البــاب الثالث: الوصف الداخلي

من كتاب "فن الكتابة: تقنيات الوصف"

للكاتب: عبد الله خمّار

 

الفصل الثالث

وصف المشاعـر

أ ـ الانفعالات والعواطف:

ليست الرواية مجرد أشخاص يتحركون وأحداثا تحدث في أزمنة وأمكنة محددة، ولكنها في المقام الأول، نبضات قلوب وومضات أحلام. إنها همسات العاشقين وزفرات المحرومين، وتنهدات الغيورين، وزمجرة الحاسدين، وزغاريد الفرحين، واستغاثة البائسين،  وأهازيج المنتصرين، وأنين المقهورين، وعويل النادبين، وهتاف المعجبين، وقهقهة الظالمين المستبدين، وبكاء المظلومين والمضطهدين، وزئير الغاضبين، وفحيح الحاقدين.

  إنها إشراقة الوجه، وابتسامة الثغر، وتأجج جذوة القلب، وبهجة الروح رضا وسعادة، وهي كذلك شحوب الوجه، وعبرات العينين، وتقطيب الجبين، وانطفاء جذوة القلب، وسكون الروح وكآبتها شقاء وتعاسة.

  إنها أفراح النجاح، وأحزان الخيبة، وعذابات الغربة، وآلام العوز والجوع، كلها تمسك بقلوبنا فتدغدغها تارة حبا وإعجابا ببعض أبطالها، وتعصرها تارة أخرى فنبكي ونأسى ونرتجف خوفا وعطفا وإشفاقا عليهم. وتشحنها أحيانا بالكره والنفور ممن يظلمهم ويدبر لهم المكائد والدسائس. وهي تثير فينا مختلف العواطف الوطنية والعاطفية والاجتماعية فنسقط من خلالها مشاعرنا وانفعالاتنا.

  والروايات التي تخاطب العواطف السامية في الإنسان وترقى بمشاعره وتهذب أخلاقه وسلوكه العاطفي مع من حوله هي الروايات العظيمة الخالدة التي تحتل أرفع مكان في القلوب وفي المكتبات.

  وقد رأينا أن الجانب الانفعالي الوجداني هو أحد المقومات الهامة في الشخصية وهو الذي يتحكم في الانفعالات.

أ ـ الانفعال: ولكن ما هو الانفعال؟ ولماذا يحدث؟ وكيف؟

لنتأمل هذا التعريف:

  "الانفعال حالة نفسية ذات شحنة وجدانية قوية مصحوبة بتغيرات فسيولوجية خاضعة خاصة للجهاز العصبي السمبتاوي، وبحركات تعبيرية كثيرا ما تكون عنيفة. وينشأ الانفعال عادة عن إعاقة فجائية لرغبات قوية كما في الغضب والخوف، أو عن إرضاء غير متوقع لهذه الرغبات كما في انفعال الفرح". 

                                                                                                      الموسوعة العربية الميسرة (1) ص 248

وهذان مثالان عن انفعالي الغضب والخوف:

1 ـ القائد طاهو  وغيرته الغاضبة (نجيب محفوظ):

  "وترك العنان لعواطفه التي كبح جماحها في حضرة رادوبيس فاختل توازنه، وانكفأ لونه، وارتجفت أوصاله، ومضى يفقد عقله ورشده بسرعة فائقة. وضربت المجاذيف جانب الماء وهو يترنح كالتمثال، كأنه عائد من معركة خاسرة، أفقدته حكمته وشرفه، وخال النخيل المنطلق على الشاطئ يرقص رقصا جنونيا، والجو يعفره غبار ثائر خانق، وكان الدم يتدفق في عروقه ساخنا هائجا مجنونا مسحوقا".

  "انفجر المستودع الخفي في نفسه، وتصاعد لهيبه حتى حرق روحه جميعا، وأحس بالعذاب والهوان واليأس والكبرياء الذبيح".

  "الويل للدنيا جميعا، إنه يشعر باليأس المميت، والغضب القاتل، وبغيظ حانق يطحن نفسه الجبارة، إنه يغضب غضبا جنونيا جارفا، ويشتعل دمه نارا موقدة، يضغط على سمعه فلا يكاد يسمع شيئا، ويخضب عينيه فيرى الدنيا شعلة حمراء".

                                                                                                              الأعمال الكاملة(3)رادوبيس ص 476

2 ـ خوف طفلة ( فكيتور هيغو):

  "كانت كوزيت مهزولة شاحبة. كانت في الثامنة من عمرها، ولكن الناظر إليها كان يظن أنها لم تكد تتجاوز السادسة. كانت عيناها الواسعتان الغارقتان في ضرب من الظلام العميق، مطفأتين تقريبا من أثر البكاء الموصول. وكانت لزوايا فمها التواءة الألم المألوف تلك التي ترى عند المحكوم عليهم والمرضى بأدواء لا برء منها".

  "كان شخص هذه الطفلة كله، مشيتها، وهيئتها، وجرس صوتها، والفترات بين كل كلمة من كلماتها وبين الأخرى، ونظراتها، وصمتها، واقتصادها في الحركة ـ كان ذلك كله يفصح عن فكرة وحيدة: الخوف.

  كان الخوف منثورا عليها، كانت مغطاة به، إذا جاز التعبير. لقد ألصق الخوف مرفقيها بجانبيها، ورد عقبيْها تحت تنورتها، وجعلها تحتل أقل حيز ممكن، وحملها على أن لا تتنفس إلا بالقدر الضروري، وكان قد أمسى ما يمكن أن تدعوه عادتها الجسدية، فلا سبيل إلى تغيير تلك العادة إلا إذا قصد بالتغبير الزيادة والتعقيد. كان في أعماق حدقتها زاوية يكمن فيها الذعر.

  وكان خوفها ذاك من القوة بحيث أنها، حين رجعت إلى الفندق وقد بللت المياه ثيابها كلها، لم تجرؤ على أن تتقدم نحو النار تجفيفا لثيابها. لقد انصرفت إلى عملها في صمت".

                                                                                                                             البؤساء (2) ص 169

انفعال الغضب:

  وإذا تأملنا المثالين نلاحظ الفرق بين الانفعالين، فالغضب حوّل طاهو في المثال الأول إلى إنسان بدائي، أو وحش كاسر فقد "اختل توازنه" وفقد عقله ورشده، وتسارع تنفسه وتدفق الدم في عروقه وتغير لونه وكاد يفقد سمعه، وغامت عيناه، وأصيب بعمى الألوان، وأصبح كالثور لا يرى إلا اللون الأحمر. إن حالته العدوانية في هذه اللحظة تدفعه لعمل أي شيء، ففي غياب العقل يصبح الإنسان آلة فتاكة، لقد ضبط عواطفه عند "رادوبيس". لم تبادله الحب الجنوني الذي يكنه لها، وفضلت عليه سيده فرعون، ولم يكفها هذا بل أرادت أن تستوثق من إخلاصه لسيده، وهذا ما أغضبه.

انفعال الخوف:

  أما خوف كوزيت في المثال الثاني فلأنها كانت عند "تيناردييه" وزوجته، الشريرين اللذين تعهدا لأمها "فانتين" بتربيتها مقابل مبلغ شهري كانت ترسله المسكينة وهي لا تدري بأن ابنتها تعامل معاملة خادمة بل جارية رغم صغر سنها. وقد دفعها الخوف من زوجة تيناردييه وعقوبتها إلى الانكماش والتقلص. ونحن نقرأ في عينيها المطفأتين وفي التواءة فمها من الحزن والألم، وفي صوتها الضعيف المتقطع، وفي نظراتها وانكماشها معنى واحدا هو الذعر.

  فانفعال الغضب يدفع أصلا إلى الحركة والهجوم والعدوانية إلا إذا استطاع صاحبه أن يتحكم فيه، وانفعال الخوف يدفع أصلا إلى التسمر في المكان إلا إذا استطاع صاحبه أن يتحرر منه.

وصف الانفعال:

إن وصف الانفعال إذا يعتمد على:

أ ـ نوع الانفعال وسببه والتغيرات الجسمية والنفسية التي ترافقه عادة.

ب ـ الشخص الذي يحدث له الانفعال، فالأشخاص يختلفون في ردود أفعالهم، فهناك من يصبح كالحيوان، يضرب ويقتل ويكسر الأدوات في حالة الغضب، وهناك من يتحكم في نفسه إلى أبعد الحدود رغم علامات الغضب البادية عليه. وهناك من يتسمر في مكانه أو يغمى عليه عند الخوف، وهناك من يستطيع التغلب على خوفه فيقوم بأعمال بطولية.

  فيجب أن تنسجم ردود أفعال الشخصيات مع الصورة والصفات التي خلعناها عليهم في الرواية، فلا يمكن لمن رسمنا له صورة البطل أن ينهار من الخوف، أو كانت له صفات الحكيم أن ينقلب عند الغضب إلى وحش كاسر إلا إذا كان التغير مقنعا في الرواية.

التغيرات الحادثة عن الانفعال:

  وتحدث الانفعالات في الإنسان تغيرات جسيمة ونفسية رأينا بعضها في المثالين السابقين، ففي حالة الغضب يزداد التنفس، ويتسارع تدفق الدم في العروق لذلك يحمر الوجه وتجحظ العينان وتنتفخ الأوداج وترتجف الأعضاء ويفقد الجسم توازنه. وفي حالة الخوف يحتبس التنفس ويتناقص تدفق الدم فيشحب الوجه، وتتقلص العضلات، وتنطفىء العينان، ويحس الإنسان بالدوار ويفقد التوازن وقد يغمى عليه أو تنتابه نوبة بكاء.

  أما التغيرات النفسية فتتميز بما يصيب اللغة حيث تصبح أحيانا مبهمة ومتقطعة ويخفت الصوت كما رأينا عند كوزيت، أو يرتفع عند الغضب، كما تتميز التغيرات النفسية عند بعض الناس في حالة الحزن بالصمت والشرود والذهول.

ب - العاطفة:

  هي نوع من الانفعال الهادئ يتركز على موضوع معين يستأثر بمشاعرنا، كأن يكون شخصا أو فكرة، مثل الحب كحب الأسرة والوطن والصداقة أو حب الفن والموسيقى والشعر.

  وقد شبه "كانت" الانفعال بالسيل الجارف الطاغي الذي ما يلبث أن ينقطع، أما العاطفة فهي أشبه بنهر صغير يحفر مجراه بعمق وصمت واستمرار. لذلك تميزت العاطفة بالدوام بينما يكون الانفعال عابرا، فالعاطفة إذن تبدأ بانفعال سار أو محزن أو مثير للغضب وتتحول إلى حب أو حزن أو كره الخ.. وهذه بعض الأمثلة:

1 ـ أندره يصف حبه لنتاشا (تولستوي):

  "لو قال لي أحد أن من الممكن أن أحب هذا الحب لما صدقته. إن العاطفة التي أشعر بها الآن تختلف عما سبق أن شعرت به من قبل. والعالم ينقسم الآن في نظري نصفين: نصفا هي فيه، ففيه السعادة والأمل والنور، ونصفا ليست فيه، فليس فيه إلا ظلمات ويأس".

                                                                                                                      الحرب والسلم (2) ص 461

2 ـ الحزن (إلفة الإدلبي):

  "يقولون: كل شيء يبدأ صغيرا ثم يكبر إلا الحزن يبدأ كبيرا ثم يصغر. لكن حزني على "أخي" سامي يكبر يوما فيوما. بعد أن ذهبت خالتي إلى عمان ازدادت حالتي سوءا. كم أتمنى أن أبكي لعلي أجد في البكاء بعض الراحة. دموعي تحجرت في مآقي أو انكفأت إلى الداخل! .. أشعر دائما أن عيني محدقتين إلى لا شيء. وأجدني أكز على أسناني حتى أوجعها. كأن الحزن حين يقترن بالقهر والحقد يصبح شيئا آخر، شيئا فيه ضراوة، يفقد تلك الشفافية وذلك الحنان اللذين يعتريان الثكالى والحزانى.

  لم أبك إلا حين جاءتني "نيرمين" متشحة بالسواد. لا أدري كيف وصلها الخبر. وكيف اهتدت إلى بيتنا. تعانقنا وبكينا بصمت دون أن تنطق بكلمة واحدة. هذه الفتاة أصبحت غالية علي جدا بعد أن رأيت وفاءها الكبير لسامي".

                                                                                                                   دمشق يا بسمة الحزن ص 195

3ـ العواطف العائلية (الطيب صالح):

  "المهم أني عدت، وبي شوق عظيم إلى أهلي في القرية الصغيرة عند منحنى النيل. سبعة أعوام وأنا أحن إليهم وأحلم بهم. ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة أن وجدتني حقيقة قائما بينهم، فرحوا بي، وضجوا حولي، ولم يمض وقت طويل حتى أحسست كأن ثلجا يذوب في دخيلتي، فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس. تعودت أذناي أصواتهم. وألفت عيناي أشكالهم من كثرة ما فكرت فيهم في الغيبة، قام بيني وبينهم شيء مثل الضباب أول وهلة رأيتهم، لكن الضباب راح".                                            موســـم الهجرة إلى الشمال ص 29

4 ـ حب الوطن (محمد ديب):

  "راح حميد يتأمل السماء من خلال الكوة في زنزانته في السجن بعد أن تعرض لكل أنواع التعذيب. راح يتأمل السماء العالية جدا، السماء التي كانت تتلألأ. كان هذا الهواء المعطر آتيا من مسافات بعيدة قطعها. إيه أيتها الأرض الخفيفة القوية".

  وتذكر فلاحة عجوزا اقتربت منهم ذات يوم بينما كانوا بضعة أشخاص في الحقول. تذكر كيف قالت بصوت عال حتى يصل كلامها إليهم:

ـ كبيرة أمنا الجزائر.

  كانوا جميعا يعرفونها. وسارت في طريقها دون أن ترميهم بنظرة واحدة".

  "ومضت الخالة خيرة بخطى قصيرة عنيدة، وظل الرجال صامتين لحظة من الوقت.

  خيل إلى حميد أنه الآن في بيته بعد أسفار طويلة كثيرة. قال لنفسه: أنا الآن أرتاح بين أهلي وقد هجرت حياة التشرد إلى الأبد. إنني أقبل أن يعلمني إخوتي كيف أضع قدمي أمامي. سأدعهم يقودونني، وأن يأخذوا بيدي لنطأ الأرض. إنني مؤمن بهم، الحمد لله.

  لقد بقيت لي هذه الأرض وبقي لي هذا الشعب العظيم، فأستطيع أن أتجه إليهما. نحوهما سأمشي بعد الآن. وحدهما سينقذاني، ليأت ذلك اليوم الذي أستطيع فيه أن أجتاز جميع المدن فإذا رأيت قرويا يقبض على فأسه في صورة رائعة وقفت أتأمله ساعات. إن هؤلاء الرجال يوقظون الفرح في النفس .

  أما الزنزانة الفظيعة، ووجوه الحراس الجهمة الكالحة، والجدران الرمادية، ورائحة النتن والرطوبة التي تملأ دهاليز السجن، وصيحات السجناء وأناتهم، والنافدة الصغيرة المنقوبة في الجدار السميك، والوحدة الكئيبة، أما كل هذا فإنه في ذلك الصباح لم ينتبه له".

                                                                                                             الدار الكبيرة: الحريق: النول ص 302

كيف نصف العاطفة:

  لم يصف لنا أندره عاطفة الحب، ولكنه وصف لنا رؤيته للعالم من خلالها، فحيث توجد حبيبته توجد "السعادة والأمل والنور"، وإلا فالدنيا "ظلمات ويأس".

  أما ألفة الإدلبي فوصفت بعض المظاهر الانفعالية لحزنها وهي البكاء والذهول والضغط على الأسنان. ووصف الطيب صالح لنا دفء الحياة بين الأهل الذي افتقده في بريطانيا معتمدا على ازدواجية الدفء في الطقس وحرارة العواطف الإنسانية، وبرودة الطقس في بريطانيا وبرودة العلاقات الإنسانية بالنسبة إليه.

  ووصف محمد ديب حب حميد سراج لوطنه من خلال احتماله التعذيب وتصميمه وهو في الزنزانة على المقاومة، وحبه للأرض والفلاحين وإيمانه بشعبه العظيم، ومن خلال تذكره كلام الخالة خيرة: "كبيرة أمنا الجزائر".

  ليست هناك طريقة واحدة إذن لوصف العاطفة. ولو أخذنا عاطفة الحب مثلا، لرأينا أن رادوبيس في الفصل المتعلق بمقومات الفصل الداخلي، وصفت لنا المظاهر الانفعالية لهذا الحب: "لقد عرفت الحقيقة بقلبي، لقد خفق بشدة وعنف، خفق لرؤية وجهه، وخفق لسماع صوته"، كما وصفت أهميته بالنسبة إليها: "ولم أعد أتصور أن تطيب حياة أو يلذ وجود بغير هذا الامتزاج". واكتفى أندريه بوصف أهمية ناتاشا بالنسبة إلى وجوده.

  فوصف الحب إذن هو وصف مظاهره الانفعالية وما يحدثه فينا من اضطرابات جسمية لذيذة ومفرحة، أو أن نصف أهمية من نحب بالنسبة إلينا، حيث يصبح ضروريا كالماء والهواء، أو أن نصف آثار هذا الحب علينا من شعور بالسعادة والرضا أو معاناة عذاب البعد وتباريح الشوق والاكتواء بنار الغيرة.

  وهذا ينطبق على كافة عواطف الحب ومظاهره من الإعجاب والاحترام والإجلال للحبيب والوطن والأهل والأصدقاء والأماكن والفنون وغيرها، حيث نصف أهميتها بالنسبة إلينا وما تثيره فينا وآثارها علينا، وماذا فعلت فينا، إيجابا وسلبا، وماذا يمكن أن نفعل من أجل من نحبه أو ما نحبه. وفي كل الحالات يجب أن نطلق العنان لمشاعرنا ولابد إن كانت صادقة أن نجد اللغة التي نستطيع التعبير بها عنها، وهذا ينطبق على المشاعر الأخرى وما تثيره فينا، كمشاعر الحزن والخوف وغيرها.

العواطف والانفعالات في الرواية:

  وتختلف العواطف والانفعالات في الرواية بحسب موضوعها، فإن كان موضوعها عاطفيا فهي ترتكز على عواطف الحب والكره والغيرة والانفعالات الناجمة عنها. وإذا كان موضوعها اجتماعيا كانت العواطف العائلية، والانفعالات الناجمة عن الفقر وعلاقات الجوار والعمل هي السائدة. وبما أن العواطف والانفعالات السارة والمحزنة والمثيرة للإعجاب أو الغضب مرتبطة بسلوك الإنسان وحياته اليومية فهي تأخذ من الرواية قسطا كبيرا، إذ أنها مرتبطة بالأحداث ولا يستطيع الكاتب إذا تعددت الأطراف أن يوقف الحدث لينقل لنا انفعالات كل طرف لكنه يربط الانفعال بالحدث كما يجري في الحياة تماما، ليكون أكثر واقعية وإقناعا للقارئ.

الانفعالات في الرواية العاطفية:

  وهذا نص مأخوذ من مأساة عاطفية تلتقي فيه الملكة "نيتوقريس" بغريمتها "رادوبيس" التي استولت على قلب الملك، وجعلته يهمل شؤون المملكة بحيث أصبح عرشه ومصيره مهددا. وتزورها الملكة سعيا لإنقاذ الملك والعرش. ولكن رادوبيس تعامل الملكة معاملة الند للند. ونلمح الانفعالات التي تعكس حب كل منهما لفرعون وغيرتها من غريمتها، كما نرى تحكم الملكة "نيتوقريس" في عواطفها وانفعالاتها. وقد وضعنا خطوطا تحت كل ما يمثل الانفعال في النص:

1ـ الغريمتان (نجيب محفوظ):

  " فابتسمت الغانية وقالت:

ـ ليت ضيفتنا تؤذننا بشخصها الجليل؟

وكان السؤال طبيعيا ولكن الملكة ضاقت به كأنها لم تكن تتوقعه، ولم تجد بدا من إعلان نفسها. فقالت بهدوء: "أنا الملكة".

  ونظرت إلى المرأة لترى أثر تصريحها في نفسها. فشاهدت ابتسامتها تغيض وعينيها تلمعان دهشة. وصدرها يمتلئ ويتصلب كالأفعى إذا هوجمت. ولم تكن الملكة هادئة كما تبدو، فقد تغير قلبها لدى رؤية غريمتها. وأحست بدمائها تلتهب وتحرق عروقها جميعا، وشعرت بالكراهية والبغضاء. وتواجهتا كغريمتين تتحفزان للقتال، واستولت عليهما حالة مريرة ملوثة بالغضب والحقد. ونسيت الملكة إلى حين كل شيء إلا أنها بإزاء المرأة التي سلبتها سعادتها. ونسيت رادوبيس كل شيء إلا أنها أمام المرأة التي تقاسم حبيبها اسمه وعرشه.

  وتبودل الحديث بينهما بادئ الأمر في ذلك الجو المشبع بالغضب والحقد فجرى مجرى عنيفا محزنا وكانت الملكة مستاءة لعدم اكتراث غريمتها بها، فقالت باستياء:

ـ ألا تدرين أيتها السيدة كيف تحيين الملكة؟

  فجمدت رادوبيس في مكانها ولفحت قلبها هبة من انفعال شديد، وكادت تنفجر لتنفس عن صدرها الكظيم، ولكنها ملكت أعصابها. وكانت تعرف طريقة أخرى للانتقام، فرسمت ابتسامة على وجهها وأحنت رأسها وهي جالسة وقد أسندت ظهرها في تراخ واستهانة، وقالت بلهجة لم تخل من سخرية:

ـ إنه ليوم عظيم يا صاحبة الجلالة سيذكر لقصري في التاريخ.

والتهب وجه الملكة غضبا، فقالت بانفعال:

ـ لم تعدي الحقيقة، فسيذكر قصرك هذه المرة ذكرا جميلا، لا كما تعود أن يذكره الناس.

فنظرت إليها بسخرية تستر غيظا وحنقا، وقالت:

ـ ألا سحقا للناس ... أيذكرون بالسوء قصرا يجعله مولاهم مرتعا لقلبه وهواه !!"

  "وأحست الملكة بوهن وألم وخجل، وأيقنت أنها انحدرت إلى مساجلة الراقصة القتال، وأنها خلعت ثوب الجلال والوقار، وتبدت عارية في جلد المرأة الغيور التي تنافح لاسترداد رجلها".

  "وأماتت عواطفها جميعا، ودفنتها في أعماق نفسها وارتدت سريعا إلى طبيعتها المتعالية، وجرى في عروقها مكان الغضب والحقد دم أزرق لا يدين بغير الكبرياء. فذكرت الغرض الذي جاءت من أجله، وصدقت عزيمتها على أن تكفر عما بدر منها، وطالعت المرأة بوجه هادئ ظاهرا وباطنا وقالت لها:

  " لقد جئتك أيتها السيدة من أجل أمور أجل، أمور تتعلق بالعرش المجيد".

                                                                                                 الأعمال الكاملة(3)رادوبيس ص 457 ـ 459

  نلمح منذ الوهلة الأولى في هذا النص تحفز المرأتين والتغيرات الجسمية الانفعالية التي طرأت عليهما، فنرى "ابتسامة رادوبيس  تغيض، وعينيها تلمعان دهشة، وصدرها يمتلئ ويتصلب كالأفعى إذا هوجمت". ونرى "دماء الملكة تلتهب وتحرق عروقها جميعا". وفي النص إشارات كثيرة إلى مظاهر الانفعال التي يسميها النص بأسماء الكراهية والبغضاء والحقد والغيظ والحنق والاستياء، والغيرة.

  أما النص الثاني فهو من رواية وطنية اجتماعية، أبطالها نعرفهم جميعا فهم سكان دار سبيطار. وإذا كانت السيطرة على الانفعالات شرط من شروط التوازن النفسي، فالتعبير عنها في حالة سكان دار سبيطار ضرورة ملحة للتوازن النفسي والاستمرار في الحياة. فالفقر والعوز وضيق السكن والمعاناة اليومية من بطالة وظلم واعتقالات في ظل الاستعمار، جعلت من أصحابها قنابل موقوتة، إن لم تهيأ لها فرصة التنفيس، أصيبوا بالجنون، وهم ما إن تنتهي المشاجرة حتى يرجعوا جيرانا أحباء كما كانوا. إنها انفعالات ما إن تشبع حتى يستعيدوا توازنهم، وتعود العلاقة بينهم كما كانت:

2 ـ مشاجرة في دار سبيطار (محمد ديب):

  "منذ مدة طويلة لم يسمع في البيت صخب كهذا الصخب. كانت النار مختفية تحت الرماد منذ عدد من الأيام. لم يكن ذلك يخفى على أحد. كان يحدث من حين إلى حين أن يقع شيء من الأخذ والرد. ولكن النساء لا يروي غليلهن هذا، فكانت أعصابهن تتوتر، وكانت دماؤهن تفور إلى أن طفح الكيل، فانفجرت الصاعقة في آخر القيلولة من هذا اليوم بعد الظهر. كان لا بد لهم من هذا وإلا أصابهن جميعا جنون.

  كان بينهن من لم يقلن شيئا، غير أنهن كن يخرجن من بين أسنانهن جميع أنواع الشتائم واللعنات. إنه لا بد من معاقبة نفاق هؤلاء".

فشتمهن عمر، وبصق أمامه.

  عندئذ قام في دار سبيطار اضطراب هائل ما انفك يتسع. واجتذبت الوعوعات نساء أخريات من البيوت المجاورة. لقد اعتادت هؤلاء النسوة أن يتجمعن متى حدث انفجار. إنهن يتزاحمن الآن جماعة خرساء عند مدخل البيت، ومن فرط استعجالهن لم يتسع وقت أكثرهن لوضع الحجاب، فهذه ألقت على رأسها منشفة، وهذه غطته بشالة، وتلك لم تزد على أن شمرت حافة تنورتها من خلف وسحبتها على رأسها تغطيه، وتقدمن بلا تحرج حتى بلغن وسط الفناء. إن المرأة لا تقوى كثيرا على مقاومة البشائر الأولى التي تؤذن بوقوع مشاجرة. واللواتي لم يستطعن أن يأتين من الشارع هرعن يطللن على البيت من السطوح: عناقيد من بشر تتدلى لتصغي وتسمع.

  كانت عيني قد تركت ماكينة الخياطة، لتصاول في هذه المعركة المحتدمة. فهي ترد تارة على هذه وتارة على تلك تساعدها في ذلك بنتاها. إن النساء المجتمعات عاجزات عن مغالبتهن هن الثلاث، رغم كل ما تقذفه ألسنتهن. وكانت عيني وفرختاها تصبان عليهن كلاما يقدُّ من قلبوهنَّ مِزقا حيّة".

                                                                                                             الدار الكبيرة: الحريق: النول ص 89

وهاهي عيني تتشاجر مع صاحبة الدار:

  "ليت هذه الجدران تسقط عليك يا شقية، ضعي الله في قلبك، واعلمي أن الموت معلق فوق رأسك. تفو عليك أيتها الضفدعة السامة المؤذية!

  ـ الموت يأخذك أنت، ويأخذ أسرتك كلها، ويأخذ جميع أقربائك! أنا هنا في بيتي يالعّاقة الصحون. سأريك من أنا.

  ـ أنا أعمل لأطعم أربعة أفواه، فهل عملت أنت يوما واحدا من حياتك يا أيتها المرأة العقيم؟ طبعا لا.."

  " لعلك تنسين يا بالوعة طافحة أن أخاك قد فطس في السجن، كومة لصوص".

 كان قلب عيني يوشك أن ينفجر حنقا.

ـ سكوت صمت يا نساء".

                                                                                                                      المصدر نفسه ص 90 ـ 91

أهمية الانفعالات في الأحداث:

  ولنؤكد على أهمية الانفعالات في أحداث الرواية، نورد مثالا من رواية الكاتب دوستويفسكي "الجريمة والعقاب"، ويتمثل الحدث في اتهام "لوجين بيوتر بيتروفيتش" لسونيا المدعوة صوفيا سيميونوفنا بسرقة ورقة نقدية من فئة المئة روبل. وفي الحقيقة هو الذي دسها في جيبها دون علمها ليتهمها بالسرقة انتقاما من راسكولينكوف الذي يعطف عليها. وكان ذلك بحضوره وحضور امرأة أبيها التي تحبها، وصاحبة البيت التي تكرههم، ومجموعة كبيرة من السكان جاؤوا للتعزية في موت أب سونيا. وامتزجت مشاعر الحب بالكره والعواطف والمصالح. وقد حذفنا ما يدل على الحدث وأبقينا مظاهر الانفعال، في كل من الوجه والعينين والصوت والتنفس وحركة الجسم:

أ ـ الوجه اثناء الانفعال:

ولقد بقيت سونيا أبدا في المكان نفسه،  كأنها ذاهلة عن نفسها، حتى أنها لم تبد عليها الدهشة: وفجأة تدفق الدم في وجنتيها  أفلتت منها صرخة ثم غطت وجهها بيديها.."

                                                                                                                    الجريمة والعقاب (2) ص 521

" فشحب وجه لوجين ثم صرخ"                                                                                                ص 521

"وشحب وجه سونيا شحوب الأموات".                                                                                        ص 519

" نظرت سونيا إلى من حولها، لقد كانت محاطة بوجوه رهيبة، قاسية، مزدرية".

                                                                                                                                       ص 520

"وقد أحدثت لهجته القاطعة والمفحمة، وكذلك الملامح القاسية التي ارتسمت على وجهه تأثيرا غريبا في الجميع".

                                                                                                                                       ص 527

"لبث لوجين صامتا، وراح يبتسم ابتسامة السخرية والهزء، ومع هذا فقد كان بادي الشحوب".

                                                                                                                                       ص 528

"وأما آماليا إيفانوفنا فقد لبثت واقفة فاغرة فاها ببلاهة".

                                                                                                                                       ص 528

ب ـ العينان أثناء الانفعال:

  "أما راسكولينكوف فقد لبث صامتا، لا يحول عينيه عن سونيا. وبين الحين والحين، كان يرمي نظرة خاطفة إلى لوجين".

                                                                                                                                        ص 522

  "نظر بيوتر بيتروفيتش شزرا إلى راسكولينكوف، وتلاقت عيناهما بالنظرات، وكانت نظرة راسكولينكوف الملتهبة على أهبة تحويل لوجين إلى رماد".

                                                                                                                                        ص 522

  "وكان يبدو على كاترينا إيفانوفنا أنها لم تعد تسمع أو ترى شيئا على الإطلاق".

                                                                                                                                     الصفحة نفسها

  " فاستدار بيوتر بيتروفيتش بسرعة، وإذا بليبيزيا تينكوف يكرر القول ناظرا بثبات، إلى عينيه: "ياللحقارة".

                                                                                                                                         ص 523

 

  "فقال ليبيزيا تينكوف بحرارة، وهو ينظر إليه بقساوة، بعينيه الدقيقتين المتعبتين.."

                                                                                                                                     الصفحة نفسها

  "وأما راسكولينكوف، فقد ثبت نظراته عليه، وبدا كأنه يترقب كل واحدة من عباراته".

                                                                                                                                    الصفحة نفسها

  "لقد توهمت أنك ترى ذلك بعينيك المتعبتين".                                                                                  ص 528

  "وكانت سونيا تصيخ السمع باهتمام عظيم، ولكن كان يبدو عليها أنها لم تفهم كل شيء تماما، لم تكن تحول نظراتها عن راسكولينكوف، بعدما شعرت أنه كان لها الملاذ الوحيد".

                                                                                                                                          ص 528

ثم صرخت فجأة وقد التمعت عيناها: يا إلهي! أيمكن ألا تكون هناك عدالة؟"

                                                                                                                                          ص 529

ج ـ الأصوات أثناء الانفعال:

  " وصرخت سونيا كما لو أن صراخها أفلت منها رغم إرادتها " أوه، يا إلهي!"

  " صرخت آماليا إيفانوفنا وهي تضرب كفا بكف: " إن الله رحيم، لقد كنت أعرف جيدا أنها سارقة".

                                                                                                                                      الصفحة نفسها

"فهمهم لوجين قائلا: "إنني مستعد، ولسوف أجيب".

                                                                                                                                      الصفحة نفسها

"فصرخت كاترينا أيفانوفنا: " ليفتشها من يرغب".

                                                                                                                                          ص 521

"وزمجرت آماليا إيفانوفنا: " أيتها السارقة!  أخرجي من المسكن!"

                                                                                                                                      الصفحة نفسها

  "وتعالت أصوات الدهشة والاستغراب من كل جانب، أما راسكولينكوف فقد لبث صامتا".

                                                                                                                                     الصفحة نفسها

  "وأفلتت منها صرخة، ثم غطت وجهها بيديها، وصرخت في إجهاش يمزق الأكباد: " كلا.."

                                                                                                                                   الصفحة نفسها

  "وإذا بصوت مرتفع منبعث من جهة العتبة يسمع فجأة ويقول: "كم هو حقير هذا الشيء؟!"

                                                                                                                                      ص 522

  "فشحب وجه لوجين ثم صرخ بشيء من التحدي: "إنك تكذب!"

                                                                                                                                      ص 524

  "وكان ليبيزيا بتنكوف على وشك الاختناق بشدة الغضب، وبدأت تتعالى الصيحات والهمهمات المختلفة، من كل جانب، معلنة الاستغراب المتزايد، كما أن بعض التهديدات سمعت أيضا".

                                                                                                                                   الصفحة نفسها

  "فزأر لوجين، وهو فريسة غضب شديد: أقنعني ..."                                                                    الصفحة نفسها   

التنفس أثناء الانفعال:

  "وكانت كاترينا إيفانوفنا تتنفس بصعوبة بالغة، حتى كأن التعب بلغ منها مبلغا عظيما".                                                                                                                                                 ص 528

         "ولكن كاترينا إيفانوفنا الشاحبة التي عصرها الألم التقطت أنفاسها وقفزت عن السرير وهجمت على آماليا إيفانوفنا ".

                                                                                                                                         ص 529

  "فصرخت كاترينا إيفانوفنا المرأة المسكينة مجهشة وهي تكاد أن تختنق: "كيف! ألم يكفنا أننا قد افتري علينا؟"       

                                                                                                                                         ص 529

اللغـــة:

  "ثم قال متلعثما: "إذا كنت تتوجه بالكلام إلي أنا... ولكن ماذا دهاك؟ وهل أنت مالك لكل قواك العقلية؟"

                                                                                                                                         ص 523

  "أنهى راسكولينكوف كلامه. وكان خطابه قد قوطع، غالبا بإعجاب الجمهور الذي كان إلى هذا يصغي إليه باهتمام بالغ. ولكن بالرغم من تلك المقاطعات، فقد ألقي الخطاب بطريقة حاسمة، هادئة، دقيقة وثابتة، وقد أحدثت لهجته القاطعة والمفحمة وكذلك الملامح القاسية التي ارتسمت على وجهه تأثيرا غريبا في الجميع".

                                                                                                                                         ص 527

هـ - حركة الجسم عند الانفعال:

  "وراحت كاترينا إيفانوفنا، وقد امتلكتها سورة من الغضب، تهز لوجين، وتقوده نحو سونيا قائلة: "ابحث إذن.. هيا.."

                                                                                                                                         ص 520

  "فأخذتها كاترينا إيفانوفنا بين ذراعيها، وضمتها إليها بكل قواها كما لو أنها كانت تريد أن تحميها من جيمع الناس".

                                                                                                                                         ص 526

 

  "أما راسكولينكوف فقد بدأ يقول بصوت أكيد، وقد خطا إلى الأمام:"

                                                                                                                                         ص 526

  "فقد كان جميع الحاضرين يصرخون، ويندفعون حول لوجين موجهين إليه بعض الإهانات والتهديدات".

                                                                                                                                          ص 528

  "وأفلح في اختراق صفوف الجمهور، ولكن الموظف في مصلحة التموين وجد أنه من العبث الرضاء بهذه النتيجة فقط، وتركه يمضي مشيعا بالسباب والشتائم".

                                                                                                                                          ص 528

  "فأمسك بقدح، ورمى بيوتر بيتروفيتش به، ولكن القدح أخطأه، وأصاب آماليا إيفانوفنا فصعدت هتافا قويا".

                                                                                                                                          ص 529

  "بينما سقط الموظف في مصلحة التموين متثاقلاً تحت المائدة، بعد أن فقد توازنه".

                                                                                                                                          ص 529

  "أما سونيا فقد فقدت قواها العصبية، وأخيرا لما لم تعد تتمالك نفسها هربت من الغرفة".

                                                                                                                                           ص 529

خلاصـــة:

  وهكذا نرى من خلال ما تقدم أن وصف الانفعالات يعتمد على وصف المظاهر الجسمية له في الوجه والعينين والتغيرات التي تحدث على الصوت والتنفس وتوازن الجسم، وسواء أوصفت هذه الانفعالات منفردة أم مرتبطة بالحدث فإنها تعتمد على:

  1 ـ سبب الانفعال (حادثة، رؤية شخص، ذكرى أليمة الخ ...)

  2 ـ نوع الانفعال فالتغيرات تختلف من انفعال إلى آخر.

  3 ـ موضوع الرواية فانفعالات الرواية الوطنية أو الاجتماعية تختلف عن انفعالات الرواية العاطفية.

  4 ـ تعتمد على الشخصية نفسها حيث تختلف ردود أفعال الناس على الانفعالات. فهناك من يضبط نفسه، وهناك من ينهار، وهناك من يصبح عدوانيا، وتختلف اللغة أيضا عند الانفعال باختلاف أصحابها، فلغة "نيتوقريس" الملكة تختلف عن لغة  دار سبيطار.

  أما العواطف فنستنتجها في أكثر الأحيان من خلال انفعالات أصحابها وسلوكهم في الرواية، وبين الفينة والفينة، يناجي العاشق أو الحزين أو الخائف نفسه، فنسجل مشاعره، أويناجي غيره ويصف المظاهر الانفعالية لعاطفته، أو آثارها، أو مشاعره بالنسبة لمن أحب. ووصف المشاعر يعتمد على الصدق والعفوية سواء تعلقت هذه المشاعر بإنسان أو بفكرة أو بشيء.

تمـــارين

  1 ـ إقرأ النصوص الآتية، وضع جدولا تبين فيه التغيرات الحادثة عند الانفعال لكل شخصية.

  2 ـ اختر ثلاثة من هذه النصوص ورتبها بحسب إعجابك بوصف الانفعال فيها ثم وضح سبب اختيارك لها.

  3 ـ استخرج من الرواية التي تطبق عليها بعض النصوص التي تصف الانفعالات، وبين أنواعها.

  4 ـ اختر نصا لحدث من الأحداث وبين الانفعالات الواردة فيه.

  5 ـ حاول وصف انفعال لإحدى الشخصيات التي ترسمها من الانفعالات الآتية: (الخوف، الغضب، الإعجاب بصوت جميل، الحزن، الإعجاب بلوحة جميلة)، وبين سبب الانفعال (الخوف أو الغضب أو الحزن أو الإعجاب)، وصف قدرة صاحبه على التحكم فيه، أو استسلامه له.

1 ـ غضب امرأة "إلفة الإدلبي":

  "وددت مخلصة أن أتحدث إلى عمتي بعد ذهاب أبي وأمي لأواسيها وأخفف عنها قليلا بعد تلك الليلة الرهيبة. ما كدت أفتح فمي حتى أومأت إلي بيدها أن أسكت واضعة سبابتها على فمها  ناظرة إلي نظرة كأنها تذكرني بوعدي لها بأن لا أزعجها أبدا. أذعنت لمشيئتها. كان لا مناص لي من هذا الإذعان بعد أن نظرت إلى وجهها فإذا لونه العاجي قد استحال إلى لون رمادي تشوبه زرقة، وإذا نظراتها تائهة زائغة، وقد خيل إلي وأنا أراقب رجفان يديها أن أعصابها أصبحت كأوتار مشدودة، وأنها الآن أشبه ما تكون بقنبلة قد سحب منها صمام الأمان ما تكاد تمس حتى تنفجر، ويعتريني منها خوف شديد وأوثر السلامة، فأظل صامتة كما طلبت مني".

                                                                                                                        دمشق يا بسمة الحزن ص 37

2 ـ صدمة الفشل لرفض امرأة الزواج منه(الطيب صالح):

  "لم أكن أحسب أن الخبر سيقع عليه كما وقع فعلا، لكن ود الريس الذي يبدّل النساء كما يبدّل الحمير، يجلس أمامي الآن، وجهه مربد وجفناه يرتعشان، وقد عض شفته السفلى حتى كاد يقطعها. أخذ يتململ في مقعده وينقر الأرض في عصبية بالغة بعصاه، خلع حذاءه من رجله اليمنى ولبسه عدة مرات، وكان يتأهب للقيام ثم يجلس، ويفتح فمه كأنه يريد أن يتكلم ثم يسكت".

                                                                                                                   موسم الهجرة إلى الشمال ص 109

3 ـ وجهان غاضبان ( باسترناك):

  "وقف خودولبيف وتيفرزين، ورأساهما منحنيان، وجبهتاهما تكادان تتماسان، وقد شحب لوناهما، واحتقنت عيونهما، وكان الغضب قد ذهب بهما مذهبا جعلهما لا يقويان على الكلام".

                                                                                                                             دكتور جيفاجو ص 88

4 ـ الهيبة (نجيب محفوظ):

  "ولما صارت منه على قيد خطوات قالت بصوت خافت: "سيدي". فالتفت الرجل الغريب إليها.

  رباه! وجدت نفسها وجها لوجه أمام فرعون، فرعون نفسه بعزته وجلاله، مرنرع الثاني دون غيره من الخلق!

  رباه! لقد زعزعت المفاجأة كيانها، فأخذت قهرا، وغلبت على أمرها. ترى أهي في حلم من الأحلام! ولكنها تعرف حق المعرفة هذا الوجه الأسمر، والأنف الأشم الطويل. إنها لا يمكن أن تنساه أبدا، لقد رأته مرتين، فنفذ إلى ذاكرتها بقوة، وحفر صفحتها حفرا عميقا لا يزول. ولكنها لم تحسب حساب هذا اللقاء، ولا أخذت أهبتها له، ولم ترسم له خطة من خططها البارعة. ولقد كانت رادوبيس تلقى فرعون لقاء ارتجاليا، وهي التي تعد العدة للقاء تجار النوبة! أخدت على غرة فقهرت قهرا! ومنيت بالهزيمة الساحقة، وبادرت تنحني لأول مرة في حياتها، وتقول بصوت متهدج: "مولاي".

  وكانت عيناه ترسلان نظرة عميقة، فتستقر على وجهها الجميل، وكان يلاحظ ارتباكها واضطرابها بلذة غريبة، ويلاحظ السحر الذي تنفثه قسماتها بنشوة فاتنة".

                                                                                                              الأعمال الكاملة(3)رادوبيس ص 419

5 ـ الخجل (دوستويفكسي):

  "وبعد لحظة، تبعته سونيا، حاملة الشمعدان بيدها، ثم ما لبثت أن وقفت أمامه، شديدة الاضطراب، قد اجتاحها انفعال عنيف، وبدا عليها الخوف بوضوح، من هذه الزيارة غير المنتظرة. وفجأة ورد الدم وجنيتها الشاحبتين، وغرقت أجفانها في الدموع. لقد كانت خجلى، وكانت مبتهجة وسعيدة في الوقت نفسه".

                                                                                                                  الجريمة والعقاب (1) ص 446

6 ـ دموع الأمهات (ماكسيم غوركي):

  "ورنا إليها الضابط وقال بإيماءة احتقار:

ـ لم يئن بعد أوان البكاء يا سيدتي ... فاحذري، فقد لا يبقى لك شيء من الدموع للغد.

فأجابته وقد عاودها الحنق:

ـ إن دموع الأمهات لا تنضب فعندهن منها ما يكفي ...وإذا كانت لك أم فإنها تعرف ذلك جيدا".

                                                                                                                                        الأم ص 62

7 ـ انفعال الغناء وانفعال الطرب (تولستوي):

  وأطلقت ناتاشا نغمتها الأولى، واتسع حلقها، ونهد صدرها، واكتست نظرتها هيئة الجد. كانت في تلك اللحظة لا تفكر في أي شيء خاص، وعن شفتيها اللتين قوستهما ابتسامة، كانت تخرج أصوات يستطيع أي إنسان أن يصدرها على ذلك الوزن نفسه، أصوات تسمعها ألف مرة فلا تهزك، ولكنها في المرة الأولى بعد الألف تجعلك ترتعش وتختلج وتذرف الدموع".

  " تساءل نيقولا وقد حملقت عيناه: "ما هذا ؟ ماذا حدث ؟ ما أجمل غناءها اليوم!" ولم يلبث أن غرق جسما وروحا في انتظار النغمة التالية، في انتظار الجملة التالية ذات الأزمان الثلاثة:

  " واحد، إثنان، ثلاثة. واحد، اثنان، ثلاثة".

  آه ما كان أجمل رنين تلك النغمة على الفاصلة الثلاثية، وما كان أقوى الانفعال الذي هز أجمل ما في نفس روستوف ! إنه يحلق الآن عاليا عاليا، فلا يمكن أن يهتم بشيء ولا أن يحفل بشيء في هذا العالم!"

                                                                                                                  الحرب والسلم (2) ص 129ـ 131

8 ـ زغاريد العرس (الطيب صالح):

  "أيوي أيوي أيوي أيويا"

  لو أن العرس لم يكن عرسه، لميّز الزين صوت كل منهن في زغاريدها.

  هذه بنت عبد الله، صوتها عذب وصرختها قوية من كثرة ما زغردت في أعراس الآخرين. ظلت عانسا عمرها فلم تتزوج، لكنها كانت تفرح لأفراح كل واحد في الحي.

  " اجوج اجوج اجوج اجوجا"

  هذه سلامة، كانت جميلة، وكانت تنطق الياء هكذا وكانت مرهفة الحس. لم يسعدها جمالها. فتزوجت وطلقت وطلقت وزوجت ولم تستقر مع رجل ولم تنجب أولادا. حلوة الحديث، مهزارة لها مع الزين قصص وحكايات تزغرد لأنها تحب الحياة.

  "أيوي ، أيوي، أيويا"

  هذه آمنة تزغرد من شدة غيظها. هل تذكر آمنة وكيف أرادت البنت لابنها فقالوا لها البنت قاصر لم تصر للزواج؟

"اوو ... اوو ... اوووا"

  هذه عثمانة الطرشاء. قلبها الأصم عربد بالحب في عرس الزين ثم اشتعلت شعلة من الزغاريد في دار حاج ابراهيم، قرابة مائتي صوت انطلقت مرة واحدة فارتجت نوافذ الدار.

  وتزغرد أم الزين فيرد عليها النساء، و تسمع زغاريدهن فتزغرد من جديد .

  لم تبق امرأة لم تزغرد في عرس الزين".

                                                                                                                              عرس الزين ص 118

9 ـ صدمة جيلنورمان برؤية حفيده الجريح (فيكتور هيغو):

  "وسرت في جسم الجد، من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، رعدة كانت أعنف ما يمكن للأوصال التي استحالت إلى عظم أن تعزفه. وكانت عيناه اللتان اصفرت قرنيتيهما بالشيخوخة، محجوبتين بضرب من اللمعان الزجاجي. وفي لحظة، اتخذ وجهه تلك الزوايا الترابية التي تميز رأس الهيكل العظمي. وتدلت ذراعاه وكأن نابضا كسر فيهما. وتجلى انشداهه بتباعد أصابع يديه العجوزين المرتعشتين. والتوت ركبتاه إلى أمام كاشفتين من خلال فتحة منامته، عن رجليه العاريتين المهزولتين الشائكتين بالشعر الأشيب. وغمغم: "ماريوس!"

                                                                                                                               البؤساء (5) ص 228

10ـ صدمة ذهبية بموت عامر (مولود فرعون):

  "وعندئذ خيل إلي أنني وقعت في بئر لا يسبر له غور، وشعرت بقلبي يدق بعنف، وأحسست بمغص في بطني، وبرجليّ انفصلتا عني كما لو أن قنبلة مزقتني إلى أجزاء صغيرة متناثرة في هاوية سحيقة. ولاحظت أمي ما آلت إليه حالتي فصفعتني صفعتين قويتين".

                                                                                                                              الدروب الوعرة ص 11

11ـ الانفعال الأخير (فيكتور هيغو):

  "ثم دخل غرفة فانتين، واقترب من سريرها، وفتح الستارة. كانت نائمة وكان نفسها يخرج من صدرها بذلك الصوت الفاجع المميز لهذه الأمراض، والذي يمزق قلوب الأمهات التعسات وهن يشهدن رقاد أولادهن المشرفين على الموت. ولكن هذا التنفس المرهق قليلا ما عكر ذلك الضرب من الصفاء الذي يعز على الوصف والذي شاع في محياها، وغير هيئتها أثناء الرقاد. كان شحوبها قد غدا بياضا وكان خداها قرمزيين، واختلجت أجفانها الطويلة الشقراء ـ الجمال الوحيد الذي بقي لها من بتوليتها وصباها ـ فيما هي ما تزال مغمضة مسدلة. وارتعد شخصها كله، وكأنما كان ذلك الارتعاد برفرفة الجناحين اللذين كان يشعر بهما، ولكن