زهرة المدائن
La fleur des villes
كان صوت فيروز ينطلق من مكبرات الصوت يعلن بحزن عميق أن "الحب تراجع حين هوت مدينة القدس" و"استشهد السلام في وطن السلام" و "سقط العدل على المداخل". ثم يعلن بعزم وتصميم أن "للقدس سلام آت" و "بأيدينا سنعيد بهاء القدس".
حين سمعت هذه القصيدة أول مرة كنت في السابعة عشرة. وكنت أذوق ككل العرب مرارة الهزيمة. حين كاد اليأس أن يسد كل الآفاق، ظهرت هذه القصيدة للأخوين رحباني وفيروز فكانت بلسما للجراح وجرعة إنعاش للروح. فيها حزن خال من نبرة اليأس، وأمل حقيقي بعيد عن الأحلام، وعزم وتصميم منزهان عن التبجح والادعاء. الشعر لا يرجع الحقوق ولكنه يقوي قدرة الإنسان على المقاومة والنضال لاسترجاع حقوقه.
طوى النسيان قصائد كثيرة قيلت في تلك الفترة، ومن ضمنها ترديد بعض الشعراء أن "رصاصة واحدة تساوي آلاف الكلمات". يا لرخص الكلمات! بل رصاصة واحدة تساوي ملايين الكلمات من شعر هؤلاء الأغبياء، لأنها كلمات تافهة جوفاء، وأصحابها اعترفوا بذلك. أما قصيدة" زهرة المدائن" وما شابهها من شعر حقيقي فتبقى خالدة، وكلمة واحدة منها أقوى من كل أسلحة العالم، لأنها تحافظ على صمود الروح، وإن بقيت الروح صامدة فلن يهزمها أحد أبدا، وهذا دور الشعر والفن عموما. تذكرت قول الأستاذ العراقي: "المعلم الذي لا يؤمن بالكلمة معلم زائف"، وقلت في نفسي: "والشاعر الذي لا يؤمن بالكلمة شاعر زائف".
عبد الله خمّار
من رواية "جرس الدّخول إلى الحصّة"