الفصل الثالث
من مسرحية عطلة السيد الوالي
للكاتب عبد الله خمّار
المشهد الأول
[يفتح الستار على نفس الصالون الذي رأيناه في الفصل الثاني. يخرج الوالي من غرفة النوم، يرن جرس المحمول.]
الوالي: سليم، كيف أحوالك؟ اشتقت إليك؟ هل تأتي اليوم؟
سليم: السيدة نسيمة وطارق يريدان البقاء يومين آخرين فهل تسمح لي أن أبقى معهما؟
الوالي: ماذا؟ تبقى يومين آخرين؟
سليم: السيدة نسيمة تريد أن تكلمك.
الوالي: مساء الخير سيدة نسيمة.
نسيمة: أرجو أن توافق على بقاء سليم معنا.
الوالي: ولكني لا أريد أن يقلقكم.
نسيمة: بالعكس هو في غاية الانسجام مع طارق وأنا سعيدة بهما من أجل ذلك قررت أخذ عطلة يومين معهما.
الوالي: كما تريدين يا سيدتي، وشكرا على رعايتك لابني.
[يدخل المستشار من الباب الخارجي قادما من السوق، وهو يحمل أكياسا بلاستيكية. يقفل الوالي الهاتف.]
المستشار: مع من كنت تتكلم؟
الوالي: مع السيدة نسيمة، طلبت أن يبقى سليم معها في تيبازة مدة يومين.
المستشار: وهل وافقت؟
الوالي[مبتهجا]: طبعا. أنا أثق بها لأنها سيدة محترمة ثم إن سليم تكلم معي بطلاقة دون أن يتأتىء ويبدو أنه شفي. إنها معجزة.
المستشار: هذا خبر جيد.
الوالي: وأنت ماذا فعلت في جولتك في الحي؟
المستشار: واقع الحي أسوأ بكثير مما كنت أظن: الأقذار في كل مكان، الطرق محفرة، الأبنية مهترئة، السكان متذمرون لأبعد الحدود، جلست في المقهى واستمعت إلى شكاواهم عن ارتفاع فواتير الكهرباء والمياه ولوازم الدخول المدرسي وكثرة الجرائم وانعدام الأمن. وأهم من كل هذا التهاب الأسعار التي لمستها بنفسي وأنا أشتري السكر والزيت واللحم والخضرة والفاكهة اليوم.
الوالي[متعجبا]: ماذا؟ ألا يبيع التجار بالتسعيرة؟
المستشار: ومتى كان التجار يبيعون بالتسعيرة؟
الوالي: غريب! أنا أشتري كل حوائجي بالتسعيرة.
المستشار: لأنك الوالي. هناك تسعيرة للوالي والمسؤولين وتسعيرة للمواطن. التجار يبيعون المواطن كل يوم بسعر حسب المواسم والأعياد. تسعيرة في رمضان، وتسعيرة في عاشوراء، وتسعيرة في المولد، وتسعيرة في ينّاير.
الوالي: وماذا يفعل مفتشو التموين؟
المستشار: رأيتهم بعيني يطلبون من رجال الأمن ملاحقة باعة الأرصفة الذين يجرون وراء لقمة العيش، ويتغاضون عن المحتكرين الكبار.
الوالي[غاضبا]: كل هذا يجري في الولاية وأنا لا أدري، وأنت تقول لي كل يوم[يقلده ساخرا]: "كل شيء على ما يرام!". [يردد بانفعال]:لا شيء على ما يرام، لا شيء على ما يرام. أنا المسؤول عن كل هذا، لا حول ولا قوة إلا بالله.
المستشار[يخرج رزمة من الصحف من أحد الأكياس البلاستيكية]: انظر ما تقوله الصحف عن عطلتك.
الوالي[يمد يده فيأخذ الصحف ويقرأ عناوينها]: الوالي يدير ظهره لمشاكل الولاية ويقضي العطلة على شاطئ الريفييرا الفرنسية. الوالي يقضي عطلته في إحدى جزر المحيط الهادي بينما تغرق المدينة في المشاكل. الوالي ومستشاره يقضيان العطلة في تونس في أحد فنادق سيدي بوسعيد الفخمة.
المستشار: المشكلة أن كل مراسل من هذه الصحف يؤكد أنه رأى الوالي بعينه.
الوالي: ما هذا الرسم الكاريكاتوري؟ الناس يرفعون لافتات تتحدث عن مشاكلهم والوالي على شاطئ البحر يدير ظهره لهم ولا يحس بمعاناتهم.
المستشار: بالمناسبة التقيت بكاتب من سكان الحي مهتم بمشاكله.
الوالي: كاتب؟
المستشار: نعم، كاتب معروف اسمه محجوب بو الأنوار وقد وعدني أن يحضر اليوم بعد قليل لإعطاء حديث للجريدة.
الوالي: ممتاز. سنستنير برأيه ما دام من أبناء الحي.
المستشار: أقترح أن أستقبله وحدي. ويمكنك سماع حديثنا ما دام باب غرفة النوم مفتوحا.
الوالي: لماذا لا أحضر معكما؟
المستشار: لأن هذا الكاتب عمل في الصحافة، وأخاف أن يعرفك ياسيدي فينكشف أمرنا.
الوالي: الحق معك.
[يقرع جرس الباب.]
المستشار: هذا هو الكاتب بو الأنوار.
الوالي: سأدخل إلى غرفة النوم وأترك الباب مفتوحا لأسمع كل شيء.
المشهد الثاني
[يدخل الوالي إلى غرفة النوم بينما يتوجه المستشار إلى جهة الباب ثم يعود ومعه رجل في الثانية والستين أسمر، نحيل الجسم، متوسط الطول، يرتدي سترة صيفية من قماش "الكاكي"]
المستشار: تفضل يا أستاذ محجوب، مرحبا بك.
بو الأنوار: شكرا. [يجلس الكاتب على الكنبة وظهره لغرفة النوم بينما يجلس المستشار في الكرسي على يساره ويضع المسجلة الصغيرة على المائدة الصغيرة بينهما بجانب النايات الخشبية والمعدنية.]
المستشار: سنبدأ التسجيل. ماذا تكتب يا أستاذ محجوب؟
بو الأنوار: أكتب الرواية والمسرحية.
المستشار: وهل تعيش من أرباح كتبك؟
بو الأنوار: لا أحد في هذه المدينة يعيش من أرباح كتبه، ولولا راتب التقاعد الذي أحصل عليه من الوظيفة لما استطعت الكتابة.
المستشار: ماذا كنت تعمل؟
بو الأنوار: كنت أستاذا للتاريخ في ثانويات المدينة، وعملت أيضا في الصحافة لكنني تركتها غير آسف.
المستشار: لماذا؟
بو الأنوار: لأن الصحافة لا تهتم بالفن والثقافة ولا تنشر إبداعات الكُتـّاب.
المستشار: ماذا تقول عن مشاكل هذا الحي؟
بو الأنوار: أولا النظافة، لا بد أنك شاهدت القاذورات تملأ الحي؟
المستشار: النظافة أمر يخص السكان. لا تستطيع البلدية ولا الولاية أن تنظف وراء كل مواطن. على السكان ألا يرموا الأوساخ في كل مكان.
بو الأنوار: أنت تردد ما يقوله رئيس البلدية وما كان يقوله المستعمرون عنا.
المستشار: حاشا أن أقصد هذا لكنني أعجب من استهتار السكان بنظافة الحي. الأوراق والقارورات تملأ الطريق.
بو الأنوار: أريد أن أسألك: "هل رأيت سلة مهملات واحدة في هذا الحي؟"
المستشار[يفكر]: لا.
بو الأنوار: أين يرمي الأطفال أوراق الحلوى التي يأكلونها؟ وأين يرمي الناس زجاجات المياه التي يشربونها؟ هل يحملونها في جيوبهم.
المستشار: الحق معك.
بو الأنوار: هل وجدت مرحاضا عموميا واحدا في هذا الحي؟
المستشار: لم أبحث.
بو الأنوار: لأنك لم تحتج إليه، لكن الناس في السوق وفي المقاهي يحتاجون إلى مرحاض، فلا يجدون، فيقضون حاجتهم في زوايا الطرقات.
المستشار: الحق معك، لكن هذه الشجيرات الذابلة أليست بسبب إهمال السكان؟
بو الأنوار: كنا نعتني بهذه الشجيرات ونسقيها بالتناوب، لكن ارتفاع فاتورة المياه لم يعد يسمح لنا بذلك. كنا أيضا نغسل الأرصفة بالمياه، فقيل لنا اقتصدوا ولا تغسلوا الأرصفة والسيارات بمياه الشرب. بماذا نغسلها إذا؟ هل هناك مياه أخرى غير مياه الشرب؟ النظافة تحتاج إلى مياه وفيرة، وهم يدعوننا إلى الاقتصاد ويرفعون فواتير المياه، وهذه هي النتيجة: أرصفة قذرة وسيارات وسخة وأشجار ذابلة وبعض زوايا الشوارع تحولت إلى مراحيض. البلدية تهمل وتتهم السكان.
المستشار: هذا ليس عدلا.
بو الأنوار: نحن نظيفون في بيوتنا، لكن نظافة المحيط ليست مسؤوليتنا وحدنا. إذا تحملت البلدية مسؤولياتها، نتحمل نحن مسؤولياتنا. هل أنا مخطئ.
المستشار: لا أبدا. الحق معك. وماذا عن مشاكل الحي الأخرى؟
بو الأنوار: مشكلة زيادة الإدمان على المخدرات والأقراص المهلوسة ، ولهذا السبب ازدادت نسبة الجرائم في الحي. لا أحد يأمن على نفسه ولا على أهله من الاعتداء وخاصة في الليل.
المستشار: هل هناك مشاكل أخرى؟
بو الأنوار: مشكلة المواصلات. الازدحام في كل وقت والحافلات قليلة ثم مشكلة صيانة الطرق، فأنت ترى حالتها؛ الحفر في كل مكان، والمشاريع تبدأ ولا تنتهي لاستنزاف الميزانية.
المستشار: هل اشتكيتم إلى البلدية؟
بو الأنوار: البلدية تدعي أنها لا تملك الميزانية اللازمة والولاية هي المسؤولة عن تدهور الحالة.
المستشار: لماذا لم تشتكوا إلى الوالي؟
بو الأنوار: ذهبنا إلى الوالي وقابلنا السكرتيرة لتعطينا موعدا، فحولتنا إلى رئيس الديوان. أخبرنا رئيس الديوان أن الوالي يدعم رئيس البلدية لأنه منتخب وحر في تصرفاته ولا حق لنا في الشكوى.
المستشار: هل أنت متأكد مما تقول؟
بو الأنوار: طبعا. كنت أتمنى أن تكون لدي جريدة لأفضح علاقة الوالي بالمقاولين ورئيس البلدية.
[يظهر الوالي على باب غرفة النوم منزعجا.]
المستشار: اخفض صوتك قليلا.
بو الأنوار: لماذا أخفض صوتي. سأرفعه ليسمع كل الناس فضائح هذا الوالي.
المستشار: أنت تتجنى على الوالي.
بو الأنوار: إذا كنت خائفا أن تكتب في جريدتك هذا الكلام فلنتوقف الآن.
المستشار: لا، أبدا. قل ما تريد.
بو الأنوار: قل لي: "هل توجد حديقة في هذا الحي؟"
المستشار: لم أر حديقة.
بو الأنوار: لأنها لا توجد. الأرض التي كانت مخصصة لها أعطيت لمقاول صديق الوالي. وهل توجد دار سينما في هذا الحي؟
المستشار: لا أدري.
بو الأنوار: أنا أقول لك، لا توجد سينما ولا مسرح ولا ملعب للشباب والأطفال ولا ناد للفنون التشكيلية. ليس هناك أي فضاء للمتعة والتسلية البريئة. كيف ينفس الناس عن كربتهم؟ وكيف يمارس الشباب هواياتهم؟
المستشار: هذا مؤسف.
بو الأنوار: أعطتنا البلدية غرفة حولناها إلى مكتبة وجمعنا التبرعات لشراء الكتب. فيما عدا ذلك لا يوجد مكان نجتمع فيه لنناقش مشاكل الحي. نجتمع في هذه المكتبة بدلا من اجتماعنا في الشارع وفي مداخل العمارات.
المستشار: هذا لا يجوز.
بو الأنوار: هل فهمت ما أقصد؟ من الضروري أن يعبر الشباب عن أنفسهم بالقراءة والكتابة والرسم والموسيقى والتمثيل لنمنعهم من الانحراف.
المستشار: وهل هذا ينطبق على كل الأحياء.
بو الأنوار: نعم، باستثناء حي واحد هو حي المسطولين الذي سمي مؤخرا حي النشاط.
المستشار: حي النشاط!
بو الأنوار: نعم، والفضل لا يعود إلى الوالي بل إلى ملياردير جزائري مغترب لاحظ أن عدم وجود المرافق الثقافية والفضاءات الترفيهية في أحيائنا يؤدي إلى تزايد نسبة الفساد والاختلاس والرشوة وجرائم القتل والسرقة والاختطاف والخيانة والغدر حتى بين الأهل والأقرباء والأصدقاء مما لم نكن نعرفه في مجتمعنا وليس من شيمنا ولا من قيمنا.
المستشار: وما السر في ذلك ياترى؟
بو الأنوار: السر أن الشباب طاقة خلاقة هائلة إن لم تستغلها فيما يمتعها ويفيدها حاضرا ومستقبلا، استغلها الإرهابيون والمجرمون ومروجو المخدرات. أوقات الفراغ مهمة للشباب فإذا لم نملأها بما يفيدهم ملأها غيرنا بما يؤذينا ويؤذيهم.
المستشار: هذا صحيح.
بو الأنوار: لاحظ هذا المغترب ذلك في الحي الذي تقطنه أسرته فبنى لشباب الحي مجمعا ثقافيا فنيا يشتمل على مكتبة ضخمة ومسرح ودار سينما وقاعة محاضرات ومرسم وقاعة موسيقى وملاعب رياضية لمختلف الألعاب.
المستشار: نعم، سمعت بهذا المجمع.
بو الأنوار: بني منذ أربع سنوات. تغيرت حالة سكان الحي منذ ذلك الوقت تحولا تاما، فرفعت معنوياتهم وقربت بينهم.
المستشار: بسبب هذا المجمع؟
بو الأنوار: بل بسبب الأنشطة الفنية لهذا المجمع. الفن روح الشعب وحين تكون الروح مكبوتة والفنانون مهمشين يصبح الشعب كئيبا ومضطربا.
المستشار: هل هذا هو سبب اكتئاب السكان في حي المنصورين؟
بو الأنوار: بالطبع! ليس حينا فقط. كل أحياء المدينة تتوقف فيها الحركة في الساعة الثامنة إلا حي النشاط الذي ينشط فيه المسرح والسينما والأنشطة الأخرى في الليل. الحياة ليست أكلا وشربا ونوما فقط بل استمتاع بكل أنواع الفنون.
[ينظر بو الأنوار إلى الساعة وينهض فجأة.]
بو الأنوار: أنا مضطر للذهاب الآن لارتباطي بموعد مع محاسب البلدية. سأحضره غدا لتسمع بنفسك ما يقوله عن الفساد في البلدية والولاية. [يخرج.]
المستشار[ينهض لتوديعه]: إلى اللقاء غدا.
[تطفأ الأضواء.]
المشهد الثالث
[تنار الأضواء الخافتة على الصالون المظلم في الليل ونرى شخصيْن يدخلان إليه، أحدهما يحمل مسدسا في يده اليمنى ومصباحا يدويا في يده اليسرى يضيء أمامه.يفتشان في الصالون ثم يدخلان ببطء إلى غرفة النوم. يخرجان بعد قليل وأمامهما الوالي والمستشار رافعيْن أيديهما وهما بثياب النوم، ومن الواضح أنهما لصان دخلا ليسرقا. يضيء أحدهما النور في الصالون فيظهران وقد غطيا رأسيهما بطاقيتين تغطيان الوجه ولا يظهر منهما إلا العينان والفم.]
اللص الأول: أحضر ملابسهما.
[يدخل اللص الثاني فيحضر بدلتيهما، يفتش اللص الأول في البدلة الأولى فيستخرج محفظة يفتحها فيخرج منها أوراقا من فئة الألف دينار.]
اللص الأول: لا بأس، هذا مبلغ محترم.[يستخرج بطاقة من المحفظة ويضحك]: ما هذا؟ بطاقة تعريف باسم الوالي، المهنة: والي المدينة [يخاطب اللص الثاني]: هل رأيت؟ ألم أقل لك إن الحياة غابة، والقوي يأكل الضعيف. هذا النصاب يحتال على الناس ويدعي أنه الوالي. [يخاطب الوالي]: على الأقل لو زورت بطاقة التعريف باسم مستشار الوالي، رئيس الديوان، أما أن تدعي أنك الوالي فلا أحد يصدقك. [يخرج البطاقة الثانية]: وهذه بطاقة ثانية. الاسم: مختار عبد الحميد. المهنة: صحفي. أرني البدلة الثانية. [يستخرج محفظة يفتحها فيجد بعض الأوراق النقدية أيضا من فئة الألف دينار]: هذا مبلغ لا بأس به. [يخرج بطاقة من المحفظة ويضحك]: هذا يحتال باسم مستشار الوالي، معقول، يصدقه الناس.[يخرج البطاقة الثانية]: وهو صحفي أيضا. [يخاطب اللص الثاني]: على كل سنأخذ هذه البطاقات فربما نحتاج إليها. هات الساعة. [ يأخذ ساعة الوالي]: وأنت أيضا [ يأخذ ساعة المستشار]: أين وضعتما الهاتف المحمول؟ [يخاطب اللص الثاني]: ابحث في غرفة النوم. [يدخل اللص الثاني فيأتي بالهاتفين المحمولين. يخاطب اللص الأول زميله مرة أخرى]: أحضر حقيبة من الداخل وضع فيها هاتين البدلتين. وخذ هاتين الساعتين والهاتفين وضع البطاقات والنقود في جيب الحقيبة. [يضع اللص الثاني كل ذلك في الحقيبة]: انتظر، ليخلع كل منكما البيجاما ويضعها في الحقيبة.[يترددان]: يهددهما بالمسدس، هيا. [ينزع كل منهما بيجامته.]
اللص الثاني[يقف وراء الكنبه ويتناول البيجامتين]: لنخرج فورا، فالفجر يكاد يؤذن.[يخرجان.]
[يقف الوالي والمستشار بالملابس الداخلية وهما في غاية الغيظ.]
الوالي: لا يوجد أمن في هذا الحي. صحيح ما قالته أنيسة.
المستشار: وما قاله الكاتب بو الأنوار أيضا.
[فجأة ينتبه المستشار حين يجد البيجامتين والبدلتين.]
المستشار: انظر، هاتان البدلتان والبيجامتان [يحملهما]: والساعتان والهاتفان والنقود أيضا.
الوالي: ما معنى هذا؟
المستشار: لست أدري، كيف ظلت الأغراض هنا. [يرتديان البيجامتين.]
[يقرع جرس الباب وقبل أن يخرج المستشار لفتح الباب، يستوقفه الوالي.]
الوالي: انتظر فربما عاد اللصان لاستعادة أغراضهما، سأحضر سكين المطبخ. كان علينا أن نكون مسلحين. [يحضر الوالي السكين ويتجهان معا إلى جهة الباب]: لا تفتح الباب حتى تعرف من الطارق.
[يدخل الوالي والمستشار، ثم يدخل وراءه اللصان أحدهما يرفع يديه والثاني يحمل حقيبة أما الأول فهو رجل في الخامسة والثلاثين ضخم الجثة، وجهه مليء بالندوب من أثر ضرب الموس، وأما الثاني فهو كهل في حوالي الخمسين من عمره، متوسط الطول نحيل، يختلط بياض شعره بسواده، أبيض، ذو عينين براقتين سوداوين ويدخل وراءهما شاب في الثلاثين يحمل مسدسا.]
الوالي [يهتف]: من؟ كريم؟ كيف عرفت أننا هنا؟
كريم: أنا حارسك الشخصي يا سيدي ومهمتي حمايتك. حين طلبت منك أن أوصلك إلى المطار، قلت إنك ذاهب بالسيارة ولم تسمح لي بمرافقتك إلى الحدود، لكنني رافقتك إلى هنا دون أن تعلم وأنا أتولى حمايتك عن بعد.
الوالي: بارك الله فيك.
كريم: افتح الحقيبة.
اللص الثاني: إنها فارغة.
كريم: كاذب، لا يمكن أن تسرقا حقيبة فارغة.
الوالي: إنه لا يكذب. الحقيبة فارغة فعلا. لماذا لم تأخذا ما سرقتماه؟
اللص الثاني: أفرغت ما فيها قبل أن نخرج لأني ندمت. هذه أول مرة أشترك فيها بسرقة.
الوالي: ماذا تعمل؟
اللص الثاني: أعمل في جمع القمامة.
الوالي: ما الذي دفعك إلى السرقة؟
اللص الثاني: ابني في السابعة يحتاج إلى عملية عاجلة في شبكية العينين حتى لا يفقد البصر، وليس معي ثمن العملية.
الوالي: لماذا لم تجرها في مستشفى حكومي؟
اللص الثاني: حاولت، فقيل لي يجب أن انتظر دوري ويمكن أن أنتظر عدة شهور ويكون ولدي فقد البصر. كنت في المقهى فجلس أمامي هذا الرجل وحدثته عن همومي فأقنعني أن الطريقة الوحيدة أن تأخذ حقك بيدك، وتأخذ المال الذي تحتاج إليه ممن لا يحتاج إليه مثلك.
الوالي: ما اسمك؟
اللص الثاني: محمد الشريف طاهر.
الوالي: اسمك يدل على انك من عائلة محترمة، لماذا لم تشتك إلى الوالي؟
محمد الشريف: قدمت شكوى إلى الوالي فحولوها إلى المستشفى من جديد، وقال لي الموظف هناك: "اشتكيت علينا، ماذا كسبت؟ لن نجري عملية ابنك ولو بعد سنوات."
الوالي [للمستشار]: كيف حدث هذا؟
المستشار: الشكاوى التي ترد إلى الوالي يحيلها الديوان إلى المشكو منهم لإبداء الرأي.
الوالي: وطبعا يكون الجواب بأن شكوى المواطن غير صحيحة.
محمد الشريف: موظفو الدولة جماعة مترابطة من الباب إلى المحراب لا يقف أحدهم ضد الآخر.
الوالي: لماذا لم تطلب مقابلة الوالي؟
محمد الشريف: ومن يستطيع مقابلة الوالي؟ وحتى لو دفعت رشوة فلن أصل إلى الوالي فالزبانية كثيرون.
الوالي: أنا سأتكفل بقضيتك عند الوالي. اترك اسمك وعنوانك. [يمسك بعض الأوراق النقدية]: خذ هذه مؤقتا وانصرف إلى دارك.
محمد الشريف: لا حاجة بي إلى النقود يا سيدي، ولكن هل أستطيع الانصراف حقا؟
الوالي: نعم. سنتصل بك قريبا لتحديد تاريخ ومكان العملية.
كريم: انتظرني في الخارج لأكتب اسمك وعنوانك.
محمد الشريف[يخاطب الوالي]: شكرا لك يا سيدي. شكرا، شكرا. [يخرج].
الوالي [يخاطب اللص الأول الذي يحني رأسه]: أما أنت فستلقى جزاءك العادل. [يخاطب الضابط كريم]: سلمه إلى الأمن مع تقرير مفصل عن تهجمه على صحفيين في شقتهما.
كريم: نعم يا سيدي. [يخاطب اللص]: تعال معي. [يخرجان.]
المستشار: انتهت القضية بسلام بفضل كريم حارسك الشخصي.
الوالي: كريم يحرسني لأني الوالي، ولو كنت مواطنا عاديا لسرقت وربما قتلت. لو كان هناك أمن حقيقي لما تجرأ هذا الوغد على ما فعل. لا بد أن نوفر الأمن للمواطنين في هذه البلدية.
[تطفأ الأضواء.]
المشهد الرابع
[تنار الأضواء من جديد على الصالون. يقرع جرس الباب عدة مرات، يخرج المستشار من غرفة النوم فيدخل ضوء النهار إلى الصالون. يفتح باب الشقة ويدخل سليم وتدخل وراءه السيدة نسيمة إلى الصالون.]
سليم: بابا، بابا، أين أنت.
[يخرج الوالي إلى الصالون.]
الوالي: أهلا سليم، [يعانقه ويرى السيدة نسيمة]: أهلا بالسيدة نسيمة.
نسيمة: أردت أن أسلمك سليم يدا بيد حتى تطمئن.
سليم: قضيت أياما رائعة مع ماما نسيمة وطارق. بالمناسبة أريد أن تأخذني لزيارة قبر أمي رحمها الله. لنقرأ الفاتحة على روحها. [ يرفع يديه ويقرأ الجميع معه الفاتحة].
الوالي: ادخل لتبدل ملابسك وتستريح قليلا قبل العشاء.
[يدخل سليم إلى غرفة النوم.]
المستشار: اسمحا لي أيضا أن أذهب إلى المطبخ فاليوم دوري في تحضير العشاء. [يخرج المستشار.]
الوالي: لأول مرة يقتنع بأن أمه ماتت ويطلب منا أن نقرأ عليها الفاتحة ويرغب في زيارة قبرها.
نسيمة: أقنعته أن أمه في الجنة وأن الموت هو انتقال من مكان إلى مكان وسيلاقيها في المستقبل إن شاء الله.
الوالي: إنه بحاجة إليك وإلى حنانك.
نسيمة[بحنان]: ليتني أستطيع مساعدته فقد أحببته كولدي.
الوالي[بصدق]: وأبوه أيضا بحاجة إلى مساعدتك.
نسيمة: أنت تعرف أن لدي طفلا أرعاه.
الوالي: سيكون لديك ثلاثة أطفال لرعايتهم، هل هذا كثير عليك؟
نسيمة[بدلال]: هل أعتبر هذا طلبا للزواج؟
الوالي[بحماس عاطفي]: هو طلب عاجل وملح ولا يحتمل التأجيل.
نسيمة[بمكر]: وهل تتزوج بصفتك صحفيا أم بصفتك الحقيقية.
الوالي: ماذا تعنين؟
نسيمة: ابنك لا يكذب. أخبرني أنك والي المدينة، لكنه لم يخبر أحدا آخر حتى طارق.
الوالي: هذا يعني أنه وثق فيك، وهذا يجعلني أصر على طلبي. لكن اعلمي أنني وال فاشل لم أستطع أن أحل مشاكل المدينة.
نسيمة: بالعكس، وجودك هنا يعني أنك وال ناجح تريد حل مشاكل المدينة.
الوالي: هل هذا يشفع لي عندك فتوافقين.
نسيمة: في الحقيقة! ...
الوالي[يقاطعها]: لا أحب هذه الكلمة لأنها تخبئ وراءها دائما شيئا سلبيا.
نسيمة: أنت فاجأتني. أعطني وقتا لأفكر وأمهد لولدي طارق.
الوالي: أرجو ألا يطول تفكيرك وأن يكون الجواب بالإيجاب.
نسيمة: بإذنك.
الوالي: مع السلامة. [تخرج نسيمة].
المشهد الخامس
[يقرع الجرس. يدخل الوالي إلى غرفة النوم، بينما يخرج المستشار لفتح الباب ثم يعود ومعه الكاتب محجوب بو الأنوار وشاب في حوالي الثانية والثلاثين يرتدي سروالا بنيا وقميصا أبيض، يتأبط محفظة سوداء. يتلفت حوله. يعرف بو الأنوار كلا منهما بالآخر.]
بوالأنوار: السيد صالح عمار، صحفي في جريدة أخبار المدينة. السيد بلقاسم فاضل محاسب بلدية المنصورين.
بلقاسم فاضل[يتلفت من جديد ويسأل بو الأنوار]: هل أنت متأكد منه.
بوالأنوار: نعم. لا تخش شيئا، وثق به كما تثق بي. سأترككما الآن.[يخرج بو الأنوار.]
المستشار: تفضل. [يدعوه إلى الجلوس فيجلس على الكنبة وظهره لغرفة النوم بينما يجلس المستشار في الكرسي على يساره ويضع المسجلة الصغيرة على المائدة الصغيرة ويفتحها]: لنبدأ التسجيل. من أنت؟ وماذا تعمل؟
بلقاسم فاضل[يضع يده على المسجلة]: لا أريد تسجيلا ولا أسئلة. سأفيد جريدتكم ببعض المعلومات بشرط ألا تذكروا اسمي.
المستشار: لماذا؟ هل أنت خائف؟
بلقاسم فاضل: طبعا. سيقطعون رزقي ويلفقون لي تهمة.
المستشار: من هم؟
بلقاسم فاضل: رئيس البلدية والمقاول عباس. سأعطيك وثائق تثبت تورطهما في مشاريع وهمية. [يفتح المحفظة ويخرج بعض الوثائق ويناولها تباعا للمستشار]: هذه صورة عن مشروع تعبيد الحي الشرقي الذي لم يعبد. وهذه هي الفواتير الوهمية التي صرفت على أساسها الأموال من ميزانية البلدية ومن أموال دعم الولاية. هذا مشروع إصلاح العمارات وطلائها في الحي القديم، وهذه هي الفواتير الوهمية التي صرفت على أساسها الأموال من ميزانية البلدية ومن ميزانية الولاية.
المستشار: رائع. هذه مستندات هامة.
بلقاسم فاضل: وهذه نسخ عن كل المشاريع للسنتين الأخيرتين، هناك ما أنجز منها مع تضخيم للفواتير، مثل مشروع ردم الحفر الذي ما زال قيد الإنجاز ودفعت فواتيره ثلاث مرات دون أن تنتهي الأشغال. وهناك....
المستشار[يقاطعه]: لكن توقيعك موجود على الفواتير.
بلقاسم فاضل[بأسى]: ليس توقيعي. إنه مزور. رفضت أن أوقع فزوروا توقيعي.
المستشار: لا أصدق. لماذا لا تشتكي عليهم ما داموا زوروا توقيعك؟
بلقاسم فاضل: لمن أشتكي؟ يعرفون أني أخافهم ولا يمكن أن أفتح فمي.
المستشار: كان عليك أن تشتكي إلى الوالي فيحولهم إلى العدالة.
بلقاسم فاضل[يضحك بصوت عال]: الوالي! [يستمر في الضحك ويخرج الوالي ويقف على باب غرفة النوم فيراه المستشار ولا يراه بلقاسم.].
المستشار: لماذا تضحك؟ هل قلت شيئا مضحكا؟
بلقاسم فاضل[يستمر في الضحك]: طبعا. الوالي! الوالي هو رئيس العصابة.
الوالي[يشير بيديه مستنكرا وهو على باب غرفة النوم دون أن يتكلم]: أنا!
المستشار[ينظر إلى الوالي ويخاطب بلقاسم]: هل أنت متأكد مما تقول؟
بلقاسم فاضل: طبعا. رئيس ديوانه يتصل يوميا برئيس البلدية ويتفق معه على مشاريع السيد عباس.
المستشار: ربما لا يعلم الوالي بذلك.
بلقاسم فاضل[يضحك]: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظمُ. إن كان الوالي يدري فهو فاسد مرتش ولا يجوز أن يكون واليا، وإن كان لا يدري بما يجري حوله فهو عديم الشخصية ولا يصلح أن يكون واليا.
المستشار[يتلفت فيرى الوالي يهز رأسه أسفا]: لا يجوز أن تتهم الوالي دون دليل.
بلقاسم فاضل: عندي الدليل. رئيس مصلحة الميزانية في الولاية صارحني بأن الوالي يعرف كل شيء، وهو متواطئ مع المقاول حنفي ويتقاسم معه أرباح المشاريع الوهمية.
المستشار[يتلفت وينظر إلى الوالي الذي يشير بيديه متعجبا]: هل أنت متأكد مما تقول.
بلقاسم فاضل: كل التأكد.
المستشار: وهل رئيس مصلحة الميزانية نزيه مثلك؟
بلقاسم فاضل: لا، مع الأسف. نصحني بالتعاون والاستفادة. قال لي: "إنهم أشخاص متنفذون، وخير لك أن تتعاون معهم وتستفيد بدلا من أن تقف ضدهم فيلفقوا لك تهمة ويقطعوا رزقك. أي مشروع يعرضه الوالي أوقعه دون مناقشة وأقبض الثمن".
المستشار[يمسك بالكاميرا]: قف قليلا لألتقط لك صورة.
بلقاسم فاضل[يضع يديه على وجهه]: لم نتفق على هذا. لا أريد أن تخرج صورتي في الصحيفة.
المستشار: لن تخرج في الجريدة. هي للأرشيف فقط.
بلقاسم فاضل[يدير ظهره]: خذ لي صورة من الخلف إذا..
المستشار: لا بد أن تكون من الأمام.
بلقاسم فاضل: انتظر. [يخرج طاقية من محفظته فيغطي وجهه ولا تظهر إلا عيناه]: صورني هكذا إذا.
المستشار: لا بأس. يلتقط الصورة.
بلقاسم فاضل: اتفقنا ألا تذكر اسمي. إلى اللقاء.[يخرج وتطفأ الأنوار.]
المشهد السادس
[تضاء الأنوار من جديد على الصالون صباح اليوم التالي، يرن جرس الهاتف المحمول يدخل الوالي من الحمام دون "باروكة" ودون نظارة. وذقنه عليها صابون الحلاقة. يفتح جهاز الهاتف ويبدو عليه الأسى. يخرج المستشار من غرفة النوم.]
المستشار: سمعت رنين الهاتف.
الوالي: إنها رسالة SMS.
المستشار: ما بالك؟ هل بها أنباء سيئة؟
الوالي: إنها السيدة نسيمة. قالت إن ابنها طارق رفض فكرة زواجها بي رفضا قطعيا.
المستشار: هي الخاسرة.
الوالي: تعلق الولد بها وأحبها كأمه، لن أجد خيرا منها أما له.
المستشار: حاول معها مرة أخرى.
الوالي: رسالة الـ SMS تعني أنها أغلقت الباب نهائيا وإلا لكانت كلمتني مباشرة.
[يقرع جرس الباب، يخرج المستشار، ثم يعود ومعه محجوب بو الأنوار.]
بو الأنوار: من فضلك سجل كل ما يحدث هنا بالصوت والصورة، لقد ادعيت أني أضعت مفتاح المكتبة وأنا أبحث عنه هنا. [يخرج مفتاحا من جيبه ويظهره لهما ثم يرميه وراء الكنبة، يتجه إلى الباب وهو يقول]: تفضل بالدخول بينما أبحث عن المفتاح.
الوالي[يفاجأ فيمسح بالمنشفة آثار الصابون على وجهه، ويقول للمستشار هامسا]: نسيت أن أضع الباروكة والنظارة.
[يدخل رجل في الأربعين من عمره يرتدي بدلة فاخرة ويضع ربطة عنق ومعه محفظة.]
بو الأنوار: أقدم لكما السيد محفوظ سكرتير رئيس البلدية وهو في مهمة رسمية.
محفوظ: أسرع، أسرع وأعطني المفتاح.
بو الأنوار: اجلس قليلا، ريثما أبحث عنه.
الوالي: ما الأمر؟
بو الأنوار: رئيس البلدية يريد إلغاء المكتبة.
الوالي[لمحفوظ]: هل هذا صحيح؟
محفوظ: ليس بالضبط، قاعة المكتبة ملك للبلدية. هي تريد استرجاعها لاستعمالها كملحقة لمنح شهادات الميلاد والوفاة.
بو الأنوار: هناك ملحقة تستعمل لهذا الغرض.
محفوظ: طلب السيد الوالي من رئيس البلدية بيع هذه الملحقة لمستوصف الولادة الذي تملكه زوجة السيد عباس، لذلك اضطرت البلدية لاسترجاع ملحقتها.
بو الأنوار: هل معك قرار من رئيس البلدية باسترجاع المكتبة.
محفوظ: الوثيقتان معي، كتاب موقع من الوالي بتسهيل بيع ملحقة البلدية إلى صاحبة المستوصف والثاني قرار رئيس البلدية باسترجاع قاعة المكتبة.
بو الأنوار: أرني؟
محفوظ[ يفتح المحفظة ويخرج منها وثيقتين يقدمهما لمحجوب]: ها هما؟
بو الأنوار[يعطيهما للمستشار]: صورهما من فضلك.
[يلتقط المستشار صورة للوثيقتين.]
محفوظ[ينهض غاضبا]: ماذا تفعل؟ من هذان؟
بو الأنوار: هذان صحفيان يشهدان على كل ما حدث وسوف ينشران همجية رئيس البلدية وإغلاقه مكتبة الحي.
محفوظ: هات الكاميرا، إنها مصادرة.
الوالي: نحن صحفيان ولدينا رخصة من الوالي بتسهيل مهمتنا. [ يخرج من جيبه الوثيقة.]
محفوظ: الوالي ، ويلي. سأخبر رئيس البلدية بالأمر، يأخذ الوثيقتين ويخرج.
الوالي: لو سمع الوالي بذلك لغضب من تصرف رئيس البلدية.
بو الأنوار: لا تكن مغفلا فالوالي هو رأسهم المدبر، ثم إن الوالي لن يسمع بهذا لأنه في عطلة، تاركا أمور البلاد والعباد لرئيس الديوان.
المستشار: لا أعتقد أنه يقبل أن تلغى المكتبة.
بو الأنوار[يضحك]: الوالي يهتم بالمقاولين ورشوتهم. لا يهتم بالثقافة ولا بالفن، هل رأيته مرة كرم أديبا أو فنانا؟ هل رأيته فتح مكتبة للأطفال؟ هل رأيته أنشأ مسرحا في حي من الأحياء؟ هل رأيته اشترى باسم الولاية لوحات من الفنانين الجزائريين؟ هل رأيته أشرف على حفل موسيقي أو غنائي؟
الوالي: لكن الوالي يقوم بأنشطة كثيرة اجتماعية واقتصادية ولابد أن يأتي دور الثقافة.
بو الأنوار[بسخرية]: متى؟ بعد قرن. ولكن قل لي: ألم نلتق قبل الآن؟ [يتفرس في وجهه]: وجهك ليس غريبا علي.
المستشار: نسيت أن أعرفك بزميلي السيد مختار.
[يقرع الباب قرعا شديدا، يخرج المستشار ليفتح ويعود ومعه محفوظ وثلاثة رجال أجسامهم ضخمة.]
محفوظ: اتصلت برئيس البلدية فأمرني أن أصادر الكاميرا والمسجلة. قال إن الوالي في عطلة والرخصة التي معكما مزورة.
الوالي: ما هذا الكلام؟
محفوظ: إما أن تعطياني الكاميرا والمسجلة وإما أن نأخذهما منكما بالقوة ونقودكما إلى قسم الشرطة.
بو الأنوار[يقف بينهم وبين الوالي والمستشار]: لا تستطيع. إنهما صحفيان ولديهما حصانة والقانون يحميهما.
محفوظ: ما يقوله رئيس البلدية هو القانون. يبدو أنك ستضرب وتسجن معهما بتهمة التعدي على موظفي الدولة أثناء تأدية مهمتهم.
الوالي[للمستشار]: أعطه الكاميرا والمسجلة.
المستشار[هامسا]: لماذا لا نوقفهم عند حدهم ونكشف عن شخصيتنا؟
الوالي: ليس الآن. إن فعلنا سنفسد كل شيء. [يسلم المستشار الكاميرا والمسجلة لمحفوظ بينما يبدو الغضب في وجه بو الأنوار.]
بو الأنوار: صحافيو آخر زمان. كان الصحفي في الماضي يقاوم حتى الموت من يريدون انتزاع مسجلته أو كاميرته. كنت مخطئا لأني وثقت فيكما.[يخرج ويخرج محفوظ ومجموعته.]
[تطفأ الأضواء]
المشهد السابع
[تنار الأضواء من جديد على الصالون. الوقت مساء، تدخل السكرتيرة.]
السكرتيرة: مساء الخير يا سيدي.
الوالي: مساء الخير. ما الأخبار؟
السكرتيرة: أخبار هامة، اسمع هذا التسجيل بين رئيس الديوان وحنفي، تفتح المسجلة.
رئيس الديوان: أعترف بأن الوالي رجل عاقل لم يسبب لنا أية مشكلة، لكن الأمور تفاقمت في المدينة ولا بد من كبش فداء. سيجتمع المجلس الولائي بعد أسبوعين ولأول مرة سيصوت بالإجماع على طلب إقالته وتحميله مسؤولية ما يحدث في المدينة.
حنفي: كيف يذهب في عطلة ويترك المدينة في هذه الحالة؟
رئيس الديوان: أنا الذي أقنعته بالذهاب لأرتب الأمور في غيابه.
حنفي: أين يقضي عطلته؟
رئيس الديوان: في تونس، اقترحت عليه أن يذهب إلى أوروبا على حسابك فتعفف، لكنه سيقضي العطلة القادمة في السجن بتهمة الإهمال وسوء التسيير.
حنفي: ومستشاره؟
رئيس الديوان: مستشاره إنسان متفهم وسنخسره فعلا، ولكن يجب أن يذهب معه. أليس هو المستشار الذي لم تنفع استشارته في حل مشاكل المدينة؟ [يسمع صوت ضحك وتقفل السكرتيرة المسجلة.]
الوالي: هل هذا كل ما هنالك؟
السكرتيرة: رئيس بلدية حي المنصورين اتصل برئيس الديوان وأخبره أن صحفيين يجريان تحقيقا في الحي ومعهما تصريح من الوالي.
الوالي: وماذا قال رئيس الديوان؟
السكرتيرة: أمر رئيس البلدية أن يستعين بالأمن لإحضارهما إلى مقر الولاية للتحقيق معهما لأن الوالي لم يمنح تصريحا لأحد والبطاقة التي معهما مزورة.
الوالي: هكذا إذا.
السكرتيرة: اقترح أن ترحلا من هنا قبل الثامنة صباح الغد.
الوالي: لا تقلقي، سنرحل قبل الثامنة، شكرا لك يا أنيسة.
السكرتيرة: بإذنك يا سيدي.
الوالي: مع السلامة. [ تخرج السكرتيرة.]
الوالي: أين أنت ياصالح؟
المستشار: أنا هنا يا سيدي، وقد سمعت كل شيء، أين سليم.
الوالي: سليم دائما مع طارق وعند السيدة نسيمة، لا بد أن أكلمها واخبرها بأنا راحلان غدا، ثم أتم التقرير الذي سأرسله إلى مجلس المحاسبة لأطلب التحقيق فيما يحدث من فساد وتجاوزات.
المستشار: أما أنا فسأعد العشاء الأخير في هذا الحي.
الوالي: لكن مهمتنا لم تنته بعد. سنقضي بقية العطلة في التجول في أحياء المدينة ومعرفة مشاكلها.
[يحمل الوالي الهاتف المحمول ويتوجه إلى غرفة النوم بينما يتوجه المستشار إلى المطبخ.]
[تطفأ الأضواء]
المشهد الثامن
[تضاء الأنوار من جديد على قاعة الصالون في الصباح، ونرى الوالي والمستشار في ملابس الخروج وأمامهما الحقائب، يقرع الباب ويدخل طارق ويركض إليه سليم.]
الوالي: هل أستطيع أن أرى ماما نسيمة؟
طارق: إنها مريضة ونائمة.
المستشار: سأنزل الحقائب وأنتظركما في الأسفل. [يحمل الحقائب ويخرج.]
سليم: أريد أن أرى ماما نسيمة يا بابا.
الوالي: قال لك إنها مريضة ونائمة.
سليم: إذا لن نذهب حتى تستيقظ.
الوالي: لا نستطيع يا بني فالتاكسي لن ينتظرنا.
طارق[يتوجه إلى سليم ويسأله]: هل هذا أبوك؟
سليم: نعم.
طارق: أليس أبوك الذي نزل الآن؟
سليم: لا، هذا أبي.
طارق: هذا يغير كل شيء، كنت مخطئا إذا. سأذهب إلى أمي لأخبرها. [يخرج مسرعا ثم يعود]: أرجوكما لا تذهبا قبل أن تحضر أمي. [يخرج مسرعا ثم يعود من جديد فيمسك يد سليم ويخرجان معا بينما يجلس الوالي على الأريكة. تدخل نسيمة بعد قليل فيقف الوالي.]
نسيمة: أخبرني طارق أنه لم يكن يعرف أنك أبو سليم، كان يظنه...
الوالي: صالح ، أليس كذلك؟
نسيمة: بلى، لا أدري لماذا لا يحبه.
الوالي: لأنه وبخه وهدده بتمزيق الكرة.
نسيمة: هو موافق الآن.
الوالي[بفرح ولهفة]: صحيح؟
[تهز نسيمة رأسها بالموافقة]
الوالي[بحماس عاطفي]: أنا أسعد رجل في العالم.
نسيمة[باحتشام]: وأنا سعيدة أيضا.
الوالي: كم يلزمك من الوقت لتجهيز نفسك.
نسيمة: شهران على الأقل.
الوالي: هذا كثير، أسبوعان ولا أزيد.
نسيمة: كما تريد.
الوالي: أين طارق وسليم؟
نسيمة: ينتظران في الأسفل.
الوالي: لنلحق بهما إذا. [يخرجان وتدخل السكرتيرة].
المشهد التاسع
[تبدأ السكرتيرة بترتيب الصالون بعد خروج الوالي والمستشار. تدخل امرأة سمراء في حوالي الثلاثين هزيلة يبدو على وجهها البؤس والكآبة، تلبس ثوبا قديما ويدخل وراءها ثلاثة أطفال، بنات في الثامنة والسادسة والرابعة من عمرهن وهن يرتدين أثوابا بالية تدل على فقرهن. ترفع يديها بالدعاء]: "يارب خذ لي حقي من الوالي الذي ظلمني". [ترى السكرتيرة أنيسة فتبدو عليها المفاجأة.]
علجية: من أنت؟ وماذا تفعلين هنا؟
السكرتيرة: أنا التي أسألك: ما الذي جاء بك إلى هذه الدار؟
علجية: هذه دار زوجي، أقصد زوجي قبل أن يطلقني.
السكرتيرة: [تنظر إليها مليا ثم تقول]: علجية، سامحيني، لم أعرفك. ما الذي غير حالك إلى هذا الحد؟
علجية: أخبريني أولا من أنت؟
السكرتيرة: أنا أنيسة جارتك في العمارة المجاورة، لكنك لا تعرفينني. أنا أعمل مع زوجك.
علجية: هل تعملين معه في الملهى راقصة أم نادلة؟
السكرتيرة: أنا أعمل مع زوجك في الولاية.
علجية: تزوجتما إذا؟
السكرتيرة: لا لم نتزوج.
علجية[باستنكار]: تعيشين معه دون زواج. [تصرخ]: ياللفضيحة!
السكرتيرة: اخفضي صوتك. أنا لا أعيش معه، وهو ليس هنا. هذا البيت استأجره قريب لي من زوجك، أقصد طليقك. وأنا أرتبه بعد أن رحل قريبي لأسلمه المنزل نظيفا.
علجية: أين هو الآن؟ أريد أن أراه ليحل مشكلتي ومشكلة الأولاد.
السكرتيرة: أية مشكلة؟
علجية: سكنت مع أمي في الحي القصديري بعد أن طلقني زوجي ووعدتنا الولاية بإعطاء مساكن. تحملت العيشة سنتين هناك بعد أن توفيت أمي. واليوم أتوا ورحّلوا السكان لكنهم رفضوا ترحيلي بحجة أن أمي صاحبة الحق في السكن ماتت. وأعطوا السكن المخصص لأمي لقريب رئيس البلدية. [ترفع يديها بالدعاء]: "يارب خذ لي حقي من الوالي الذي ظلمني."
السكرتيرة: اهدئي قليلا.
علجية[تغضب وتصرخ بعصبية]: كيف هذا؟ أنا جزائرية "زوالية" ولم آت من المريخ. أنا مطلقة أربي ثلاثة أطفال بمفردي، وبحاجة إلى سكن. هدموا منزلي وهدموا الحي القصديري كله ورموني في الشارع. السجن أرحم من الشارع. على الأقل أجد مأوى هناك لي ولبناتي.
السكرتيرة: اهدئي، اهدئي.
علجية: أنا "الزوالية" لاحق لي في السكن، ومن حصلوا على فيلات في المدينة و"شاليهات" على البحر ومنازل في الجبل، سكن صيفي وسكن شتوي وسكن لكل الفصول اشتروها بالدينار الرمزي، هؤلاء أحق بالسكن مني. هكذا يحكم الوالي. [ترفع يديها بالدعاء]: "يارب خذ لي حقي من الوالي الذي ظلمني."
السكرتيرة: لا حول ولا قوة إلا بالله.
علجية: قولي لي، ما هو الدينار الرمزي؟ هل الدينار الرمزي غير الجزائري؟
السكرتيرة: هو دينار جزائري لكنه يختلف.
علجية: يختلف! كيف ؟ هذا دينار وهذا دينار فكيف يختلف؟
السكرتيرة: يعني الفيلا التي تساوي مليار بالدينار الجزائري بيعت بمليون.
علجية: يعني الدينار الرمزي يساوي عشر مرات الدينار الجزائري.
السكرتيرة: لا، كيف أشرح لك؟ حقيبة يدي هذه مثلا، بدلا أن أعطيك إياها بالمجان أبيعك إياها بالدينار الرمزي. ثمنها خمسمائة دينار، أبيعها لك بعشرة دنانير فقط.
علجية: عشرة دنانير فقط؟
السكرتيرة: نعم، هذا هو الفرق.
علجية[تفتش في جيوبها وتخرج عشرة دنانير]: اشتريت. خذي عشرة دنانير بالدينار الرمزي وهات الحقيبة.
السكرتيرة: لا، أنا أشرح لك فقط.
علجية: يعني ديناري الرمزي أنا غير مقبول.
السكرتيرة: طبعا، الدينار الرمزي له أصحابه. [تغير الحديث]: كيف طلقك زوجك وتخلى عن أولاده؟ لم أكن أعرف أنه سيء إلى هذه الدرجة.
علجية: أنا التي طلبت الطلاق.
السكرتيرة: أنت! [تهز علجية رأسها بالإيجاب]: لماذا؟
علجية: كنت متزوجة شبحا وليس رجلا. في النهار يعمل موظفا عند الوالي الذي ظلمني. [ترفع يديها بالدعاء]: يارب خذ لي حقي من الوالي الذي ظلمني.
[تتابع]: وفي الليل يعمل في الكباريه وفي عطلة الأسبوع يعمل في الأعراس وفي الأوقات القليلة التي يقضيها في الدار، إما أن يكون نائما أو يتحدث بالهاتف مع سوسو وميمي وزيزي من مغنيات الأعراس وراقصات الكباريه.
السكرتيرة: هذا كثير، أي امرأة لا تستطيع تحمل هذا.
علجية: قلت له: "أنا لا أستطيع أن أتحمل هذا." أجابني: "أنا لا أستغني عن وظيفتي في الولاية ولا عن فني." قلت له: "طلقني، فاستغنى عني وعن أولادي."
السكرتيرة: لكن زوجك مجبر على تأمين سكن لك وللأولاد. المحكمة ستحكم لك بهذا السكن.
علجية: هذا المنزل ليس لزوجي وحده بل لإخوته الخمسة ورثوه عن أبيهم، وهم يريدون بيعه وتقاسم ثمنه لذلك لم أستطع البقاء فيه. ماذا أفعل الآن؟ لن أتحرك من هنا.
السكرتيرة: طبعا، لا تتحركي من هنا. هذا مفتاح الدار، هو مسافر في تونس. انتظريه حتى يعود. بإذنك. [تخرج السكرتيرة.]
علجية [ترفع يديها بالدعاء]: "يارب خذ لي حقي من الوالي الذي ظلمني."
ستار
لقراءة الفصل التالي انقر هنا: الفصل الرابع
لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الثاني
للاطلاع على فصول المسرحية، انقر هنا: عطلة السيد الوالي
للاطلاع على المسرحيات الأخرى للكاتب انقر هنا: المسرحيّات