البــاب الأول: عناصر الوصف الخارجي  

من كتاب "فن الكتابة: تقنيات الوصف"

للكاتب: عبد الله خمّار

 

الفصـــل السـابـع

اللـّـــغَـــــة

لقد رأينا العناصر التي يستخدمها الكاتب في وصفه المبدع. وإذا كان الفنان التشكيلي يستخدم في لوحته اللون والضوء والظل، لأنه يخاطب المشاعر بواسطة العين، ويعبر عن أحاسيسه بالريشة، فإن الكاتب الوصاف يستخدم إلى جانب ما ذكر: الصوت، والرائحة، والطعم، واللمس، إذ أن لوحته تخاطب الحواس جميعا، إلى جانب كونها لوحة متحركة لا جامدة، يعبر عنها بالقلم. لذا يجب أن يتقن الكاتب اللغة، ليوفق في التعبير. ومن لا يمتلك ناصيتها، يحسب، إذ يعجز عن التعبير في موضوع من المواضيع، أن العيب في اللغة، بينما العيب فيه، وفي ضعفه وعجزه. ورحم الله حافظ إبراهيم فهو القائل باسم اللغة العربية، في الدفاع عن نفسها ضد من اتهموها بالعجز:

رموني بعـــقم في الشباب وليتني     عقمت! فلم أجزع لقول عِـــداتي

أنا البحر في أحشـائه الدر كامـن      فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟

                                                                         ديوان حافظ إبراهيم ص220

  فاللغة إذن بحر واسع شاسع، ليس له قرار، والإحاطة بمفرداتها في كل مجالات الحياة مستحيلة على علماء اللغة بله الناس العاديين. ولابد إذن من استعانة من يكتب بقواميس المعاني التي تنجده بالمترادفات والمتجانسات، والفروق الدقيقة بينها، وتعرفه بأضدادها، إلى جانب معاجم الألفاظ التي ترشده إلى معانيها واستعمالاتها بدقة. ورغم أن القواميس لا غنى عنها لمن أراد تعلم اللغة فاللغة تعابير حية، وصور خلاقة، وبيان ساحر، ومنبعها الطبيعي روائع النصوص الأدبية القديمة والحديثة من شعر ونثر يشمل المقالة والمسرحية والرواية. ولا تعرف جماليات اللغة وأسرار عظمتها، إلا بقراءة ما أنتجته قرائح الفطاحل والعباقرة من أبنائها على مر العصور، فما بالك بالنسبة إلى لغتنا العربية، وما حباها الله من تمييز، باختيارها لغة القرآن الكريم، آية الإعجاز، وكذلك كونها لسان الرسول الكريم (ص) الذي كانت أحاديثه الشريفة قمة في البلاغة فكانت وعاء للشريعة وأداة ناقلة وفاعلة لحضارة عريقة أسهمت في رقي الإنسانية جمعاء. أما القواميس فنستخدمها لفهم تعابيرها الحية، وأسرارها البلاغية، وهي رديف للنصوص، ولا يمكن أن تكون بديلة عنها.

عاملان مهمان لنجاح الوصف:

  ومتى كان الكاتب متمكنا من اللغة، وكان الموصوف واضحا في نظره، يصبح الوصف سهلا. ويجب أن يضع في ذهنه عند الوصف أمرين: نوع الموصوف، والقارئ الذي يكتب له. لأن هذين العاملين يؤثران في أسلوبه، ولنبدأ بمثال لنجيب محفوظ يصف فيه رادوبيس الحسناء من قصة تاريخية عن العهد الفرعوني:

  "وكان ما يرى منها نصفها الأعلى، فاستطاع المجدودون أن يشاهدوا شعرها الأسود الحالك السواد ينتظم على رأسها الصغير في أسلاك من الحرير اللامع، ويهبط على كتفيها في هالة من الليل كأنه تاج إلهي، ينبلج في وسطه وجه مشرق مستدير، عانقت فيه أشعة الشمس خدين كالورد اليانع، وفما رقيقا مفترا كأنه زهرة من الياسمين في خاتم من القرنفل، وعينين دعجاوين صافيتين ناعستين، تلوح فيهما نظرة يعرفها الحب معرفة المخلوق لخالقه، فما رئي وجه قبل هذا اختاره الجمال سكنا ومستقرا".

                                                                                                  الأعمال الكاملة(3)رادوبيس ص 371

اختلاف الأسلوب باختلاف الموضوع:

  إنه وصف يتسم بالوضوح والدقة ولاتهمنا الآن قيمته الفنية وهل هو تقليدي أم مبدع فالمهم أن لغته راقية تزيد من بهائها الصور البيانية من تشابيه واستعارات بديعة.

  ولنأخذ نصين آخرين للكاتب نفسه، يصف فيهما شخصيتين من حيّه الشعبي:

  "أم عبده، أشهر امرأة في حارتنا. في قوة بغل. وجرأة فتوة، حتى زوجها سائق "الكارو" يتراجع أمام عنفها".

                                                                                                   الأعمال الكاملة(8)حكايات حارتنا ص 41        

  "زغرب البلاقيطى، من فتوّات حارتنا المعدودين. هو خاتم الفتوات الكبار، فمن بعده لم تقم للفتونة قائمة تذكر.

  رشيق، مديد القامة، أبيض الوجه، غزير الشارب، خفيف الحركة بالنبّوت لعيب".

                                                                                                                المصدر نفسه ص 490

  وهذان الوصفان يتسمان أيضا بالوضوح والدقة، ولكن لغتهما تختلف، لأنها تصور شخصيات شعبية، ربما تكون موجهة إلى قارئ يختلف عن القارئ الأول. ومن هنا اختلفت اللغة، فأصبحت لغة قريبة من اللغة المتداولة دون إسفاف، مع استعمال بعض الكلمات المتداولة في العامية، وهي من الفصحى: الفتوّة، النّبوت. ويختلف الأسلوب إذن في الرواية التاريخية عنه في الرواية الشعبية كما يختلف في الرواية نفسها في وصف الشخصيات المنتمية إلى بيئات مختلفة، أو في الحوار بين هذه الشخصيات.

  وقد تصبح لغة الكاتب شاعرية حين يصف المشاهد الطبيعية الجميلة:

"انقشعت سحب الظلام عن زرقة الفجر الناعسة، فتبدت صفحة النيل تتنفس نسائم الغسق".

                                                                                                           الأعمال الكاملة(3)كفاح طيبة 577

  إن نجيب محفوظ يستعمل لغة واحدة، ولكنه يكيف أسلوبه في الوصف حسب مقتضى الحال فلكل مقام مقال، والمقام هنا يعتمد على أمرين: الموصوف والقارئ.

  ويتميز وصفه في كل الأحوال، بالوضوح، والدقة، وصدق الإحساس وهي ما يجب أن يتصف به كل كاتب يريد النجاح، إلى جانب التمكن من اللغة والثقافة الجيدة وسعة الخيال.

صفات المترجم الناجح وأمثلة حية:

  أما في الروايات المترجمة، فعلى المترجم أن يبذل كل ما في وسعه للحفاظ على أسلوب الكاتب، ودقة وصفه، ووضوحه وصوره البيانية وهذا لا يتأتى إلا بالثقافة الواسعة وإتقان اللغتين والتمكن من التأليف قبل الترجمة. وهذه بعض الأمثلة من الترجمات الجيدة التي نبدأها بنص قصير لفكتور هيغو من ترجمة صاحب الترجمات البديعة لروائع الأدب العالمي، وصاحب معجم المورد منير البعلبكي:

  "كانت فانتين جميلة، ولقد احتفظت بطهرها ما وجدت إلى ذلك سبيلا. كانت شقراء مليحة ذات أسنان جميلة. كان عندها مهر من الذهب واللؤلؤ. ولكن ذهبها كان على رأسها، ولؤلؤها كان في ثغرها".

                                                                                                                  البؤساء ص 210 المجلد الأول

  والمثال الثاني نص لتولستوي من ترجمة الدكتور سامي الدروبي الذي ترجم كثيرا من روائع الأدب الروسي إلى العربية:

  "حين تبتسم أمي، فإنها رغم جمالها البديع، يزداد حسنها ازديادا عظيما فلا يضارعه حسن، حتى لكأن الفرح ينتشر عندئد في كل مكان. ولو قد أتيح لي في الساعات الأليمة من حياتي، أن أرى تلك الابتسامة مرة أخرى، ولو لحظة واحدة، لما عرفت الألم قط. يخيل إلي أن الابتسامة وحدها، هي مصدر ما يسمى جمال الوجه، فإذا أضافت الابتسامة إلى وجه من الوجوه فتنة وسحرا، كان معنى ذلك أنه وجه جميل، وإذا لم تغير فيه شيئا كان هذا دليل على أنه وجه عادي، أما إذا أفسدته فإنه يكون دميما".

                                                                                                              الطفولة، المراهقة، الشباب ص 94

  أما المثال الثالث فهو لرائد الرواية الجزائرية الحديثة محمد ديب، مأخوذ من الثلاثية التي ترجمها إلى العربية الدكتور سامي الدروبي:

  "وفي أثناء ذلك كانت امرأة ذات مشية معرقصة، وأثواب متراكمة على جسمها تراكم قشور البصلة على البصلة. كانت هذه المرأة تجر نفسها قلقة إلى وسط الفناء من دار سبيطار. لم يلاحظها أحد في أول الأمر، ولكن حين رأى الحشد هذه المخلوقة السوداء المكورة، صمتَ صخبُهُ على حين فجأة، وجمدت النسوة فاغرة أفواهها، وراحت تتباعد لتفتح لها الطريق. ووضعت يدها على وركيها، وحاولت أن ترفع رأسها نحو عيني، ولكنها عدلت عن ذلك، إنها مالكة البيت".

                                                                                                        الدار الكبيرة: الحريق: النول  ص 90

  إنه وصف يليق ببيئة دار سبيطار الشعبية، ولكن الكاتب نفسه يستعمل في الثلاثية لغة رمزية شفافة حين يحدثنا عن الحصان الحلم رمز الحضارة العربية الإسلامية المقهورة تحت نير الاستعمار:              

  "قص عليه كومندار ما رآه الفلاحون ذات ليلة قال:

  كان قمر الصيف يزبد فوق الوهاد السوداء المنفغرة بين الجبال. لم يعد الوقت ليلا. وكان الجو والأرض يتألقان، وكان في وسع المرء أن يتبين كل حزمة من عشب، وكل مدرة من تراب. وكان الجو والأرض والليل تتنفس لهاثا غير ملحوظ. وفجأة ترجعت في الأرجاء أصوات حوافر تقرع الأرض. انتصب الفلاحون جميعا على أقفيتهم. ازداد اقتراب وقع الحوافر. إنه كالرعد يتدحرج من أقصى المقاطعة إلى أقصاها. لم تأخذ أحدا من الفلاحين سنة من النوم بعد ذلك. استقر بعضهم أمام أكواخهم، فرأوا تحت أسوار  "المنصورة" حصانا أبيض بلا سرج ولا لجام ولا فارس ولا عدّة، يهتز عرفه بعدو جنوني. حصان بلا لجام ولا سرج، بهرهم بياضه. وغار الحصان العجيب في الظلام.

  ما كادت تنقضي دقائق معدودات، حتى دوى عدوه من جديد يطرق الليل. عاد الحصان يظهر تحت أسوار "المنصورة" (مدينة بجانب تلمسان)، وعاد التطواف بالمدينة القديمة المندثرة. كانت الأبراج الإسلامية التي قاومت الفناء تلقي ظلالها الكثيفة في الضوء المعتم.

  ودار الحصان بالمدينة القديمة مرة ثالثة حتى إذا مر بالفلاحين أحنوا رؤوسهم جميعا، وامتلأت قلوبهم اضطرابا وحلكة لكنهم لم يرجفوا هلعا. فكروا في النساء والأطفال. قالوا لأنفسهم: "عدواً في الليل ياحصان الشعب،  عدوا إلى الشمس وإلى القمر، في ساعة النحس ونذير الشؤم".    

                                                                                                        الدار الكبيرة: الحريق: النول ص 183

  والمثالان الأخيران هما للكاتب الشهيد مولود فرعون من روايته الدروب الوعرة، وترجمة صاحب الترجمات الأدبية والتربوية الهادفة الدكتور حنفي بن عيسى، والنص الأول يصف "مقران" منافس البطل "عامر" في حب ذهبية، ونقيضه شكلا ومضمونا:

  "وفي الحقيقة إنه أشبه ما يكون من حيث الهيئة والصورة بكلب (بولدوج) إذ له رأس كبير، وفم منفرج جدا، وعينان تبعثان الفزع في قلوب الأطفال، ومهما أجهد نفسه في حلق ذقنه فإن النقاط السوداء من لحيته الكثيفة تضفي دائما مسحة رهيبة على وجهه الذي أحرقته الشمس، حتى صارت بشرته الملساء سمراء، داكنة السمرة. ويحسب من ينظر إلى يديه الكبيرتين أنه قوي البنية. غير أنه لم يكن يفوقها (يقصد ذهبية) في الطول. بل إن قامته لهي دون المتوسط بالنسبة للرجال، ولا يحبه الشبان لأنه في نظرهم شخص متأخر ورجعي يصدق خرافات العجائز، ولا يقل عن أبيه في الحقد والنفاق. وباختصار، فقد اجتمعت لديه من الصفات، ما جعل عائلته تعتمد عليه ليحافظ على تراثها".

                                                                                                                     الدروب الوعرة ص 74

أما النص الثاني في وصف الطبيعة قرب الشواطئ الجزائرية عند عودة "عامر" إليها من مرسيليا:

  "البحر أزرق داكن. وفوق تلك الزرقة الدكناء رأينا في الأفق البعيد لونا فاتحا يكاد يكون مخضرا، وفوقها أيضا أبصرنا رقعة يتناقص لونها الوردي تدريجيا إلى أن يختلط بزرقة السماء الفاتحة. ضياء النهار لا يزال مشرقا من جهة البحر، بينما أخذت الشواطئ الجزائرية تختفي شيئا فشيئا في الظلام. البحر هادئ ولا يكاد يحس له الركاب سوى بهزة خفيفة تنبعث من أمواج البحر الأزرق الداكن، كأنهم على زربية واسعة الأطراف من القطيفة، تحركها بنعومة يد خفية. وأخذت الباخرة ترسم على صفحة الماء ثلما عريضا متلألئا كالفضة، لا يكاد يتشكل حتى يختفي كأنه الحلم الشارد".

                                                                                                                     الدروب الوعرة ص 238

  ونلاحظ الفرق في لغة النصين لاختلاف الموضوعين:

فاللغة إذن في الرواية تنتقل من العادية إلى الشاعرية، ومن لغة السوق إلى لغة النخبة، ومن لغة الحب إلى لغة الحرب، وتختلف جزالة ألفاظها أو رقتها، وقوة موسيقاها أو عذوبتها باختلاف المواضيع.

الكتابة هي الطريق لاكتشاف الأسلوب:

  إن الاعتقاد السائد لدى كثير من الناس بأن الإنسان لا يستطيع الكتابة إلا إذا أتقن اللغة هو خطأ شائع، والعكس هو الصحيح، فلكي يتقن الإنسان اللغة يجب أن يكتب. وإن لم يكتب لن يتمكن أبدا من إتقانها، فالكتابة تدفعه إلى البحث عن المفردات والمترادفات، والفروق الدقيقة في المعاني بين الألفاظ، فيستعمل المعاجم والقواميس. وتدفعه إلى مراجعة كتب القواعد ليعرف هل ينصب هذه الكلمة أم يرفعها، لأن القواميس وكتب القواعد لا تعلم اللغة بل تثريها وتهذبها. والأستاذ نفسه لا يعلم اللغة بل يعلم مبادئها، فمن تعلم المبادئ ولم يستعملها كمن تعلم مبادئ السباحة، لا يستطيع إتقانها إلا إذا ألقى بنفسه في الماء.

المطالعة والكتابة متلازمتان:

  ولا يستطيع الإنسان أن يكتب إذا لم يطالع، فمن أين يأتي بالمفردات والجمل؟ ومن أين يكتسب القدرة على تنظيم أفكاره؟ ومهمة المعلم إذن هي أن يغرس في ذهن تلاميذه منذ السنوات الأولى حب المطالعة، وأن يعتني بإثراء المكتبة المدرسية، وكما يقول المثل الصيني "إذا أهديت إلى إنسان سمكة فقد أطعمته ليوم واحد، وإن علمته صيد السمك فقد أطعمته طيلة العمر". ومن غرس حب المطالعة في نفوس تلاميذه فقد ضمن إتقانهم اللغة التي يطالعون فيها. أما المعلم الذي لا يهتم بذلك ويظن بأن دروسه هي التي تعلم اللغة فهو جاهل وغير فعال مهما أنهك نفسه في العمل، لأن القاعدة الذهبية هي أن يحسن الأستاذ التخطيط لدرسه فيتعب التلاميذ ويعملوا حسب توجيهاته وبإشرافه، لا أن يتعب ويستريحوا. ويكون مثله كمثل أستاذ الرياضة الذي يقوم بأداء التمارين الرياضية أمام تلاميده منتقلا من قسم إلى قسم. فلا يأتي آخر النهار إلا وقد سقط طريح الفراش بينما لم تنم عضلة واحدة من عضلات تلاميذه.

  وهكذا فتعلم اللغة لا يتناسب طردا مع الوقت الذي يقضيه الإنسان في المدرسة، بل مع الزمن الذي يقضيه المتعلم في المطالعة بهذه اللغة والكتابة بها، في القيام بتمارين القواعد الضرورية، واستعمال القواميس والموسوعات عند الحاجة، في القراءة الحرة الممتعة، والكتابة الهادفة بصدق في الإحساس وواقعية في التصوير.

الصدق والواقعية لا يعنيان الابتذال:

  أما الصدق في الوصف والتصوير فيعني أن نكتب عما نعرف، وأن نسترشد بإحساسنا وقناعاتنا دون نفاق أو زيف، وأن نكتب بلغة بسيطة ولكنها راقية ليس فيها إسفاف وابتذال بحجة الواقعية. فالواقعية ليست نسخا أو نقلا آليا لما يجري في الحياة دون انتخاب واصطفاء. والروائيون العظام من العرب والأجانب، لم يستنكفوا عن معالجة أي من المواضيع الإنسانية والعاطفية، مهما كانت شائكة وأن يضعوها تحت المجهر، دون لجوء إلى الأساليب المبتذلة التي تخاطب الأحاسيس الدنيا في الإنسان. وللأساليب الرخيصة كتابها وجمهورها والإنسان حيث يضع نفسه، فمن رفعها ارتفعت، ومن وضعها اتضعت.

تمـــاريــن:

  1 ـ اقرأ النص الآتي وضع عنوانا له واستخرج منه ما يوجد من عناصر الوصف: الأشكال والألوان والأضواء والظلال، الأصوات، الروائح، الطعوم، الملموسات، ثم بين هل استخدم الكاتب تقنية الحركة في وصفه؟ وكيف؟

  "الحقول نيران ودخان. هذا أوان الاستعداد لزراعة القمح. الفلاحون ينظفون الأرض، ويجمعون أعواد الذرة والجذوع الصغيرة، ذكريات الموسم الذي انتهى، ويكومونها أكواما وسط الحقول ويحرقونها. الأرض سوداء مبسوطة تستعد للحدث القادم. الرجال قاماتهم منحنية على المعاول، وبعضهم خلف المحاريث. قمم النخل ترتعش للهواء الخفيف وتسكن، وبخار حار يصّاعد من حقول البرسيم المروية تحت وطأة الشمس في منتصف النهار. ومع كل هبة ريح يفوح أريج الليمون والبرتقال واليوسفندي. خوار ثور أو نهيق حمار، أو صوت فأس في الحطب".

                                                                                         موسم الهجرة إلى الشمال ـ الطيب صالح ص 124        

  2 ـ إقرأ النص الآتي وضع عنوانا له واستخرج منه ما يوجد من عناصر الوصف والحركة، ثم قارن بين النصين، من حيث طبيعة الأرض الموصوفة والعناصر المستعملة في كل منهما، ثم قارن بين لغة النص الأولى، ولغة النص الثاني المترجم إلى العربية، وبين توفيق المترجم أو إخفاقه في نقل وصف الكاتب نقلا صادقا.

  " ضجة الأحاديث، وقع حوافر الخيل، قرقعة العربات، زقزقة طائر السماني الفرحة، دندنة أسراب الحشرات التي تدور حول نفسها. رائحة "الأفسنت" والعلف وعرق الخيول، ألوف الألوان والظلال المتنوعة التي تلقيها الشمس المحرقة على الحصاد الأصفر الشاحب، وعلى الغابة الزرقاء القاتمة، وعلى السحب الضاربة إلى لون زهر البنفسج. الطيور البيضاء التي تهوم في الفضاء، أو تحط على الحقل المحصود، ذلك ما كنت أراه، وكنت أسمعه، وكنت أحسه".

                                                                                                الطفولة، المراهقة: الشباب: تولستوي ص 123

3 ـ إقرأ النصين الآتيين واستخرج منهما بعض عناصر الوصف الخارجي، وبين أوجه التشابه والاختلاف بينهما في وصف الزهور:

 رائحة الذكريات ( باسترناك):

  "كان المكان بديعا. وكان ثمة طائر أصفر من طيور "الدح" يرسل صياحه المثلث النبرات، ثم يصمت دقيقة ليدع النغم الصافي الندي المتموج، يتهادى ويتغلغل في الريف، ويعود فيصيح ثم يصمت وهكذا تباعا. وكانت روائح الزهور تقف معلقة فوق الأحواض التي جثمت عليها الشمس، وقد أمسك بها الهواء الراكد وبث فيها سحرا خدرها!.. لكم كانت تذكره بجزر "الأنتيب" و"بورديغير".

                                                                                                                     دكتور جيفاجو ص 60

الدار الشاميَّة ( إلفة الإدلبي):

    كانت الدار في ذلك المساء الربيعي وكأنها في لحظات التجلي الخارقة. لقد زوقها نيسان (أفريل). فنان أهوج بعثر الألوان فإذا هي سيمفونية متناغمة. أزهار البنفشه تنحدر على الجدران شلالات ثلج أبيض. النفنوفة الحمراء تتسلق  قوس "الليوان".

  الياسمينة الصفراء سطت على الدالية، نسجت فوق العريشة مظلة موشاة بالأصفر والأخضر.

  البحرة تحتضن القمر. النافورة تردد أغنيتها الرتيبة الموزونة. زهر الليمون والنارنج ينشر في الجو عبقا يغري باسترخاء لذيذ.

  تبدو الدار وكأنها قد أعدت لحفلة عرس. الكراسي مصفوفة في الباحة الفسيحة. الأنوار تشع من الدهليز إلى "الليوان".

                                                                                                                 دمشق يا بسمة الحزن ـ ص 5

  إقرأ النص الآتي واستخرج منه ما يوجد من عناصر الوصف: الأشكال والألوان والأضواء والظلال والملموسات والحركة، ثم بين أيها استخدمه الكاتب أكثر، ولماذا؟

كهوف مارابار العجيبة في الهند( ا.م فورستر):

  "إنها كهوف مظلمة. وحتى عندما تكون فتحاتها مواجهة للشمس فإن قليلا من الضوء يمتد في نفق المدخل إلى الحجرة الدائرية. إن ما يرى قليل، وليس لعين أن تراه، إلى أن يصل الزائر ليمكث دقائقه الخمس ويشعل الثقاب، فعندئد تظهر شعلة أخرى مباشرة في أعماق الصخرة، وتتحرك تجاه السطح، كما تنطلق الروح الحبيسة. وقد كانت حيطان الحجرة الدائرية مصقولة صقلا عجيبا، وتقترب الشعلتان وتحاولان الاتحاد، ولكنهما لا تستطيعان، لأن إحداهما تتنفس الهواء والأخرى الحجر. ولم يكن الإنسان في ذلك المكان يستطيع أن يرى سوى مرآة مرصعة بالألوان الجميلة تفصل بين الأحبة، ونجوم رقيقة ذات لون أحمر وردي مختلط بالرمادي تعترض، وسدم رائعة، وظلال أكثر خفوتا من ذيل النجم المذنب أو القمر في رائعة النهار، وكل ما يتصل بالحياة الجرانيتية الزائلة. وتبرز القبضات والأصابع فوق التربة الممتدة، وهنا يصبح سطحها آخر الأمر أنعم من جلد أي حيوان، أملس من الماء الساكن. ويتزايد الإشعاع، وتمس الشعلات الواحدة الأخرى، وتقبلها، وتنطفئ ويعود الكهف إلى ظلامه ككل الكهوف".

                                                                                                                       رحلة إلى الهند ص 182

إقرأ النصين الآتيين واستخرج عناصر الوصف الخارجي من كل منهما، ولاحظ الاختلاف في لغة الوصف بين النصين ووضح السبب:

5 ـ شمس الخريف (باسترناك):

  " وتغمر شمس الخريف بأشعتها الذهبية اللطيفة أرجاء حجرته وجدرانها الناصعة البياض. لقد مر عيد صعود العذراء وأخذ الثلج يتجمد على سطح الأرض عند الفجر. وبدأ العقعق وطيور الشتاء تندفع طائرة في الغابات بين أشجار اصفرت أوراقها وتساقط أكثرها.  وإذا السماء ترتفع في مثل هذه الأيام إلى أعلى سمت لها، وينبعث من الشمال ضوء أزرق داكن يتنفس بالبرد فيشق الهواء الشفاف بين الأرض والسماء. إن كل شيء في الوجود قد أصبح أقدر من ذي قبل على أن تستوعبه العين والأذن، كل صوت ينطلق مجلجلا فيسمع عن بعد سحيق، وتصبح الحقول صفحة مكشوفة كأنها مسرح الحياة لعدة سنين قادمة. وما كانت النفوس لتحتمل هذا الإشراق لولا أنه قليل العمر، يأتي في نهاية اليوم ـ وأيام الخريف قصيرة ـ قبل أن يحل الغسق المبكر.

  وهذا هو الضوء الذي رآه يغمر حجرته، ضوء غروب شمس مقتبل الخريف، التي تغيب مبكرة. ضوء لطيف براق كأنه قطر الندى، أو كأنه التفاحة الناضجة."

                                                                                                                          دكتور جيفاجو ص 302

6 ـ السوق الأسبوعية (تشارلز ديكنز):

  "وهنا اندفع "سايكس" مجتازا شارع " تشيزويل" إلى "باربيكان" ومن ثم إلى "لونغ لين" وبعد ذلك إلى "سميث فيلد" حيث انبثقت جلبة من أصوات متنافرة ملأت نفس "أوليفر تويست" بالدهش والذهول.

  كان صباح يوم من أيام الأسواق الأسبوعية. وكانت الأرض مغطاة، حتى الركبة تقريبا بالقذر والوحل، وكان الهواء مثقلا ببخار كثيف ينطلق على نحو موصول من أجساد الماشية النتنة ويمتزج بالضباب الذي بدا وكأنه استقر على رؤوس المداخن. كانت جميع الزرائب التي في وسط البقعة الكبيرة، وجميع الزرائب المؤقتة التي استطاع القوم حشرها في الرقعة الشاغرة، ملأى بالخراف. وعلى طول الساقية كانت صفوف طويلة من الثيران وغيرها من البهائم، تبلغ عدتها ثلاثة صفوف أو أربعة صفوف مشدودة إلى بعض الأعمدة. وتمازج القرويون والجزارون، والرعاة والباعة المتجولون، والغلمان، واللصوص، والمتبطلون والمتشردون من أحط الدرجات وأدناها في كتلة واحدة. وكان صفير الرعاة ونباح الكلاب، وخوار الثيران ونترها رؤوسها، وثغاء الغنم، وقباع الخنازير وزعيقها، وصيحات الباعة المتجولين، والنداءات، والشتائم والمشاجرات من كل صوب، وقرع الأجراس وهدير الأصوات المنبعثة من جميع المقاهي، والازدحام والتدافع، والسَّوْق وضرب السياط والهتاف والصراخ، والضوضاء الرهيبة المتنافرة المنطلقة من كل زاوية من زوايا السوق، والوجوه القذرة غير المغسولة وغير الحليقة المندفعة جيئة وذهابا على نحو موصول، والمقحمة نفسها وسط الحشد، والمنبثقة من خلاله في خفة... كان كل أولئك قد جعل المشهد مذهلا صاعقا إلى حد يربك الحراس ويبلبلها".

                                                                                                               أوليفر تويست (1) ص 266

تمـــارين:

  1 ـ اختر ثلاثة من النصوص السابقة، ورتبها حسب إعجابك باستخدام عناصر الوصف فيها، وبين سبب اختيارك لكل منها.

  2 ـ استخرج من الرواية التي تطبق عليها نصا يشمل عنصرين فأكثر من عناصر الوصف الخارجي، ووضح كيف استخدم الكاتب هذه العناصر، وهل وفق في وصفه؟

  3 ـ اذهب هذا الأسبوع إلى سوق مدينتك أو قريتك، وأنت مرهف الحواس، وحاول أن تصف لنا ما رأيت وما سمعت وما طعمت وما شممت وما لمست، مستعملا تقنية الحركة، على أن تلجأ إلى البساطة والوضوح في اللغة والصدق في التعبير.

 

لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل السادس: الحركة

لقراءة الفصل الأول من الباب التالي انقر هنا: الفصل الأول: تقنيات الوصف الخارجي

للاطلاع على فصول الكتاب كاملة، انقر هنا: فن الكتابة: تقنيات الوصف