البــاب الخامس: المكان

من كتاب "فن الكتابة: تقنيات الوصف"

للكاتب: عبد الله خمّار

 

الـفـصل الأول

وصف الأماكن: الغرفة

وصف الأماكن: 

تتصل الأماكن بالناس، وهي الإطار الذي نراهم من خلاله يعيشون ويعملون ويتحركون في بيوت أو قصور، ومكاتب ومحلات، ويصلون في المساجد والكنائس، ويأكلون في المطاعم، ويسمرون في المقاهي. ومن البيوت والأسواق تتشكل الأحياء، ثم القرى والمدن.

ارتباط الأماكن بالناس:

  وارتباط الأماكن بالناس له وجهان: الأول هو ارتباطها بمن بنوها، فمواد بنائها، وهيئتها وطراز عمارتها تدل على من بناها، وترتبط به ارتباطا حضاريا. فهناك الطراز الروماني، والطراز الإسلامي، وهناك البيت الأوروبي، والبيت العربي. وحتى في البلد الواحد تختلف الأساليب، حسب البيئة وحالة الطقس، فالأسلوب المزابي في البناء يختلف عن الأسلوب القبائلي، والبيوت في الجبال تختلف عن البيوت في الصحراء.

  ولا شك أن بلادنا مليئة بالآثار الإسلامية والرومانية والفينيقية، من مساجد وقصور وحمامات، بعضها مازال قائما وبعضها الآخر، أصبح آثارا نسعى للحفاظ عليها لأنها تمثل صفحات غالية من تاريخ بلادنا. وتدريب التلاميذ على وصف الأمكنة يهدف فيما يهدف إلى التعرف على هذه الآثار العظيمة، وخصائصها، وما يميز كلا منها عن الآخر، وتذوق جمال هذه الأبنية واستنطاقها عن صانعيها وبناتها. والأماكن تنطق لمن يعرف لغتها ويحسن محاورتها، حتى إذا دخل أحدهم مسجدا ليصلي عرف نمط بنائه، وفي أي عصر بني، وعرف ما يميز زخرفة جدرانه وقنطرة قببه ومآذنه، ليهتم بآثار بلاده ويقدر جمالها وقيمتها الفنية والتاريخية، ويسعى إلى حمايتها والمحافظة عليها، ويحول دون تخريبها أو تهريبها إلى الخارج. ويعتاد زيارة المتاحف في كل بلد يحل به ليشاهد آثاره، كما يزور قصوره ومساجده وكنائسه وحدائقه، ليعرف حضارته وحضارة غيره ثم يقارن بين أساليب الحضارات في العمارة والسكن والعيش والعبادة.

ارتباط الأماكن بالسكان:

  والوجه الثاني لارتباط الأماكن بالناس، هو ارتباطها بساكنيها، وقد وصف العرب الأطلال قديما ووقفوا عليها، ليس حبا فيها لذاتها، ولكن لارتباطها بالأحبة، وقال شاعرهم:

أمرُّ على الديار ديار ليْـلى      أقبِّلُ ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي    ولكنْ حبُّ من سكن الديارا

  وكما تتشابه الأطلال، ولا يميز بينها إلا بعض آثار أصحابها، كذلك تتشابه الغرف في البناء الواحد، أو في الحي السكني عندما تكون فارغة. ولكن ما إن يسكنها أصحابها، حتى تكشف لنا بما فيها من ترتيب وتنظيم، وزخرفة وأثاث عن كثير من أسرارهم، وتطلعنا على أمزجتهم وأذواقهم، وعاداتهم وتقاليدهم، ومستوياتهم الاجتماعية والثقافية والحضارية. ووصف الأماكن في الرواية، هو في الحقيقة وصف لأصحابها من خلالها، وجزء من الوصف الداخلي الذي يكشف عن بيئة هذه الشخصيات ومظهرها العقلي والنفسي والاجتماعي، لذلك كان وصف المكان وثيق الصلة بصاحبه، فمظهر المكان ومخبره يشيان بمظهر ومخبر من يسكنه أو يستعمله.

الأماكن الخاصة والعامة:

  وتنقسم الأماكن في الرواية إلى قسمين: الأماكن الخاصة، وهي دور السكن، والأماكن العامة التي يرتادها الناس للعبادة كالمسجد والكنيسة، أو لشراء حاجياتهم كالدكاكين والمحلات التجارية الصغرى والكبرى، أو لتناول الطعام كالمطاعم، أو للسمر كالمقاهي، أو للتسلية والترويح عن النفس كالحدائق، أو للتداوي كعيادات الأطباء والمستوصفات والمستشفيات، أو للتقاضي، كمكاتب المحامين والمحاكم بأنواعها، أو للعمل وقضاء المصالح، كالدوائر الرسمية الحكومية والشركات التجارية. و من كل هذا تتشكل الأحياء والقرى والمدن.

  ولئن كشفت الأماكن الخاصة عن أمزجة وأذواق الأفراد، فإن الأماكن العامة تكشف لنا عن أمزجة وأذواق الشعوب ومستواها الثقافي والحضاري، لذلك تهتم الحكومات بإقامة الصروح الحضارية، والعناية بالأبنية الحكومية، وبناء المساجد العظيمة والفنادق الكبرى وتهتم بتأثيثها لتعكس صورة الشعب في نظر الزائر الأجنبي.

غرض الوصف:

  عرفنا أن الأماكن تتصل بمن بناها أو بمن يسكنها، ولابد في البداية أن نحدد الغرض من الوصف، فإن كان وصف المكان يتصل بمن بناه كوصف قصر الداي حسين، أو وصف جامع كيتشاوة في الجزائر العاصمة فهو وصف نقلي والغرض منه جمالي يهدف إلى إبراز الطراز العمراني للبناء، وما استخدم فيه من مواد، وعمره وقيمته التاريخية والفنية... الخ

  ويمكن أن نضع مخططا للعناصر التي يشملها الوصف سواء أكان قصرا أم مسجدا أم حيا أم مدينة:

  1 ـ الموقع: على السفح، قرب الشاطئ، في قمة الجبل الخ..

  2 ـ الأبعاد والحجم: الطول، العرض، المساحة. الحجم: مكعب، متوازي الأضلاع، متوازي المستطيلات  الخ. .

  3 ـ صفاته المميزة:

         أ- طراز البناء: روماني ، إسلامي، مزابي، قبائلي، أوربي.

          ب ـ الزمن: زمن الرومان، زمن الفينيقين، العرب المسلمين، الموحدين، المرابطين، الزيانيين، الحماديين، الأتراك الخ..

          ج ـ مميزاته الجمالية: " لونه، جماله الخ ..

          د ـ وضعيته الحالية: متماسك، متهدم، أطلال الخ..

4 ـ تأثيره في المشاهد: الدهشة والإعجاب أو العكس.

  ولابد لنا طبعا من استعمال ما يناسب من عناصر الوصف الخارجي كالأشكال والألوان والأضواء والظلال.

وصف الأماكن في كتب الرحلات:

  وتكثر أنواع هذا الوصف في كتب الرحلات العربية والأجنبية. ويعرف هذا النوع باسم "أدب الرحلات". وأشهر الرحالة العرب هو ابن بطوطة محمد بن عبد الله الطنجى ومن كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" نقتطف جزءا من وصف المسجد الأموي، ويبدأ الحديث بذكر من بناه، وهذا يحدد تاريخ بنائه:

  "هو أعظم مساجد الدنيا احتفالا وأتقنها صناعة وأبدعها حسنا وبهجة وكمالا، ولا يعلم له نظير، ولا يوجد له شبيه. وكان الذي تولى بناءه وإتقانه أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك بن مروان، ووجه إلى ملك الروم بالقسطنطينية يأمره أن يبعث إليه الصناع فبعث إليه اثني عشر ألف صانع".

                                                                                                                           رحلة ابن بطوطة ص 52

  ثم يتحدث عن أبعاد المسجد وزينته وزخرفته فيستعمل الأشكال والألوان:

  "وزين هذا المسجد بفصوص الذهب المعروفة بالفسيفساء تخالطها أنواع الأصبغة الغريبة الحسن. وذرع المسجد في الطول (أي طوله) من الشرق إلى الغرب مائتا خطوة وهي ثلاثمائة ذراع، وعرضه من القبلة إلى الجوف مائتا ذراع. وعدد شمسيات الزجاج الملونة التي فيه أربع وسبعون، وبلاطاته ثلاثة مستطيلة من الشرق إلى الغرب، سعة كل بلاط منها ثمان عشرة خطوة، وقد قامت على أربع وخمسين سارية وثماني أرجل حصية تتخللها، وست أرجل مرخمة مرصعة بالرخام الملون قد صور فيها أشكال محاريب وسواها. وهي تقل قبة الرصاص التي أمام المحراب المسماة "قبة النسر" كأنهم شبهوا المسجد نسرا طائرا والقبة رأسه. وهي من أعجب مباني الدنيا، ومن أية جهة استقبلت المدينة بدت قبة النسر ذاهبة في الهواء منيفة على جميع مباني البلد".

                                                                                                                              ص 53 المصدر نفسه

  ثم يصف الصحن وقبابه الثلاث، ومشهد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، والمقصورة العظمى ومحراب الصحابة رضوان الله عليهم. ومآذنه الثلاث، وأبوابه الأربعة ومشاهد هامة أخرى من المسجد .

  ونستنبط من هذا النص الذي اقتطفناه أهمية هذا النوع من الوصف في أنه يحفظ للتاريخ الآثار التي عفا عليها الزمان لأنه يتميز بالدقة في حديثه عن الأبعاد.

  وقد رأينا أن الكاتب وصف لنا المسجد في حدود منتصف القرن الثامن الهجري، فحدد موقعه، وعمره، وفي أي عصر بني، ثم تحدث عن أبعاده ومميزاته الجمالية وهي الزخرفة بالفسيفساء واستعمال شمسيات الزجاج الملونة... الخ

  وقد حفظ لنا هذا النوع من الوصف بعض الآثار المنقرضة كقصر اللؤلؤة الحمادي في بجاية والذي أصبح أثرا بعد عين. ويستخدم هذا الوصف الآن لبيان أهمية المعالم التاريخية والأثرية بالنسبة إلى المواطنين، ولتشجيع السياحة بالنسبة إلى الأجانب.

وصف قصر الحمراء:

  وهذا وصف آخر اقتطعناه من وصف قصر الحمراء بغرناطة للكاتب مصطفى فروخ، ويصف فيه ردهة الاستراحة:

  "وأخيرا دخلت ردهة الاستراحة. هي حجرة صغيرة مربعة الشكل لا يزيد طولها عن خمسة أمتار، فيها إيوانان متقابلان يبلغ طول الإيوان نحو مترين، وهو ذو قنطرتين على عمود واحد، وجدرانها كلها من الفسيفساء الباهرة. هنا كان الملك والملكة يأويان لتناول المرطبات، وسماع شيء من الموسيقى بعد الحمام. وفي وسط القاعة فوارة بسيطة ولكنها كالنور من العين. وقد بني في أعلى الحجرة شرفة أعدت للمغنين والعازفين وكانوا عميانا كيلا يروا نساء الأمير.

  إنما إذا قلت إن هذه الحجرة لا تزيد عن العشرين مترا فيجب أن لا نستخف بها، ومن الخطأ تسميتها غرفة لأنها جوهرة ثمينة نادرة، بل هي درة من القلادة الرائعة التي يتحلى بها جيد الحمراء.

  إذا نظر المرء إلى هذه المقصورة، ارتفع حالا إلى الملأ الأعلى، وانسلخ عن كل مادة. هو لا يرى غرفة ولا حجرة ولا أي شيء آخر من مسميات هذا العالم، بل يرى أطيافا نورانية تحف به و تنشد أغنية علوية أوحاها جمال الفن، فإذا المرء يشعر أنه مع أناس آخرين في بيئة جديدة بين أحلام وآمال، بين لطف وأناقة ينشد شعرا وينشق غراما".

                                                                                                  مصطفى فروخ (رحلة إلى بلاد المجد المفقود)

                                                                                                  مأخوذ من مناهج القراءة والأدب- الجزء الأول

ومن نافلة القول أن هذا النوع من الوصف يمزج بين الأسلوبين العلمي والأدبي يمتع القارئ ويريه جمال الأمكنة وجلالها.

تمرين:

1 ـ اختر كتابا من كتب الرحلات من مكتبة مدرستك، وانتق منه نصا في وصف الأمكنة.

2 ـ صف مسجدا أثريا في منطقتك مبينا موقعه، وشكلـه من الداخل والخارج، وطراز وتاريخ بنائه، وأهم مميزاته الجمالية والأثر الذي تركه فيك، أو صف مسجدا في حيك أو قريتك.

3 ـ صف أحد القصور القديمة في منطقتك مستعملا الطريقة نفسها.       

الوصف الروائي:

  أما النوع الثاني من الوصف فهو المتصل بساكنيه، وهذا ما نجده كثيرا في الرواية، وهو وصف إبداعي لا يعتمد على تلك العناصر التي رأيناها في الوصف النقلي، وليس له مخطط منظم، فهو يأخذ من العناصر السابقة ويضيف إليها من روح ساكني المكان وميولهم وأذواقهم، ما يجعل المكان جزءا لا يتجزأ منهم وهذا مثال:

الدار الكبيرة ( الطيب صالح ):       

  "هذه الدار الكبيرة ليست من الحجر ولا الطوب الأحمر، ولكنها من الطين نفسه الذي يزرع فيه القمح، قائمة على طرف الحقل تماما، تكوّن امتدادا له. وهذا واضح من شجيرات الطلح والسنط النامية في فناء الدار والنباتات التي نمت في الحيطان نفسها حيث تسرب إليها الماء من الأرض المزروعة. وهي دار فوضى قائمة دون نظام، اكتسبت هيئتها هذه على مدى أعوام طويلة. غرف كثيرة مختلفة الأحجام، بنيت بعضها في أوقات مختلفة، إما حسب الحاجة إليها، أو لأن جدي توفر له شيء من المال لم يجد وسيلة أخرى ينفقه فيها. غرف يؤدي بعضها إلى بعض، بعضها لها ابواب وطيئة لابد أن تنحني كي تدخلها، وبعضها ليست لها أبواب إطلاقا، بعضها لها نوافذ كثيرة، وبعضها ليست لها نوافذ، حيطانها ملساء مطلية بمادة هي خليط من الرمل الخشن والطين الأسود وزبالة البهائم، وكذلك السطوح والأسقف من جذوع النخل وخشب السنط وجريد النخيل. دار متاهة، باردة في الصيف، دافئة في الشتاء، إذا نظرت إليها من الخارج دون عطف، أحسست بها كيانا هشا لن يقوى على البقاء، ولكنها تغالب الزمن بشيء كالمعجزة".

                                                                                                               موسم الهجرة إلى الشمال ص 84

المكان مرآة السكان:

  لئن كان النوع الأول من الوصف وصفاً حقيقياً للمكان، فإن الوصف الذي بين أيدينا هو وصف للسكان من خلال المكان. إنها دار في قرية سودانية وصف لنا الكاتب موقعها على طرف الحقل، ووصف لنا المواد الأولية التي بنيت منها الدار، ولكنه لم يأبه بدقة الوصف، ولا بطول الدار وعرضها وارتفاعها، ولكنه رسم لنا لوحة عن هذه الدار القائمة على التلقائية والحاجة لا على التخطيط الهندسي.

  إنها الدار الكبيرة التي تجمع الجد وأولاده وأحفاده، فكلما تزوج ولد، أضيفت إليها غرفة أو غرف، أو كلما توفر له المال. ومع أنها ليست من "الحجر ولا الطوب الأحمر" بل من "الطين" فهي "تغالب الزمن بشيء كالمعجزة رغم إحساس من ينظر إليها دون عطف" بأنها لن تقوى على البقاء".

  إنها تمثل الأصالة والتراث: أصالة الجد، وأصالة الريف السوداني، هي امتداد للحقل، وامتداد لعقلية الجد وإرثه عن أجداده، فيها أهم مميزات الدار الجيدة: باردة في الصيف دافئة في الشتاء، لا ينقصها إلا القليل من التنظيم.

الدار الرمز:

  إن الدار هنا لا تمثل جده فحسب بل تمثل تراث السودان العريق في مواجهة الواقع المعيش. تراث يحتاج إلى عصرنة، إلى عناية أكبر وتنظيم أكثر، تخطيط وبعد عن الارتجال في البناء والتطور، و "الذين ينظرون إليها دون عطف" هم من ينكرون هذا التراث أو يحتقرونه.

  الفرق الأول بين الوصفين إذاً هو الغرض من الوصف، فغرض الوصف الحقيقي هو إظهار عظمة البناء وجماله، لذلك كان لا بد من دقته والاهتمام بالتفاصيل وغرض هذا الوصف الروائي، إظهار حالة سكان هذه الدار ومن خلالهم حالة السودان  كلها، فليس المهم دقة وصف البناء.

ولنحاول بعد هذا استنباط بعض قواعد وصف المكان في الرواية. لنبدأ بأصغر وحدة من وحدات وصف المكان وهي الغرفة.

وصف الغرفة:

  وهي بالنسبة إلى كثير من العائلات والناس الدار التي يسكنونها، فكثير من السكان في العالم يسكنون غرفة واحدة، وبالنسبة إلى بعضهم الآخر، جزء من الدار التي تحتوي على عدد من الغرف تزيد أو تنقص حسب عدد من يقطنون فيها، أو حسب مستواهم الاجتماعي. وعادة ما تحتوي الدار على غرفة الجلوس، وغرفة أو غرف النوم وغرفة الاستقبال وغرفة المكتبة، والمطبخ والحمام  دورة المياه.

  وأهم ما يلفت النظر في الغرفة هو موقعها في الدار، ثم اتساعها أو ضيقها وحالة أرضها وجدرانها وسقفها من الجدة والقدم ونوع البلاط المستعمل في الأرض، والطلاء المستعمل في الجدران إن كان زيتيا أو عاديا، وسقفها إن كان مزخرفا، أو بسيطا... الخ .

الأثاث:

   قلنا إن الغرف تتشابه في العمارة الواحدة حين تكون فارغة، ولكن نوع الأثاث وترتيبه في المنزل، ونوع الستائر المستعملة، واللوحات المعلقة على الجدران، والأشياء الموضوعة للاستعمال أو الزينة هي التي تنبئنا عن أصحابها، عن مستواهم المادي والثقافي، عن ذوقهم ونظافتهم وأناقتهم، أو قذارتهم وإهمالهم. فهناك فرق بين فرش الأرض بالسجاد أو فرشها بالحصيرة، والإنارة بالثريات أو بالمصباح أو بزيت الكيروسين. وهناك فرق بين الأثاث الجديد الفاخر والأثات البالي، واللوحات الفنية المعلقة على الجدران أو تزيينها بعلب الكبريت. ولكن الترتيب والنظافة والأناقة لا دخل لها بالغنى والفقر، فكثيرا ما نرى ونلمس الذوق الرفيع في غرف الفقراء، ونرى الفوضى والقذارة وانعدام الذوق لدى من اغتنوا فجأة، دون أن يكون لهم من تربيتهم ما يجعلهم يتماشون مع المستوى الحضاري الذي يعيشون فيه.

  تنبئنا محتويات الغرفة أيضا عن المستوى الثقافي لسكانها عن طريق الكتب أو الكتاب الموضوع قرب السرير مثلا إن كان كتابا مدرسيا أو جامعيا، أو فلسفيا أو شعريا، أو رواية بوليسية، أو كتبا متخصصة في الطب أو الزراعة، أو كتابا أو مجلة محتشمة أو غير محتشمة، كما تنبئنا عن مهنة ساكنها أو هوايته فوجود آلة أو آلات موسيقية في الغرفة تنبئ عن صاحبها، وكذلك وجود أداة أو أدوات رياضية أو معلقات على الحائط للأبطال الرياضيين أو المغنين أو الموسيقيين. وهكذا، فحين  ندخل إلى غرفة ما، تخاطبنا وتبوح لنا بمكنوناتها سواء أكانت غرفة منفردة أو غرفة جلوس أو غرفة نوم أو مطبخ الخ..

وهذه بعض الأمثلة:

1 ـ الصالة أو حجرة الجلوس (نجيب محفوظ):

  "واجتمعت الأسرة، ماعدا الأب، قبيل المغيب فيما يعرف بينها بمجلس القهوة. وكانت الصالة بالدور الأول مكانه المختار حيث تحيط بها حجرات نوم الإخوة والاستقبال ورابعة صغيرة أعدت للدرس. وقد فرشت الصالة بالحصر الملونة وقامت في أركانها الكنبات ذوات المساند والوسائد. وتدلى من سقفها فانوس كبير يشعله مصباح غازي في مثل حجمه. وكانت الأم تجلس على كنبة وسيطة بين يديها مدفأة كبيرة دفنت كنجة القهوة حتى النصف في جمرتها التي يعلوها الرماد، وإلى يمينها خوان وضعت عليه صينية صفراء صفت عليها الفناجين. يجلس الأبناء حيالها سواء من يؤذن له باحتساء القهوة معها كياسين وفهمي ومن لا يؤذن  له بحكم التقاليد والآداب فيقنع بالسمر كالشقيقتين وكمال".

                                                                                                                        بين القصرين (1)  ص 59

تعليق:

ماذا نستنبط من هذا الوصف؟

1 ـ حدّد لنا الكاتب موقع الصالة بالدور الأول.

2 ـ  تحدث عن زمن الوصف "قبل المغيب".

3- حدّد لنا مكانها بين الغرف: "كانت محاطة بأربعة غرف للنوم والاستقبال والدرس، لذلك نخمن بأنها بلا نوافذ. من أجل ذلك كانت الإنارة ضرورية رغم أن الشمس لم تغب بعد: "وتدلى من سقفها فانوس كبير يشعله مصباح غازي في مثل حجمه".

4 ـ فرشها وأثاثها ينبئنا باتساعها "وقد فرشت بالحصر الملونة، وقامت في أركانها الكنبات ذات المساند والوسائد" .

5 ـ الاجتماع فيها يوميا لشرب القهوة يدل على العادات والتقاليد.

6 ـ وصف الغرفة وما حولها يوحي بغنى أصحابها.

  ولكننا مع ذلك لا نستطيع أن نعرف ذوق أصحابها في ألوان الحصر والجدران والكنبات، فالكاتب لم يهتم بهذه التفاصيل ولم يهتم بتحديد الأشكال والألوان. وإذن فقد حدد لنا الكاتب في هذا الوصف الموقع وزمن الوصف والإنارة والأثاث وأوحى لنا باتساع الغرفة وغنى أصحابها وأعلمنا بتقاليد الأسرة وتآلف أفرادها في اجتماعهم اليومي لشرب القهوة.

  ولا شك أن وصف الحجرة أثناء وجود الأسرة فيها، أضفى نوعا من الحياة والحركة على الوصف، فالغرفة ليست جامدة باردة بل نحس فيها بدفء الأسرة.

2 ـ حجرة الضيوف (عبد الحميد بن هدوقة):

  "حجرة الضيوف دائما خارجية فى القرى، وكذلك كانت الحجرة التي تناول المعلم فيها طعام العشاء. كان الفراش حصيرا من حلفاء، وحنبلا قديما من صوف، ومسندا في زاوية البيت بردعة بغل ومحراث عتيق من خشب. في الحائط الأيسر وتد معلقة به سكة حراثة، وفي الحائط الأيمن ضربت لوحة صغيرة، فوقها مشكاة غاز زجاجية اسودت قصبتها فكان نورها خافتا باهتا. ليس هناك ما يعكس ذلك الضوء القليل، حتى الحيطان شهباء دكناء مرشوشة بجبس محلي، أما السقف فهو عيدان مبنية من شجر العرعر تلحفت بثوب كثيف من الأدخنة المتصاعدة إليها. عندما توقد النار أيام القر وعلى ذلك النور الخافت الباهت كانت الأيدى تمتد إلى الكسكسي الموضوع في مثرد (صحن) من خشب".

                                                                                                                                 نهاية الأمس ص 22

تعليق:

  نلاحظ أن الكاتب حدد لنا موقع الغرفة "خارجية"، وزمن الوصف "طعام العشاء"، وبين لنا نوع الإنارة وهي "مشكاة غاز زجاجية". أما الأثاث فهو حصير من حلفاء وحنبل قديم من صوف وكل ذلك يوحي بفقر صاحبها ورقة حاله. أما بردعة البغل والمحراث العتيق من الخشب الموضوعان في زاوية البيت، والسكة المعلقة على الحائط، فتدل على أن صاحب البيت الفلاح ليس لديه سعة في المكان فوضع هذه الأشياء في حجرة الضيوف. وهذا ليس مكانها الطبيعي لو كان ميسور الحال، ويؤكد هذا لون الجدران الدكناء المرشوشة بالجبس المحلي، ونوع المادة التى بني منها السقف: "عيدان من شجر العرعر ". وأما سعة  الغرفة فيبدو أنها متوسطة السعة ما دامت البردعة والمحراث موضوعان في إحدى زواياها، وقد وصفها لنا الكاتب اثناء تناول المعلم طعام العشاء فيها مع مضيفه ليضفي الحياة والحركة على الوصف الجامد للغرفة.

  بماذا يشترك هذان الوصفان؟ يشتركان في تحديد موقع الغرفة، وزمن وصفها والإنارة فيها، ووصف عام للأثاث يوحي بأن أصحاب الحجرة الأولى من ميسوري الحال في المدينة، وأصحاب الحجرة الثانية من رقيقي الحال في الريف. والأولى أوسع من الثانية وكلاهما نجد فيه عادة وتقليدا: مجلس القهوة اليومي للعائلة في المدينة، وإطعام الضيوف في حجرة خاصة بهم في الريف.

  ولننتقل هذه المرة إلى كوبا لنرى الصياد الشيخ "سانتياغو" بطل همنغواي، يدخل إلى كوخه عائدا من الصيد مع غلام يساعده قبل غروب الشمس:

3 ـ كوخ الشيخ سانتياغو(همنغواي):

  "وتقدما معا نحو كوخ الشيخ، وولجا بابه المشرع. وأسند الرجل العجوزالسارية وشراعها المطوي إلى الجدار، ووضع الغلام الصندوق وسائر الأدوات إلى جانبها. وكان طول السارية يكاد يبلغ طول الغرفة الوحيدة التي يتألف منها الكوخ، وكان الكوخ مبنيا بتلك المادة الصلبة التي يدعونها "غوانو" GUANO والتي لا تعدو أن تكون سعف النخلة الملكية المتراكم. وكان فيه سرير، وطاولة وكرسي، وكان الطبخ يجري على الفحم في جانب من أرضه القذرة وعلى الجدران السمراء، حيث برزت ههنا وههناك أوراق الـ "غوانو" المذللة المتراكمة ذات النسيج الصلب، كانت صورتان ملونتان: إحداهما تمثل قلب يسوع الأقدس الأخرى تمثل عذراء كوبر. وكانت هاتان الصورتان من آثار زوجته. وذات يوم كان الجدار مزدانا بصورة ملونة لزوجته نفسها، ولكن شعور الشيخ بالوحدة كان يتعاظم كلما نظر إليها، وهكذا نزعها عن الجدار ووضعها على الرف الذي في وسط الغرفة تحت قميصه النظيف".

                                                                                                                         الشيخ والبحر ص 10 ـ 11

تعليــق:

ما الجديد في وصف كوخ الشيخ؟

  لنستعرض ما وصفه الكاتب. حدّد الموقع حين قال: "تقدما نحو كوخ الشيخ"، فالقرية صغيرة والكوخ معروف. وكان الشيخ عائدا من الصيد، وهذا يعني قبل غروب الشمس. وقد دخلنا الكوخ مع الشيخ والغلام فعرفنا طوله، والمادة المبنية منه، كما رأينا ما فيها من الأثاث: "سرير وطاولة وكرسي". وتستعمل الغرفة باعتبارها وحيدة للطبخ أيضا، ولكن الجديد هو الصورتان الملونتان المعلقتان على الجدار: صورة السيد المسيح وصورة عذراء كوبر، إلى جانب صورة زوجته المنزوعة والموضوعة على الرف، فهذه الصور تكشف لنا عن الجانب العاطفي في الشيخ، فإن كان متدينا فهي تكشف عن عاطفته الدينية، وإن لم يكن فهي تكشف عن حبه لزوجته المتوفاة واحتفاظه بآثارها. ومن البديهي أن وصف الكوخ يكشف لنا عن نوع الحياة البسيطة التي يعيشها هذا الصياد العجوز الفقير، ولكن الغرض الأساسي من الوصف هو إبراز وحدة العجوز في شيخوخته، وحتى الحديث عن قذارة أرض الكوخ يؤكد هذه الوحدة. وبالطبع، أضفى وجود الشيخ والغلام الحياة والحيوية على الغرفة فنحن دخلناها معهما.

الخلاصة:

  وتبين لنا هذه الأمثلة الثلاثة أن الكتاب لم يهتموا بالوصف الدقيق للغرف فلم يصف لنا أحدهم الباب أو أشار إلى وجود نافذة، ومن الطبيعي أن تكون في الكوخ وفي حجرة الضيف نافذة، ولكن هذا لا يهم، فلا وظيفة لها في هذه الأمثلة، كما أوحى إلينا الكتاب بسعة الغرف بما تحتويه من أثاث أو بمقارنتها بطول السارية، ولم يذكروا لنا المساحة والعرض والطول. وذكروا زمن الوصف لأن وصفها في الليل يختلف عن وصفها في النهار، وتختلف تبعا لذلك الأضواء والظلال. واختار كل منهم عنصرا ركز عليه، ففي حين ركز محفوظ على نوعية الأثاث الموحية بغنى عائلة السيد عبد الجواد، ركز ابن هدوقة على حالة الجدران والمواد التي بني منها السقف، ولم يغفل نوع الأثاث ليظهر فقر صاحبها، بينما ركز همنغواي على الصور الثلاث ليبرز الجانب العاطفي عند الشيخ وشعوره الشديد بالوحدة، ولم يغفل الجانب الذي يظهر فقره ورقة حاله. واهتم الثلاثة بوجود العنصر الإنساني في لوحاتهم، وفي وصفهم لهذه الغرف لإضفاء الحيوية والحركة على هذا الوصف.

  وهذه الغرف الثلاث رأيناها بعين الكاتب، ولكن الكاتب أحيانا يرينا المكان بعين إحدى شخصياته، وهذا مثال لفيكتور هيغو يرينا غرفة من الخارج، ومن خلال زجاج النافدة، كما يراها بطله جان فالجان:

4 ـ الغرفة الحلم(فيكتور هيغو):

  "ومضى إلى شارع صغير حافل بالجنائن، كان بعضها مسورا بأسيجة ليس غير فهي تبهج الشارع. وبين تلك الحدائق بصر ببيت صغير جميل ذي دور واحد ينبعث من نافذته نور. وحدّق من خلال الزجاج، فرأى غرفة رحبة بيضت بماء الكلس، تحتوي على سرير مجلل بالشيت المطبوع، ومهد قائم في الزواية، وبضعة كراسي خشبية، وبندقية ذات أسطوانتين معلقة على الجدار. وكانت في وسط تلك الغرفة طاولة، وكان مصباح نحاسي يضيء غطاء الطاولة الأبيض الخشن. والتمع إبريق صفيحي مترع بالخمر وكأنه الفضة، وتصاعد البخار من صحن الشورباء الأسمر. وإلى هذه المائدة كان يجلس رجل في نحو الأربعين بهيج الفؤاد منطلق الأسارير، يلاعب على ركبتيه طفلا صغيرا، وغير بعيد منه كانت امرأة شابة ترضع طفلا آخر، كان الوالد يضحك، وكان الولد يضحك، وكانت الأم تبتسم".

                                                                                                                                 البؤساء (1) ص 116

تعليـــــق:

  لقد حدد لنا الكاتب موقع الغرفة، وحدد لنا الزمن من خلال النور المنبعث منها ووصف الأثاث والأشخاص الموجودين فيها، ولكن ما غرض هذا الوصف؟

  حين دخل جان فالجان قبل المغيب بساعة مدينة "د" كان مسافرا على قدميه، ودفعت هيئة ثيابه البالية، ومظهره البائس سكان المدينة الصغيرة إلى القلق، وقد "أضاف العرق والحرارة والسير الطويل والغبار قذارة تمتنع عن الوصف إلى هذا المظهر الخرب". (راجع وصف حالته في "الوصف الخارجي ". وقد أغلقت المطاعم والحانات والفنادق والبيوت أبوابها دونه، وفجأة رأى هذا البيت الصغير بين الحدائق ورآه من النافذة الخارجية لا من الداخل، فماذا رأى؟ كان جان فالجان متعبا يحلم بالراحة فرأى السرير والمقاعد الخشبية، وكان طريدا منبوذا فرأى البندقية التي تنذر كل من تسول له نفسه بالتعدي، فهذا حرم مأمون ومصون بقوة السلاح. وكان جائعا فرأى تصاعد البخار من صحن الشورباء الأسمر. وكان ظمآنا فرأى الإبريق الصفيحي مترعا بالخمر وكأنه الفضة. وكان وحيدا تعيسا دون أسرة، فرأى رجلا في الأربعين أبا لطفلين، يقاربه في السن ويمكن أن يكون هو، "بهيج الفؤاد منطلق الأسارير يلاعب على ركبيته طفلا صغيرا، والمرأة ترضع طفلا آخر.

  وكان قذرا في مظهره رث الهندام فرأى بيتا كل ما فيه يلمع من النظافة والذوق، الغرفة الرحبة "بيضت بماء الكلس"، والسرير "مجلل بالشيت المطبوع"، والمصباح النحاسي "يضيء غطاء الطاولة الأبيض الخشن". وكان كئيبا دون أسرة فرأى أسرة سعيدة فيها "الوالد يضحك والولد يضحك والأم تبتسم".

  إنه البيت الحلم، لقد رأى كل ما ينقصه وكل ما يحلم به؛ المأوى الذي تتوفر فيه الراحة والأمن والشبع والارتواء والنظافة والذوق ودفء الأسرة وبهجتها. وكانت وظيفة هذا الوصف وغرضه إظهار مشاعر جان فالجان المحروم من هذه الأشياء وشدة حاجته إليها، وإبراز التناقض بين حالته وحالة صاحب الكوخ. وربما كانت هناك أشياء أخرى في الغرفة، ولكنه لم يرها لأنها لا تمت بصلة إلى حالته. والفرق واضح بين هذا الوصف وما قبله، ففي النص الأول رأينا كوخ الشيخ بعين الكاتب، أما في الثاني فنحن نرى الغرفة بعين جان فالجان.

  إنه وصف عادي لبيت حدّد فيه الكاتب الموقع وزمن الوصف واستعمل الأشكال والألوان والأضواء في وصفه مع وجود العنصر الإنساني بالطبع. ولكن الغرض منه كان تعريفنا بحالة البطل من خلال التناقض بينها وبين حالة أهل البيت الذي لن نراه ولن نرى أصحابه في الرواية لاحقاً بعد أن أدى وظيفته، كانعكاس وتجسيد لحلم البطل.

  وهذا مثال آخر لدوستويفسكي، نرى فيه غرفة بطله راسكولينكوف بعين راسكولينكوف نفسه:

5 ـ الغرفة الضيقة (دوستويفسكي):

  "أفاق راسكولينكوف متأخرا، بعد نوم مضطرب لم يرحه أبدا. لقد أفاق سوداوي المزاج، عصبيا، غير سوي، ورمى نظرة اشمئزاز إلى غرفته، فإذا هي قفص صغير يبلغ طوله ست خطوات. وإذا بمظهرها كأبشع ما يكون، وكذلك وريقات جدارها الهزيلة الصفراء التي التصق الغبار على جميع جوانبها.

  لقد كان سقفها واطئا إلى حد أنه يوحي إلى الشخص الطويل القامة شعورا مزعجا بأن رأسه سيصطدم به. أما أثاث الغرفة فقد كان منسجما مع مظهرها: ثلاثة مقاعد عتيقة متهدمة، وطاولة من الخشب المدهون، كان قد وضع فوقها الدفاتر والكتب التي كان الغبار يعلوها فيبين، بما فيه الكفاية، أنه لم تمتد إليها يد منذ زمن طويل، وأخيرا أريكة كبيرة، نصبت في الفسحة الممتدة بين وسط الغرفة والحائط، وقد كانت مغطاة بقماش هندي، فيما مضى، أما الآن، فبقماش ممزق، كما أن راسكولينكوف يستعملها عوضا من السرير، وكان كثيرا ما ينام فوقها وهو يرتدي جميع ملابسه، بدون أن يضع عليها أي غطاء، فقد كان يتغطى بمعطفه الذي يحتفظ به منذ أيام الطلب. أما وسادته، فكانت عبارة عن كيس صغير محشو بأنواع الألبسة الداخلية القذرة أو النظيفة، بحسب الحاجة، لأنه كان مفتقرا إلى وسادة حقيقية. وأمام سريره هذا، كانت ثمة منضدة صغيرة".

                                                                                                                      الجريمة والعقاب (1)ص 42

تعليق:

  وصف الغرفة عادي فهي غرفة ضيقة، نراها في التاسعة أو العاشرة صباحا، فراسكولينكوف أفاق "متأخرا". وأثاثها هو أثاث أي غرفة يسكنها طالب فقير، واستعمل الكاتب في وصفها الأشكال والألوان، فما الغرض يا ترى من هذا الوصف؟

  نحن لا نرى الغرفة بعين الكاتب ولكن بعين ساكنها راسكولينكوف، وهو ينظر إليها نظرة اشمئزاز لأنها تمثل واقعه التعيس الذي يحلم بالتخلص منه، ونظرته إلى الغرفة الآن التي يرى مظهرها كأبشع ما يكون، تحفزه على تغيير هذا الوضع، فالغرفة الضيقة هي "قفص صغير" يمثل حالته، فهو يشعر بأنه سجين مقيد الحركة. أما أثاثها فيمثل حالته المادية المتدهورة: فالمقاعد عتيقة متهدمة، والأريكة بقماشها الممزق تستعمل كسرير وليس لديه غطاء ولا وسادة، فهو يتغطى بمعطفه ويتوسد كيسا محشوا بألبسته.

  أما الدفاتر والكتب التي علاها الغبار، فتوحي بأنه انقطع منذ فترة طويلة عن الدراسة والمطالعة، إلى جانب أنه لا أحد يعنى بنظافة الغرفة وإزالة الغبار المتراكم على وريقات جدارها الهزيلة الصفراء.

  وليست الغرفة انعكاسا لحالته المادية المتدهورة فحسب بل لحالته النفسية من الإهمال واللامبالاة والقذارة.

  وكان يمكن للكاتب أن يصف لنا الغرفة، ولكنه وصفها بعين راسكولينكوف الذي ينظر إليها باشمئزاز لأنها تمثل واقعه المرير الذي يرفضه بشدة ويثور عليه ويريد أن يغيره بأي طريقة. إننا ننفذ من خلال ذلك إلى أعماق راسكولينكوف ونعرف ما يدور برأسه ويهيئنا الكاتب في هذا النص لنعرف بعض دوافع راسكولينكوف في الحدث الكبير الذي سيجري فيما بعد وهو قتله المرابية العجوز وسرقة أموالها.

وهذا وصف لغرفة المكتبة:

6 ـ مكتبة مصطفى سعيد (الطيب صالح):

  "ها أنذا أقف الآن في دار مصطفى سعيد أمام باب الحديد، باب الغرفة المثلثة السقف الخضراء النوافذ. أدرت المفتاح في الباب فانفتح دون مشقة. استقبلتني رطوبة من الداخل... الخ"

  "الحيطان الأربعة من الأرض حتى السقف. رفوف رفوف، كتب كتب كتب. أشعلت سيجارة وملأت رئتي بالرائحة الغريبة".

  ورفعت المصباح فإذا أرضية الغرفة كلها مغطاة بأبسطة فارسية، ورأيت أن الحائط المقابل للباب ينتهي بفراغ، ذهبت إليه والمصباح في يدي فإذا هو ... ياللحماقة، مدفأة تصوروا مدفأة إنكليزية بكامل هيئتها وعدتها، فوقها مظلة من النحاس وأمامها مربع مبلط بالرخام الأخضر، ورف المدفأة من رخام أزرق وعلى جانبي المدفأة كرسيان فيكتوريان مكسوان بقماش من الحرير المشجر، بينهما منضدة مستديرة عليها كتب ودفاتر. ورأيت وجه المرأة التي ابتسمت لي قبل لحظات. لوحة زيتية كبيرة في إطار مذهب على رف المدفأة والتوقيع في الركن "الأيمن" م. سعيد".

"والكتب" على ضوء المصباح أراها مصنفة مرتبة. كتب الاقتصاد والتاريخ والأدب، علم الحيوان، جيولوجيا، رياضات، فلك، دائرة المعارف البريطانية، غيون، ماكولي، طوينبي، أعمال برنارد شو كلها، كينز، توني، سميث روبنسن، اقتصاد، المنافسة غير الكاملة، هبسن، الامبريالية، مقالة عن الاقتصاد الماركسي، علم الاجتماع، علم الأجناس، علم النفس، طوماس هاردي، طوماس مان، اي جي مور، طوماس مور، فرجيينا وولف، وتغنشتاين، اينشتاين، برايولي، ناميير. كتب سمعت بها وكتب لم أسمع بها. دواوين لشعراء لا أعلم بوجودهم. يوميات غردون، رحلات غلفر، كبلنغ، هوسمان، تاريخ الثورة الفرنسية، طوماس كارلايل، محاضرات عن الثورة الفرنسية، لورد اكتن، كتب مجلدة بالجلد، كتب في أغلفة من الورق، كتب قديمة مهلهلة، كتب كأنها خرجت من المطبعة لتوها، مجلدات ضخمة في حجم شواهد القبور، كتب صغيرة مذهبة الحوافي في حجم ورقة الكتشينة، توقيعات، إهداءات، كتب في صناديق، كتب على الكراسي، كتب على الأرض. أية دعابة هذه؟ ماذا يقصد؟ اوون، فورد، ستيفان زفايغ، أي جي براون، لاسكي، هازلت، اليس في أرض العجائب، رانتشاردز، القرآن بالإنكليزية، الإنجيل، غلبرت مري، أفلاطون، اقتصاد الاستعمار: مصطفى سعيد. الاستعمار والاحتكار: مصطفى سعيد، بروسترو وكالبان، الطوطم والتابو، دواتي، لا يوجد كتاب عربي واحد".

                                                                                                               موسم الهجرة إلى الشمال ص 130

تعليق:

  ما الذي يلفت انتباهنا في هذا الوصف؟ هي غرفة مستطيلة، مثلثة السقف خضراء النوافذ. وحدد الكاتب موقعها في دار مصطفى سعيد، واستعمل المصباح لإنارة الغرفة. كل هذا يبدو أمرا عاديا، باعتبار أن طراز البناء الأوروبي قد غزا بلادنا منذ وقت طويل ولكن محتويات الغرفة هي التي تلفت انتباهنا. هي التي تلقي الضوء على هذه الشخصية اللغز، شخصية مطصفى سعيد، فالكتب كلها كتب انجليزية، فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية وحتى القرآن الكريم بالانجليزية. "لا يوجد كتاب عربي واحد"، إنه الاستلاب الحضاري لمثقفي العالم الثالث، الكتب تدل على ثقافة صاحبها، وهناك مؤلفات له بالانجليزية بينها، ولكنها تدل على انبهاره بالغرب لدرجة أنه قطع صلته بالتراث كلية. لا يوجد ما يذكر بالتراث العربي الإسلامي فيما عدا ترجمة القرآن الكريم بالإنجليزية، لا كتب الجاحظ ولا المتبني ولا ابن خلدون ولا ابن رشد وابن سينا ولا كتب الفقه والنحو. وما يدل حقا على هذا الاستلاب والانبهار هو وجود مدفأة انكليزية في بلد حار مثل السودان. إن غرض هذا الوصف هو أن يدخلنا إلى أعماق مصطفى سعيد، وأمثاله، بل إلى أعماق كل مثقف انبهر بشكل أو بآخر بالحضارة الغربية، إلى درجة قطع الصلة بتراثه، فالكتب دائما تشي بأصحابها (إن كانت مقروءة طبعا)، وتنم عن مستوى ثقافتهم وذوقهم، واهتماماتهم، واللغات التي يتقنونها، والفنون التي يحبونها، والهوايات التي يمارسونها.

  ورغم أننا دخلنا الغرفة مع الكاتب وحده،  لكننا نجد مصطفى سعيد حاضرا في كل زواية فيها، في كل كتاب وفي كل لوحة، ناهيك عن أسماء العباقرة العظام الذين نستحضر أعمالهم كلما ذكروا، وهو ما أضفى على النص حيوية خاصة قل أن نشعر بمثلها إلا في مكتبة كهذه.

ونقف عند هذا الحد لنستخلص بعض القواعد التي يستعلمها الكتاب في وصف الغرفة:

1 ـ تحديد موقعها: إن كانت في الطابق العلوي أو السفلي من الدار، في الجهة اليمنى أواليسرى، مطلة على الشارع أو على البحر... الخ

2 ـ زمن الوصف: فالشمس تضيء المكان في النهار، ولابد من الإضاءة في الليل، لذلك كان زمن الوصف مهما.

3 ـ الانتقال في الوصف من العام إلى الخاص أو من الخاص إلى العام مع الإشارة إلى:

أ ـ حجم الغرفة وشكلها وسعتها: وليس من الضروري كما رأينا إعطاء أبعاد دقيقة بل بالتقريب، وبصورة غير مباشرة.

ب ـ أرضها وجدرانها وسقفها وحالتها من جدة وقدم وطلاء، ورسوم ولوحات...الخ

ج ـ الأثاث: نوعــه، وحالته.

4 ـ الحضور الإنساني: وهو يضفي حيوية خاصة على وصف المكان، ويجعل اللوحة الجامدة مليئة بالحركة.

5 ـ استعمال عناصر الوصف الخارجي: حيث لابد لوصف هذه العناصر الخمسة من استعمال الأشكال والألوان والأضواء والظلال والملموسات وفي بعض الأحيان الروائح.

6 ـ الغرض من الوصف: وهو أهم عنصر في هذه العناصر، وهو الذي يحدد ما نأخذه وما نتركه منها، وما نركز عليه ونفصل فيه، و ما نجمله أو نهمله. والغرض من الوصف كما رأينا يتعلق بساكن المكان: حالته المادية من غنى أو فقر، أو حالته النفسية، أو بيان ميوله العاطفية، أو السياسية أو الدينية أو هواياته الرياضية أو الموسيقية أو الثقافية الخ..

ومن نافلة القول أن الوصاف الدقيق يستطيع بحديثه عن محتويات الغرفة وحالتها وجدرانها والمعلقات عليها أن ينبئنا عن صاحبها: جنسه: ذكر أم أنثى، عمره بالتقريب، ذوقه، نظافته أو قذارته، مستوى ثقافته، ميوله وهوايته، دون أن يذكر ذلك صراحة.

7 ـ التعاطف مع المكان: تعاطف القارئ مع المكان ينبع في الحقيقة من التعاطف مع ساكنيه، فالأرواح التي تخفق في البيت هي التي تحببه لنا حتى و إن كان كوخا أو تنفرنا منه وإن كان قصرا مصداقا لقول الشاعرة ميْسون:

لبَيْتٌ تخفقُ الأرواحُ فيهِ                 أحبُّ إليَّ من قصرٍ منيفِ

  ومن خلال وصف الكاتب نستطيع أن نحب المكان أو نكرهه، من خلال شعورنا تجاه أصحابه. فنحن ولا شك استأنسنا بغرفة جلوس عائلة السيد أحمد عبد الجواد، وكذلك بحجرة الضيوف الريفية رغم ما بينهما من فرق لتعاطفنا مع أصحابها، وكذلك شعرنا بألفة تجاه كوخ الشيخ لأننا تعاطفنا مع صاحبه تعاطف إشفاق. وكان شعورنا تجاه الغرفة التي رآها "جان فالجان" هو شعور إنساني تجاه هذه الأسرة لأننا لا نعرفها، وشعور بالإشفاق على "جان فالجان". أما غرفة راسكولينكوف فنحن نشعر نحوها بالنفور لضيقها وقبحها، وأما المكتبة فشعورنا نحوها شعور متناقض ومعقد هو نفسه شعورنا نحو صاحبها ونحن حتما لا نكرهها بل نقدر ما تحتوي عليه من قيم ثقافية وحضارية، ولكننا نشعر بالاجحاف لأننا لا نجد فيها شيئا من تراثنا.

تمرين:

  إقرأ النص الآتي للطيب صالح يصف فيه "قاعة الاستقلال" التي أقيم فيها مؤتمر وزراء التعليم في الخرطوم وأجب عن الأسئلة التي تليه:

  "لن يصدق محجوب أنهم تدارسوا تسعة أيام في مصير التعليم في إفريقيا في "قاعة الاستقلال" التي بنيت لهذا الغرض، وكلفت أكثر من مليون جنيه. صرح من الحجر والإسمنت والرخام والزجاج، مستديرة كاملة الاستدارة، وضع تصميمها في لندن. ردهاتها من رخام أبيض جلب من إيطاليا، وزجاج النوافد ملون، قطع صغيرة مصفوفة بمهارة في شبكة من خشب التيك. أرضية القاعة مفروشة بسجاجيد عجمية فاخرة، والسقف على شكل قبة مطلية بماء الذهب، تتدلى من جوانبها شمعدانات كل واحد منها بحجم الجمل العظيم. المنصة حيث تعاقب وزراء التعليم في إفريقيا طوال تسعة أيام، من رخام أحمر كالذي في قبر نابليون في "الأنفاليد"، وسطحها أملس لماع من خشب الأبنوس. على الحيطان لوحات زيتية، وقبالة المدخل خريطة واسعة لإفريقيا من المرمر الملون كل قطر بلون".

                                                                                                             موسم الهجرة إلى الشمال ص 117

الأسئلة:

1 ـ ماعناصر الوصف الخارجي التي استخدمها الكاتب في وصفه؟ استخرجها وبينها.

2 ـ ما القواعد التي استخدمها في وصف المكان؟

3 ـ ما غرض هذا الوصف في نظرك؟ وهل له علاقة بالاستقلال، وبالتعليم؟ وضح.

4 ـ هل ترى ممارسات مشابهة لهذه فيما حولك؟ وما أسبابها في نظرك؟

5 ـ هل تعاطفت مع هذا المكان أم لا ؟ علل رأيك.

تمرين 2:

  إقرأ النصوص الآتية وبين ما تخبرك هذه الغرف عن أصحابها؟

1 ـ مطبخ دار السبيطار(محمد ديب):

  "كان مطبخ الطابق حجرة كبيرة جدرانها سود، وأرضها بلاط كبير تتراكم عليه أشياء كثيرة من كل نوع. وليس لها باب، إن ضوءا ضعيفا خائفا يدخل إلى الحجرة. أما البرد فهو ههنا قاتل".

                                                                                                              الدار الكبيرة: الحريق: النول ص 32

2 ـ غرفة طعام الأمير أندريه(تولستوي):

  "ودخلا غرفة الطعام الأنيقة التي أعدت إعدادا فيه كثير من البذخ، وجددت تجديدا تاما. إن كل شيء في غرفة الطعام هذه، من الأطباق إلى الفضيات، ومن الأواني إلى الكريستاليات، تحمل ذلك الطابع الخاص من الجدة، الذي يراه المرء في بيوت العرائس".

                                                                                                                        الحرب والسلم (1) ص 102

3 ـ غرفة العجوز آلونا إيفانوفنا( دوستويفسكي) :

  "وفي إحدى الزوايا كان ثمة سُرَيْج مضاء أمام أيقونة صغيرة، وكان كل شيء نظيفا في الغرفة، فأثاثها والأخشاب التي تبلط أرضها، قد طليت بالشمع، وبدت لامعة بحيث أنه لم يكن يمكن التفكير بأن في المسكن كله ذرة غبار".

                                                                                                                       الجريمة والعقاب (1)  ص 12

4 ـ غرفة سيمونس(هيمنغواي):

  "كانت الغرفة واسعة، ذات سرير واحد، مثبت في أحد الزوايا، بينما صفت في الجهة المقابلة طاولة صغيرة وكرسيان وجهاز بيانو ثم خزانة ملابس صغيرة".

                                                                                                                        وداعا أيها السلاح ص 175

5 ـ غرفة مارميلادوف(دوستويفسكي):

  "كل ما في تلك الغرفة كان متناثرا، فالفوضى تعمها، وترى في جنباتها الأردية، وملابس الأطفال، وقد نشر في إحدى زوايا تلك الغرفة دثار قديم، مليء بالثقوب، يخفي وراءه سريرا ولا شك".

                                                                                                                       الجريمة والعقاب (1) ص 37

6 ـ الغرفة الطيارة(إلفة الإدلبي):

  "وتروح تصعد الدرج إلى الغرفة الوحيدة في الطابق الثالث وكانوا يسمونها "الطيارة". كنت أعرف أن عمتي تحب هذه الغرفة أكثر من أي مكان آخر في البيت، لقد وضعت فيها خزانتها، ومكتبتها وصندوقها المقفل دائما، وطالما قالت لي عندما كنت أزورها:

  ـ كم أحب أن أنام في هذه الطيارة، ليس أمتع من النوم فيها. إنها دافئة أيام الشتاء، في أيام الصحو لا تفارقها الشمس من الصباح إلى المساء، وباردة أيام الصيف، عند ما نفتح شبابيكها يلعب فيها النسيم حاملا أنفاس الورد والياسمين، وأريج زهر النارنج والزلف. وليس أجمل منها في الصباح. تستطيعين وأنت في سريرك أن تري الشام كلها، قبابها الضخمة، ومآذنها الرشيقة، سقوف بيوتها المتلاصقة، السماء الزرقاء الصافية أو الموشاة بالغيوم، أسراب الحمام التي يطيرها مربو الحمام من الجيران".

                                                                                                                       دمشق يابسمة الحزن ص 38

7 ـ الحجرة الريفية(تشارلز ديكنز):

  "كانت الحجرة الصغيرة التي تعود أن يقعد فيها، حين يستغرق في قراءة كتبه، قائمة في الدور الأرضي في الجزء الخلفي من البيت. والواقع أنها كانت حجرة ريفية بكل ما في اللفظة من معنى، وكانت نافذتها ذات شعرية تحلقت حولها عناقيد من الياسمين والياسمين البري انسلت من فوق الإطار فملأت الحجرة بعبير أرج. كانت النافذة تطل على حديقة تتصل من طريق ضرب من البويْب أو الخادعة، بحظيرة صغيرة. ووراء هذه الحظيرة انبسطت أرض خضِرَة معشوشبة وغابة. ولم يكن ثمة، في ذلك الاتجاه، أيما مبنى آخر مجاور فكان المشهد الذي تقع عليه العين مترامي الأطراف".

                                                                                                                         أوليفر تويست (2) ص 92

تمرين 3:

إقرأ هذا النص لفيكتور هيغو يصف فيه حجرة الاستقبال بعد عرس ماريوس وكوزيت ثم أجب عن الأسئلة التي تليه:

  "وكانت الفوضى كما قلنا، تسود حجرة الاستقبال. لقد بدا وكأن المرء كان لا يزال قادرا، إذا ما أرهف سمعه، على أن يسمع جلبة العرس الغامضة. كان ثمة مختلف ضروب الأزهار التي سقطت من الأكاليل ومن القبعات على الأرض، وكانت الشموع التي اشتعلت حتى محاجرها، قد أضافت إلى بلور الثريات رواسب من شمع. لم تكن قطعة من قطع الأثاث في مكانها. وفي الزوايا، كانت كل ثلاثة أو أربعة من الكراسي، ذات الأذرع قد تقاربت وشكلت دائرة، وبدا وكأنها ما تزال تواصل حديثا ما. وكان مجموع ذلك ضاحكا. إن ثمة جمالا ما في الأعياد الميتة. لقد كانت هذه الحجرة سعيدة، وعلى تلك الكراسي المختلطة، وبين هذه الأزهار الآخذة في الذبول، وتحت هذه الأضواء المنطفئة، كان القوم قد فكروا أفكارا بهيجة. لقد خلفت الشمس الثريا، ولقد دخلت في بشر إلى حجرة الاستقبال".

                                                                                                                               البؤساء (5) ص 342

الأسئلة:

1 ـ ما عناصر الوصف الخارجي التي استخدمها الكاتب في وصفه؟ استخرجها وبينها.

2 ـ ما القواعد التي استخدمها في وصف القاعة؟

3 ـ ما غرض هذا الوصف في نظرك؟ وهل هو وصف المكان أو الحدث؟

وهل استطاع الكاتب أن ينقل لنا جو العرس من خلال القاعة الفارغة؟

4 ـ هل هناك حضور إنساني في هذا الوصف؟ علل رأيك.

تمرين 4 :

  استخرج من الرواية التي تطبق عليها وصف غرفة مبينا بعض القواعد التي استعملها الكاتب في وصفه بما فيها عناصر الوصف الخارجي، وغرض هذا الوصف في رأيك.

تمرين 5: اختر ثلاثة من مواضيع الوصف الآتية وعالجها:

ـ صف غرفة تبين حالة صاحبها من الغنى أو الفقر، وتبين في الوقت نفسه بعض مايأتي: جنسه وعمره بالتقريب وذوقه ونظافته أو قذارته، وحبه للنظام أو الفوضى ومستوى ثقافته، وهوايته من خلال الوصف دون أن تذكر ذلك صراحة، مستعملا قواعد وصف المكان بما في ذلك عناصر الوصف الخارجي .

ـ صف غرفة بغرض بيان حالة صاحبها النفسية القلقة.

ـ صف غرفة مغترب في أوروبا تبين عاطفة صاحبها وحبه وشوقه لوطنه ولأهله.

ـ صف غرفة رياضي وبين من خلال محتوياتها والصور المعلقة على الحائط نوع الرياضة التي يمارسها والدرجة التي بلغها في هذه الرياضة.

ـ صف غرفة هاوٍ للموسيقى وبين من خلال محتوياتها نوع الموسيقى التي يحبها أو يمارسها.

ـ صف غرفة في قسم مدرسي، وبين من خلال هذا الوصف ومن خلال ما كتب على السبورة وما علق على الجدران، مستوى التلاميذ الذين يدرسون في هذا القسم، وذوقهم وتربيتهم ونظافتهم (أثناء وجود التلاميذ فيها أو في غيابهم).

ـ صف الغرفة التي تعيش فيها وصفا نقليا ثم وصفا روائيا تبرز فيه أهم سماتها.

  لقراءة الجزء الثاني من الفصل الأول انقر هنا: وصف الغرفة

لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الثاني: الزمان

للاطلاع على فصول الكتاب كاملة، انقر هنا: فن الكتابة: تقنيات الوصف