البــاب الخامس: وصف المكان
من كتاب "فن الكتابة: تقنيات الوصف"
للكاتب: عبد الله خمّار
الفصل الثالث
القرية والمدينة
1 ـ وصف القرية:
القرية هي البرّية بجلالها وجمالها، وإشراقها وضيائها، وخضرتها ومائها، ورقة هوائها وزرقة سمائها.
هي صياح الديك ولثغة الشحرور وتغريد الطيور ومأمأة الخروف وثغاء العنزة ومواء القطة ونباح الكلب وخوار البقرة وخرير الساقية وأنين الناي، تتناغم وتنشد في تناسق وانسجام.
هي رائحة الأعشاب والنعناع والبابونج وعبير التفاح والبرتقال.
هي الخبز البيتي والحليب الصافي، والعسل الحر، وزيت الزيتون النقي.
هي ركوب الخيل والحمير، والبكور إلى الطاحونة لطحن القمح والشعير، وحمل الماء من العين والينبوع والغدير.
هي التمسك بالعادات الحميدة التي توارثناها عن آبائنا وأجدادنا من إغاثة الملهوف واحترام الكبير وإعانة الضعيف ورعاية حقوق الجار، وقد أصبحنا نفتقدها في المدينة، لذلك يسميها بعضهم "أخلاق القرية".
ولا يعرف فضل القرية إلا من عاش في المدينة، في بيوت أرضها وسقوفها وجدرانها وقلبها حجر، لا يدخلها النور والدفء إلا بمقدار، ولا يتجدد هواؤها، ولا يستساغ ماؤهأ، ولا ترى في كثير من أنحائها شمسها ونجومها وسماؤها.
كنا نهرب إلى أحضانها هربا من قيود الحضارة الزائفة، لننعم بالشمس والهواء والليل والنجوم والقمر والحرية، فنجد فيها ملاذا من الصخب والضوضاء والقلق والتلوث. تتجاور فيها المخلوقات دون حواجز، فيعيشون معا في هناء وصفاء جنبا إلى جنب: الناس والحيوانات والطيور والنباتات.
هذه هي القرية التي عرفناها في الماضي، فماذا بقي منها الآن؟
أهلها ودعوا القناعة، وفارقوا الوداعة، وبعضهم هجرها إلى المدينة مستبدلين ماديتها بروحانيتهم وقلقها المزمن بطمأنينتهم، وبعضهم مكثوا فيها وتقاعسوا عن خدمتها، وأرادوا أن يجعلوها مدينة مصغرة فاستبدلوا العمائر بالدور وأحالوا ترابها قارا وخضرتها أحجارا وجعلوا بينهم وبين الطبيعة ستارا فتسمم هواؤها وغاض ماؤها.
لقد حوصرت آخر قلاع الطبيعة، وتكاد أن تسقط لولا البقية الباقية من جيوب المقاومة التي تحصنت فيها، وآلت على نفسها أن تحميها، فهل تراها تستطيع؟
وصف قرية بني بوبلان:
ولكن سكان قرية "بني بوبلان" لم ينعموا بهذا السكون والأمان الذي كانت تمثله القرية قديما، بل كانوا مثل سكان كافة القرى الجزائرية التي عاشت تحت وطأة الاستعمار مسلوبي الحرية، يعملون بالسخرة في أرضهم التي اغتصبت منهم وأعطيت للمعمرين وهذا كومندار أحد أبطال ثلاثية "محمد ديب" يحدث "عمر" عن بني بوبلان:
1 ـ القرية المجهولة (محمد ديب):
"قد لا تكون بني بوبلان مكانا رائعا. إن سكان المدن لا يعرفون عنها شيئا، رغم ما اشتهروا به من أنهم علماء بكل شيء. والحق أن علمهم ببني بوبلان أقل من علمهم بما عداها أيضا. في أقصى الشمال، وفي أدنى الشرق، وفي أي مكان من العالم لا يعرف الناس عن بني بوبلان كبير شيء. من الذي يتكلم عن بني بوبلان؟ لا أحد . ذلك أن من يريد أن يتكلم عنها، ينبغي له أن يعرفها وكلما عرفها، كلما تأملها، لاح له أنها مكان يحلو العيش فيه ولا أقول إنه مكان رائع. إن الإنسان يتنسم هنا هواء الجبال، وإذا شعرت هنا بالوحدة، فهي وحدة غير التي تستولي عليك حين تعيش في مدينة كبرى.
هي وحدة أخرى .. وهذه الطريق المحصبة الغبراء التي تملأ البلاد، حقول الكرمة التي تحف بها الأسيجة تمتد أمامك ههنا على مدى البصر، ومن مسافة إلى مسافة يظهر كوخ بائس من أكواخ الفلاحين. هذه الأكواخ كلها متشابهة. يلوح لك فيها شيء من الوحدة، شيء من الحزن يلاحقك بغير انقطاع. إن الفلاحين لا يتركون بني بوبلان أبدا. وإذا تركوها لم يصلحوا بعدها لشيء. في أصواتهم حنين رائع، وتحيتهم تزخر بالحرارة. ولكن الاستعمار يجرح: عيونه خائفة لا سبيل إلى خلاصها من هذا الخوف، وعيون الرجال قاسية لا سبيل إلى خلاصها من هذه القسوة، ذلك أن المستعمر المستوطن يرى أن عمل الفلاح من حقه تماما، بل إنه ليريد أن يكون الناس أنفسهم له. ولكن الفلاح، رغم أنه ملكه اسما، هو في حقيقة الأمر سيد الأرض الخصبة، البهائم والمحاصيل والحياة في كل مكان من إنجابه. الأرض امرأة... سر الإخصاب واحد، في أخاديد الأرض وفي أرحام الأمهات على السواء. والقوة التي تخرج من الأرض أثمارا وسنابل هي بين يدي الفلاح.
" قوي مخيف هو. لا بد له يوما أن يحمي بالسلاح بيته وحقوله".
الدار الكبيرة: الحريق: النول ص 184
مساكن الفلاحين:
"ثم إن بني بوبلان ليست بالشيء الذي تسر رؤيته الناظرين، إنك لا ترى هنا إلا أكواخا وخصاصا، وعددا قليلا من بيوت الحجر يسكنها المزارعون ولا تكاد تختلف عن مساكن الفلاحين، إن الناس لا يحرصون أن يتكلموا عن ماضيهم. في هذا المكان كانت تقوم في الماضي مدينة "المنصورة" التي ما نزال نرى جدران سورها، وما نزال نرى برجها المغربي. صحيح أن تلمسان مدينة قديمة: فالبيوت فيها هرمة يرجع عهدها إلى مئات السنين. ولكن الناس أيضا هرمون في تلمسان. الوجوه في بني بوبلان بسيطة كل البساطة مألوفة كل الإلفة. الفلاحون يمضون إلى أعمالهم دون أن يطلب منهم ذلك، فلهذا خلقوا، وهم في أذواقهم وميولهم أعفاء قانعون معتدلون، ولكن حذار أن تسألهم أن يحنوا ظهرهم صاغرين".
المصدر نفسه ص 188
ومساكن المستوطنين:
ونلمح قريبا من القرية حقول المستوطنين الفرنسيين:
"ووراءها من بعيد، تقريبا على الحدود التي ترى من مزارع القمح الممتدة، كان حقل المستوطن الفرنسي ماركوس، وبيته العتيق الذي بناه جده، وظاهر هذا البيت المتشابه، وإفريزه وفتحاته ولون آجره القديم الوردي الحائل، وسقفه القرميدي المغطى من الطحلب، كان كل ذلك يبدو أنه هو الوجه الحقيقي للجزائر، ولكنه ليس إلا السطح الظاهر... وللجزائر مليون وجه آخر".
الدار الكبيرة: الحريق: النول ص 241
تعليق:
اجتزأنا هذا الوصف من حديث طويل لكومندار مخاطبا عمر يتحدث فيه عن ماضي الفلاحين، ويحدثه عن هذه القرية التي لا يعرفها ولم يسمع بها أحد من أهل المدن، ولكنها مع ذلك "مكان يحلو العيش فيه". هي بسيطة وتتصف بما يأتي:
1ـ طريق محصبة غبراء لا تنتهي .
2 ـ حقول الكرمة التي تحف بها الأسيجة (والتي اغتصبها المعمرون الأوربيون من أصحابها).
3 ـ أكواخ الفلاحين البائسة المتشابهة المسكونة بالحزن.
4 ـ الفلاحون المتمسكون بقريتهم والذين يتميزون بالدفء والعواطف الإنسانية وهم السادة الحقيقيون لأنهم يخدمون الأرض رغم أن الأسياد النظريين هم المستوطنون الفرنسيون.
ونجد في الجزء الثاني من الوصف تحديدا لموقع "بني بوبلان" جغرافيا وتاريخيا، فأهلها لهم تاريخ عريق، فكلهم أحفاد سكان المنصورة التي بناها السلطان أبو يعقوب المريني، وهي تذكر بتاريخ الدول العربية الإسلامية التي كانت في المنطقة ولا سيما الموحدين والزيانيين.
وقد أدرجنا وصف حقل وبيت أحد المستوطنين الفرنسيين لتكتمل الصورة ويظهر التناقض بين أكواخ القرية ومزارع المستوطنين وبيوتهم التي تبدو كالقصور.
قواعد وصف القرية:
ولنحاول أن نستخلص بعض القواعد من وصف هذه القرية:
1 ـ حدد الكاتب موقعها: في نفس مكان مدينة المنصورة.
2 ـ بدأ بأهم ما يميزها: "مكان يحلو العيش فيه، يتنسم فيها الإنسان هواء الجبال، رغم أنها لا تعد مكانا رائعا ولم يسمع بها أحد".
3 ـ وصف ما تشتمل عليه: الطريق ومزراع الكروم وأكواخ الفلاحين البائسة.
4 ـ زمن الوصف: أثناء الاستعمار الفرنسي في الأربعينات.
5 ـ الحضور الإنساني: طاغ في الوصف، فهو يتحدث عن الفلاحين وتمسكهم بقريتهم وما يتميزون به من دفء وعواطف.
6 ـ استعمال عناصر الوصف الخارجي: لم يهتم كثيرا باستعمالها رغم وجود اللون والصوت والرائحة وذلك يرتبط بغرض الوصف السياسي.
7 ـ التدرج في الوصف: إذ يتخلل وصف الكاتب بعض الحوار الذي يتعلق بتاريخ القرية ومأساة الفلاحين فيها.
8 ـ الغرض من الوصف: إظهار معاناة الفلاحين بعد اغتصاب أرضهم في هذه القرية، وتسخيرهم للعمل كأجراء.
9 ـ العاطفة: لاشك بأن القارئ يتعاطف مع أهل هذه القرية تعاطفا كليا فيه كثير من الحب والإشفاق عليهم والغضب على المستوطنين الذين اغتصبوا أرضهم.
عين القرية:
ولاستكمال صورة قرية بني بوبلان نورد وصفا للنساء وهن يملأن الماء من العين، فالعين عنصر هام في القرية:
"بالقرية جسر صغير كانت جماعة الرجال واقفة تحت إفريزه، وكان عدد من النساء ما يزال إلى هذه الساعة قرب العين، وذلك أن الماء الساقط من العين في الشتاء والصيف معا خيط نحيل، فالفلاحات يتلبثن بالمكان هناك وقتا لا نهاية له، فيثرثرن ويلقين على الرجال نظرات سريعة مختلسة.
وهؤلاء بعضهن عائدات من العين. إن أجسامهن صلبة خشنة. إنهن يرتدين ثيابا من القطن، والمنديل الملون العريض الذي يحيط برؤوسهن يحجب عن الناظر فروعهن. إنهن يتقدمن بخطى بطيئة. إن القادوس الملآن الذي تشده كل واحدة منهن إلى كتفيها بحبل، يقصم ظهرها. إنهن يخطرن واحدة بعد أخرى، على صف واحد، في بطء وصمت، ثم يغبن في الطريق الوعر المؤدي إلى القرية.
الدار الكبيرة: الحريق: النول ص 193
وهذا وصف لقرية جبلية في الشتاء في يوم 29 يناير من يوميات عامر:
2 ـ إيغيل نزمان (مولود فرعون):
" أشرقت الشمس منذ الثامنة صباحا، وأخذ البخار يتصاعد من السقوف التي تراكم فوقها الجليد، وصارت جوانب المداخن تلمع كأنها المرايا، واستحال الوحل في الأزقة إلى ذرات ناعمة من الغبار، وأصبحت المزبلة التي ترمى فيها القاذورات في مدخل القرية مكانا دافئا مليئا بالسماد الذي سوف يستخدم في البستنة. ورأيت النساء في طريق العودة من العين، وقد لسعهن هواء الصباح البارد، وتبللت جرارهن وأرجلهن بالماء، وتوردت وجوهن وانطلقت ألسنتهن في أحاديث بهيجة مرحة. أما الصبايا الحسان فقد لبسن عباءات لا تكشف من البدن سوى الأطراف، فكأنهن الأزهار الناعمة المتفتحة في خفر وحياء، ولمحت ذهبية حين مرت..".
الدروب الوعرة ص 242
تعليق:
إنه وصف لبعض جوانب قرية جبلية في الشتاء، رسمها الكاتب كمسرح للقاء عامر بذهبية. والنص مأخوذ من اليوم العاشر من يوميات عامر. ليس هناك تفصيل في وصف القرية، وإنما هو مشهد ينطلق الكاتب فيه من العام إلى الخاص، من السقوف التي تراكم الجليد فوقها إلى الأزقة ثم إلى مدخل القرية حيث تعود النساء من العين، إلى لمحه ذهبية بينهن. والقرية لا توصف في الرواية بصورة مفصلة وإنما توصف بعض مشاهدها كإطار للحدث أو الأحداث الجارية فيها ونستطيع أن نستنتبط بعض القواعد التي رسمها الكاتب:
1 ـ تحديد الموقع : قرية إيغيل نزمان.
2 ـ الزمان: 29 يناير.
3 ـ الانطلاق في الوصف من العام إلى الخاص كما ذكرنا.
4 ـ غرض الوصف: إطار للحدث وهو هنا لقاء عامر بذهبية.
5 ـ التعاطف: تعاطف حب لهذه القرية ولمشاهدها الجميلة لأنها تمثل جزءاً منا.
تمرين 1 : قارن بيْن وصف القرية كما رأيته عند محمد ديب ومولود فرعون، وبيْن وصف ابن جبير من "أدب الرحلات" ثم بيّن الاختلاف بينهما في الأسلوب والغرض من الوصف.
قريــة الجيزة في مصر( ابن جبير):
"وعلى شط نيلها فما يلي غربيها، والنيل معترض بينهما، قرية كبيرة حفيلة البنيان تعرف بالجيزة. لها كل يوم أحد سوق من الأسواق العظيمة يجتمع إليها، ويعترض بينها وبين مصر جزيرة فيها مساكن حسان، وعلالي مشرفة، وهي مجتمع اللهو والنزهة. وبينها وبين مصر (يقصد القاهرة) خليج من النيل يذهب بطولها نحو الميل ولها مخرج له. وبهذه الجزيرة مسجد جامع يخطب فيه. ويتصل بهذا الجامع المقياس الذي يعتبر فيه قدر زيادة النيل عند فيضه كل سنة. واستشعار ابتدائه في شهر يونيه، ومعظم انتهائه أغشت، وآخره أول شهر أكتوبر الخ".
رحلة ابن جبير ص 23
تمرين 2:
1 ـ استخرج من الرواية التي تطبق عليها وصفا لأحد مشاهد القرية إن وجد.
2 ـ صف قريتك أو قرية زرتها في الريف مبرزا خصائصها، مستعملا قواعد الوصف وأهمها الحضور الإنساني.
3 ـ قارن في موضوع وصفي بين المدينة والقرية، ومزايا ونقائص كل منهما، ومن منهما تحب الحياة فيها أكثر.
2 ـ وصف المدينة:
لو سألت مهندسا عن مدينة القاهرة لأشار إلى برحها الكبير وعمائرها العظيمة ومبانيها الفخمة.
ولو سألت مرشدا سياحيا عنها لأخذك إلى الأهرامات وأبي الهول وطاف بك في متحفها البديع، وعشاك في أحد مطاعمها الجميلة، وبيتك في أحد فنادقها الراقية.
ولو سألت مثقفا عنها لدلك على الجامعة والمكتبات وقاعات الدرس والمحاضرات، وأماكن صحفها الكبرى ومجلاتها المتنوعة.
ولو سألت متدينا عنها لصلى معك الصبح في الأزهر والظهر في سيدنا الحسين والعصر في السيدة زينب.
ولو سألت الرياضي عنها لاصطحبك إلى الملعب لتحضر مباراة الأهلي والزمالك ثم أخذك إلى النوادي الرياضية المختلفة من سباحة وكرة سلة وكرة مضرب.. الخ.
ولو سألت امرأة حسناء تغير ملابسها وزينتها ثلاث مرات في اليوم عنها لذهبت بك إلى دور الأزياء ومحلات أدوات التجميل والعطور، وحوانيت الحلاقات وأماكن الخياطات.
ولو سألت تاجرا عن القاهرة لجال بك في الأسواق والحوانيت والدكاكين والمطار، واستضافك حيث يسكن في الزمالك أو مصر الجديدة.
ولو سألت فنانا عن القاهرة لأخذك إلى استوديوهات تصوير الأفلام وإلى دار الأوبرا ثم إلى المسارح المختلفة، وأماكن بيع أشرطة الكاسيت والفيديو.
ولو سألت لاهيا عن القاهرة لمال بك إلى دور اللهو والخمارات.
ولو سألت عاملا عن القاهرة، لأخذك إلى مصانع النسيج، ثم إلى أسواق الصناعة اليدوية، واستضافك حيث يسكن في "زقاق المدق" أو "خان الخليلي".
ولو سألت طفلا عن القاهرة، لعد على أصابعه: البيت والمدرسة و حديقة الحيوانات، ومحلات لعب الأطفال.
كلهم يقول: هذه هي القاهرة، وكلهم صادق فيما يقول، فالقاهرة هي كل هذه الأشياء وقديما قيل: "يا داخل مصر منك ألوف".
وأكثر المدن الحديثة الكبرى تجد فيها هذا التنوع، فإذا كان للإنسان مظهر خارجي وعالم داخلي واحد فللمدينة مظاهر خارجية متعددة، وعوالم داخلية متنوعة، هي بألف وجه ولكنها ليست منافقة بل مسايرة ومتسامحة تري كلا من الناس الوجه الذي يريده.
ولكن كيف نصف المدينة ما دام فيها كل هذا التعدد؟ وماذا نصف منها؟
ماذا نأخذ وماذا نترك؟
هذا يتوقف على شخصيات الرواية وعلى موضوعها، لأن المدينة لا توصف بالتفصيل في الرواية وإنما توصف وصفا جزئيا بقدر ما يتحقق غرض الكاتب من هذا الوصف، فالغرض ليس جغرافيا أو علميا كما هو معروف لدى الرحالة والجغرافيين. ولا بأس أن نأخذ فكرة عن ذلك لنعرف الفرق بين الوصفين الحقيقي والروائي.
3 ـ المدن في كتب الرحلات:
وصف المدن من المواضيع المعروفة في كتب الرحلات العربية والغربية وقد ترك لنا ابن بطوطة وابن جبير والإدريسي وغيرهم أوصافا لمدن عربية في المشرق والمغرب، ومدن آسيوية وإفريقية. وكان الغرض من هذه الأوصاف التعريف بهذه الأماكن لمن لا يعرفها، وذكر مميزاتها العمرانية ونشاط سكانها. ويتميز هذا الوصف بأنه نقلى يحاول تسجيل ما تراه العين دون زيادة أو نقصان.
وهذا وصف لمدينة بجاية في القرن الثاني عشر الميلادي لأبي عبد الله محمد بن محمد المعروف بالشريف الإدريسي حدد فيه موقعها وأهم الأشجار التي توجد حولها ثم تحدث عن نشاطها السكاني وتجارتها وصناعتها حديث الجغرافي الخبير وبأسلوب علمي موضوعي:
4 ـ موقعها ونباتاتها:
"ومدينة بجاية على البحر لكنها على جرف حجر ولها من جهة الشمال جبل يسمى مسيون، وهو جبل سامي العلو، صعب المرتقى وفي أكنافه جمل من النبات المنتفع به في صناعة الطب، مثل شجر الحضض والسقولو فندوريون والبرباريس والقنطوريون الكبير والرزاوند والقسطون والإفسنتين أيضا وغير ذلك من الحشائش. وفي هذا الجبل كثير من العقارب صفر الألوان لكن ضررها قليل.
أهميتها ونشاط سكانها:
ومدينة بجاية في وقتنا هذا مدينة الغرب الأوسط، وعين بلاد بني حماد، والسفن إليها مقلعة، وبها القوافل منحطة، والأمتعة إليها برا وبحرا مجلوبة، والبضائع بها نافقة، وأهلها مياسير تجار، وبها من الصناعات والصناع ما ليس بكثير من البلاد، وأهلها يجالسون تجار الغرب الأقصى وتجار الصحراء، و تجار المشرق. وبها تحل الشدود وتباع البضائع بالأموال المقنطرة، ولها بواد ومزارع، والحنطة والشعير بها موجودان كثيران، والتين وسائر الفواكه منها ما يكفي لكثير من البلاد. وبها دار صناعة لإنشاء الأساطيل والمراكب والسفن والحرابي، لأن الخشب في جبالها وأوديتها كثير موجود، ويجلب إليها من أقاليمها الزفت البالغ الجودة والقطران. وبها معادن الحديد الطيب موجودة ممكنة، وبها من الصناعات كل غريبة ولطيفة. وعلى بعد ميل منها نهر يأتيها من جهة المغرب من نحو جبل جرجرة، وهو نهر عظيم يجاز عند فم البحر بالمراكب، وكلما بعد عن البحر، كان ماؤه قليلا ويجوز من شاء في كل موضع منه".
نزهة المشتاق في اختراق الآفاق (1) ص 259
هذا وصف جغرافي للمدينة فكيف يصفها الروائي؟ إليك هذا المثال:
مدينة شاندرابور بالهند (فورستر):
"لا توحي مدينة شاندرابور بشيء غير عادي إذا استثنينا كهوف مارابار التي تقع على بعد عشرين ميلا منها، وتمتد المدينة مسافة ميلين على شاطئ نهر الكنج الذي يحف بها ولا يخترقها، ويصعب تمييزها من النفايات التي يلقي بها النهر بغير حساب، وعلى الطريق الموازي لضفة النهر لا نجد سلالم للاستحمام لأن الناس لا ينظرون إلى الكنج بعين التقديس هنا.
والواقع أنه لا يوجد هناك طريق مواز للنهر، كما أن السوق تحجب صفحة النهر الواسعة المتغيرة تبعا للمد والجزر. أما الشوارع فرديئة، وأما المعابد فلا توحي بشيء. وبالرغم من أن هناك قليلا من المنازل الجميلة فإنها متوارية في الحدائق والأزقة التي تفزع قذارتها كل إنسان.
موقعها:
"إن مدينة شاندرابور لم تكن في يوم من الأيام فسيحة، أو جميلة، ولكنها كانت تقع منذ قرنين على الطريق بين المرتفعات الشمالية الامبراطورية في ذلك العهد، وبين البحر، ويرجع تاريخ المنازل الجميلة إلى هذه الفترة. وقد توقف الشغف بالزخارف في القرن الثامن عشر، فلم يكن ذلك في يوم من الأيام مظهرا شعبيا، لذلك لا نجد تصويرا، ونكاد لا نجد أي ميل إلى النقوش في الأسواق.
قذارتها:
"وكانت الغابة ذاتها تبدو كأنها مخلوقة من الوحل بل كان السكان يبدون كأنهم قطع متحركة من الوحل أيضا. وكان كل شيء تقع عليه العين حقيرا ومملا، حتى ليحسب الإنسان أن نهر "الكنج" سوف يكتسح النفايات ليلقي بها إلى الأرض ثانية. وكانت المنازل تتهاوى، والناس يغرقون ويتركون للتعفن، ولكن يبقى المظهر العام للمدينة يتسع هنا، ويضيق هناك، كمسخة من الحياة، ولكنها لا ترضخ للزوال.
منازل المولدين:
أما في داخل المدينة فالمنظر يختلف، فهناك ميدان بيضاوي الشكل ومستشفى كبير، أما منازل الأوروبيين المولدين (الأوراسيين) فتقع على الأرض المرتفعة بجانب محطة السكة الحديد. وخلف السكة الحديد ـ التي تمتد موازية للنهر ـ تنخفض الأرض ثم تعود في شبه انحدار، وعند ارتفاعها للمرة الثانية يقع المحط المدني الصغير.
وهناك تبدو شاندرابور شيئا آخر مختلفا كل الاختلاف. إنها مدينة من حدائق. إنها ليست مدينة بل غابة انتشرت فيها الأكواخ هنا وهناك. إنها مرج استوائي ممتع يغطيه نهر نبيل. وأشجار النخيل وأشجار النيم الهندية والمانجو والبيبل التي كانت متوارية خلف الأسواق قد صارت الآن ظاهرة، وهي تحجب بدورها الأسواق".
"وهي تخفي بخاصة بعد أن تسقط الأمطار ـ ما يجري تحتها، ولكنها في كل الأوقات، وحتى عندما تحترق أطرافها أو تسقط أوراقها، تجمل المدينة في عيون الإنجليز الذين يسكنون المرتفع".
منازل الأوربيين:
"أما فيما يختص بالمحط المدني نفسه فإنه لا يثير أي عاطفة، وقد خطط تخطيطا مقبولا. وفي الواجهة منه قد شيد بالآجر الأحمر، وفي الخلف بعيدا محل بدّال (بقـّال) وجبّانة (مقبرة)، وقد صفت البيوت الصغيرة ذات الطابق الواحد على طول الطرقات التي تتقاطع في زوايا قائمة.
وليس فيها شيء قبيح، وكل ما في الأمر أن المنظر جميل فهي لا تشترك مع المدينة في شيء سوى السماء المنعقدة فوقهما"
رحلة إلى الهند ص 1، 2، 3، 4
تعليق:
هذا النص الوصفي هو بداية رواية "رحلة إلى الهند" لفورستر، لذلك كان لتحديد أقسام المدينة، وسكان كل قسم منها أهمية قصوى في فهم أحداث الرواية، والعلاقات الإنسانية بين شخصياتها وأبطالها المنتمين إلى أقسامها الثلاثة.
أحياء الهنود:
أما القسم الأول "فشوارعه رديئة" وأزقته "تفزع قذراتها كل إنسان". "وكل شيء تقع عليه العين حقير وممل " حتى الغابة "تبدو و كأنها مخلوقة من الوحل" بل كان السكان يبدون وكأنهم "قطع متحركة من الوحل أيضا". وكانت المنازل "تتهاوى والناس يغرقون ويتركون للتعفن". ولا شك أننا أدركنا أن القسم الأول يعيش فيه سكان المدينة الهنود وأكثرهم من المسلمين لأن نهر "الكنج" ليس مقدسا في هذه المنطقة.
حي المولدين:
أما القسم الثاني حيث الميدان البيضاوي الشكل والمستشفى الكبير فتقع فيه منازل الأوروبيين المولدين "الأوراسيين" الناشئين من تزواج الإنجليز والهنود.
يختلف المنظر، حيث تختفي غابة الوحل وتتحول إلى حدائق بل إلى مرج إستوائي يغطيه نهرنبيل (نهر الكنج أو الغانج نفسه يصبح نبيلا هنا بعد أن كان مليئا بالنفايات في القسم الأول من المدينة).
حي الأوروبيين:
أما القسم الثالث ففيه النادي الإنجليزي الذي شيد بالآجر الأحمر، وقد صفت البيوت ذات الطابق الواحد (على الطريقة الإنجليزية) في المرتفع الذي يسكنه الإنجليز بالطبع، وليس فيه شيء قبيح، و "المنظر جميل"، وهو "لا يشترك مع المدينة في شيء سوى السماء المنعقدة فوقهما".
المجتمع الطبقي:
هناك ثلاثة مستويات من المعيشة إذا، أو قل ثلاث طبقات: طبقة السكان الهنود وهي الدنيا، وطبقة المولدين وهي الوسطى، وطبقة الإنجليز المستعمرين وهي العليا، وغرض الكاتب من الوصف أن يرسم لنا منذ البداية خارطة المدينة الطبيعية والطبقية معا لتكون إطارا نفهم من خلاله أحداثها، ونضع شخصياتها عند التعرف عليهم في السلم الطبقي حسب انتمائهم إلى هذا الجانب أو ذاك.
قواعد وصف المدينة:
ولنحاول تحديد القواعد التي اتبعها الكاتب في وصفها:
1 ـ حدد موقع المدينة: على شاطئ النهر على بعد عشرين ميلا عن كهوف مارابار.
2 ـ بدأ بأهم ما يميزها: وهو أنها عادية ليس لها أي ميزة، فالمدن الإسلامية تشمخ بمساجدها وتشتهر بطرازها المعماري الفريد، والمدن الهندية تميزها معابدها وقصور مهراجاتها، والمدن الإنجليزية تتصف بفيلاتها وحدائقها، ولكن هذه المدينة لا لون لها يميزها.
4 ـ زمن الوصف: أثناء الإستعمار البريطاني للهند في أوئل هذا القرن.
5 ـ الحضور الإنساني: طاغ في الوصف، رغم أننا لا نلمح ذلك صراحة، ولكننا نراه في طريقة تقسيم المدينة بين الهنود والمولدين والإنجليز.
6 ـ عناصر الوصف الخارجي: لم يستعمل الكاتب منها سوى الأشكال، وبعض الأفعال الحركية للإيحاء بالحركة: "المنازل تتهاوى "و" تنخفض الأرض ثم تعود في شبه انحدار، يتسع هنا ويضيق هناك"، لأنه لم يهتم بالوصف الحسي فالوصف اجتماعي سياسي بأسلوب ساحر ساخر مليء بالاستعارات، ولكن الترجمة رغم جودتها تحد من جمال الأسلوب في اللغة الأصلية.
7 ـ الغرض من الوصف: إظهار الانفصال التام بين هذه المجموعات الثلاث فكل منها يعيش معزولا عن الآخر، إضافة إلى مستويات المعيشة الثلاث لكل منها.
8 ـ العاطفة: من الصعب الحكم على العاطفة هنا، فنحن لا نستطيع أن نعجب بالمدينة لأنها لا تخلب ألبابنا بجمالها، ولكننا نتعاطف تعاطف إشفاق مع القسم الأول من المدينة لتعاطفنا مع سكانه.
موضوع للمعالجة:
استعلم من أستاذك أو أهلك عن حالة المدن الجزائرية أثناء الاستعمار، والمناطق التي كان يعيش فيها المعمرون الفرنسيون، والأماكن التي كان يقطنها الجزائريون، ثم حاول وصف المدينة التي تسكنها أو إحدى المدن القريبة منك وصفا تبرز فيه هذا التقسيم، مستعينا بقواعد الوصف بما فيها عناصر الوصف الخارجي دون أن تتقيد بذكرها جميعا أو بترتيبها.
تمرين 1 : إقرأ النصوص الآتية ثم أجب عن أسئلتها:
1 ـ مدينة الجسور السبعة (الطاهر وطار):
"هذا الجسر أفضل جسور قسنطينة السبعة، عريض وقصير، سرعان ما ينسى الإنسان الهوة التي بينه وبين الوادي .
كل شيء من هذه الناحية، يبدو على عهده، خضورة الأشجار تميز البنايات وتباينها. هناك الثانوية وهناك المستشفى، وهناك مخزن الحبوب الشاذ الوضع، وكأنما لم يفكر واضعوه إلا في إقامة دليل متواصل على أن المدينة، أساسا، عاصمة فلاحية، أو في إشعار السكان بأن هناك مدخرا من القمح والشعير، وأنهم لفترة طويلة في حالة حصار وهناك.. آه.. تمثال القديسة جان دارك بجناحيه، متأهب لطيران لم يتم، مند عهد بعيد، ثم.. إله قسنطينة، الجسر المعلق.
اهتز قلب الشيخ عبد المجيد بو الأرواح، عندما لمح الجسر المعلق، أعاد بصره إلى المستشفى وخزان الحبوب والثانوية والفيلات والأشجار، وتساءل:
ـ ألا تبدو أنظف مما كانت عليه، أزهى، تعددت الألوان، وقل اللون الأوروبي الوقور، السكري؟ أولا تبدو أيضا أنها منحنية، وكأنما تود أن تطل على أعماق هذا الأخدود العظيم؟ لست أدري لم اختار وادي الرمال فتح هذه الثغرة في قلب مدينة منشغلة بنفسها كهذه؟
ارتفع الآذان، ونشط قلب الشيخ عبد الجيد بو الأرواح، واستدار مقرا العزم على الصعود مع الشارع الذي غمره بمختلف روائح النباتات والطبخات، والعطور وسيل من الراجلين والراجلات في جميع الاتجاهات".
الزلزال ص 10
الأسئلة:
1 ـ ما أهم المعالم التي ركز عليها الكاتب في وصفه للمدينة؟ وما أهم معالم قسنطينة الأخرى إن كنت تعرفها؟
2 ـ ما الأشياء التي مازالت تذكر بالعهد الإستعماري في المدينة.
3 ـ ما زمن هذا الوصف في الليل أو النهار؟ و ما غرضه في رأيك؟
4 ـ بين عناصر الوصف الخارجي التي استخدمها الكاتب في وصفه مستشهدا بأمثلة من النص.
2 ـ مدينة إينس النمساوية(تولستوي):
"الجو جو خريف دافئ ممطر، والمنظر الرحيب الذي تطل عليه كتائب المدفعية الروسية من فوق الذروة التي احتلتها حماية للجسر يتحجب تارة على حين فجأة بستار من مطر خفيف مائل كأنه غلالة، ويتسع مرة أخرى، فإذا بالأشياء تظهر في الأقاصي واضحة في ضوء الشمس كأنها مبرنقة. وفي أدنى تظهر المدينة الصغيرة بمنازلها البيضاء وأسقفها الحمراء وكاتدرائيتها، وجسرها الذي تجري سيول القطعات الروسية على جانبيه متزاحمة. وعند عقفة الدانوب ترى مراكب وجزيرة وقصر له حديقة تحيط بها مياه ملتقى إينمس والدانوب، وترى الضفة اليسرى الوعرة التي تغطيها غابة من أشجار الصنوبر، وترى وراءها أقاصي يلفها السر هي ذرى خضر وشعاب زرقاء. وهذه أبراج دير تنبثق من غابة صنوبر تبدو بكرا متوحشة. وأمامها في بعيد، على تلة وراء نهر إينس تبدو دوريات العدو".
الحرب والسلم (1) ص 402
الأسئلة:
1 ـ حدد مكان الواصف في النص.
2 ـ ما أهم المعالم التي ركز عليها الكاتب في وصفه؟
3 ـ استخرج عناصر الوصف الخارجي التي استخدمها الكاتب.
3 ـ عيد النيل ( نجيب محفوظ ):
"كانت آبو عاصمة مصر، يقوم بنيانها الشامخ على دعائم من الصوان، تؤلف بينها الكثبان الرملية، وقد غشاها النيل بطبقات من طميه الساحر، بثت فيها الخصب والخير العميم، وأنبتت أرضها السنط والتوت والنخيل والدوم، وكست سطحها البقول والخضروات والبرسيم. ونشرت فيه الكروم والمراعي والجنان تجري من تحتها الأنهار، وترعاها القطعان، ويطير في سمائها الحمام والطير، ويتضوع نسيمها بشذا العطور والأزهار، وتتجاوب في جوها أغاريد البلابل والأطيار".
فماهي إلا أيام معدودات، حتى ضاقت آبو وجزيرتاها: بيجة وبيلاق بالنازحين، فامتلأت البيوت بالنازلين، وازدحمت الميادين بالخيام، وغصت الطرق بالغادين والرائحين، وانتشرت حلقات اللاعبين والمغنين والراقصين، وزخرت الأسواق بالعارضين والبائعين، وازدانت واجهات البيوت بالأعلام وأغصان الزيتون، وبهرت الأنظار جماعات من حرس جزيرة بيلاق بثيابها المزركشة وسيوفها الطويلة، وهرعت جموع القانتين المؤمنين إلى معبدي سوتيس والنيل، يوفون بالنذر، ويقدمون القرابين، واختلط غناء المنشدين بصياح السكارى الثملين.. وشاع في جو آبو الرزين فرح راقص، وطرب حار بهيج".
الأعمال الكاملة(3)رادوبيس ص 367
الأسئلة:
1 ـ ما أهم المعالم التي ركز عليها الكاتب في وصفه ؟
2 ـ استخرج عناصر الوصف الخارجي التي استعملها الكاتب.
3 ـ ما القواعد التي استعملها الكاتب في وصفه؟
4 ـ هل استمد الكاتب وصفه لهذه المدينة التاريخية من الواقع أم من الخيال؟ وضح رأيك وعلله.
تمرين 2 :
إقرأ النص الآتي من كتب الرحلات، وقارن وصف المدينة فيه بالنصوص الروائية ثم بين نقاط التشابه والاختلاف بين الأسلوبين في وصف المدن:
مدينة الحلة في العراق (ابن جبير):
"هي مدينة كبيرة، عتيقة الوضع، مستطيلة، لم يبق من سورها إلا حلق من جدار ترابي مستدير بها، وهي على شط الفرات، يتصل بها من جانبها الشرقي ويمتد بطولها. ولهذه المدينة أسواق حفيلة جامعة للمرافق المدنية والصناعات الضرورية، وهي قوية العمارة، كثيرة الخَلـْق، متصلة حدائق النخيل داخلا وخارجا، فديارها بين حدائق النخيل. وألفينا بها جسرا عظيما معقودا على مراكب كبار متصلة من الشط إلى الشط، تحف بها من جانبها سلاسل من حديد كالأذرع المفتولة عظما وضخامة، ترتبط إلى خشب مثبتة في كلا الشطين، تدل على عظم الاستطاعة والقدرة، أمر الخليفة بعقده على الفرات اهتماما بالحاج واعتناء بسبيله، وكانوا قبل ذلك يعبرون في المراكب، فوجدوا هذا الجسر قد عقده الخليفة في مغيبهم، ولم يكن عند شخوصهم إلى مكة شرفها الله".
رحلة ابن جبير ص 186
تمرين 3:
1 ـ وصف الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق بعض المدن الجزائرية مثل الجزائر ووهران وتلمسان وقنسطينة وبجاية والمسيلة وغيرها: استخرج وصفا منها، وقارنه بما حدث من تطور فيها.
2 ـ وصف ابن بطوطة في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" البلدان والشعوب في آسيا وإفريقيا. اختر نصا أعجبك في وصف المدن، وبين مزايا وصفه.
تمرين 4: اختر موضوعا أو أكثر من المواضيع الآتية:
ـ صف مدينتك وصفا سياحيا مبرزا جمال طبيعتها وأهم معالمها الأثرية والسياحية والدينية والثقافية والفنية، مستعينا بقواعد الوصف دون أن تتقيد بها أو بترتيبها.
ـ صف مدينتك وصفا اجتماعيا مبرزا التناقض بين أحيائها الغنية والفقيرة، مستعملا القواعد نفسها.
ـ صف مدينتك كما تراها وكما تعيش فيها وتتنقل في أحيائها، وصفا عاطفيا تبرز فيه حبك لها وتمسكك بكل شيء فيها.
ـ أنظر إلى مدينتك من عل أو من بعيد وحاول وصف ما ترى.
ـ صف مدينة عربية أو أجنبية زرتها مظهرا أهم ما يميزها في نظرك.
لقراءة الفصل التالي انقر هنا: الفصل الرابع: وصف المشاهد الطبيعية
لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الثاني: وصف الدار- الأماكن العامة
للاطلاع على فصول الكتاب كاملة، انقر هنا: فن الكتابة: تقنيات الوصف