الفصل التاسع

من كتاب "العلاقات الإنسانية"

للكاتب: عبد الله خمّار

 

العلاقات الاجتماعية

        العلاقات الاجتماعية هي كل اتصال للإنسان بغيره، وهو يقوم بنشاطه اليومي، كعلاقة الجوار والتعليم والوظيفة وعلاقات البيع والشراء، والعلاقات الثقافية والفنية والرياضيةوغيرها، وتتعدد بتعدد النشاط الإنساني واتساعه الذي يشمل كافة مناحي النشاطات السياسية والاقتصادية والثقافية، وهي علاقات ثانوية في الرواية إلا إذا تحولت إحداها إلى علاقة أساسية، كتحول علاقة الجوار أو العلاقة الوظيفية إلى صداقة أو حب أو زواج.

        ونورد في هذا الفصل نماذج عن بعض العلاقات الاجتماعية:

1- العلاقة التعليمية:

        هي العلاقة التي تعتمد على نقل المعلومات أو الخبرات النظرية أو العلمية من المعلم إلى التلميذ، أو من الحرفي إلى الصانع بصرف النظر عن سن المعلم والمتعلم أو جنسهما أو دينهما أو عرقهما وهي من أشرف العلاقات وأنبلها غاية، لأنها علاقة تنوير، تهدف إلى نشر العلم، وازدهار الحضارة، ونقل المعرفة من جيل إلى جيل. ولكي تكون هذه العلاقة سوية وإيجابية تتوفر فيها أسس الاحترام والثقة والمحبة والتعاون بين الطرفين، يجب توفر شروط العملية التعليمية التي تعتمد على ثلاثة عناصر أساسية: المعلم، والمتعلم والمنهاج.

        أما الشروط التي يجب توفرها في المعلم فهي علمية وبيداغوجية وأخلاقية:

1- الكفاءة المهنية: وتعني التمكن من المادة التي يدرسها أو الحرفة التي يعلمها، ففاقد الشيء لايعطيه، ولايستطيع المعلم أن يضمن احترام المتعلم، إذا لم يكن يتقن الموضوع الذي يعلمه، ويسعى إلى تحصيل كل جديد فيه.

2- أصول التعليم: ولابد أن يتمكن المعلم من إيصال معلوماته إلى التلميذ أو المتعلم بسهولة ووضوح، لذلك عليه أن يعرف كيف يعلم، ومن لا يعرف أصول تعليم مادته أو حرفته، لا يستطيع أن ينجح في التعليم حتى لو كان أعلم الناس.

3- الضمير المهني: وهو يتعلق بأخلاق المعلم، وإخلاصه وتفانيه في العمل، وقد يكون المعلم متمكناً من مادته ومن أصول تدريسها، ولكنه يتغيب باستمرار دونما سبب، ويهتم بمصالحه الخاصة وينسى واجبه، ولن يستفيد تلاميذه من علمه أو براعته في التعليم، مادام ضميره المهني مخدراً أو غائباً.

4- حب المهنة: الحياة اختيارات، ولكن الظروف قد تضطر الإنسان إلى اختيار مهنة لا يحبها، فالمعلم وإن توفرت فيه الكفاءة المهنية، واتقن أصول التعليم، وكان ذا ضمير مهني يقظ لا يستطيع أن يبدع في مهنته مادام غير قانع بها، وعليه أن يحاول حب مهنته، لأن حب المهنة من أسباب النجاح.

        وإن توفرت في المعلم هذه الشروط الأربعة ضمن احترام تلاميذه وثقتهم وحبهم وتعاونهم معه.

        أما الشرطان اللذان يجب توفرهما في التلميذ فهما الصبروالطاعة، وقدر وردا في الآية الكريمة رقم 69 من سورة الكهف، حين خاطب سيدنا موسى العبد الصالح الذي أراد أن يتعلم منه "قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمرا". ولنتأمل في هذين الشرطين:

        1- الصبر: العلم لايفتح مغاليقه لمتسرع، ومن أراد أن يتعلم علماً أو مهنة أو لغة جديدة فعليه بالصبر والمثابرة، ومن لم يتسلح بالصبر، يدركه الفشل في أول الطريق، لأن الذهن الإنساني لايستطيع إدراك الكليات دفعة واحدة، ولابد له من التدرج في التعلم، حتى يصل بعد فترة إلى نقطة اللاعودة التي يكون الذهن فيها قد استوعب مبادئ العلم أو اللغة أو الحرفة، ولم يعد هناك خطر من التوقف.

        2- الطاعة: وطاعة التلميذ للمعلم هي طاعة محصورة في حدود العلم، وفي اتباع التعليمات التي يصدرها المعلم، وإجراء التدريبات والتمارين التي يطلب إنجازها، ولو لا الطاعة والانضباط لما نجحت العملية التعليمية، لأن إهمال التمارين، أو عدم الالتزام بتعليمات وتوجيهات المعلم، يؤدي إلى ضياع جهوده.

        وبهذا يضمن التلميذ حب المعلم واحترام حقوقه بالإعداد الجيد، والثقة في قدراته وإمكانياته الكامنة والتي يعمل على تفتيحها بالتعاون معه.

        وفيما يتعلق بشروط المنهاج فهي أن يحتوي على حقائق مفيدة للتلميذ منطلقة من محيطه ومناسبة لسنه، وملائمة للعصر:

        احتواؤها على حقائق: وهو شرط أساسي من شروط المناهج، فالأستاذ الذي يعلم الأكاذيب، لا يحترمه التلاميذ ولايثقون به، والمناهج في ظل السلطة الاستعمارية أو الأنظمة الديكتاتورية المستبدة سواء أكانت ديكتاتورية حزب أم تسلط فرد هي مناهج مزيفة تحتوي على أكاذيب، لتزييف تاريخ وحضارة البلدان الواقعة تحت نير الاستعمار، أو لتمجيد السلطة المستبدة واعتبار أن التاريخ يبدأ بها، ولن تزدهر البلاد وتتقدم إلا من خلالها.

        مفيدة للتلميذ: والمقياس هنا استفادة التلميذ في حياته العملية استفادة جسمية أو ذهنية أو عملية أو أخلاقية واكتساب المعلومات التي لاتفيد التلميذ لا في تنمية جسمه أو مقدرته على التفكير والاستنتاج والتحليل، ولا يحتاجها في حياته العملية مضيعة للوقت والجهد والمال.

        انطلاقها من المحيط: ومن الضروري أن تنطلق المناهج من المحيط في دائرة تتوسع باستمرار حتى تشمل العالم كله، فلا يمكن أن يتعلم التلميذ أسماء النباتات والحيوانات الموجودة في خط الاستواء، قبل أن يعرف نباتات وحيوانات منطقته ثم بلاده، ولا أن يتعلم جغرافية أوربا قبل أن يعرف خريطة بلاده ومحيطه في المغرب العربي ومشرقه، ولا ان يعرف أدباء العالم قبل أن يعرف أدباء منطقته ثم بلاده، لذلك نجد تدريس المناهج المستوردة والمنقولة في البلدان النامية، تعد التلاميذ لمجتمع غير مجتمعهم، ولا تؤهلهم لخدمة محيطهم، بل تباعد بينهم وبينه بحواجز نفسية، وتجعلهم اقرب إلى محيط البلدان التي درسوا مناهجها.

        اعتمادها على مبادرة الأستاذ والتلميذ: والمناهج الحيوية هي التي تعطي للأستاذ هامشاً واسعاً من الحرية في اختيار المصادر والنصوص الملائمة، وتشجع الأستاذ والتلميذ معاً على القراءة البحث، أما المناهج الحرفية التي تقيد الأستاذ والتلميذ بالكتاب المدرسي أو بما يمليه الأستاذ أو بمصادر محددة معينة يتعذر وجودها، فهي تلغي مبادرة الأستاذ والتلميذ، وتعودهما على التواكل، ولا تربط التعلم بالمطالعة والبحث، بل باستيعاب ماجاء في الكتاب المدرسي، ولذا تفرغ العملية التعليمية من محتواها، وتصبح مجرد تلقين، أو حشو الذهن بمعلومات محددة تنمي مقدرة التلميذ في الحفظ، ولكنها لا تساهم في تنمية مقدرته على البحث والتفكير والتحليل والاستدلال والنقد.

        3- مناسبة لسنه: ومن الطبيعي أن يكون المنهاج متدرجاً يناسب سن المتلقي، فإن كان مستواه أعلى من سنه أحس التلميذ بالصعوبة وعجز عن المتابعة وأحس بالفشل والإخفاق، وإن كان مستواه دون سن المتلقي، فقد التلميذ الحافز الذي يحثه على التحدي ولم يهتم به لسهولته.

        4- ملاءمتها للعصر: العلم يتطور من زمن إلى زمن، ومن سنة إلى سنة، فلا يجوز أن نبقي على المناهج القديمة في تكوين الأجيال الجديدة، ولابد من تعديلها وتجديدها باستمرار، حتى لا تفقد أهميتها وجدواها، وحتى يساير الأستاذ والتلميذ آخر صيحة في العصر، سواء في العلم أو في الأدب.

        ومع الأسف نجد كثيراً من البلدان النامية، تدرس مناهج تتضمن أكاذيب ترمي إلى عبادة فرد أو تمجيد حزب. أو تدريس مناهج مستوردة وضعت لمجتمعات متقدمة، ويؤدي تدريسها إلى توسيع الهوة بين الطليعة المثقفة وعامة الشعب، أو تدريس مناهج قديمة غير ملائمة للعصر، وغير مفيدة للتلميذ. أو تعتمد على الكتاب المدرسي وحده.

الهدف من بناء العلاقة التعليمية:

        ويهدف الروائيون من بناء العلاقة التعليمية في الرواية إلى نقد المناهج في ظل الاستعمار والاستبداد الفردي والحزبي، أو إلى اظهار قدمها وعدم مسايرتها العصر، أو إلى إبراز نقص تكوين المعلمين والدعوة إلى ترقيه مستواهم العلمي والمادي، كما أنها قد تتعرض لقضايا تربوية أخرى كاكتظاظ الأقسام، والتسرب المدرسي وطغيان الجانب النظري على التعليم.

تمرين 1:

        إقرأ النصوص الآتية ثم أجب عن أسئلتها:

1- معلم الأخلاق (محمد ديب):

        "ما إن جلس التلاميذ على مقاعدهم حتى أعلن المعلم بصوت كأنه صوت البوق أن الدرس درس أخلاق.

        - أخلاق.

        الدرس درس أخلاق. إذن في وسع عمر أن ينتهز هذه الفرصة ليمضغ الخبز الذي كان في جيبه، ولم يستطع أن يعطيه للمقمط بقميص الكاكي.

        سار المعلم بضع خطوات بين مناضد التلاميذ. فتبددت الضوضاء الصمّاء، ضوضاء ضرب الأرض بالنعال، وخبط المقاعد بالأرجل، والنداءات والضحكات والهمسات. وخيم الهدوء المؤقت على القاعة كأنما بسحر، فإذا التلاميذ يحبسون أنفاسهم، وينقلبون إلى أولياء صالحين. ولكن رغم سكوتهم، ورغم اجتهادهم، كان يتموج في الجو فرح خفيف مجنح، متراقص كالضياء.

        سر الأستاذ حسن، فسار إلى منبره، وأخذ يقلب أوراق دفتر كبير، ثم قال:

        - الوطن...

        لم يكترث الصبية بالنبأ. إنهم لا يفهمون. وعسكرت الكلمة في الهواء تهتز.

        - من منكم يعلم معنى كلمة: الوطن...

        فقامت حركات عكرت هدوء الفصل. فضرب المعلم إحدى المناضد بعصاه، فأعاد إلى القاعة النظام. بحث التلاميذ فيما حولهم، وطافت نظراتهم بين المناضد، وعلى الجدران، ومن خلال النوافذ، وفي السقف، وفي وجه المعلم. ظهر واضحاً أن الوطن ليس في أي مكان من هذه الأمكنة التي طافت بينها نظراتهم. إن الوطن ليس في الفصل. ونظر التلاميذ بعضهم إلى بعض. إن منهم من كان يضع نفسه خارج المنافسة، ويصبر راضياً سعيداً.

        رفع ابراهيم بالي إصبعه. ها... إذن هو يعرف. لاغرابة. إنه يعيد سنته، فلابد أن يعرف.

        قال ابراهيم: - فرنسا هي أمنا الوطن.

        كان صوته الأخنف هو الصوت الذي يصطنعه كل تلميذ حين يقرأ. فحين سمع التلاميذ هذا الكلام، أصبحوا يقرقعون جميعاً أصابعهم، أصبحوا يريدون جميعاً أن يتكلمواك ودون استئذان رددوا العبارة نفسها متنافسين.

        كانت شفتا عمر مزمومتين، فهو يعجن في فمه لقمة من الخبز. فرنسا، عاصمتها باريز إنه يعرف هذا. الفرنسيون الذين يراهم في المدينة، قادمون من تلك البلاد. وإذا أراد أحد أن يذهب إلى هناك، أو أن يعود من هناك، عليه أن يجتاز البحر، أن يركب باخرة... البحر، البحر الأبيض المتوسط. إنه لم ير البحر في حياته، ولا رأى باخرة. ولكنه يعرف: يعرف أن البحر مساحة كبيرة من الماء المالح، وأن الباخرة نوع من خشبة كبيرة عائمة، وفرنسا، رسم ملون بعدة ألوان. ولكن كيف تكون تلك البلاد البعيدة أمه... إن أمه في البيت. إنها "عيني". وليس له أمان اثنان. "عيني" ليست فرنسا، ليس ثمة أشياء مشتركة بين أمه وفرنسا. لقد اكتشف عمر الكذبة. فرنسا ليست أمه، سواء أكانت هي الوطن ام لم تكن هي الوطن. إنه يتعلم أكاذيب، تحاشياً لعصا الزيتون الشهيرة."

الثلاثية -الدار الكبيرة ص 23

الأسئلة:

1- لماذا فرح التلاميذ عندما علموا أن الدرس درس أخلاق؟

2- لماذا كان بعضهم يضع نفسه خارج المنافسة، وهو راض وسعيد؟

3- ما الذي جعل ابراهيم وحده، يجيب عن هذا السؤال من دون تلاميذ القسم كلهم؟

4- لماذا كان عمر يعرف أن أمه الوطن ليست فرنسا؟ ولماذا لم يستطع أن يعترض؟

5- ما دام المعلم يعلم أكاذيب فهو كاذب، وما دام التلميذ يتعلم أكاذيب دون أن يعترض. فهو كاذب أيضاً، فهل يهدف هذا النص إلى نقد المعلم والتلميذ أم إلى نقد المنهاج؟ وضح وعلل.

6-  هل توافق على استعمال العصا كوسيلة تربوية؟ علل إجابتك.

2- أستاذ اللغة العربية (الطاهر وطار):

        "حاول أن يكتب باللغة العربية، أن يقول على غرار شعراء المعلقات، وفحول شعراء الغزل، لكن الانغلاق في لغة القاموس التي يتلقاها في شكل متخلف جدا بالنسبة للغة الفرنسية، جعله يعدل، ينتقم من أستاذ اللغة العربية الذي يكلفهم بكتابة إنشاء، ثم يطلب من كل واحد منهم أن يعرب ما كتب، من أول كلمة إلى آخرها، والويل لمن أخطأ، والجميع يخطئ بلا استثناء، يصب جام غضبه عليهم واحدا واحدا، ناعتا إياهم بمختلف نعوت الجهل والكسل والغباوة، ثم يأمرهم بحفظ قصيد مطول استعدادا لإعرابه في الأسابيع القادمة، وهكذا تضيع السنة الدراسية في المبتدأ والخبر والنعت والمنعوت والجملة وشبه الجملة، والبدل والحال ومقول القول، فلا يبقى من القصيد المسكين ومن الشاعر الذي أبدعه، ومن الصور الفنية التي يتضمنها، غير ما قننه الخليل بن أحمد."

                        الشمعة والدهاليز ص 102

الاسئلة:

1- لماذا لم يستطع الراوي أن يكتب باللغة العربية؟ وما الأسلوب الذي كان يدرس به الأستاذ الإنشاء؟

2- ما السبب الذي جعل تعليم العربية متخلفا جدا بالنسبة إلى تعليم الفرنسية في زمن الاستعمار؟ وهل كانت الوسائل المتاحة للغتين متكافئة من حيث تكوين الأساتذة، وتوفير الشروط البيداغوجية بما فيها الكتب والقواميس؟

3- أين تكون أساتذة اللغة العربية؟ وأين تكون أساتذة اللغة الفرنسية؟ وعلى من يقع اللوم في نظرك على الأستاذ أم الاستعمار أم التخلف؟

4- هل تطور تعليم اللغة العربية في بلادنا بعد الاستقلال؟ وضح إجابتك وعللها.

3- مدرس اللغة العربية (توفيق الحكيم):

        "منذ تلك الليلة وأنا أسير في طريق الجد... حتى قراءاتي اتخذت اتجاهاً جديداً جاداً... فمن بين كتبي التي لم تفقد، واحتفظ بها حتى الآن، كتاب "المحاسن والأضداد" للجاحظ... لاشك أني اشتريته في ذلك العهد، لأنه مكتوب عليه بخط يدي اسمي كاملاً، والسنة الدراسية "سنة أولى ثانوي... فصل أول...

        على أن الفضل في هذا الاتجاه يرجع أيضاً إلى مدرس جديد للغة العربية، جاءنا ذلك العام... كان معمماً إلا أنه عصري في تفكيره، لم يشأ التقيد كغيره بالبرامج العتيقة، فجعل يحبب إلينا الأدب العربي، ويجذبنا إليه بالإقلال من شعر المديح والحكم والمواعظ التي كانت تثقل على قلوبنا الفتية، والإكثار من شعر الغزل الرقيق للعباس بن أحنف، ومهيار الديلمي، وعمر بن أبي ربيعة، ومن شابههم. وكان الفصل وأغلبه من المراهقين والشبان اليافعين الملتهبين يضج بالإعجاب والاستحسان. ويستعيد ويطالب بالمزيد، ويسأل عن المصادر، ويدون في الدفاتر. كنا في سن العواطف المشتعلة... في سن تريد الحديث عن الحب والهيام والشعور الجميل والخيال البديع. كنا نريد أن نسمع:

     آبعثوا أطيافكم لي في الكـرى     إن أذنتم لعيوني أن تنــــــامْ

أو: غيضن من عبراتهن وقلن لي      ماذا لقيت من الهوى ولقينا؟!

        ولانريد أن نسمع، ولايهمنا أن نسمع:

    علو في الحياة وفي الممــاتِ     لحق أنت إحدى المعجـــزاتِ

        ومنذ ذلك الحين بدأ اهتمامي الحقيقي الواعي بالأدب العربي، وعلى الرغم من ان هذا الأستاذ هو الذي حبب إلينا هذا الأدب، مما جعل البعض يحشرون في موضوعات إنشائهم أبيات الشعر يملحون بها أسلوبهم، وجعل البعض الآخر يستخدم فيه السجع، ويرصعه بالعبارات الرصينة، إلا أنه مع ذلك أدهشني ذات يوم، عندما منحني أعلى الدرجات بموضوع إنشائي لم أعن فيه بحشر أبيات شعرية، ولا برص عبارات محفوظة، موضوع كتبته وأنا شبه مريض مكدود، أطلقت فيه نفسي على السجية، وتركت قلمي يجري ببساطة من لايريد أن يبذل جهداً في الإنشاء، او يتكلف تأنقاً في البيان. كنت أتوقع منه توبيخاً، فإذا بي أتلقى منه تقريظاً، وهو يسلمني كراسة الإنشاء بعد تصحيحها قائلاً لي:

        "أحسنت: إن خير البيان مالا يتكلف فيه البيان..."

        لست أدري كيف نسيت اسم هذا الشيخ، وقد كان جديراً أن ينقش في ذاكرتي دائما..."

حياتي ص 128

الأسئلة:

1- وضح عبارة "كان معمماً إلا أنه عصري في تفكيره" وهل ترى تناقضاً في ذلك؟ ومن أين كان الأساتذة المعممون يتخرجون في مصر وفي تونس؟

2- ما الفرق بين المدرس الجديد وغيره من المدرسين؟

3- لماذا كان التلاميذ يحبون شعر الغزل؟

4- بماذا أدهش الأستاذ تلميذه "الحكيم"؟

5- هل تعتقد مع الأستاذ "أن خير البيان مالا يتكلف فيه البيان"، أم تعتقد أن التعبير أو الإنشاء هو بناء لابد فيه من الصناعة والتكلف؟ علل رأيك مستشهداً بتجربتك الشخصية.

6- قارن بين أسلوبي الأستاذين في النصين السابقين، وبين إيجابية علاقة كل منهما مع التلاميذ أو سلبيتها، ووضح الأسباب إن كانت علمية أو بيداغوجية.

4- أستاذ الرياضيات (تولستوي):

        "ثم بدأ الشيخ الدرس:

        - والآن يا آنسة...

        قال ذلك وهو يميل على الدفتر مقترباً من ابنته اقتراباً شديداً، واضعاً يده على مسند المقعد الذي تجلس فيه، فكانت الأميرة تحس أنها محاطة من كل جهة برائحة التبغ، وعفونة الشيخوخة التي تعرفها منذ مدة طويلة. ومضى الأمير الشيخ يكمل كلامه:

        -... الآن يا آنسة، هذان المثلثان متساويان: فالزاوية ب جـ د، كما ترين... كان واضحاً أنها لاتفهم شيئاً، وأنها قد بلغت من الخوف، أن الخوف سيمنعها من فهم الشروح التي سيقدمها أبوها، مهما تكن هذه الشروح واضحة. كان هذا المشهد يتكرر كل يوم، سواء أكان الذنب في ذلك ذنب الأستاذ أم ذنب التلميذة: يضطرب بصر الأميرة فلا ترى شيئاً، ولاتسمع شيئاً، ولا تشعر بشيء سوى ان أباها القاسي، قريب وجهه من وجهها كل القرب، ولا تحس إلا أنفاسه ورائحته، ولا تفكر إلا في الهروب من حجرته بأقصى سرعة ممكنة، لتستطيع أن تفهم المسألة في غرفتها على مهل. وينفذ صبر الشيخ فيدفع مقعده ثم يقربه محدثاً ضجة شديدة، ويحاول جاهداً أن لا يغضب، ولكنه ينتهي إلى الغضب والصياح في كل مرة تقريباً، وربما ألقى بالدفتر إلى الأرض أيضاً.

        أجابت الأميرة جواباً خطأ، فصرخ الأمير قائلاً وهو يدفع الدفتر، ويشيح عنها بحركة عنيفة:

        - هل يمكن ان يكون أحد غبياً إلى هذا الحد من الغباء؟

        ولكنه لم يلبث أن قام، فسار في الغرفة بضع خطوات، وعاد يلامس بيديه شعر الأميرة ويجلس بقربها، ويقول لها بينما هي تأخذ الدفتر مع واجبات الغد، وتطويه متأهبة للمغادرة:

        - لايسير الأمر سيراً حسناً يا أميرة. إن الرياضيات شيء عظيم. لا أحب لك أن تكوني شبيهة بسيداتنا هؤلاء الحمقاوات التافهات. بالصبر الطويل لابد أن تحبيها أخيراً فتخرج السخافات من رأسك. قال الأمير لابنته ذلك، ولامس خدها مداعباً."

الحرب والسلم (1) ص 274

الأسئلة:

1- ما الذي منع الأميرة من فهم المسألة؟

2- هل الخوف دليل على العلاقة الإيجابية أم السلبية بين التلميذ والأستاذ؟ علل رأيك مبيناً علاقة الخوف بالثقة.

3- هل تعتقد ان أسلوب القسوة مفيد في التعليم؟ وما الفرق بين الحزم والقسوة؟

4- هل تعتقد أن إهانة التلميذ أو وصفه بالغباء، تثير همته وتوقظ ذهنه؟ علل إجابتك مبينا إيجابية أو سلبية هذا التصرف.

5- ما الخلل في العلاقة بين التلميذة الأميرة وأبيها الأستاذ، هل هو خلل معرفي أم بيداغوجي يتعلق بطريقة التعليم؟ علل إجابتك.

تمرين:

        بين في نص مشابه للنصوص التي مرت بك، علاقة إيجابية بين أستاذ وتلميذه، مستوحاة من تجربتك الشخصية، مبيناً تمكن الأستاذ من مادته، ومهارته في تدريسها، وحسن تعامله مع تلاميذه، وكيف كسب احترامهم وثقتهم ومحبتهم وتجاوبهم معه.

2- علاقة الجوار:

        أشرنا في التمهيد لهذا الكتاب إلى أهمية علاقة الجوار، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه." متفق عليه. وقد حث الإسلام على رعايته وعدم إيذائه، ولأهمية الجار في حياة الإنسان، قال المثل العربي: "الجار ولو جار". فالجار هو الذي يشهد أفراحك ونجاحك فيفرح لك أو يتظاهر بأنه يدعو لك ويدعو عليك، وهو الذي يحضر أحزانك فيشمت بك أو يأسى عليك، ويحصي نعم الله عليك فيغبطك أو يحسدك، ويعرف أسرارك فيكتمها أو يفضحها، ويطلع على عيوبك فيسترها أو يكشفها، لذلك قال المثل: "الجار قبل الدار".

        والجيران إذن أنواع، فهناك الجار الفضولي الذي يتلقط أخبارك واخبار غيرك من الجيران، ثم يشيعها في الحي بعد أن "يملّحها" و"يفلفلها" و"يبهّرها". والجار الثرثار الذي ما أن يلقاك حتى يلصق بك محدثاً إياك في السياسة والفن والاقتصاد وغلاء الأسعار وارتفاع الفرنك والدولار وانخفاض الدينار، والجار الجشع الذي يطرق بابك كل يوم "مستعيراً" و"مستديناً" و"مستوهباً"، وقائمة مطالبه لاتنتهي، والجار الطروب الذي يفتح بيته لحفلات الغناء والرقص الصاخبة، ويطربك رغم أنفك حتى الصباح، والجار الانعزالي الذي يحول بيته إلى صومعة، فلا يزور أحداً ولا يستقبل أحداً. والجار الاجتماعي الذي يزورك باستمرار مع عائلته وأولاده الصغار، ويقلب مسكنك إلى دار حضانة، والجار المثقف الذي يذكرك بموعد مقابلته التلفزيونية، ويسألك عن رأيك المفصل فيها، ويلفت نظرك إلى مقاله الأسبوعي في الجريدة الفلانية، ويظهر استعداده لمناقشتك فيه، والجار المتعجرف المتباهي بغناه أو منصبه، والذي لايرد عليك حتى تحية الصباح، والجار المتعصب لدينه أو طائفته أو لغته أو عرقه، ولايثق بك وينظر إليك شزراً إذا لم تكن ممن ينتسبون إلى مجموعته الدينية واللغوية والعرقية.

        ولعلك لست بأفضل ولا أسوأ من هؤلاء، ولا يمكنك أن تفصل جيرانك على مقاسك، ولكنك يمكن أن تفضلهم بتسامحك، وبالتغاضي عن عيوبهم، وقبولهم على علاتهم، فتكسب احترامهم وثقتهم ومحبتهم، وتتعاون معهم في تنظيم ونظافة الحي أو العمارة، وتوفير المرافق الضرورية للحياة الكريمة لكم ولأطفالكم من حديقة للتسلية ومكتبة للمطالعة، وساحة للعب، أما إذا سار كل هواه، وغنى على ليلاه، فسيصبح الحي كومة أحجار وبركة قاذورات، واقرأ عليه وعلى التنظيم والنظافة فيه السلام.

الهدف من بناء علاقة الجوار:

        الهدف من بناء علاقة الجوار مرتبط بالهدف الأساسي من نسج العلاقة أو العلاقات الأساسية في الرواية، فعلاقة "قره علي" بجيرانه الفلاحين في رواية "الحريق" كشفت لنا عن أنانيته، وكره جيرانه وحسدهم وإحراق مساكنهم جرياً وراء مصلحته، كما كشفت لنا عن طيبة زوجته "ماما" وتعاطفها مع جيرانها في مصائبهم، وقد يكشف الروائي من خلال المصائب والكوارث كالزلازل والحرائق والأمراض الخير الموجود في النفس الإنسانية، فنرى تعاون الجيران، وتضحية بعضهم في سبيل إنقاذ الآخرين، ونشهد نبلهم وشجاعتهم وسموهم في الأزمات والملمات. ولكن الروائيين أيضاً يهدفون أحياناً من بناء هذه العلاقة إلى نقد السلوك الاجتماعي المبني على التعصب الديني أو العرقي أو اللغوي، أو إلى نقد بعض الطباع الإنسانية كالأنانية والجشع واللامبالاة والتباهي بالمظاهر الفارغة، واتكال كل فرد على الآخر في الأعمال العامة التي تهدف إلى خدمة الحي وترقية المجتمع.

        ومما تقدم نستنتج أن الروائيين يبرزون في بناء علاقة الجوار الاختلاف في البيئة والتربية بما في ذلك العرق واللغة والدين، والاختلاف في الثقافة أو الطباع أو المزاج أو القيم. ونقيس إيجابية العلاقة بتوفر الأسس الأربعة وهي الاحترام والثقة والمحبة والتعاون، وبفقدانها أو بفقدان بعضها يحل الشك والحذر والخوف محل الثقة، والكره محل المحبة وينعدم التعاون بين الجيران.

        وسنقدم نموذجين عن علاقة الجوار من خلال نصين للطاهر وطار ونجيب محفوظ، تاركين للتلاميذ أثناء التطبيق استخراج علاقات الجوار السوية منها والشاذة، والإيجابية والسلبية من الروايات الجزائرية والعربية والعالمية، ودراسة أسباب نجاحها أو تدهورها.

تمرين 1:

        إقرأ النصين الآتيين ثم أجب عن أسئلتهما:

1- الجيران (الطاهر وطار):

        ألقى النظر على الجيران الذين يحتلون الجزئين السفلي الأيمن والسفلي الأيسر بالنسبة إليه وهو داخل أو خارج، والذين لايعرف أسماءهم، ولا عدد أفراد أسرهم، ولا ماذا يفعلون في هذه الحياة. لم يرد على تحية أحدهم، ولم يقل لأحدهم في يوم من الأيام: السلام عليكم أو صباح الخير أو مساء الخير. لقد اعتبرهم من اول يوم ممن ينبغي أن يشملهم العقاب بالتدهلز التام. تجاهلهم.

        هم بدورهم، اهتموا بأمره قليلاً في أول الأمر، ثم محوه من قائمه المتواجدين في المنطقة، فلم يدعوه مرة لعرس أو حفل، أو يقدموا له طبق حلوى في عيد من الأعياد التي يحلوله أن يقضيها في الداخل، والنوافذ جميعها مغلقة. ولو لا ما يثور في نفوسهم من حسد، أو بالأصح من تمن مشروع، لما كان لوجوده بينهم أي وجود.

        هذا المسكن المتكون من طابق كامل لفيللة كبيرة، محتكر من شخص واحد، بينما هم يقتسمون الطابق السفلي، وعددهم يتكاثر يوماً بعد يوم، حتى إن بعضهم تجرأ يوماً فاقترح بطريقة غير مباشرة، وبعيدة عن جميع الشبهات التصفية الجسدية لهذا المخلوق، وكان رد أحدهم أيضاً، بنفس الأسلوب التلميحي، بأن الدار ستحتل من طرف غيرهم أحبوا ذلك أم كرهوا.

        إنها ملك للمعهد، وسيمنحها لأستاذ آخر، والأفضل أن يحتفظوا "بشيئهم" هذا."

الشمعة والدهاليز ص 14

الأسئلة:

1- قيم علاقة الشاعر بجيرانه من حيث إيجابيتها أو سلبيتها من خلال الأسس الأربعة للعلاقة وهي الاحترام والثقة والمودة المتبادلة والتعاون في ترقية الحي مادياً ومعنوياً. دعم إجابتك بشواهد من النص.

2- هل هذا الخلل في العلاقة موجود في كل المدن؟ أم في مدن الجزائر بالذات؟ أم لدى الشاعر وجيرانه فحسب؟ وضح رأيك وبين السبب إن استطعت.

3- بين العبارة التي تدل على انهيار العلاقة الإنسانية في النص وتحولها إلى علاقة آلية.

4- ما الذي يكشفه لك النص من طباع الشاعر ومن أخلاق جيرانه؟

5- عدد مظاهر حسن الجوار في منطقتك وتقاليدها في معاملة الجيران، وبين التغير الذي طرأ عليها إن وجد مع التعليل.

2- زيارة إلى الجارة الجديدة (نجيب محفوظ):

        "زارني اليوم نساء الحي من الجيران للترحيب بي والتعرف إلىّ كما جرت العادة: "فابتسم أحمد الذي يقدر سرور أمه بمعرفة الناس وولعها بالزيارة، وقال لها: - هنيئاً لك!

        فضحكت وهي تتناول منه سيجارة ثم أشعلتها وهي تقول:

        - فيهن نساء لطيفات سيملأن غربتنا حرارة وحبوراً!

        - لعلك أن تنسي بهن الصديقات القديمات من نساء السكاكيني والظاهر والعباسية!

        فكبر عليها قوله، وصاحت به:

        - أينسى الكريم أحبابه؟ !... هن روحي وحياتي، ولن يفرق بيننا البعد مهما امتد وطال.

        - ونساء الحي من أي نوع هن؟ !

        فقالت المرأة باهتمام وبلهجة من ينبري للدفاع.

        - لسن من السفلة ولا من الغجر كما ظننت، وبعض الظن إثم. وكان بين اللاتي زرنني زوج موظف بالمساحة يدعى كمال خليل، وزوج آخر بالمساحة أيضاً يدعى سيد عارف. وجاءتني أيضاً زوج صاحب قهوة الزهرة وشقيقته، والزوجة امرأة طيبة القلب، أما شقيقة زوجها فينطق في عينيها المكر والشر، وإن سترت ذلك كله بغلالة شفافة من الرقة والابتسام!

        - داريها هي وأمثالها باللطف، فإنه إن يبلغها شيء عنك كشفت وجهها علينا!

        - لا سمح الله يابني: وأخذنا في كذب النساء طويلاً وكذب النساء لذيذ، فهذه أبوها فقيه كبير يتبارك الناس بتقبيل يديه، وتلك كريمة تاجر واسع الثروة، والثالثة قريبة مدير حسابات الداخلية، والرابعة مرضت مرضاً أنفقت عليه عشرات الجنيهات!

        وضحكا معاً، ثم سألها الكهل ومازال ضاحكاً:

        - وكيف كان كذبك؟ !

        فقالت وهي تحدجه بنظرة ضاحكة:

        - يسيراً لاتثريب عليه يوم الحساب. فأبوك أحيل على المعاش منذ زمن يسير، وكان مفتشاً بوزارة الأوقاف. وأما أبي     -جدك- فكان تاجراً. وأنت يانور عيني رئيس قلم بوزارة الأشغال، ولك من العمر اثنان وثلاثون عاماً لاغير فتذكر!

        - ياخبر!

        - لا فائدة من الاعتراض، وإياك وتكذيب الكذب! وأنا أكبرك بثلاثة عشر عاما، فأنا في الخامسة والأربعين.

        - هل ولدتني وأنت طفلة؟ !

        - الأنثى تلد في الثانية عشرة من عمرها؟

        - هذه أخت وليس بأم.

        - صدقت فالولد الأكبر أخو والديه. أما أخوك فوكيل بنك مصر بأسيوط! فهذ الرجل رأسه عجباً وقال:

        - كيف تؤاتيكن الجرأة على تزييف حقائق لن تخفى طويلاً عن أعين الجار، ولا بد أن تنكشف حقيقتها يوماً ما؟ !

        فقالت ببساطة:

        - غداً تؤلف العشرة بين قلوبنا ونعرف الحقيقة رويداً رويداً بلا سخرية ولا تعيير. ولو أنني قلت الحقيقة بغير زيادة، لما صدقنني كما لايصدقنني الآن، ولا نتقصن من رأس المال بدلاً أن ينتقصن من الفائدة!

        - يا لكن من كاذبات لا يشق لهن غبار!

        - وماذا عليك من هذا؟ ! طوبي لكذب غايته الرفعة والفخر. إن كذب النساء بلسم لجروح دامية. متعك الله بعروس تعاطيك أجمل الكذب وأشهاه."

الأعمال الكاملة. خان الخليلي ص 48-50

الأسئلة:

1- كيف تجد علاقة الساكنة الجديدة بجاراتها القديمات في أحياء السكاكيني والظاهر والعباسية؟ دعم إجابتك بشاهد من النص.

2- هل تعتقد أنها انتقلت إلى حي أرقى أو أدنى مستوى من الحي الذي كانت تقطنه؟ علل رأيك بشاهد من النص.

3- كيف تتوقع أن تكون علاقتها بجيرانها الجدد؟ وضح رأيك وعلله.

4- ما المبرر الذي ساقته المرأة لابنها عن كذب النساء؟ وما رأيك فيه؟

5- هل تعتقد أن ثقافة المرأة تجعلها تترفع عن الكذب والادعاء أم لا؟ علل رأيك.

تمرين 2:

        ابن علاقة جوار تحولت من سلبية إلى إيجابية بفضل تسامح أحد الطرفين وصبره على جاره، ومساعدته له في وقت الشدة، مبرزاً الاختلاف بينهما في المستوى الاجتماعي أو الثقافة أو الطباع أو المزاج، وبين كيف أمكن تجاوز هذا الاختلاف.

3- العلاقات الوظيفية:

        العلاقات التي تتصل بالوظيفة قسمان: علاقات الموظف بالمواطن، والعلاقات الوظيفية التي هي علاقة الزمالة وعلاقة الرئيس بالمرؤوس. والعلاقات التي نعنيها هنا هي علاقات موظفي القطاع العام لا القطاع الخاص، لأن طبيعة كل منهما تختلف لاختلاف معايير التوظيف والترقية فيها.

        والعلاقات الوظيفية في ظل الأنظمة الاستبدادية الفردية أو الحزبية، لا مجال فيها لتكافؤ الفرص والمنافسة الشريفة واحترام الكفاءات في التعيين والترقية، التي لا يحصل عليها إلا المتسلقون والمتزلفون لأنهم يتقنون أساليب الرياء والنفاق في عبادة الفرد أو تمجيد الحزب للحصول على وظيفة أو للمحافظة عليها أو للارتقاء بسرعة الصاروخ في السلم الوظيفي، كما أن العشائرية والمحسوبية والرشوة كثيراً ما تكون معايير مقبولة في بعض المجتمعات النامية للترقية والتعيين.

الهدف من بناء العلاقة:

        ويهدف الروائيون من بناء علاقة الموظف بالمواطن إلى نقد الممارسات البيروقراطية في الإدارة. وإلى إلقاء الضوء على بعض الممارسات الاجتماعية السلبية كالرشوة والعشائرية والغش والمحسوبية في بعض المجتمعات مما يفقد المواطن احترام الإدارة وثقته فيها.

        أما العلاقات بين الموظفين أنفسهم فقوامها الخوف والكذب والنفاق والتزلف، بدلاً من الاحترام والثقة، والكره بدلاً من الحب، مما يؤدي إلى فقدان التعاون الحقيقي من أجل مصلحة المواطن. وهدف الروائيين من كل هذا الدعوة إلى إصلاح الإدارة، وإحلال القانون الذي ينص على تكافؤ الفرص في التوظيف والترقية، دون تلاعب وغش في إطار الشفافية التامة. ولايغيب عن ذهننا أن هذه الصورة القاتمة والعلاقة السلبية، تقابلها صورة مشرقة لكثير من الموظفين الذين تملي عليهم أخلاقهم وضمائرهم، العدل بين المواطبين، وخدمتهم بشتى الوسائل، ولا يأبهون للضغوط أو الإغراءات المادية والمعنوية.

زمالة العمل (نجيب محفوظ):

        "واستيقظ "محجوب" مبكراً، ومضى إلى الوزارة وانتظر "الإخشيدي" في حجرته، وجاء المدير عند تمام التاسعة، فتصافحا بمودة ظاهرة، وشربا القهوة معاً. وقال له الإخشيدي وهو يهيئ مكتبه:

        - شيء لا يصدق! أتعلم أن أكثرية طلبات الإعفاء من المصروفات مقدمة من ذوي اليسار؟ ! ولم يكن محجوب -في ذلك الوقت على الأقل- ليهتم بأمثال هذه الأمور، ولكنه لم ير بداً من التظاهر بالدهشة، وقال:

        - شيء لايصدق حقاً!... وكيف يسوغون التماساتهم؟

        وقال الإخشيدي: - لاحاجة ماسة إلى التسويغ، حسب أحدهم أن يقهقه ضاحكاً، وأن يقول لقاسم بك: "ألا يكفينا هبوط أسعار القطن؟ !" ثم مزاح فمداعبة فموافقة! ثم جعل كعادته يتهكم من أحوال البلد، وتصرفات كبار الموظفين وصغارهم، فلم يسلم من لسانه سوى قاسم بك، ولعل ذلك إلى حين... والتفت إلى محجوب قائلاً:

        - لاتنس أن عملك يحتاج إلى لباقة وحسن تصريف للأمور. ثم غلبه طبعه في التهوين من شأن الغير وأعمالهم فقال: - هو سهل في ذاته، بل هو لعب، لايحتاج بطبيعة الحال إلىفلسفة أو علم، ولكن إلى لباقة...

        فقال محجوب باهتمام:

        - أرجو أن أنتفع بإرشادك...

        - يسرني أن أجد مساعداً مخلصاً لي، ولذلك احتفظت لك بهذه الوظيفة على كثرة المتقاتلين عليها، ولذلك أيضاً ينبغي أن نكون يداً واحدة لأن أعداءنا كثيرون. لا يغرنك ما تلقى من بشاشة. فالعادة أن الموظفين يقبلون على صاحب السلطان ما أقبلت الدنيا عليه، فإذا أفل نجمه فأكرمهم من يدبر عنه دون أن ينشب فيه أظفاره. فلنكن يداً واحدة.

        وتحدث الإخشيدي طويلاً على غير عادته. وفكر محجوب طويلاً فيما يدعو إليه الآخر من أن يكونا يداً واحدة! فقال مخاطباً صاحبه في سره: وقعت في شر منك، وساقك الحظ إلى مساعد من طينتك، يفهم الإخلاص كما تفهمه، ولكل شيء آفة من جنسه، وليست منزلتي عند "البك" دون منزلتك، فإذا كنت مهرجه فأنا زوج عشيقته!

        وحاء الساعي الضخم وأعلن حضور قاسم بك، فنهض الإخشيدي، واصطحب محجوب إلى حجرته، وصافحهما البك بسرور، وهنأ الشاب على تسلمه العمل، وقال له برقة:

        - أرجو لك التوفيق، والمستقبل الباهر... !

        وغادرا احجرة البك، وسار به الإخشيدي إلى حجرة "السكرتير الخاص" وقد قام ببابها ساع طاعن في السن، وكانت حجرة مستطيلة اصطفت على جانبيها المقاعد الجلدية، وتصدرها مكتب كبير. قال الإخشيدي:

        - أستودعك الله، سأبلغ مدير المستخدمين أنك تسلمت عملك اليوم.

        وكان الإخشيدي يقول لنفسه: أما كان الأحكم أن يلحق الشاب بوظيفة بعيدة عن المكتب؟ فليس مما يرتاح إليه أن يوجد في نفس المكتب شخص له هذه العلاقة الوثيقة بالبك!."

الأعمال الكاملة (3) القاهرة الجديدة ص 808-809

الأسئلة:

1-  ما الذي يكشفه لك هذا النص من طباع كل من المدير ومساعده؟

2- هل حصل محجوب عبد الدائم على الوظيفة بكفاءته أم بوسيلة أخرى؟ علل رأيك بشاهد من النص.

3- قيم العلاقة بين محجوب والإخشيدي من حيث إيجابيتها أو سلبيتها، وهل هي مبنية على الود الصادق والثقة والاحترام المتبادلين، أم على النفاق والشك والحذر؟ دعم رأيك بشواهد من النص.

4- هل تعتقد أن هذا النوع من الموظفين يحترم المواطنين ويضع نفسه في خدمتهم دوم تمييز بينهم؟ وضّح رأيك وبين كيف يجب أن تكون علاقة الموظف الإداري بالمواطن.

5- هل تعتقد أن علاقة الموظفين فيما بينهم عندنا تشابه العلاقة الواردة في النص أو تختلف عنها؟ استشهد بأمثلة من الواقع.

6- قيم علاقة الموظفين الإداريين بالمواطنين عندنا، وبين إيجابياتها ووسلبياتها.

تمرين 2:

        ابن علاقة وظيفية بين موظف مستقيم، وموظف مرتشٍ عينا في لجنة واحدة لتعيين الموظفين. وأظهر من خلال حوارهما اختلاف معايير كل منهما في انتقاء الناجحين من المترشحين.

4- علاقات التنافس:

        ليس التنافس وقفاً على الرياضيين وحدهم، فالحياة كلها ميدان سباق يتنافس فيه الناس لتحقيق غاياتهم والوصول إلى أهدافهم، كل حسب ذكائه وإمكانياته ومواهبه، ووسائله النبيلة أو الخسيسة، فمنهم من يحتل المراتب الأولى، ومنهم من تكون من نصيبه الأخيرة، والمنافسة تبدأ مع الطفل منذ الصغر في البيت والمدرسة والحي ثم في الحياة العملية والمهنية، ومجتمعنا قائم على المنافسة في كل جوانبه السياسية والاقتصادية والثقافية والمهنية والرياضية وحتى العاطفية، لأن كل أنظمتنا تقوم على الامتحانات والمسابقات للنجاح أو الحصول على منصب أو الفوز بجائزة، والتنافس يدفع الأفراد والجماعات إلى العمل والنشاط ومحاولة التفوق وبذلك يساهم في تقدم الإنسان في شتى المجالات. وللمنافسة شرطان أساسيان: أن تكون شريفة تضمن تكافؤ الفرص لكل المتنافسين، لتحقيق العدل بينهم، وهذا يعني أن تكون نظيفة وخالية من الغش والتلاعب الظاهر والباطن، وأن يتحلى المتنافسون بالروح الرياضية، فيقبلون الإخفاق كما يقبلون النجاح.

        ولكن هناك أناساً لايقبلون الإخفاق، ويحاولون تحقيق النجاح بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وهؤلاء الناس خطرون لأنهم يزيفون قوانين اللعبة، ويغشون بجعل المنافسة غير شريفة، وهم متشابهون، فمن غش في الامتحان كمن غش في الانتخابات وكمن غش في المباريات الرياضية بأخذ المنشطات، وكمن غش في تعيين الموظفين على أساس العشائرية أو الحزبية أو المحسوبية لا على أساس الكفاءة، وكمن غش في منافساته التجارية مع الآخرين بالمضاربات غير المشروعة، وهكذا لأن كلاً منهم يخل بمبدأ تكافؤ الفرص، ولا يتحلى بالروح الرياضية، فيتلاعب بميزان العدل ليرجح الكفة لصالحه.

        والتنافس الشريف لايتعارض مع التعاون، فالأصدقاء يتنافسون فيما بينهم، لكنهم يتعاونون على مصاعب الحياة، وأعضاء الفريق المحلي يتنافسون فيما بينهم، ولكنهم يتعاونون للتغلب على الفرق المحلية الأخرى، والفرق المحلية تتنافس فيما بينها، ولكنها تتعاون لإنجاح الفريق الوطني. والتجار الصغار يتنافسون فيما بينهم، ويتعاونون عند الحاجة لمواجهة التجار الكبار. والصناعيون يتنافسون فيما بينهم، ويتعاونون لحماية مصالحهم، وحماية الصناعة الوطنية، ومواجهة الاحتكارات العالمية. والكتاب والصحفيون وأصحاب دور النشر يتنافسون فيما بينهم، ولكنهم يتعاونون للدفاع عن حرية الرأي والفكر.

الهدف من بناء العلاقة التنافسية:

        يهدف الروائيون من إبراز هذه العلاقة إلى الكشف عن دخيلة إحدى شخصيات الرواية وإلقاء الضوء على وسائلها الشريفة أو الدنيئة، وفي الوقت نفسه ينتقد الروائيون بعض الممارسات الاجتماعية القائمة على التنافس غير الشريف، أو عدم قبول الهزيمة، ويدعون إلى التسامح والتحلي بالروح الرياضية، ولعل القارئ الكريم يلاحظ بعض ممارسات المشجعين في العنف والتخريب، حين تهزم فرقهم في المباريات، سواء أكان ذلك في بلادنا أم حتى في البلدان الصناعية المتقدمة.

مباراة القوة (إرنسست همينغواي):

        "وفيما الشمس تجنح إلى الغروب تذكرّ لكي يعزّز ثقته بنفسه، يوم لعب في إحدى حانات الدار البيضاء لعبة "اليد الحديدية" مع زنجي عظيم، مثل "سيانفوغوس" كان أقوى رجال المرفأ وأشدهم بأساً. وكانا قد سلخا يوماً وليلة، ومرفقاهما فوق خط رسم بالطباشير على الطاولة، وساعداهما منتصبان، ويداهما مشتبكتان في إحكام. وكان كل منهما يبذل غاية جهده لكي يلوي يد الآخر، ويكرهها على أن تمس الطاولة. وراجت سوق المراهنة، وطفق الناس يدخلون الغرفة ويغادرونها على ضوء مصابيح الكيروسين. وكان هو قدرنا إلى ذراع الزنجي، ويده ووجهه. وتناوب المحكمون على مراقبتهما، مرة كل أربع ساعات، بعد الساعات الثمانية الأولى، لكي يكون في ميسورهم أن ينالوا حظهم من النوم. وتفجر الدم من تحت أظافر يده وأظافر يد الزنجي. ونظر كل منهما في عيني الآخر، وإلى يديه وساعديه. وتدفق المتراهنون إلى الغرفة غادين رائحين، وقعدوا على كراسي عالية، مستندة إلى الجدران، وأنشأوا يراقبون اللعبة. وكانت الجدران مدهونة بلون أزرق زاه، وكانت خشبية، وكانت المصابيح تلقي ظلالها عليها. كان ظل الزنجي هائلاً، وكان يتمايل على الجدار كلما عبثت النسائم بضوء المصابيح.

        وطوال اليل، تأرجح النصر ذات اليمين وذات الشمال. وقدم القوم شيئاً من خمر الـ "روم" إلى الزنجي، وأشعلوا له السجائر. ثم إن الزنجي أفرغ، بعد تناوله الشراب، جهداً هائلاً فوفق مرة إلى أن يلوي يد الشيخ -الذي لم يكن شيخاً آنذاك، ولكن سانتياغو البطل- نحواً من ثلاثة إنشات. بيد أن الشيخ مالبث أن أعاد يده إلى الارتفاع عينه تماماً. وفي تلك اللحظة عمرت الثقة فؤاده بأنه لابد غالب الزنجي، وعند بزوغ الفجر، ساعة أصر المتراهنون على أن يعتبر الفريقان متساويين، وهز المحكمون رؤوسهم. أفرغ الشيخ كامل قواه، فجأة، وأكره يد الزنجي على أن تنثني شيئاً بعد شيء ومست الخشب آخر الأمر. لقد استهلت المباراة صباح يوم من أيام الأحد، ثم لم تنته إلا صباح يوم الإثنين."

الشيخ والبحر ص 70

الأسئلة:

1- لماذا تذكر الشيخ مباراته مع الزنجي؟

2- كم استمرت المقابلة بين البطلين؟ وعلام يدل ذلك؟

3- اذكر أنواع المراهنات الرياضية التي تعرفها. وهل توافق عليها أم تستنكرها؟ دعم رأيك بالحجة.

4- هل تعتقد أن الشيخ "سانتياغو" كان يحترم خصمه أم يختقره؟ دعم رأيك بشاهد من النص.

5- هل سادت الروح الرياضية هذه المباراة أم لا؟ وما دليلك على ذلك.

6- ما أهمية الروح الرياضية في علاقات اللاعبين، وفي تصرفات المشجعين؟ وهل تجد هذه الروح في لاعبي الفريق الذي تؤيده في علاقاته مع الفرق الأخرى؟ وفي تصرفات أنصاره؟

7- كيف يمكن ترقية الروح الرياضية بين اللاعبين، وبين الأنصار؟

تمرين 2:

        ابن علاقة تنافسية إيجابية بين بطلين أو فريقين رياضيين تظهر فيها توفر شرطي المنافسة الحقيقية، وهما أن تكون شريفة دون غش أو تلاعب أو تأثير على الحكم، وأن تتوفر فيها الروح الرياضية لدى اللاعبين والمشجعين.

أو

        ابن علاقة تنافسية سلبية لايتوفر فيها هذان الشرطان لدى اللاعبين والمشجعين.

تمرين 3:

        ادرس في الرواية التي تطبق عليها، علاقتين اجتماعيتين، إحداهما إيجابية، والثانية سلبية، وقيمهما، وحدد مسؤولية طرفي العلاقة في النجاح أو الإخفاق.


لقراءة الخاتمة انقر هنا: الخاتمة

لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الثامن: نموذج من بناء علاقات الحب - الآفاق المسدودة(مولود فرعون)

 للاطلاع على فصول الكتاب، انقر هنا: العلاقات الإنسانية

للاطلاع على الكتب الأخرى، انقر هنا:  كتب أدبية وتربوية