ابن المطلقة - الطاهر وطار

Le Fils De La Divorcée  -Attaher Wattar

 

  يروي لنا أحد أبطال رواية الشمعة والدهاليز تغير سلوك أبيه بعد الثورة التي شارك فيها مشاركة فعالة، ومن بين هذه التغيرات زواجه بامرأة أخرى وتطليق أمه:

        "دشن حياته التواطؤية بتطليق أمي، بعد أن وضعتني جنينا في أحشائها. رفضت أن تكون ضرة، قائلة إن صبرها معه، ونضالها إلى جانبه، يعطيانها الحق فيه كاملا، فتذرع بالشرع ومثنى وثلاث ورباع. أخواي الكبيران، أحدهما استشهد، رحمه الله، والثاني التحق بالجيش، وبقيت أمي مع ثلاث بنات، تعاني العزلة والمرارة، وضيق ذات اليد، فما كان يدفعه لها قليل جدا، وكثيرا ما ينسانا عدة أشهر."

        "منذ التقيت به وكنت في التاسعة قررت أن أواجهه، حملني في السيارة إلى المدينة، حيث زوجته الثانية مع عدة أطفال. قال لي: إخوتك وأخواتك. لم أتأملهم. رفضت أن يكونوا إخوة لي على حساب معاناة أمي وشقائها.

        عندما انفردت بزوجته سألتها: هل تعرفين أمي؟ فأجابت بالنفي. ثم سألتني عما إذا كانت في مثل جمالي، فأجبتها بأنها أجمل مني بكثير، وبما أنها أمي فلا يمكن أن يتطرق الشك إلى أنها أجمل النساء على الإطلاق. أنا أشبه أبي، أما أخي الكبير فيشبهها.

        - مقادير رب العالمين.        

        - ولكنك تعلمين أنها تقاسي؟

        - أعلم وأتألم لها. لو لم يتزوجني أنا لتزوج غيري. كانت تلك حمى من عادوا من الجبال، ولا ذنب لأمك ولا لي. ثم إن المكتوب في الجبين لابد أن تراه العين.

        لقد ثاروا على كل شيء حتى على أنفسهم فيما يبدو. كانت لطيفة، على عكس ما كنت أتصور، وما هيأتني أمي لأتصوره، غير أني لم أستطع أن أهضم أن يكون لي إخوة لم تلدهم أمي. لذلك لم أستطع الانسجام معهم. رفضت أن أنسجم معهم وفاء لأمي، ورفضا للأمر الواقع الذي فرضه علينا أبي.

        في طريق العودة أشبعني بالحديث عن بطولاته في المعارك التي خاضها، وعن مشاريعه، وقال: إنني أكبر الأولاد الذين جاؤوا في الاستقلال، وأنه ينتظر أن يستعين بي في أعماله الكثيرة ومشاريعه العديدة. يقسم البلاد إلى ثلاث مناطق، يعين كلا من إخوتي على منطقة، ويجعلني منسقا عاما عليهم، أعينه في ضبط الأمور وخلق مشاريع جديدة. لقد عانينا أيام الكفاح المسلح التعب الشاق، ولم نعد نقوى على تحمل أتعاب جديدة.

        - وما الذي جعلك لا تقنع بما يكفيك ويكفينا؟ سألته فانزعج لسؤالي ذاك.

        - من قال لك أني لا أقنع؟ أهي أمك؟ أعلم أنها أوغرت صدوركم علي.

        حاولت أن أؤكد له بأن سؤالي نابع مني، وأن أمي لا تعلم شيئا عن أعماله، وأنها لم تحدثنا في يوم من الأيام عما يفعل، غير أنه أبدى استياء وامتعاضا، كما لو أنني لمست جرحا يوجعه، تعمدت استفزازه، بعد أن أيقنت أنه لن يرضى عني بسرعة، فرحت أروي له معاناتي في المدرسة من جراء عدم تواجده معنا. المعلمون يحتقرونني، والأولاد لا يسمونني إلا باسم أمي، ولد الطاووس أو ولد الهجالة، وأنني دافعت، خاصمت، ثم غلبت على أمري واستسلمت. لا أحد يسمعني عندما أقول لهم، إنك حي وإنك بطل من أبطال الثورة.

        - بإمكانك أن تنضم إلى إخوتك الآخرين في المدينة.

        - وأترك أمي وحدها. قلبك قاسي يا أبي! أتعلم أنني في التاسعة من عمري، وأنني لأول مرة أتعرف عليك؟ لم تحضر حتى لختاني.

        - وما تريدني أن أفعل؟ لم يخبروني. أنت وقح ياولد. أمك هي التي حرضتك علي.

        سررت عندما رأيته يغضب، كانت تلكم بغيتي، وقررت من يومها أن أثيره كلما التقيت به. غير أنه عندما أوقف السيارة قدام الباب، استخرج حافظة نقوده، ووضع بين يدي رزمة كبيرة من الأوراق النقدية، ذات القيمة الكبيرة، ثم طلب مني أن أقبله.

        - عندما كنت في مثل سنك، لم أكن أتسامح في حقي مثلك، هكذا كانت عيناه الواسعتان تشعان بالحنان. مع ذلك، ومع أني لم أكرهه، قررت أن لا أهادنه كلما التقيت به."

الشمعة والدهاليز 82 إلى 84

الأسئلة:

1- ماذا ترى في سلوك الزوج الذي تزوج مرة ثانية من غير سبب؟ وكيف تفسر إهماله لأبنائه من زوجته الأولى؟

2- كم كان عمر الراوي حين التقى بوالده لأول مرة؟ ولماذا رفض التعرف بإخوته؟

3- لماذا تعمد الولد استفزاز والده. وما حجته في ذلك؟

4- استخرج من النص العبارات التي تدل على:

        احترام الابن لأبيه. عاطفة كل منهما نحو الآخر.

5- قيّم علاقة الولد بأبيه وهل هي منسجمة أم متوترة ووضح السبب.

 

 

من كتاب: تقنيات الدراسة في الرواية: العلاقات الإنسانية

                     الفصل الرابع: جوانب متنوعة من الروابط الأسرية