تضحية عاشق - من حكايات ألف ليلة وليلة

                     Sacrifice D'Un Amoureux - Un Conte De "Mille Et Une Nuit"                  

  

       

    من حكايات الحب في قصص "ألف ليلة وليلة" أن قوما أتوا إلى أمير البصرة خالد بن عبد الله القسري، وهم ممسكون بشاب وسيم أنيق، حسن المظهر والمخبر، طيب الرائحة، فادعوا بأنه سارق، دخل دارهم وسرق متاعهم فأمسكوا به والمسروقات بين يديه، واستنطقه الأمير، فأقر بالسرقة، ونادى المنادي أهل البصرة أن يحضروا لمشاهدة عقوبة فلان اللص، في الغد، في المكان المحدد لذلك.

        "فلما استقر الفتى في الحبس، ووضعوا في رجليه الحديد، تنفس الصعداء، وأفاض العبرات، وأنشد هذه الأبيات:

 

هددني خالد بقطع يــــــدي     إذا لم أبح عنده بقصتهـــا

فقلت هيهات أن أبوح بمــــا       تضمن القلب من محبتهــا

قطع يدي بالذي اعترفـت بـه      أهون للقلب من فضيحتهــا

فسمع بذلك الموكلون به، فأتوا خالدا وأخبروه بما حصل منه، فلما جن الليل، أمر بإحضاره عنده، فلما حضر استنطقه، فرآه عاقلاً، أديباً، فطناً، ظريفاً، لبيباً، فأمر له بطعام فأكل، وتحدث معه ساعة، ثم قال له خالد: قد علمت أن لك قصة غير السرقة، فإذا كان الصباح، وحضر الناس، وحضر القاضي، وسألك عن السرقة فأنكرها، واذكر ما يدرأ عنك حد القطع، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادرأوا الحدود بالشبهات". ثم أمر به إلى السجن، وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح."

وفي ليلة 334

       

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن خالداً بعد أن تحدث مع الشاب، أمر به إلى السجن فمكث فيه ليلته. فلما أصبح الصباح، حضر الناس ليروا قطع يد الشاب، ولم يبق أحد في البصرة، من رجل ولا امرأة إلا وقد حضر، ليرى عقوبة ذلك الفتى. وركب خالد ومعه وجوه أهل البصرة وغيرهم، ثم استدعى القاضي، وأمر بإحضار الفتى، فأقبل يحجل في قيوده، ولم يره أحد من الناس إلا وبكي عليه، وارتفعت أصوات النساء بالنحيب، فأمر القاضي بتسكيت النساء، ثم قال له: إن هؤلاء القوم يزعمون أنك دخلت دارهم، وسرقت مالهم، فلعلك سرقت دون النّصاب؟ قال: بل سرقت نصاباً كاملاً. قال: لعلك شريك القوم في شيء منه؟ بل هو جميعه لهم؟ ولاحق لي فيه. فغضب خالد وقام إليه بنفسه وضربه على وجهه بالسوط، متمثلاً بهذا البيت:

يريد المرء أن يعطى مناهُ       ويأبى الله إلا ما يريدُ

       

ثم دعا بالجزار ليقطع يده، فحضر وأحضر السكين، ومد يده، ووضع عليها السكين، فبادرت جارية من وسط النساء عليها أطمار وسخة، فصرخت، ورمت نفسها عليه، ثم أسفرت عن وجه كأنه القمر، وارتفعت بين الناس ضجة عظيمة، وكاد أن يقع بسبب ذلك فتنة طائرة الشرر، ثم نادت تلك الجارية بأعلى صوتها: ناشدتك الله أيها الأمير، لا تعجل بالقطع حتى تقرأ هذه الرقعة. ثم دفعت إليه رقعة ففتحها خالد، وقرأها فإذا مكتوب فيها هذه الأبيات:

أخالد هذا مستهامٌ متيّـــمٌ         رمته لحاظي عن قسيّ الحمالــقِ

فأصماه سهم اللحظ مني لأنه       حليف هوى من دائه غير فائــقِ

أقر بما لم يقترفه كأنــــــه      رأى ذاك خيراً من هتيكة عاشــقِ

فمهلاً عن الصبّ الكئيب فإنــه         كريم السجايا في الورى غير سارقِ

       

فلما قرأ خالد هذه الأبيات تنحى وانفرد عن الناس، وأحضر المرأة، ثم سألها عن القصة، فأخبرته بأن هذا الفتى عاشق لها، وهي عاشقة له. وإنما أراد زيارتها، فتوجه إلى دار أهلها ورمى حجراً في الدار ليعلمها بمجيئه، فسمع أبوها وإخوانها صوت الحجر، فصعدوا إليه فلما أحس بهم جمع قماش البيت كله وأراهم أنه سارق ستراً على معشوقته، فلما رأوه على هذه الحالة أخذوه وقالوا: هذا سارق وأتوا به إليك فاعترف بالسرقة لفرط مروءته وكرم نفسه فقال خالد: إنه لخليق أن يسعف بمراده. ثم استدعى الفتى إليه وقبله بين عينيه."

 

ألف ليلة وليلة (3) ص 52 إلى 55

 

وسعى الأمير في تزويج الفتى بالفتاة، وأمر لكل منهما بعشرة آلاف درهم، وقبل والد الفتاة تزويجها منه، بعد أن علم بقصته.

الأسئلة:

1- ما مظاهر حب الشاب للفتاة، وحبها له؟

2- ما المحاولات التي قام بها خالد مع الفتى؟ ولم فشلت؟ وماذا ينبئك هذا عن أخلاقه؟

3- ما المحاولة التي قام بها القاضي لإنقاذ الفتى؟

4- لماذا وافق والد الفتاة على تزويجها منه؟

5- ما العائق الذي تعتقد أنه جعل الفتى لا يستطيع طلب الزواج من الفتاة؟ وكيف زال هذا العائق؟

من كتاب: تقنيات الدراسة في الرواية: العلاقات الإنسانية

                    الفصل السابع: نصوص تصور بعض وجوه الحب