الجمال والشِّعر

    La Beauté Et La Poésie

تمهيد للنص:

      يُفاجأ المصحح "بوعلام" بمجموعة الشاعرة "أنغام" المليئة بالأخطاء والتي لا تمت إلى الشعر بصلة، ويقرر مواجهتها بالحقيقة. وقد اقتطفنا في هذا النص جزءا من المشهدين السادس والثامن من الفصل الثاني:

المشهد السادس

[تفتح الستارة مرة أخرى على مكتب دار السبع للنشر ونرى بوعلام قد غير بدلته الرمادية بأخرى بنية ولكنها تبدو قديمة ومهترئة. وهو يصحح على طاولته الصغيرة]. تدخل السكرتيرة ترتدي ثوبا بنفسجيا جميلا رغم أنه يبدو مستعملا وقد غيرت تسريحة شعرها].

بوعلام[ يضرب كفا بكف مرددا]: لا حول ولا قوة إلا بالله. في أي زمن نحن.

السكرتيرة: ما بك يا عمي؟

بوعلام: هذه فتاة اسمها أنغام تدعي انها شاعرة وتريد أن نطبع لها مجموعتها بل سخافاتها وحماقاتها. اسمعي[ يقرأ من المجموعة الشعرية]:

إلى عتباتِ اللاوعْيِ أبحرتُ في صمتِ

وقد شاهدتُ فلماً رومانسياً ليلةَ السبتِ

قولي بصدق: هل هذا شعر؟ [يقلب أوراق المجموعة ثم يهز رأسه مستنكرا ويقول للسكرتيرة]: اسمعي هذه:

الورد ياحـبيـبي      يـغار من طيوبي

والبدر مات غيظا    من حسني العجيبِ

وشكا إلى الطبيبِ

 تتغزل بجمالها وتدعي أن البدر [يصيح بانفعال]: مات غيظا. بل أنا الذي أكاد أموت غيظا. لو أني أرى هذه المخلوقة الغبية وأفهمها معنى الشعر. سأرمي المجموعة في وجهها وأقول إنها ليست صالحة للنشر ومليئة بالأخطاء اللغوية.

السكرتيرة: لكن السيد دحمان حريص على طبع مجموعتها.

بوعلام[يهز رأسه مرددا]: أعرف، أعرف فقد أوصاه بها أحد أصحاب النفوذ. كلما رأى أحدهم امرأة جميلة يضعف أمامها وينفذ كل رغباتها. ولكن هم يتلاعبون بالشعر وبالأدب.

[تخرج السكرتيرة]

المشهد الثامن

[تدخل السكرتيرة]

السكرتيرة: الشاعرة أنغام تسأل عن مجموعتها الشعرية.

بوعلام[ بلهجة المتحفز]: ممتاز. أتت برجليها. أدخليها سوف ألقنها درسا لن تنساه لا هي ولا أشباه الرجال الذين يضعفون أمام أمثالها. أدخليها فسوف أرمي أشعارها في وجهها وأقول لها الحقيقة.

السكرتيرة: لا يا عمي بوعلام. سيغضب السيد دحمان. من الأفضل ألا تستقبلها. سأخبرها أن تعود عندما يعود السيد دحمان من السفر.

بوعلام[ بحزم]: لا يا ابنتي أدخليها فليس هناك مجاملة في الشعر والأدب.

السكرتيرة[مستسلمة]: كما تريد.

[ يقف بوعلام بقامة منتصبة متجهم الوجه مستعدا لاستقبالها. تدخل فتاة في أوائل العشرينات طويلة سمراء جذابة ذات وجه مستدير وعينين سوداوين نجلاوين وكأنهما مكحولتان وفم صغير وأنف دقيق وشعر كستنائي متموج ينساب على جيدها المتميز وكتفيها المتناسقين. ترتدي ثوبا ورديا بسيطا تبدو فيه وكأنها وردة جورية. كل ما فيها متناسق ومبهج. تحمل حقيبة يد وردية متوسطة الحجم. يقف بوعلام مبهورا فاغر الفم برهة لا يتحرك وعيناه معلقتان عليها. تقترب منه فيبقى مذهولا].

أنغام[تناديه ]: أنت.

[ تحرك يدها أمام عينيه لتلفت نظره فيبقى كما هو. تمسك به وتحركه بقوة].

بوعلام[يفيق من ذهوله فجأة حين تحركه هاتفا]: أين أنا؟ ماذا حصل؟

أنغام: هل أنت مريض؟ هل تحس بدوار؟

بوعلام[ينظر إليها]: نعم أحس بدوار لم أحس به من قبل. سبحان الخالق البارئ المصور المبدع المكون لا إله إلا هو الخلاق العظيم.

أنغام[ هامسة بدلال وبصوت موسيقي ناعم]: هل قرأت مجموعتي الشعرية؟

بوعلام: مجموعتك الشعرية؟ طبعا طبعا.

أنغام: ما رأيك فيها؟ هل ستنشرونها؟

بوعلام[يبتعد قليلا ويخاطب نفسه بحيث يسمعه الجمهور ولا تسمعه أنغام]: عيناك تقولان لي: "انشرهاوثلاثمائة مليون عربي يقولان لي: "لا تنشرها".

في الحقيقة عيناك أقوى من ثلاثمائة مليون يقرأ منهم أقل من مليون. ربما نصف مليون. ربما لا أدري. الأمية متفشية ولا أحد يقرأ. ما دام لا أحد يقرأ فلا مانع من نشرها.

أنغام[ بدلال]: لم تقل لي بعد. هل أعجبك شعري؟

بوعلام[ مأخوذا]: عيناك شلالان من نور يبهران العين والروح والقلب ويملآنها بهجة وحبورا. ما أعذب الشعر الذي تقوله عيناك. واللآلئ التي نثرتها من ثغرك الآن كلها شعر. وشَعْرُكِ تفعيلات متماوجة من الطويل والوافر والكامل والمنسرح. أما جيدك فهو عمود الشعر. أنت الشعر الحي المجسم. أنت شاعرة ياآنسة وكل ما فيك ينبض بالشعر. ما قيمة اللغة والحروف الجامدة البلهاء؟ الشعر الحقيقي هو أنت.

أنغام: أنا لا أسألك عني بل عن الشعر الذي كتبته.

بوعلام: أنا لست مسؤولا عن النشر، ومجموعتك سينشرها السيد دحمان.

أنغام: أعرف ذلك، ولكني مصرة على سماع رأيك أنت.

بوعلام: [ يتردد قليلا ثم يتشجع ويقول]: سأكون صريحا معك ياابنتي؛ أنت شاعرة بجمالك ولكنك تكتبين شيئا رديئا لا هو بالشعر ولا هو بالنثر، وشتان بين جمالك المتدفق الدافئ، وعبارات هذه المجموعة الباردة الجامدة التي لا حياة فيها ولا روح. أنصحك يا ابنتي أن تجدي طريقا آخر غير الأدب فلن تنجحي فيه.

أنغام: غريب. أنت أول من يقول لي هذا الكلام. السيد غانم رئيس جمعية المنارة الذهبية أبدى إعجابه به ووعد بنشره وكثيرون انبهروا به إلا أنت.

بوعلام: يا ابنتي هم ينبهرون بجمالك فينافقوك ليتقربوا منك.

أنغام[ تغير لهجة الدلال وتخاطبه بصورة طبيعية]: شكرا على هذه النصيحة الغالية. أنت فعلا رجل عظيم.

بوعلام: عفوا يا ابنتي.

أنغام: سأعترف لك بالحقيقة لأنك رجل شهم. اسمي الحقيقي لطيفة وليس أنغام، أنا صحفية تخرجت حديثا ولست شاعرة. ألا تذكر الصحفية التي أجرت حديثا هنا قبل أسبوع؟

بوعلام: نعم أذكرها.

أنغام: انا هي.

بوعلام[غير مصدق]: لا. تلك كانت طرشاء وعمياء.

أنغام[ضاحكة]: اضطررت أن أتظاهر بذلك لأن جريدة المرآة التي كنت أتدرب فيها أرسلتني لأجري حديثا مع السيد دحمان. وكنت أعلم أن مجموعتي الشعرية ستطبع هنا.

بوعلام: ما دمت تعترفين بأنك لست شاعرة، لماذا تريدين طبعها؟

أنغام: ما يوجد في هذه المجموعة كتبته في أسبوع واحد وأخذتها إلى هذا السيد الذي كتب على مجموعة صديقتي الشعرية قبل أشهر "غير صالحة للنشر" مع أنها شاعرة ممتازة.

بوعلام: ربما كانت غير صالحة للنشر فعلا.

أنغام: كانت شاعرة موهوبة باعتراف كل أساتذة الثانوية وكل من قرأ لها.لكنه رفض مجموعتها لأنها ليست جميلة وسبب لها صدمة جعلها تفقد الثقة في نفسها وتتأتئ في الكلام. وعرفت الحكاية وقررت أن أنتقم لصديقتي من هذا الرجل الذي كان ينشر الرديء ويترك الجيد لأغراضه الدنيئة، وأكشف بعض الذين يفسدون الأدب والشعر. أردت أن أنشر شيئا لا علاقة له بالشعر ثم أفضح من نشروه في أول خبطة صحفية لي. سجلت له بهذه المسجلة[تشير إلى حقيبة يدها] تغزله بي وتصريحه بأن شعري هو أعظم وأجمل ما قرأه من شعر المرأة العربية، وأن مجموعتي الشعرية فتح جديد في عالم الشعر الحديث.

بوعلام: من هو هذا الرجل؟

أنغام: غانم جبري رئيس جمعية المنارة الذهبية، وهو مدع لا يفهم في الشعر ولا في الأدب. هل تعرفه؟

بوعلام: أنا لا أعرفه، ولكني أنصحك ياابنتي ألا تبدئي حياتك المهنية بالانتقام ولا حياتك الصحفية بالفضائح. صحيح أن صديقتك ظلمت ولكنها لا بد أن تجد من ينصفها. اتركي الفضائح لغيرك وركزي على النقاط المضيئة في المجتمع. اختاري موهوبين مظلومين وسلطي الضوء عليهم، وابدئي بصديقتك وأنصفيها بقلمك وعرفي الناس بها.

أنغام: كان في مخططي أن أضيف دار النشر إلى قائمة الفضائح ولكني محتارة الآن لا أدري ماذا أفعل.

بوعلام: فكري فيما قلته لك ياابنتي. وستبقى المجموعة عندي حتى تتخذي قرارك.                

أنغام: سأفكر جديا ولكني لا أعدك بشيء.

 

 "مسرحية هموم الكاتب بوعلام" - "الفصل الثاني"

الأسئلة:

1- لماذا انزعج بوعلام حين قرأ مجموعة الشاعرة أنغام وبماذا وصفها؟

2- لماذا كان السيد دحمان حريصا على طبع مجموعتها الشعرية؟

3- لماذا فضلت السكرتيرة ألا يستقبل بوعلام الشاعرة أنغام عند حضورها؟

4- كيف استعد بوعلام لاستقبالها؟ وكيف استقبلها؟ وما سبب قسوته قبل لقائها وليونته عند حضورها؟

5- من الذي أقنعها بأنها شاعرة مهمة وما السبب في رأيك؟

6- لماذا تردد بوعلام قبل ان يصارحها برأيه في شعرها؟

7- ما هدف الصحفية لطيفة من ادعائها الشعر؟ وبماذا نصحها بوعلام؟

8- لماذا قل اهتمام الناس بالشعر في هذه الأيام؟ وهل لذلك علاقة بكثرة مدعي الشعر؟

9- هل يجعل الجمال من المرأة شاعرة بالضرورة؟ وهل جمال الشكل يعكس دائما جمال الروح ورقة المشاعر؟ علل رأيك.

10- الجمال والشعر هبتان مختلفتان من الله. ما الفرق بينهما في رأيك؟