، وقال:
"ما أشهى الدلفين حين يؤكل مطبوخا! وما أتعسه من سمكة حين يكون نيئا! أنا لن أنطلق في قارب بعد اليوم، من غير أن أصطحب شيئا من الملح أو الليمون الحامض".
الشيخ و البحر ص 81
10 - تقاليد الطعام في المواسم والأعياد نجيب محفوظ):
"..إلى ما تتزين به الحجرة من مباهج المواسم عند حلولها تتطلع إليها القلوب الهاشة لأفراح الحياة. وتتحلب الأفواه لألوان الطعام الشهية التي تقدمها موسما بعد موسم، كخشاف رمضان وقطائفه، وكعك عيد الفطر وفطائره، وخروف عيد الأضحى الذي يسمن ويدلل ثم يذبح على مشهد من الأبناء، فلا يعدم دمعة رثاء، وسط بهجة شاملة. هناك تبدو عين الفرن المقدسة يلوح في أعماقها وهج النار كجذوة السرور المشتعلة في السرائر، وكأنها زينة العيد وبشائره".
بين القصرين (1) ص 20
- "ثم كانت ليلة القدر من الشهر المبارك، فاحتفلت بها الأسرة، احتفالا بدأ بالدجاجة المحمرة التي ازدانت بها سفرة الإفطار، وصينية الكنافة".
الأعمال الكاملة(3)خان الخليلي ص 79
- "ثم أحضرت الأم إفطار العيد كعكعا وحليبا، فأقبلوا عليه في غبطة. والصائم يشعر عادة بغرابة وإنكار وحذر وهو يتناول أول لقمة صباح العيد".
الأعمال الكاملة(3)خان الخليلي ص 100
11 - طعام الزاهد ( فيكتور هيغو):
" لم تكن مائدة الأسقف ميربيل العادية تتألف من غير الخضر المسلوقة، أو الحساء المعد بالزيت".
البؤســـاء (1) ص 46
12 - طعام النهم (محمد ديب):
"وكان في كل صباح بلا استثناء يذكر لرفاقه بعد أن يشبع ما أكله في الليلة البارحة. لم يكن يخرج موضوع كلامه عن فخذ خروف مشوي بالفرن وفراخ وكسكسي بالزبدة وبالسكر، وعن حلوى باللوز والعسل، مما لم يسمع أحد منهم بأسمائها من قبل".
الدار الكبيرة: الحريق: النول ص 20
أطعمة البلدان:
13 - الطعام الإسباني (همنغواي):
"إن الوجبة الأولى في إسبانيا تثير لدي دوما صدمة، بما تحتويه من مقبلات وبيض وصنفين من اللحم والخضر والسلطة والحلوى والفاكهة".
ولا تزال الشمس تشرق ص 120
14 - الحساء الروسي (دوستويوفسكي):
" وبعد بضع لحظات، أحضرت ناستاسيا الحساء بالبطاطا والأرز وأعلنت أن الشاي سوف يكون جاهزا على الفور. ووضعت أمامها ملعقتين، وكل ما يلزم للمائدة: الملح والبهار والخردل، وذلك من أجل الحساء. فكان ذلك كله يبدو على الطاولة. ولم يكن قد حصل مثل ذلك منذ وقت طويل، وكان الغطاء نظيفا أيضا".
الجريمة والعقاب (1) ص 175
15 - وصفة دواء (همنغواي):
" لقد كان دأب "سانتياغو" أن يشرب كل يوم مقدارا من زيت كبد القرش، بالإناء المعدني الكبير المفضل، في تلك السقيفة التي يضع فيها كثير من الصيادين عُدَدَهُم. فهناك كان ذلك الزيت مبذولا لطالبيه من الصيادين وكان معظمهم يكره مذاقه. ولكنه لم يكن أسوأ من النهوض في مثل الساعة المبكرة التي ينهضون فيها صباحا، وإلى هذا فقد كان علاجا ممتازا للزكام والنزلة الوافدة، وكان ذا فائدة كبيرة للعينين". الشيخ والبحر ص 34
تماريــن:
1 ـ اختر ثلاثة من النصوص السابقة يبين الكاتب من خلال وصفه للأطعمة أموراً أخرى تتعلق بالعادات والتقاليد أو بالمستوى الاجتماعي، وبين المعاني التي قصدها الكاتب من خلال وصفه هذا.
2 ـ ما النص الذي بين فيه الكاتب الحالة النفسية لصاحبه من خلال وصف الطعام؟
3 ـ استخرج من الرواية التي تطبق عليها نصوصا تتعلق بوصف الأطعمة.
4 ـ سجل قائمة بعض الوجبات التي تناولتها خلال هذا الأسبوع في بيتك أو مدعوا ثم اكتب فقرة تصف فيها بعض هذه الأطعمة.
لقراءة الفصل التالي انقر هنا: الفصل الخامس: الملموسات
لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الثالث: الروائح
للاطلاع على فصول الكتاب كاملة، انقر هنا: فن الكتابة: تقنيات الوصف