البــاب الأول: عناصر الوصف الخارجي  

من كتاب "فن الكتابة: تقنيات الوصف"

للكاتب: عبد الله خمّار

 

الفصـــــل الأول

الأشكال والألوان والأضواء والظلال

وتدرك بالبصر أهم الحواس وأخطرها شأنا، فبالعين يرى الإنسان الكون ويبهر بسحره وجماله، وبها يدرك الأبعاد ويميز بين الأشكال وتستهويه الألوان، وتتراقص فيها الأضواء والظلال. ولنبدأ بالأشكال.

الأشكال:

  نحن نعيش في عالم مليء بالأشكال الطبيعية والصناعية، فالإنسان والحيوان والأشجار والنباتات والأزهار والفواكه والأماكن، كلها أشكال مختلفة. فيها ما يبهج النفس بتناسقه وبتناغمه، وما تعافه النفس وتشمئز مما فيه من تنافر وتضاد. فالجمال أشكال تكونها خطوط متناسبة متناسقة، والقبح أشكال تكونها خطوط متنافرة يعوزها التناسب. جمال الزخرفة في المسجد خطوط تكون أشكالا بديعة رائعة، وجمال الوجه خطوط ترسم دائرة أو مثلثا أو مستطيلا، وجمال البناء خطوط تكون أشكالا مكعبة وقببا ومآذن. وطريقة التعبير عن هذه الأشكال هي الأسلوب. فهناك من يتعامل مع الشكل تعاملا ماديا وفقا لما تراه العين ويتحكم فيه العقل والمنطق. وهناك من يرى الأشكال بعينه وقلبه فيكون وصفه لها وصفا وجدانيا لأنه يصفها بإحساسه. ولكن الأشكال لا يمكن أن تدخل القلب إلا إذا انعقدت بيننا وبينها صلة عاطفية ما، وإلا بقيت مجرد خطوط مربعة أو مستطيلة لا روح فيها. وهذا مثال عن استعمال الأشكال في وصف المكان  للكاتب نجيب محفوظ، يصف فيه حي خان الخليلي كما رآه بطل روايته أحمد عاكف من نافذته، في المرة الأولى التي سكن في هذا البيت:

  "فرأى أن العمارات شيدت على أضلاع مربع كبير المساحة، وأقيمت في مساحة المربع التي تحيط بها العمارات مربعات صغيرة من الحوانيت تلتف بها الممرات الضيقة. فكانت نوافذ العمارات وشرفاتها الأمامية تطل على أسطح الحوانيت، وتأخذ نصيبها من الهواء والشمس، ولا يحجب عنها بقية العمارات حجاب، فكان الناظر من إحدى النوافذ الأمامية يرى مربعا كبيرا من العمارات ينظر هو من نقطة في أحد أضلاعه، ويرى في أسفله مربعات كثيرة من أسطح الحوانيت، تخرقها شبكة معقدة من الممرات والطرقات، ورأى فيما وراء ذلك مئذنة الحسين في طولها السامق تبارك ما حولها".

  "وفي الطرف الأيسر من الطريق يبدأ خان الخليلي القديم، وقد رآه الرجل من نافذته أسطحا بالية ونوافذ متداعية، وأسقفا من القماش والأخشاب تظلل الطريق المتشابكة، وفيما وراء ذلك تملأ الفضاء المآذن والقباب وقمم الجوامع وأسوارها، تعرض جميعا صورة من الجو للقاهرة المعزيَّة، وكان يرى ذلك المنظر لأول مرة فأكبره مع كرهه للحي الجديد".

                                                                    الأعمال الكاملة (3) خان الخليلي ص 9

  والمثال الثاني يبين لنا استعمال الأشكال في وصف الإنسان وهو للطيب صالح يصف فيه "الزين".

  "كان وجه الزين مستطيلا، ناتئ عظام الوجنتين والكفين، وتحت العينين جبهة بارزة مستديرة. عيناه صغيرتان محمرتان دائما، محجراهما غائران مثل كهفين في وجهه، ولم يكن على وجهه شعر إطلاقا. لم تكن له حواجب ولا أجفان. وقد بلغ مبلغ الرجال وليست له لحية ولا شارب. تحت هذا الوجه رقبة طويلة. (من بين الألقاب التي أطلقها الصبيان على الزين "الزرافة").

   والرقبة تقف على كتفين قويتين تنهدلان على بقية الجسم في شكل مثلث. الذراعان طويلتان كذراعي القرد. اليدان غليظتان عليهما أصابع مسحوبة، تنتهي بأظافر مستطيلة حادة، ( فالزين لا يقلم أظافره أبدا). الصدر مجوف، والظهر محدودب قليلا، والساقان رقيقتان طويلتان كساقي الكركي، أما القدمان فقد كانتا مفرطحتين عليهما آثار ندوب قديمة، (فالزين لا يحب لبس الأحذية)".

                                                                                            عرس الزين ص16

  ويذكرنا هذا الوصف بأديبنا العربي الكبير الجاحظ. ورغم أنه لم يكن روائيا لأن الرواية لم تكن في عهده فقد برع في التصوير الساخر، وهذه مقتطفات من رسالته الشهيرة "رسالة التربيع والتدوير" يصف فيها أحد كتاب الدواوين أيام الخليفة الواثق، ونلاحظ فيها استخدام الأبعاد والأشكال:

  "كان أحمد بن عبد الوهاب مفرط القصر ويدعي أنه مفرط الطول، وكان مربعا، وتحسبه لسعة جفرته، واستفاضة خاصرته مدورا، وكان جعد الأطراف قصير الأصابع، وهو في ذلك يدعي السباطة والرشاقة، وأنه عتيق الوجه، أخمص البطن، معتدل القامة، تام العظم. وكان طويل الظهر، قصير عظم الفخذ وهو - مع قصر عظم ساقه-  يدعي أنه طويل الباد، رفيع العماد، عادي القامة، عظيم الهامة، قد أعطي البسطة في الجسم، والسعة في العلم".

                                                                                        كتاب التربيع والتدوير ص5

  وهكذا أرانا أحمد عاكف الحي مجموعة من المربعات، يضمها مربع كبير واحد، وأرانا الطيب صالح "الزين" مستطيلا تحته مثلث تفصل بينهما رقبة طويلة.

  وبما أن الوصاف يرسم بالكلمات، فعليه أن يلم ببعض المعارف الضرورية في مبادئ الرسم كالتناظر. وأن يحسن استخدام الأبعاد كالطول والعرض والارتفاع. ويدرك الفرق بين المساحة والسعة والحجم والكثافة والعمق والمحيط. ويعرف هيئات المثلث والمربع والمستطيل والدائرة والمكعب والموشور والمخروط والحلقة. ويعرف الألفاظ المستعملة لطول القامة أو قصرها، ولبدانة الجسم أو نحوله، فالطويل يسمى أيضا الطرمّاح والفارع والملواح والشمطوط والنطنط، والنطناط والطرطور. والمفرط في الطول هو العملاق. والقصير يقال له الإزب والحزقة والحزق والحسيك والهبتر والقمطر والمذل. أما النحيف فهو النحيل والضامر والشخت والهضيم. ومن أنحله المرض هو الغث والغثيت والهزيل والمهزول. ويقال للبدين السمين والبادن والوديك واللديس والأعسن والربيل.

  كما أنه يمكننا في الوصف استخدام الأشكال للمقارنة وذلك عن طريق التشبيه والاستعارة، فالضخم نشبهه بالفيل، وجميلة القوام نشبهها بالغزال، والقبيح بالقرد، والشريرة بالأفعى، وهكذا يحل شكل مكان آخر لعلاقة وثيقة بينهما.

وعلى الواصف أيضا أن يعرف الكلمات المستعملة في تقييم الأشكال والحكم عليها استحسانا بالجمال والحسن والروعة والبهاء والوسامة والملاحة، أو استهجانا بالحماقة والبشاعة والقبح والسماجة والشناعة. ولا يعني ذلك أن على التلميذ أو الأديب أن يحفظ ما ورد في المعاجم والقواميس، بل عليه أن يحسن استخدامها ولاسيما معاجم المعاني ليعود إليها عند الضرورة لمعرفة الفروق الدقيقة بين المعاني. ولابد من توفير هذه المعاجم في المكتبات المدرسية لتمكين التلاميذ من مراجعتها وتشجيعهم على ذلك.

تمارين:

  استخرج من الرواية التي تطبق عليها بعض الأشكال التي أوردها الكاتب في الوصف.

  حاول أن تصف شخصا لفت نظرك بطوله أو ببدانته أو بقصره أو بأي ميزة أو عيب باستعمال الأبعاد والأشكال، ولا تلجأ إلى السخرية إذا كانت الشخصية حقيقية.

  3 ـ استعمل الأبعاد في وصف منزلك أو حيك.

الألـــوان:

  كم تكون الحياة كئيبة وباهتة لو كانت بلا ألوان، فهي تمنحها بهجتها وتزيد من بهائها. ولكل شيء في الحياة لونه المتميز، فزرقة البحر غير زرقة السماء، وخضرة الأشجار والنباتات تختلف وتتدرج باختلاف فصائلها وأنواعها. وكذلك تختلف ألوان الجبال باختلاف صخورها، والغيوم باختلاف كثافتها. وتتميز الزهور بألوانها البديعة الخلابة التي لا حصر لها.

  أما الإنسان ففي جسمه ألوان متعددة: لون البشرة، ولون العينين، ولون الشعر، ولون الوجنتين، ولون الشفتين، ولون الأسنان، بالإضافة إلى ألوان الثياب عند الجنسين، ناهيك عن الأصباغ والمساحيق التي تتجمل بها المرأة. وتقابلنا الألوان في الأماكن زاهية وباهتة في القصور والأكواخ والمساجد والأسواق بما فيها من مطاعم ومقاه ومخازن ودكاكين. وبما زينت به من زخارف ورسوم. وما تحويه من أثاث وملابس ومأكولات وأشياء.

إيقاعات الألوان ولغتها:

  وللألوان إيقاعات خفيفة سريعة كالأحمر والأصفر، تملأ النفس توثبا ونشاطا، وهادئة رزينة تضفي على النفس الطمأنينة كالأزرق والأبيض، وكئيبة ذات إيقاع بطيء حزين لكنه ساحر كالأسود والرمادي.

  ولها أيضا لغة قائمة بذاتها، فالأبيض يدل على البراءة والطهر، والأخضر على الخصوبة والأمل، وكلاهما يدل على السلام، والأحمر يدل على الحب كما يدل على الثورة والدم، والأزرق لون التأمل الرومانسي في زرقتي البحر والسماء، والأصفر رمز الغيرة، والأسود يرمز إلى الحداد، والوردي لون الأحلام الشاعرية الجميلة.

  وعلى الواصف أن يعرف الألوان الفاتحة والغامقة ومشتقاتها، فمن الأبيض مثلا الحليبي، والعاجي والأمهق والأزهر. ومن الأحمر الفدم والوردي والزهري والبرتقالي والقرمزي والأرجواني والقاني. ومن الأزرق السماوي واللازوردي والكحلي والنيلي، إلى آخر ما هنالك من الفروق الدقيقة في تدرج الألوان.

ليست العبرة بكثرة الألوان بل بتناسقها:

  وكما يختار الرسام للوحته بعض الألوان الملائمة للمشهد الذي يرسمه، كذلك يختار الكاتب عند الوصف الألوان المناسبة للوحته، فليست العبرة بكثرة الألوان بل بحسن استعمالها وتناسقها، وقد يكتفي باستعمال الأبيض والأسود إذا اقتضى الأمر.

  وقد عرف العرب، مثل بقية الأمم، استعمال الألوان والمزج بينها في ألبستهم وحليهم وأبنيتهم وزخارفهم وأثاثهم، واستعملوا الفسيفساء في زخرفة مساجدهم وبيوتهم، كما تفننوا في استعمال الزجاج الملون.

  وتستعمل الألوان في مواضيع الوصف كلها: الإنسان والأمكنة والأثاث والثياب ومشاهد الطبيعة. وهذه بعض الأمثلة:

1ـ لون الوجه ( الطيب صالح ):

  "ثم أخذ (ود الريس) يمسح بيده اليسرى لحيته الغزيرة البيضاء التي تلبس وجهه من الصدغ إلى الصدغ، ويتنافر لونها الأبيض الناصع مع سمرة وجهه كلون الجلد المدبوغ، فكأن اللحية شيء صناعي ألصق بالوجه. ويختلط بياض اللحية دون مشقة ببياض العمة الكبيرة، مقيما إطارا صارخا يبرز أهم معالم الوجه: العينين الجميلتين الذكيتين، والأنف المرهف الوسيم".

                                                                                                  موسم الهجرة إلى الشمال ص 89

2ـ لون العينين (الطيب صالح):

  "وكانت عيناها واسعتين سوداوين في وجه صافي الحسن، دقيق الملامح، ورموش عينيها طويلة سوداء، ترفعهما ببطء، فيحس الناظر إليها بوخز في قلبه".

                                                                                                       عرس الزين ص 25

3 ـ لون الشعر (محمد ديب):

  "كانت "عيني" تشد المنديل الذي يغطي رأسها. إن الحنّة تصبغ شعرها الذي كان يجب أن يبدو أشهب، وأمامها يلتمع طبق من نحاس أصفر عليه بضعة فناجين من مطلي الخزف".

                                                                                                الدار الكبيرة: الحريق: النول ص 49

4 ـ لون الثياب ( الطاهر وطار):

  "تراءت مرة أخرى في ثوبها العسلي الرجراج، وخمارها الأبيض الذي يلف رأسها ويغطي عنقها الطويل، ثم ينحدر على كتفيها فيجعلها شبيهة بشمعة متقدة، يسيل الشمع على جوانبها".

                                                                                                         الشمعة والدهاليز ص 41

5ـ لون الأثات (همنغواي):

  "أما أثاث الغرفة فكان جميعه ذا لون أحمر، تنتصب بين قطعه عدد من المرايا ثم كرسيان وسرير واسع، فوقه غطاء من الحرير، وإلى جانبه باب يوصل إلى الحمام".

                                                                                                     وداعا أيها السلاح ص 114

6ـ دكان الخطاط ( نجيب محفوظ):

  "وجدت عم حسنين يعمل في دكان ضيق عميق الطول، مليء باللوحات، وحقائق الألوان، وننبعث من أركانه رائحة غريبة هي خليط من رائحة الغراء والعطر، وكان عم حسنين متربعا فوق فروة أمام لوحة مسنودة إلى الجدار قد نقش في وسطها باللون الفضي اسم الله".

                                                                                              الأعمال الكاملة(1)دنيا الله ص 350

7ـ لون الطبيعة في بريطانيا (الطيب صالح):

  "وأنظر إلى اليسار واليمين، إلى الخضرة الداكنة والقرى السكسونية القائمة على حواف التلال. سقوف البيوت حمراء، محدودبة كظهور البقر، وثمة غلالة شفافة من الضباب منشورة فوق الوديان. ما أكثر الماء هنا، وما أرحب الخضرة وكل تلك الألوان".

                                                                                                     موسم الهجرة إلى الشمال ص 49

8 ـ لون السماء (فورستر):

  "والسماء نفسها في مدينة شندرابور في الهند لها أحوال من التغير، ولكنها أقل من تغيرات النبات والنهر، فهي أحيانا ملبدة بالغيوم، ولكنها في العادة قبة ذات ألوان مختلفة، واللون الأزرق فيها هو اللون الغالب. وفي النهار يشحب اللون الأزرق حتى يصير أبيض حيث يمس الأرض البيضاء. أما بعد الغروب فيأخذ طابعا جديدا، يأخذ لونا برتقاليا يتدرج إلى لون أرجواني غاية في الرقة، ولكن جوهر اللون الأزرق يظل باقيا، ويكون هو نفس اللون في المساء، ثم تتدلى النجوم من قبة السماء الهائلة كأنها مصابيح".

                                                                                                                 رحلة إلى الهند ص 3

9 ـ لون الفقر (الطاهر وطار):

  "في مدرسة القرية، كانوا يتساءلون عما ألزم علي متابعة الدروس وأنا في تلكم الحالة المزرية؛ حذائي مرقع من كل جهة، ومع ذلك، لا يمانع من إفساح المجال للمياه تقتحمه من حيث شاءت. سروالي بدوره صمد عدة سنوات، ثم راح يستنجد بالإبرة والخيط وأصابع أمي. قميصاي الأسود والأزرق، تشبث لوناهما بالبقاء سنوات ثم تساويا في لون واحد، لا هو بالأزرق ولا هو بالأسود، ولا بأي لون آخر. أما سترتي، فقد كانت أفضل حالا، من جميع ما لدي، إذ كان لها وجهان، وجه من القماش السميك، الذي يمنع مرور الماء، ووجه من جلد خرفان، صوفها بنية. أتحايل على الطقس، فأقلب السترة كذا مرة في اليوم، غير مبال بالنظرات الفضولية".

                                                                                                         الشمعة والدهاليز ص 43

والأمثلة لا تحصى فالروايات كالحياة حافلة بالألوان.

تمارين:

  اختر ثلاثة نصوص أعجبتك من النصوص السابقة، ورتبها حسب الأولوية موضحا سبب إعجابك بكل منها.

  استخرج من الرواية التي تطبق عليها بعض الأمثلة عن استعمالات الألوان في         وصف الإنسان والمكان والأثاث والطبيعة.

  3 ـ حاول استعمال الألوان في وصف أحد المحيطين بك من الأقرباء أو الأصدقاء واصفا لونه ولون عينيه وشعره وثيابه.

  4 - صف ألوان الغرفة التي تقطنها وألوان الأثاث فيها.

الأضواء و الظلال:

  ولا ترى الأشكال والألوان في الظلام، وإذا رؤيت تبدو كالأشباح وتختفي ملامحها وشخصيتها، فلا بد إذن أن يتخلل اللوحة ضوء لنراها. لذلك كان الوقت مهما في الوصف، فلوحة الشروق تختلف عن لوحة الغروب، ولوحة منتصف النهار تختلف عن اللوحة التي رسمت في ضوء القمر أو الكهرباء أو الشموع، و ذلك تبعا لاختلاف الأضواء والظلال.

  ولا يخفى علينا أن الضوء بحد ذاته لون فالضوء الأبيض: ضوء الشمس أو الكهرباء هو مصدر الألوان، منه تتحلل و تتعدد، والظلال ألوان تترواح بين الرمادي والأسود الغامق.

  وغالبا ما تستعمل الأضواء والظلال في وصف الطبيعة والأماكن، فتبرز براعة استعمالها جمال المشهد الطبيعي أو المكان الموصوف، وسحرهما، وهذه بعض الأمثلة:

1ـ ابتسامة القمر (عبد الحميد بن هدوقة):

  "وكان القمر حينئذ قد طلع من وراء  الجبل العاري الشاهق الذي كساه الليل قطيفة سوداء، طلع يبتسم ابتساما فضيا بالغ الروعة، وأخذت أشعته المتلألئة تنتشر فوق أجزاء من القرية، فإذا هي ترشفها في هيام، وإذا المنظر العام يشكل لوحة بديعة الأضواء والظلال".

                                                                                                                  نهاية الأمس ص 29

2ـ وجه في الظلام (الطيب صالح):

  " فتحت نافذة وأخرى وثالثة، ولكن لم يدخل من الخارج سوى مزيد من الظلام. أوقدت ثقابا، وقع الضوء على عيني كوقع الانفجار وخرج من الظلام وجه عابس زاما شفتيه. أعرفه ولكنني لم أعد أذكره، وخطوت نحوه في حقد، إنه غريمي مصطفى سعيد. صار للوجه رقبة، للرقبة كتفان وصدر ثم قامة وساقان، ووجدتني أقف أمام نفسي وجها لوجه. هذا ليس مصطفى سعيد: إنها صورتي تعبس في وجهي من مرآة. اختفت الصورة فجأة، وجلست في الظلام زمنا لا أدري حسابه، أرهف السمع ولا أسمع شيئا. أشعلت ثقابا آخر فابتسمت امرأة ابتسامة مريرة، وجلست في واحة الضوء، ونظرت حولي، فإذا مصباح قديم على المنضدة، أكاد ألمسه بيدي، هززته فإذا فيه زيت. ياللعجب، أوقدت المصباح فتباعدت الظلال وتباعدت الحيطان وارتفع السقف. أوقدت المصباح وأغلقت النوافذ".

                                                                                                    موسم الهجرة إلى الشمال ص 128

3 ـ ظلال السحب (ماكسيم غوركي):

  " وكانت الشمس ترتفع باستمرار فتبعث حرارتها في الطراوة المنعشة، طراوة النهار الربيعي. وكانت السحب تهيم بطيئة، فتغدو ظلالها أكثر نحافة وشفافية. وتتساحب هذه الظلال لينة لدنة فوق أرض الشارع، وعلى سطوح المنازل، فتلف الناس بغلالاتها، وتبدو كأنها تقوم بتطهير الضاحية، فتمسح الوحل والغبار عن السطوح والجدران، والضجر عن وجوه الناس. وكانت البهجة تنتشر، والأصوات تغدو أشد رنينا، فتلقف الصدى البعيد، صدى الضجيج المتصاعد من آلات المعمل".

                                                                                                                 " الأم"  ص 192

4 ـ ليل الفدائيين ( ليلى عسيران):

  "وما لبث نور الشمس أن أخذ ينحسر شيئا فشيئا على ملامح الفدائيين حولي. أنا الفتاة الوحيدة بينهم. وزحفت ظلال الظلمة تلتف حولنا. وهدأت حركة النهار المسترخية، وبدأ الغروب يفرض إيقاعه على أنفاسنا، وباشر يضفي علينا ألوانه. وطلع الظلام علينا من بين الحشائش التي جلسنا عليها، وغطى الأشجار المحيطة بنا، وانساب في مجرى الجدول بجوارنأ، ثم امتد وغطّى المزروعات بقربنا، وملأ الخندق على بعد أمتار منا.

  لقد حلت الظلمة علينا كالغيمة، ثم عادت وانبثـقت من بيننا كالنور، وشعرت بالنور دون أن أراه. ومسح الغروب ألوان الدنيا من أعيننا، وانقض سواد باهر ساطع، وزف إلينا حلول الليل بهيبته وعظمته".

                                                                                                                   "خط الأفعى" ص 72

5ـ ظلال الأشجار العارية ( تولستوي):

  "وتحركت وراء "نيقولا" العربات الأخرى في صخب وجلبة. وساروا أول الأمر في الطريق الضيق خببا، فكانت ظلال الأشجار العارية على طول سيرهم في محاذاة الحديقة، تسقط على الطريق عرضا، فتحجب نور القمر الساطع. ولكن ما إن اجتازوا  الحاجز حتى انبسط أمامهم سهل يغمره الثلج، ويتلألأ كالماس، وتنعكس عليه أشعة يضرب لونها إلى زرقة، ويستحم في ضوء القمر الواضح الساكن، يمتد إلى غير نهاية".

                                                                                                            الحرب والسلم  (2) ص 585

6 ـ ضباب التايمز "تشارلز ديكنز":

  "وران على النهر ضباب عمق وهج النيران المضرمة فوق بعض الزوارق الصغيرة الراسية عند أرصفة النهر المختلفة. وزاد المباني القائمة الناهضة على الضفتين ظلمة وإبهاما. وانتصبت المخازن العتيقة المكسوة بالسخام في كلتا الحالتين مظلمة كئيبة من بين مجموعة السطوح وحيطان الجملون المتلاصقة، وقطبت متجهة فوق المياه التي كانت من السواد بحيث عجزت حتى عن عكس أشكالها الخرقاء على صفحتها".

                                                                                                                   أوليفر تويست (2) ص 254

7ـ ظلال شجرة النارنج (إلفة الإدلبي):

  "شعرت بوحشة عندما أطفأت النور، كانت أشعة قمر صغير تتسلل من الشباك المطل على أرض "الديار" وترسم على جدار الغرفة المقابل للشباك ظلالا باهتة لأغصان شجرة النارنج. تتحرك الظلال كلما هبت نسمة حركة إيقاعية كأنها ترقص. رحت أراقبها دون أي تفكير. الصمت المطبق على البيت الكبير جعلني أشعر بالخوف. تحولت أطيافي إلى أشباح، تنبهت حواسي كلها، راحت أذناي تتلقفان كل حركة أو نأمة. سمعت خربشة في أسفل الباب، أضأت النور فإذا القط "ظريف" يريد أن يخرج من الغرفة، أخرجته ثم أغلقت الباب، عدت إلى مكاني دون أن أطفئ النور. لم أستطع أن أغفو، ظللت على الرغم من الإرهاق الذي أشعر به أتقلب على الديوان حتى سمعت أذان الفجر".

                                                                                                        دمشق يا بسمة الحزن " ص 255

تمارين:

  1ـ اختر ثلاثة نصوص أعجبتك من بين النصوص السابقة، ورتبها حسب الأولوية موضحا سبب إعجابك بكل منها.   

  2 ـ استخرج من الرواية التي تطبق عليها بعض الأمثلة عن استعمال الأضواء والظلال في الوصف.

  3 ـ حاول وصف غرفتك عند شروق الشمس، ثم في الليل، وبين اختلاف الأضواء والظلال في الوصفين.

  لقراءة الفصل الثاني انقر هنا: الفصل الثاني: الأصوات

للاطلاع على فصول الكتاب كاملة، انقر هنا: فن الكتابة: تقنيات الوصف