من يوميات عامل مهاجر - مولود فرعون

    Le Journal D'Un Immigré - Mouloud Feraoun

 

مقتطف من اليوم التاسع: 28 يناير من الخمسينات.

"لم تمض أربعة أيام على وصولنا حتى دفن "سعيد" في مقبرة" بوبينبي" وشيعه إلى مقره الأخير أبناء بلاده من قرية "إيغيل نزمان" وما من شك أن سبب وفاته هو الزائدة الدودية التي أصيب بنوبة منها في اليوم الثاني. وقد نقلته سيارة أجرة إلى مستشفى "بروسي"، ولكنه مات بعد إجراء العملية الجراحية. وذهبت لأرى جثمانه في النعش،  ثم شاركت في تشييع جنازته. وأنا من هذه الناحية قمت بواجبي. والإخوان الذين جاؤوا إلى المقبرة الإسلامية على ذلك شهود.

وهكذا وجدتني وحدي في "باريس" مع أولاد العم والأصدقاء، وجميع أبناء "إيغيل نزمان" الكثيرين الموجودين هناك. وبطبيعة الحال ما لبثت على مر الأيام أن نسيت سعيدا، وصرت أعتبر الحزن عليه أمرا سخيفا. وذات يوم عدت إلى البلاد عارفا تمام المعرفة أنه لن يحاسبني أحد ولن يتجاسر ليقول لي:

" أين تركت أخاك؟ وماذا فعلت به؟ لولاك ما كان ليسافر إلى فرنسا منذ أربع سنوات خلت، في تلك الصبحة المشؤومة، وعند الساعة الخامسة في يوم من أيام شهر أبريل... أجب عن هذا السؤال يا عميروش: أين تركت ولدي؟...

غير أن المرأة التي كان من الممكن أن تسأل هذا السؤال توفيت قبل رجوعي. أما بناتها فقد قابلنني بابتسامة ليس فيها أثر للضغينة والحقد، بل اعترفن لي بالفضل على الاقتراح الذي أبديته بالنسبة لجثمان أخيهن. ولكن لا أعتقد أنا شخصيا أن ذلك الاقتراح قد أجدى نفعا. وكنا نحن جماعة من ممثلي أبناء البلاد، قد تقابلنا في "مقهى ومطعم الكسكسي اللذيذ" لاتخاذ قرار، فأقنعتهم بأنه لا ينبغي أن يرسل الجثمان إلى أرض الوطن، بل يجب أن يدفن في "باريس". وكنت متأكدا حينذاك أنني أجنبهم مشاكل عويصة، وأن أم سعيد لن تتحمل هذه الفاجعة الأليمة، وأن الواجب يقضي أن نخبئ عنها خبر وفاة ابنها. ولكن لم يخطر لي بالبال أن السر سيظل مكتوما، وأن البنات سيحرصن ذلك الحرص الشديد على كتمانه، وأن أم سعيد- ننه تاسعديت - ستموت  من غير أن تعرف أن ولدها قد سبقها، وأرجو يا أخي سعيد ألا تؤاخذني على ذلك الاقتراح.

لم تنظر أمي بعين الرضا إلى تصرفات الأرملة الشابة، وأنا أيضا غير راض عنها.. ولعلنا ظلمناها ولكننا نعتقد أن وفاة زوجها سعيد، لم يؤثر فيها إلا تأثيرا بسيطا، وإلا فلماذا صار أهلها بمجرد رجوعي من فرنسا، يتوددون إلى أمي، ويتقربون مني؟ وما هو الغرض من ذلك؟

ولو شئت وطاوعت أمي، لما وجدت أية صعوبة في الزواج من أرملة المرحوم سعيد، الذي كان أعز أصدقائي وأخلصهم. ولكن هذه الصبية الحسناء، قد انتهى أمرها، فلن تتزوج مني، ولا من غيري. لن تتزوج في "إيغيل نزمان" على كل حال لأنه لا يرغب فيها أحد. والأجدر بها أن تصبر على المصيبة التي حلت بها، وأن تكون أكثر وفاء للمرحوم، فللناس آذان وألسنة وعيون، وإذا حكموا على شخص فليس حكمهم من قبيل العبث.

ثم إن هذه البنت التي توفى زوجها بعد أشهر قليلة من عقد الزواج، تعتبر في نظر الجميع منحوسة. وما من شك أنه لن يرغب فيها أحد أبدا، إنها هي أيضا تستحق الرحمة. وكيف لا وهي الصبية الصغيرة المدللة المنطلقة في تصرفاتها، الخفيفة الروح، تلك الصبية التي كتب عليها بعد اليوم أن تذبل تدريجيا وأن تذوي كالخرقة البالية، وأن تقضي بقية أيامها محرومة من بهجة الحياة، لأنه لابد، ومهما كانت الأحوال من أن تعيش، وأن تعيش حتى اللحظة الأخيرة".

الدروب الوعرة ص 240

الأسئلة :

1- ما سبب وفاة "سعيد"؟ وهل لذلك علاقة بالغربة؟ علل إجابتك.

2- ما الفضل الذي اعترفت به أخوات سعيد لـ "عميروش"؟

3- لماذا خبأ "عميروش" نبأ وفاة سعيد عن أمه؟ وهل يجوز كتمان نبأ الوفاة في رأيك؟ علل إجابتك.

4- لماذا لا يرغب "عميروش" في الزواج من أرملة صديقه سعيد؟

5- ما المشكلة التي يطرحها "مولود فرعون" بالنسبة لأرامل العمال المهاجرين في النص؟ وما رأيك فيها؟

6- هل نسيان "عميروش" صديقه المتوفى، واعتبار الحزن عليه أمرا سخيفا له علاقة بحياة العمال في الغربة؟ وهل الغربة تقتل العواطف؟ علل إجابتك.

7- بين مشاكل الهجرة الأخرى التي يطرحها النص.

8- ما الغرض من النص؟

9- ما الأسلوب الذي استعمله الكاتب في عرض موضوعه؟ وهل هو ملائم لهذا الموضوع أكثر من الحوار؟ علل إجابتك.

10- ما العاطفة التي تحس بها نحو "عميروش" ونحو الأرملة؟

 

من كتاب "المواضيع الاجتماعية"                     

الفصل الثاني: مقتطفات من المواضيع الاجتماعيّة