ليس بالحب وحده ينجح الزواج  - عبد الحميد بن هدوقة

Le Mariage Ne Vit Pas Seulement De L'Amour -Abdelhamid Ben Hedouga

 

     "وساورت مخيلته بغتة صورة زوجته التونسية السابقة ناجية، ناجية بلحمها ودمها، بحاجبيها العريضين الجميلين، وعينيها السوداوين الواسعتين، وشفتيها الرقيقتين الصغيرتين، وأنفها الدقيق المستقيم، ببسمتها المشرقة ونظراتها الحالمة، بقدها الرهيف، بصوتها العذب، بإشاراتها المنسجمة الخفيفة، ويديها الصغيرتين الجميلتين. وتكثفت الصورة في ذهنه، فإذا هو يراها رؤيا اليقين. "كم هي جميلة، وكم هي رهيفة! كوردة الأمير الصغير لسانت إيقزوبيري!" وتنهد وهو يقول في نفسه: "لوعشنا سويا وجاءت معي إلى هذه القرية لاحترقت. كان طلاقنا كزواجنا مغامرة. أين هي الآن وأين أنا؟ تحاببنا لنتعذب، وتزوجنا لنفترق. سبعة أشهر عشناها زوجين وسبع سنوات عشيقين! سبع سنوات حررت شعبا بكامله، ولم تكف لتحرير شخصين أنانيين. كلانا أناني. أنانيتها في سبيل نموذج من الحياة، وأنانيتي في سبيل مبدأ."

     "لم يتم الزواج في تونس كما ارتأيا في البداية. فلا ظروفه المادية سمحت بذلك، ولا ظروفها العائلية ساعدت. في نظر والديها لم يكن هذا الرجل إلا لاجئا من اللاجئين. والسمعة تأبى أن تصاهر عائلة محترمة لاجئا لا ماضي له ولا مستقبل واضح ينتظره. عندما تقدم لخطبتها بإلحاح منها، قال له الأب: "تأن حتى نتحقق من أمرها. أنت تعرف أنها بنت مدللة، فصلت خطبتها السابقة بلا سبب." والتأني لم يكن شهرا في نظر الأب بل مدى الحياة. وهكذا رجع البشير إلى الجزائر، ولم يكن في حسبانه أبدا أن تتمرد الفتاة على أبويها في يوم من الأيام، وتلتحق به. وفي أحد الأيام من أواخر 1965 وصلته برقية تنبئـه بالساعة التي تنزل فيها الطائرة بالدار البيضاء، حاملة إليه أجمل حلم في شخص حبيبته ناجية.

     كانت الأسابيع الأولى في حياة العشيقين غراما محرقا ليس كمثله غرام ومع ذلك تأهب واستعداد لإقامة حفل الزفاف.

     كانا يعملان كلاهما. هي في شركة خاصة ككاتبة مختزلة إدارية، وهو كمدير في إحدى المصالح العمومية. وبما يتقاضيانه استطاعا تأثيث بيتهما كما أحبا، وتهيئة حفل الزواج بإحكام.

     لكنها كانت في أعماقها تتطلع من وراء هذا الزواج إلى حياة أنعم وأرفع. فقد كانت تأمل أن يصبح زوجها ذات يوم وزيرا أو في درجة تقارب ذلك. وهذا الطموح الجامح أشقاها وأشقاه. لم يجد طريقا لإقناعها بأن الحياة الحقة لكل زوجين هي فيما يكون بينهما من ود وتفاهم.

     قالت له ذلك ذات يوم: "إنك رجل يخجله ظله. دعني أنا أفتح بين يديك المجال لأعلى المناصب."

     وكان فتح المجال عندها يتمثل في إقامة الحفلات الخمرية الساهرة في بيتها: لم تمض أيام كثيرة حتى كثر أصدقاء الزوجين الحبيبين. وصار بيتهما ملتقى لكل البورجوازية الإدارية في الجزائر، ولكثرة من المتعاونين. وعرف البشير في هذه الفترة من حياته كثيرا من أنواع الخمور والكحول وأسمائها والفروق الدقيقة بين لون ولون...". لم تكن السهرات كلها مجونا وخمرا. كان يتخللها في كثير من الأحيان نقاش أدبي رفيع يتناول الأدب في أمريكا وأوربا وروسيا... فإذا الأسماء المجهولة لدى البشير في عالم الأدب تصبح آثارها تضايق الأسماء العربية، بل تطغى عليها. ورغم تفتح البشير، كان يجد أحيانا كثيرا من الضيق لهذه الفرنسية التي لا تنقطع. بينما زوجته على العكس، كانت مغتبطة كل الاغتباط بذلك. وأوهمها ما كان يقال لها من طرف المتعاونين الفرنسيين الندامى: تونس بلد غربي الحضارة والتوق، لا يشعر فيه الفرنسي باغتراب. بيد أن الجزائر رغم شمول الفرنسية فيها فهي منغلقة على نفسها. وكان يسرها كثيرا أن تسمع ذلك. وكان يحزنه كثيرا أن تصدق زوجته بذلك. ويحزنه أكثر أن تسر بذلك. هو ليس عدوا لأي حضارة، لكن لا يتوق أبدا أن يرى الجزائر في يوم من الأيام كهذه المجتمعات الغربية: تحيا لتستهلك...

     وأخذت أسباب التفاهم بين الزوجين تنمحي، وتحل محلها دواعي التنافر والتنابز. وانتهت حياتهما إلى ما يجب أن تنتهي إليه في مثل تلك الحال: الطلاق. وقبل أن يصل هذا اليوم، ذاق علقم الغيرة، ثم مرارة الاغتراب في بيته. الزوجة ساهدة في لهوها، تريد أن تحيا في شهور ما لم تعرفه في كل حياتها السابقة. الأصدقاء يترددون على بيته لمراودة الزوجة عن نفسها أو للسكر. وأصبح في دوامة لا قرار لها من اليأس، انتهت به إلى البليدة: إلى مستشفى المجانين..."

نهاية الأمس ص 127 إلى 130

الأسئلة:

1- ما الطبع الذي يعترف الزوج بوجوده عند الطرفين؟ وما تأثيره على تحول زواج الحب إلى زواج مصلحة.

2- ماذا كانت غاية كل منهما من الزواج؟ وهل أثر اختلاف الغاية على العلاقة بينهما؟ وضح.

3- ما نقاط الاختلاف الأخرى بينهما؟

4- ما الوسيلة التي حاولت بها الزوجة إرضاء طموحها وتحقيق غايتها؟ وهل هي وسيلة شريفة في نظرك؟ علل إجابتك.

5- لماذا وافقها الزوج في البداية على ذلك؟

6- هل انحلال الزوجة ناتج عن اختلاف الثقافة أم سوء استعمال الحرية؟ وضح رأيك الشخصي وعلله.

7- ما الذي عاناه الزوج قبل طلاقه من زوجته؟ وهل تعتقد أن الطلاق كان حتميا؟ علل رأيك.

8- ما الذي ينبئنا به النص عن خطر زواج الحب؟

9- ما الذي يشترك فيه "زواج الإكراه" في النص السابق و "زواج الحب" في هذا النص ليكون سبب فشلهما؟

 

من كتاب: تقنيات الدراسة في الرواية: العلاقات الإنسانية

                     الفصل الثاني: وجوه متنوعة من علاقات الزواج