محفوظ عمّار
التقيت بمحفوظ عمّار متوجها إلى قاعة الأساتذة، يحمل بيده قبعته الرمادية التي لا تفارقه. حيّاني بالفرنسية كعادته، فقليلا ما يتحدث عمار بالعربية الدارجة. ولعلي ممن يفضلون التحدث معه بالفرنسية، فهو يتقنها أكثر من أهلها، ويتلاعب بمفرداتها وجملها نثرا وشعرا، فتخرج من فمه الراء غينا والجيم قريبة من الشين بموسيقى عذبة، كما تتمايل حروف المد والإمالة مع حركة الشفاه الراقصة تقاربا وتباعدا، كأنها أنغام طبيعية. أما عندما يتكلم بالدارجة فيصبح نطقه فجّاً، وسوقيّاً لا رشاقة فيه ولا إيحاء ولا إيقاع. فهو حين يلفظ مثلا بالفرنسية عبارتي "لاسومين بروشين" أي الأسبوع القادم و "جونو سيبّا" أي لا أدري فكأن أنساما عليلة تداعب الآذان. وأما حين ينطق نفس العبارتين بالدارجة: "السوق الماجي" و "ماعلا باليش"، فتحس كأن إعصاراً هبّ من الشفتيْن وكاد أن يثقب طبلتي الأذنيْن. إنه يحمل الفرنسية كل ما لديه من الإعجاب والانبهار والحب، ويحمّل العربية كل مشاعر النقص واحتقار الذات.
رغم أن حبه إلى درجة الهوس للفرنسية التي يعتبرها ملاذه وجنته التي يريد أن يخلد فيها، وللفرنسيين ولكل ما هو فرنسي فإنه ـ والعهدة على الراوي ـ يصاب بالإحباط عند ذهابه إلى فرنسا، لأنه من سوء حظه شديد السمرة، والفرنسيون يعاملونه بحذر كبقية الجزائريين. وهو الذي يحاول أن يثبت أنه منهم ومثلهم في التربية والتمدن، ينتسب إليهم بالثقافة، ونسب الثقافة أهم من نسب الدم.
عبد الله خمّار
من رواية "جرس الدّخول إلى الحصّة"