تابع الفصل السادس
من كتاب الشخصية
للكاتب عبد الله خمّار
شخصية الشيخ الإبراهيمي
ونورد هنا مقتطفات من الترجمة الذاتية للشيخ محمد البشير الابراهيمي الذي تعتبر سيرته مع رفاق دربه الإمام عبد الحميد بن باديس والعربي التبسي والطيب العقبي ومبارك الميلي وغيرهم جزءا مشرقا من تاريخ الجزائر لما كان لهم من أثر مع أمثالهم من الوطنيين المخلصيين في التصدي لمخطط الاستعمار في فرنسة الجزائر، وما كان لهم من فضل في إحياء اللغة العربية وفتح المدارس لتعليمها.
قسم الشيخ حياته إلى خمس مراحل؛ ونورد مقتطفات عن المرحلتين الأولى والأخيرة لأهميتهما وارتباطهما ارتباطا وثيقا فالأولى تلقى فيها العلم بالعربية، والأخيرة نشر فيها العلم والتعليم بالعربية:
1 ـ المرحلة الأولى:
تحدث فيها الشيخ عن تاريخ ولادته سنة 1889 وقبيلته، أولاد ابراهيم التي يرجع نسبها إلى إدريس بن عبد الله الجزم الأول للأشراف الأدارسة الذي جاء إلى المغرب الأقصى بعد وقعة "فخ" بين العلويين والعباسيين.
"وبيتنا إحدى البيوتات التي حفظت رسم العلم و توارثته قرونا من لدن خمول بجاية وسقوطها في القرن التاسع الهجري، وقد كانت بجاية دار هجرة للعلم، وخصوصا للأقاليم المتاخمة لها مثل إقليمنا، وقد خرج من عمود نسبنا بالذات في هذه القرون الخمسة علماء في العلوم العربية، ونشروها بهمة واجتهاد في الأقاليم المجاورة لإقليمنا، ومنهم من هاجر إلى القاهرة في سبيل الاستزادة من العلم و التوسع فيه ـ على صعوبة الهجرة إذ ذاك ـ ومن آثار الاتصال بالقاهرة أنهم بعد رجوعهم سموا أبناءهم بأسماء كبار مشايخ الأزهر، وأنا أدركت في فروع بيتنا من تسمى بالأمير والصاوي والخرشي والسنهوري".
ثم تحدث عن تعلمه في الصغر، ومعلميه الأوائل ونورد للفائدة الكتب التي كان يقرؤها والتي كانت متداولة بين من ينهلون العلم لنتعرف على بعض مصادر معرفته:
"فما بلغت تسع سنين من عمري حتى كنت أحفظ القرآن مع فهم مفرداته وغريبه: وكنت أحفظ معه ألفيه ابن مالك ومعظم الكافية له، و ألفية ابن معطي الجزائري، وألفيتي الحافظ العراقي في السبر والأثر، وأحفظ جمع الجوامع في الأصول، وتلخيص المفتاح للقاضي القزويني، ورقم الحلل في نظم الدول لابن الخطيب، وأحفظ الكثير من شعر أبي عبد الله بن خميس التلمساني شاعر المغرب والأندلس في المائة السابعة، وأحفظ رسائل معظم بلغاء الأندلس مثل ابن الشهيد، وابن برد وابن أبي الخصال، و أبي المطرف بن أبي عميرة، وابن الخطيب، ثم لفتني عمي إلى دواوين فحول المشارقة، ورسائل بلغائهم، فحفظت صدرا من شعر المتبني ثم استوعبته بعد رحلتي إلى الشرق، وصدرا من شعر الطائيين، وحفظت ديوان الحماسة، وحفظت كثيرا من رسائل سهل بن هارون وبديع الزمان، وفي عنفوان هذه الفترة كنت حفظت بإرشاد عمي كتاب كفاية المتحفظ للأجدابي الطرابلسي، وكتاب الألفاظ الكتابية للهمداني، وكتاب الفصيح لثعلب، وكتاب إصلاح المنطق ليعقوب السكيت، وهذه الكتب الأربعة هي التي كان لها معظم الأثر في ملكتي اللغوية".
آثار الإمام محمد البشير الابراهيمي (5) ص273
وكانت المرحلة الخامسة هي أهم مرحلة في حياة الشيخ وحياة الجزائر، وقد بدأها بلقائه مع الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس:
"كان من تدابير الأقدار الإلهية للجزائر، ومن مخبئات الغيوب لها أن يرد علي بعد استقراري بالمدينة المنورة سنة وبضعة أشهر أخي ورفيقي في الجهاد بعد ذلك الشيخ عبد الحميد بن باديس أعلم علماء الشمال الإفريقي ولا أغالي، وباني النهضات العلمية والأدبية والاجتماعية والسياسية للجزائر.
وبيت ابن باديس في قسنطينة بيت عريق في السؤدد والعلم ينتهي نسبه في سلسلة كعمود الصبح إلى المعز بن باديس مؤسس الدولة الصنهاجية الأولى التي خلفت الأغالبة على مملكة القيروان"
المصدر نفسه ص 278
ويروي الشيخ أن الليالي التي كانا يجتمعان فيها طيلة الأشهر الثلاثة التي مكثها ابن باديس بالمدينة، خصصت لوضع أسس جمعية العلماء:
"وأشهد الله على أن تلك الليالي من سنة 1913 ميلادية هي التي وضعت فيها الأسس الأولى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي لم تبرز للوجود إلا في سنة 1931".
المصدر نفسه الصفحة نفسها
وتحدث الشيخ عن عمل ابن باديس وجهوده في فتح المدارس ونشر العلم، ثم التحاقه به بعد حلوله بالجزائر وتوطد الصلة بينه وبين ابن باديس ما بين سنتي 1920 ـ 1930 التي كانت فترة إعداد لتأسيسها وإعلانها في شهر مايو سنة 1931: بمناسبة احتفالات فرنسا بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر.
"فانتخب المجلس الإداري من رجال أكفاء جمعتهم وحدة المشرب ووحدة الفكر، ووحدة المنازع الاجتماعية والسياسية، ووحدة المنازع الاجتماعية والسياسية، ووحدة المناهضة للاستعمار، وقد وكل المجتمعون ترشيحهم إلينا فانتخبوهم بالإجماع، وانتخبوا ابن باديس رئيسا، وكاتب هذه الأسطر وكيلا نائبا عنه، وأصبحت الجمعية حقيقة واقعة قانونية وجاء دور العمل".
المصدر نفسه ص 281
وقد توزع العلماء الكبار على عواصم المقاطعات ليشرف كل منهم على مدارس المقاطعة فبقي الشيخ ابن باديس في قسنطينة، وتوجه الشيخ الإبراهمي إلى تلمسان والشيخ الطيب العقبي إلى الجزائر، وفي سنة 1940 نفت السلطات الاستعمارية الشيخ البشير إلى الصحراء وتوفي الشيخ ابن باديس، وانتخب الشيخ البشير بالإجماع رئيسا للجمعية وهو في المنفى، وقد نشرت الجمعية التعليم بالعربية في الجزائر وبلغ عدد المدارس الابتدائية العربية في سنة 1952 أربعمائة وزيادة، وفتح معهد ابن باديس للتعليم الثانوي في قسنطينة، وبلغ عدد تلامذته في السنة الأولى ما يزيد عن الألف، ونورد في هذه العجالة ما سجله الشيخ عن أثر الأعمال التي قام بها مع إخوانه:
"أثر أعمالنا في الشعب بارز لا ينكره حتى أعداؤنا من الاستعماريين، وخصومنا من إخواننا السياسيين، فمن آثار نابث الوعي واليقظة في الشعب حتى أصبح يعرف ماله وما عليه، ومنها إحياء تاريخ الإسلام وأمجاد العرب التي كان الاستعمار يسد عليه منافذ شعاعها، حتى لا يتسرب إليها شيء من ذلك الشعاع، ومنها تطهير عقائد الإسلام وعباداته من أوضار الضلال و الابتداع. وإبراز فضائل الإسلام، وأولها الاعتماد على النفس، وإيثار العزة والكرامة، والنفور من الذلة والاستكانة والاستسلام ، ومنها أخذ كل شيء بالقوة، ومنها العمل، هذه الكلمة الصغيرة التي تنطوي تحتها جميع الفضائل، ومنها المال والنفس في سبيل الدين والوطن، و منها نشر التحابب والتآخي بين أفراد المجتمع، ومنها التمسك بالحقائق لا بالخيالات والأوهام، فكل هذه الفضائل كان الاستعمار يغطيها عن قصد لينساها المسلمون على مر الزمان، بواسطة التجهيل وانزواء العقل والفكر"
المصدر نفسه ص 287
تمرين:
1-بين بعض صفات الشيخ التي نستنتجها من خلال النصوص التي أوردناها:
2-عدد بعض صفات إبن باديس التي ذكرها الكاتب.
3-وضح أهداف الشيخين مع رفاقهما ووسائلهم من أجل تحقيق هذه الأهداف، وأهم الأعمال التي قامو بها.
تمرين:
1-من أنا؟ –المقومات: النشأة والبيئة، الذكاء، الثقافية، المزاج، الطباع، الانفعالات والعواطف…
2-ما ذا أريد في هذه الحياة؟ الأهداف المرحلية التي أسعى لتحقيقها: دراسية، أدبية، فنية، تجارية، رياضية.
3-ولماذا؟ دفعني لذلك الطموح السياسي أو العلمي أو الأدبي، حب الوطن، حب العلم أو الأدب، حب الأخريين، حب المال، حب التسلط، حب الذات.
4-ما الأعمال التي قمت بها حتى الآن لتحقيق هذه الغاية؟ الدراسة مطالعة الكتب المفيدة، الكتابة، الانخراط في الجمعيات الاجتماعية أو الثقافية أو الرياضية التعاون مع الآخرين رحلات الاطلاع…الخ
5-هل أقبل باستعمال بعض الوسائل الدنيئة للوصول إلى غاياتي مثل: النفاق، الكذب، الغش، الخيانة، النميمة…الخ أم أن الوسائل عندي يجب أن تكون نبيلة؟
6-ما علاقتك بالآخرين؟ هل هي ودية مع الأهل والأصدقاء وتقوم على الحب المتبادل والتسامح والصفح عن الأخطاء، أم هي متوترة لأني أنشد الكمال في من حولي، أو أرى أن يعاملني الجميع على أنني محور الكون، أو أني أحب استغلال الآخرين.
أجب بصدق عن هذه الأسئلة بالتفصيل ثم أكتب سيرتك الذاتية ملخصا كل عنصر من هذه العناصر في فقرة.
تمرين:
ابحث في مكتبة مدرستك عن كتاب في السيرة الذاتية لشخصية من الشخصيات الجزائرية أو العربية أو العالمية التي كان لها أثر إيجابي في حياة مجتمعنا أو حياة الإنسانية جمعاء، وأدرسها حسب مخطط الوارد في دراسة الشخصية الحقيقية.
لقراءة الخاتمة انقر هنا: الخاتمة
لقراءة الجزء السابق من هذا الفصل، انقر هنا: الفصل السادس: دراسة الشخصية الحقيقية
للاطلاع على فصول الكتاب، انقر هنا: الشخصية