الفتنة - فيكتور هيغو
L'émeute - Victor Hugo
حريق القاهرة- نجيب محفوظ
L'Incendie de Caire -Nadjib Mahfuz
الفِـتَـن أو فقدان التوازن في العلاقات الاجتماعية:
إن المجتمعات النامية ومنها المجتمعات العربية مهددة في كل لحظة باشتعال الفتن العنصرية والطائفية والجهوية نتيجة عوامل داخلية صعبة وأيادٍ خارجية تعمل في الخفاء، ولا يمكن مواجهة الفتن بالوعي وحده بل لا بد من تحقيق حد أدنى من العدالة بين المواطنين كي لا يجد ذوو الأغراض الدنيئة أرضا خصبة، ووقودا جاهزا للاشتعال. وهذان نصان عن الفتنة أولهما يتحدث عن أسبابها وكيف تنشأ، والثاني يعطي مثالا حيا عن فتنة عظيمة هي حريق القاهرة عام 1952.
1- الفتنــــــة ( فيكتور هيغو):
"مِمّ كانت تلك الفتنة مؤلفة؟ مِن لا شيء ومن كل شيء، من كهرباء انعتقت شيئا فشيئا، من لهب اندلع على نحو فجائي، من قوة تائهة، من ريح عابرة، وهذه الريح تلتقي برؤوس تفكر، وعقول تحلم، ونفوس تتألم، وأهواء تضطرم، وضروب من الشقاء تعوي، تلتقي بها وتجرفها، إلى أين؟
بلا تبصّر ولا قصد، عبر الدولة عبر القوانين، عبر رفاهية الآخرين وغطرستهم.
إن المعتقدات المهاجة، والحماسة المغيظة، والسخط المثار، وغرائز الحرب المكبوتة، والشجاعة الفتية الممجدة، والحوافز النبيلة، والفضول، وحب التغيير والظمأ إلى غير المتوقع، وتلك العاطفة التي تجعلنا نبتهج ونحن نقرأ الإعلان عن مسرحية جديدة، والتي تجعل قرع جرس الملقن على المسرح صوتا محببا إلى القلوب، والأحقاد الغامضة والضغائن، وخيبات الأمل، وكل بطل يعتقد أن القدر كان سببا في إخفاقه، وضروب القلق والأحلام الفارغة، والمطامح المطوقة بأسوار عالية، وكل من يرجو مخرجا من انهيار، وأخيرا، في أعمق الأعماق، أخلاط الناس، ذلك الوحل الذي يشتعل – تلك هي عناصر الفتنة.
كل ما هناك من عظيم مغال في العظمة، وكل ما هناك من وضيع ممعن في الضعة، إن أولئك المخلوقات الذين يطوفون بالليل خارج كل شيء منتظرين فرصة، متشردين، ناس من غير عمل، متسكعين حول زوايا الشوارع، أولئك الذين يلتمسون خبزهم كل يوم من المصادفة لا من العمل، أبناء الشقاء والعدم المجهولين، ذوي الأذرع العارية والأقدام العارية- إن هؤلاء جميعا هم ملك الفتنة.
وكل من يستشعر في روحه انتفاضة سرية ضد أي عمل مهما يكن من أعمال الدولة، أو الحياة أو القدر إنما يتاخم الفتنة، فما أن تطلع رأسها، حتى يشرع في الارتعاد، وفي الشعور بأن الزوبعة تجرفه.
الفتنة ضرب من الإعصار في الجو الاجتماعي يتشكل فجأة في بعض حالات الحرارة، إعصار ما أن ينطلق مدوّماً حتى يصعد، ويعد، ويرعد، ويمزق، ويهدم، ويسحق، ويخرب ويقتلع، ويجرف معه الطبائع الرفيعة والخسيسة، الرجل القوي والرجل الضعيف، جذع الشجرة والقشة.
والويل لمن تجرفه، والويل لمن تصطدم به على حد سواء، إنما تضرب أحدهما بالآخر فتحطمهما جميعا.
البؤساء (4) ص 361 - 363
الأسئـــلة:
س1: ما تعريف الفتنة؟ وهل الفتنة مفيدة أم مدمرة؟ علل.
س2: ما أساب الفتنة في نظر الكاتب؟ وهل توافقه في ذلك؟ علل إجابتك.
س3: من الذين يشاركون في الفتنة؟ ومن الذين يحاولون إذكاء نارها؟
س4: اذكر أمثلة تعرفها عن فتن شاهدتها أو سمعت بها وما تسببت فيه من خراب ودمار.
س5: ماذا علينا أن نفعل لنتقي شر الفتن في بلادنا؟
2- حريـــــق القاهــــرة 1952( نجيب محفوظ):
" ماذا في القاهرة؟!
وتقدم في حذر، وأشار إلى رجل يقترب ثم سأله:
- ماذا في البلد؟
فأجابه في ذهول: القيامة قامت. .
فسأله في إلحاح: تعني مظاهرات احتجاج؟!
فهتف وهو يأخذ في الجري: أعني النار والحرب...
وواصل تقدمه الحذر البطيء وهو يتفحص ما حوله. وتساءل في دهشة: "أين البوليس؟ أين الجيش؟". وفي شارع إبراهيم تجلت حقيقة اليوم بصورة أبشع، خلا الميدان للغاضبين، انفجر مكنون اللاوعي كالبركان، صراخ جنوني كالعواء، انقضاض على أي قائم على الجانبين، بترول يراق، حرائق تشتعل، أبواب تحطم، بضائع تنتثر، تيارات تندفع كالأمواج المتلاطمة، الجنون نفسه بلا رقيب، ها هي القاهرة تثور، ولكنها تثور على نفسها، إنها تصب على ذاتها ما تود صبه على عدوها، إنها تنتحر، وتساءل في فزع ماذا وراء ذلك كله؟ واستفحل نشاط غريزته الذي تنبأ بالمخاوف، وأيقن أن مأساة حقيقية سيرفع عنها ستار الغد. ثمة خطر يتهدد صميم حياتنا، يتهددنا نحن لا الإنكليز، يتهدد القاهرة والمعركة القائمة في القنال والحكومة ويتهدده هو باعتباره جزءا من هذه الحكومة".
"ومضى يقترب من قلب المدينة في ذهول تام، صمم على أن يطلع على كل شيء. إنه مسؤول، ومهما يكن من ثانوية مركزه نسبيا فهو مسؤول، ويجب أن يرى كل شيء بعينه. الضوضاء فوق كل احتمال، كأن كل ذرة في الأرض تصرخ. اللهيب ينطلق من كل موقع، إنه يرقص في النوافذ. يقعقع في الأسقف، يصفر في الجدران، يطير في الجو، والدخان يتربع مكان السماء. رائحة الحريق تقتحم الأنوف كعصارة جهنمية من الخشب والأقمشة وزيوت شتى، هتفات غامضة كأنها تنبثق من الدخان. غلمان يخرجون كل شيء في نشوة وبلا مبالاة. جدران تنهار مفجرة رعدا. الغضب المكتوم اليأس المضغوط، الضيق المتكتل. كل أولئك حطم القمقم وانطلق كزوبعة من الشياطين وقال لنفسه: "إن أشياء كثيرة يجب أن تحرق ولكن ليست القاهرة. أنتم لا تدرون ماذا تفعلون. إن فرقة كاملة من الإنكليز لتعجز من إحداث نشر هذا الخراب. انتهت معركة القتال خسرنا المعركة. قلبي المجرب بالمحن لا يكذب. الحكومة بلا جنود والنار تجري بلا عقبة. هل تلتهم النيران المدينة الكبرى؟ هل يحيا ثلاثة ملايين من البشر بلا مأوى؟ هل ينعق الخراب والمرض والفوضى، ويرجع الجيش البريطاني ليعيد الأمن إلى نصابه؟ هل ينسى الناس في محنة الخراب الاستقلال والوطنية والآمال العريضة!" إن القلق يدب في جذور قلبه كالنمل، وتسود الدنيا في عينيه اللتين زايلهما الطموح والمجد. وعند الأركان في الشوارع الرئيسية، لبد رجال يحرّضون:
- احرقْ.. خرِّبْ.. يحيا الوطن.
تفحَّصَهُمْ باهتمام وحنق. ودَّ لوْ يستطيع أن يقمعهم. ولم يمكنه التيار المتضارب من الوقوف قبالتهم لحظة. إنهم وجوه غريبة لا هي من حزبه، ولا من الأحزاب الأخرى. إنها وجوه غريبة، تفوح منها رائحة الغدر. وخيّل إليه أن في الجو رائحة عفنة أشد كآبة من الدخان. وزفر مع اليأس والذهول غضبا ".
السُّمّان والخريف الأعمال الكاملة (7) ص 6
الأسئــلة:
1- ماذا كان المتظاهرون الغاضبون يفعلون؟ وهل كانوا واعين بأنهم يخربون ويحرقون بلدهم بأيديهم؟
2- علام يدل غياب سلطات الجيش والبوليس في ذلك اليوم؟ ومن تظن أنه وراء غيابها؟
3- من كان له مصلحة في حرق القاهرة وتدميرها: الإنكليز أم الوطنيون؟ علل إجابتك ودعمها بشاهد من النص .
4- هل تعتبر حريق القاهرة فتنة أم ثورة، وما الفرق بين الاثنتين؟ علل إجابتك.
5- ما غرض الكاتب من النص؟
6- ما التقنيات التي استعملها الكاتب في عرض موضوعه؟ وما مدى نجاحه فيها؟
7- بيّن الانفعالات التي اعترت الراوي، وانفعالات المتظاهرين الغاضبين.
8- بيّن عناصر الوصف التي استعملها الكاتب "الأشكال والألوان والأضواء والظلال، والأصوات والروائح والحركة"، واستشهد بأمثلة من النص .
9- ما العواطف التي يثيرها فيك هذا النص، نحو المتظاهرين والأحياء المخربة المنهوبة والمحروقة؟
من كتاب "مواضيع الحرية وحقوق الإنسان"