درس الأخلاق - محمد ديب

  L'Instruction Civique - Mohammed Dib

  

  "ما إن جلس التلاميذ على مقاعدهم حتى أعلن المعلم بصوت كأنه صوت البوق أن الدرس درس أخلاق.

  - أخلاق.

  الدرس درس أخلاق. إذن في وسع عمر أن ينتهز هذه الفرصة ليمضغ الخبز الذي كان في جيبه، ولم يستطع أن يعطيه للمقمط بقميص الكاكي.

  سار المعلم بضع خطوات بين مناضد التلاميذ. فتبددت الضوضاء الصمّاء، ضوضاء ضرب الأرض بالنعال، وخبط المقاعد بالأرجل، والنداءات والضحكات والهمسات. وخيم الهدوء المؤقت على القاعة كأنما بسحر، فإذا التلاميذ يحبسون أنفاسهم، وينقلبون إلى أولياء صالحين. ولكن رغم سكوتهم، ورغم اجتهادهم، كان يتموج في الجو فرح خفيف مجنح، متراقص كالضياء.

  سر الأستاذ حسن، فسار إلى منبره، وأخذ يقلب أوراق دفتر كبير، ثم قال:

  - الوطن...

  لم يكترث الصبية بالنبأ. إنهم لا يفهمون. وعسكرت الكلمة في الهواء تهتز.

  - من منكم يعلم معنى كلمة: الوطن...

  فقامت حركات عكرت هدوء الفصل. فضرب المعلم إحدى المناضد بعصاه، فأعاد إلى القاعة النظام. بحث التلاميذ فيما حولهم، وطافت نظراتهم بين المناضد، وعلى الجدران، ومن خلال النوافذ، وفي السقف، وفي وجه المعلم. ظهر واضحاً أن الوطن ليس في أي مكان من هذه الأمكنة التي طافت بينها نظراتهم. إن الوطن ليس في الفصل. ونظر التلاميذ بعضهم إلى بعض. إن منهم من كان يضع نفسه خارج المنافسة، ويصبر راضياً سعيداً.

  رفع إبراهيم بالي إصبعه. ها... إذن هو يعرف. لا غرابة. إنه يعيد سنته، فلابد أن يعرف.

  قال إبراهيم: - فرنسا هي أمنا الوطن.

  كان صوته الأخنف هو الصوت الذي يصطنعه كل تلميذ حين يقرأ. فحين سمع التلاميذ هذا الكلام، أصبحوا يقرقعون جميعاً أصابعهم، أصبحوا يريدون جميعاً أن يتكلموا، ودون استئذان رددوا العبارة نفسها متنافسين.

  كانت شفتا عمر مزمومتين، فهو يعجن في فمه لقمة من الخبز. فرنسا، عاصمتها باريز إنه يعرف هذا. الفرنسيون الذين يراهم في المدينة، قادمون من تلك البلاد. وإذا أراد أحد أن يذهب إلى هناك، أو أن يعود من هناك، عليه أن يجتاز البحر، أن يركب باخرة... البحر، البحر الأبيض المتوسط. إنه لم ير البحر في حياته، ولا رأى باخرة. ولكنه يعرف: يعرف أن البحر مساحة كبيرة من الماء المالح، وأن الباخرة نوع من خشبة كبيرة عائمة، وفرنسا، رسم ملون بعدة ألوان. ولكن كيف تكون تلك البلاد البعيدة أمه... إن أمه في البيت. إنها "عيني". وليس له أمان اثنان. "عيني" ليست فرنسا، ليس ثمة أشياء مشتركة بين أمه وفرنسا. لقد اكتشف عمر الكذبة. فرنسا ليست أمه، سواء أكانت هي الوطن أم لم تكن هي الوطن. إنه يتعلم أكاذيب، تحاشياً لعصا الزيتون الشهيرة."

الثلاثية -الدار الكبيرة ص 23

الأسئلة:

1- لماذا فرح التلاميذ عندما علموا أن الدرس درس أخلاق؟

2- لماذا كان بعضهم يضع نفسه خارج المنافسة، وهو راض وسعيد؟

3- ما الذي جعل إبراهيم وحده، يجيب عن هذا السؤال من دون تلاميذ القسم كلهم؟

4- لماذا كان عمر يعرف أن أمه الوطن ليست فرنسا؟ ولماذا لم يستطع أن يعترض؟

5- ما دام المعلم يعلم أكاذيب فهو كاذب، وما دام التلميذ يتعلم أكاذيب دون أن يعترض، فهو كاذب أيضاً، فهل يهدف هذا النص إلى نقد المعلم والتلميذ أم إلى نقد المنهاج؟ وضح وعلل.

6-  هل توافق على استعمال العصا كوسيلة تربوية؟ علل إجابتك.

 

من كتاب: تقنيات الدراسة في الرواية: العلاقات الإنسانية

                    الفصل التاسع: العلاقات الاجتماعية