بداية الحب - ليون تولستوي
Le Début De L'Amour - Léon Tolstoï
"وفي وسط هذه المشاكل التافهة المصطنعة التي كانت تجمع هذا الحفل كانت تتسلل عاطفة طبيعية قوامها التجاذب بين الشاب والشابة الجميلين السليمين. وكانت هذه العاطفة الإنسانية تسيطر على كل شيء، وتحلق فوق كل تلك الثرثرات المفتعلة، الأمازيح لم تكن مرحة، والأقاصيص كانت لا تثير اهتماما، والنشاط كله كان ظاهر الاصطناع. وكان يشعر بهذا لا الضيوف وحدهم، بل الخدم الذين يسعون حول المائدة أيضا، حتى لقد كانوا يغفلون أحيانا عن ضرورات الخدمة وهم يتأملون هيلين الجميلة بمحياها الوضاء المتألق، ويتأملون بطرس، الممتلئ الوجه، المحمر اللون، السعيد، القلق في آن واحد. لكأن شعل الشموع نفسها كانت لا تتجه إلا إلى هذين الوجهين السعيدين.
الحرب والسلام (1) ص 598
هل هذه بداية الحب؟ تسلل عاطفة طبيعية قوامها التجاذب بين الشاب والشابة. هل هذا تعريف للحب أم وصف له؟ وهل له تعريف أو وصف؟ وما أسبابه؟
يجيبنا أمير الشعراء أحمد شوقي عن كل هذا بقوله:
"وما هو إلا العـين بالعين تلتقــي وإن نوّعــوا أسبابـــه والدّواعيـا
وعندي الهــوى موصوفه لا صفاته إذا سألوني: ما الهوى؟ قلت: ما بيا"
الشوقيات (ج2) ص 144
الحب إذن هو حالة تحس ولا توصف، والعين هي النافذة التي يتسلل منها إلى القلب، وليس له ضوابط، هو السر المغلق واللغز المبهم، الذي مازال يحير العلماء والشعراء على وجه سواء، وهذا الشاعر نزار قباني يعترف بجهله في هذا المجال:
"عشرون عاما في دروب الهوى وما يزال الدرب مجهــولا
عشرون عـاما يـاكتـاب الهوى ولم أزل فــي الصفحة الأولى"
الرسم بالكلمات (الأعمال الشعرية الكاملة) ص 461
ما وظيفته؟ هل جعله الله فينا لتظهر حاجة كل جنس إلى الآخر لحفظ النوع واستمرار الحياة؟ أم أن وظيفته إبراز أهمية العواطف والمشاعر لدى الإنسان وتذكيره دائما بأن أسمى ما في الحياة وأجمل ما في الوجود يعتمد على مشاعره لا على ماله ومظهره ومركزه الاجتماعي؟
والحب لا يفرضه الرجل بقوته مهما عظمت، والمثل الشعبي في المشرق العربي يقول له: "كل شيء بالسيفْ إلا المحبة بالكيفْ" ولا تجلبه المرأة بحسنها مهما تجملت وتزينت، والمثل الشعبي في المغرب العربي يقول لها:
"سَوّكْتِ باطِـلْ، كَحّلْـتِ باطِــلْ، بالحْـرامْ ماكي داخلهْ في خاطـرْ."
وكثيرا ما يسمو الحب بالإنسان ليصبح جديرا بمن يحب فيرقى في سلوكه وأخلاقه، ويتأنق في لغته وحتى في لباسه ليس تظاهرا وتصنعا ولكن بغية الوصول إلى درجة الكمال لأنه يرى الحبيب كاملا، ويريد أن يكون كذلك.
وأحيانا ينحدر الحب بالإنسان إلى الدرك الأسفل، لأنه يخطئ الاختيار ويظن من يحبه ملاكا طاهرا فإذا هو شيطان رجيم، وقديما قالت العرب "حبك الشيء يعمي ويصم". ولكل هذا نجد أن للقلب منطقا مخالفا لمنطق العقل فهو لا يبدأ بمقدمات صحيحة وينتقل منها إلى النتائج بل يبدأ بالنتائج سلفا، ثم يحاول بعد ذلك إيجاد مقدمات تنسجم مع هذه النتائج ولذلك سمي هذا المنطق بمنطق العاطفة، وبالمنطق المقلوب.
من كتاب: تقنيات الدراسة في الرواية: العلاقات الإنسانية
الفصل السابع: العلاقات العاطفية