بعد أحداث فلسطين الأخيرة في غزة والضفة

متى ينتهي مسلسل التدمير الذاتي؟      

  ?Quant Finira Les Episodes D'Autodestruction        

هل هناك وصف لما يجري الآن في فلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال سوى أنه تدمير ذاتي بامتياز؟

أما الشعوب فهي تتابع الأحداث المتتابعة المتلاحقة المأساوية بمرارة وهي تشعر بالعجز أمام هذا الإصرار العجيب من كل الأطراف على التدمير. معظم السياسيين ينفخون في النار ويصبون الزيت عليها لتزداد اشتعالا. إن كان ما يحدث مؤامرة خارجية فلماذا تشارك فيها كل الأطراف الوطنية؟ وإن كان خلافا داخليا فمتى حسم الخلاف بين الأشقاء بالسلاح والصدام والاقتتال؟ كل الأطراف متورطة ومسؤولة عما يحدث ولم تعد تنطلي على أحد اتهامات كل طرف للآخر بالخيانة والعمالة.

بعيدا عن التحليلات السياسية العميقة للأسباب والنتائج، وعن التبريرات التي يقدمها كل طرف دفاعا عن مواقفه وسلوكه مع أنها لا تقدم ولا تؤخر فالصراع الحقيقي أولا وأخيرا في كل هذه البلدان هو على السلطة. إنها العقلية الفردية الدكتاتورية وأحادية الفكر والتوجه التي ما زالت تتحكم في معظم الأحزاب والمنظمات والسياسيين، والتي تسعى إلى الاستئثار بالحكم وترفض أن يشاركها أحد فيه وتأبى التداول على السلطة مع أن قادة هذه المنظمات والأحزاب يرفعون شعار الديموقراطية والحوار ويمارسون عكسهما في الواقع.

أصبحت الأسلحة توزع على الشباب المتحمس دون تكوين حقيقي أو بتكوين خاطئ يفترض الحزب أو المنظمة التي ينتمي إليها هي الوطن وهي الدين فيصبح الولاء لها ولقائدها ولاء للوطن، وطاعته من طاعة الله ، وينظر إلى خصومها وخصومه كأعداء للوطن والدين يجب اجتثاثهم وإبادتهم دون شفقة أو رحمة. والحوار عند الشباب المتحمس المسلح لا يكون طبعا إلا بالرشاش والمتفجرات. وقد يفقد القائد سيطرته على هؤلاء الشباب فيتحكمون فيه بدلا أن يحكمهم، ويفرضون رأيهم عليه بدل أن يوجّههم. أليس هو الذي أقنعهم أنهم على حق وكل الآخرين على باطل؟ أليس هو الذي علمهم أنهم الوطنيون وكل من عداهم خونة؟ أليس هو من أوحى لهم بأنهم المؤمنون الصادقون وبقية الناس كفار مارقون؟ أليس هو من عمل على تسليحهم على أن يستعملوا السلاح ضد كل أعداء القضية وهم مقتنعون بأنهم هم القضية وكل من ليس منهم فهو عدوهم.

وهكذا يصبح كل حزب أو تنظيم أسير المتطرفين فيه يقودونه إلى المواجهة بدل المحاورة وإلى انتهاج سبيل الصدام بدلا من الوفاق والوئام، ويضيع صوت العقلاء والحكماء وسط أزيز الرصاص ودوي القنابل وقعقعة السلاح وجلبة الزئير والهدير.

لا أحد يريد سماع صوت العقل بل صوت الطبل والزمر، وكل منهم يصم آذانه عنك إذا لم تجاهر بتأييده وتبادر بمساندته والمصادقة على كل ما يقول ويفعل. كل منهم يريدك أن تكون نصيرا له في حربه على الآخرين، فإن لم تكن معه فأنت حتما ضده وينطبق عليك ما ينطبق على خصومه وأعدائه من نعوت الخيانة وصفات العمالة.

إن مقاومة المحتل مشروعة، إلا أنه ليس مشروعا أبدا أن يستعمل سلاح المقاومة في غير محله فيوجه إلى صدور الإخوة في الكفاح أو يوجه إلى صدور الأبرياء من المواطنين أو العاملين الأجانب. ويسجل للمقاومة اللبنانية التي انتصرت على إسرائيل وحلفائها انتصارا أسطوريا ورفعت رأس اللبنانيين والعرب عاليا، أنها لم توجه سلاح المقاومة أبدا ضد مواطنيها اللبنانيين.

ليس هناك طريق آخر لخروج الأطراف الوطنية المخلصة المتنازعة في فلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال سوى الجلوس إلى مائدة المفاوضات بقلب مفتوح واستعداد للتنازل واللقاء في منتصف الطريق دون حاجة للوسطاء أشقاء كانوا أم غرباء.

أما من يديرون ظهورهم للحوار اعتمادا على الشرعية الدولية وتأييد الدول الكبرى، فهم يطيلون أمد الأزمة ولا يحلونها ويساهمون في التحريض على الفتنة، فالشرعية الدولية لا يمكن أن تكون بديلا عن الشرعية الشعبية التي تنبع من تمثيل الحكومة لمعظم أطياف الشعب تمثيلا حقيقيا لا صوريا. والأطراف الفلسطينية تعرف تماما أن الشرعية الدولية لم تنصف الفلسطينيين مرة واحدة منذ اغتصب الصهاينة أراضيهم وأقاموا عليها دولة إسرائيل. والأطراف اللبنانية تدرك كذلك أن إسرائيل وصلت مرة إلى بيروت في ظل صمت الشرعية الدولية ومباركتها أحيانا. وقد كان العدوان الصهيوني الأخير على لبنان ومحاولته تدمير البنية التحتيّة فيه مناسبة أخرى كشف فيها اللبنانيون مواقف من يدعون صداقتهم وحمايتهم المؤيدة تأييدا مطلقا ودون تحفظ لإسرائيل. كما أن الأطراف في العراق تعي تماما أن سبب الغزو الأمريكي البريطاني لم يكن لتخليص العراق من الدكتاتورية بل لنهب خيراته واقتسامها.

إن الضغط الدولي والتدخل الأجنبي والمساعدة الخارجية لأي طرف لن تغنيه عن التأييد الشعبي وثقة الجماهير فيه ولن يحظى بهذه الثقة من يوجه السلاح إلى مواطنيه بدلا من توجيهه إلى العدو المحتل.

                   الإثنين 18 جوان"يونيو" 2007                                            عبد الله خمّار