دار الشهية الطيبة للنشر

    Bon Appétit Editions

تمهيد للنص:

عمل بوعلام مصححا في دار نشر دحمان السبع، وادعى صاحب الدار أمام بوعلام بأنه فتح مكتبة في باريس زمن الإرهاب، وعاد الآن ليخدم الثقافة في بلده الجزائر. كما ادعى أمام الصحفية لطيفة في المشهد الثاني أن لديه لجنة من كبار المختصين لمراجعة الكتب. ولم تكن هذه اللجنة في الحقيقة سوى المصحح بوعلام.

المشهد الثالث

[يجلس بوعلام على مكتب المدير بعد خروجه. يُسمع طرقٌ على الباب ويدخل رجل في الأربعين أسمر طويل ممتلئ الجسم يرتدي سروال جينز وسترة مختمة بالأبيض والأزرق، ويضع قبعة زرقاء على رأسه ويحمل في يده رزمة ملفات. يلقي تحية الصباح بالفرنسية]

بوعلام[ يرد التحية بالعربية]: أهلا وسهلا.

مختار[ يتكلم أثناء الحوار بالدارجة الممزوجة بالفرنسية]: هل السيد دحمان هنا؟

بوعلام: خرج قبل خمس دقائق ولا أدري متى يعود. هل من خدمة؟

مختار: أنا مختار الصلاحي، صاحب دار الشهية الطيبة للنشر.

بوعلام [ متعجبا]: دار الشهية الطيبة! لماذا؟ هل هي أكلة؟

مختار [ ضاحكا]: في الحقيقة كان لدي مطعم في باريس اسمه مطعم الشهية الطيبة، وسميت دار النشر بنفس الاسم لأن الكتاب غذاء للروح كما يقولون.

[يدعوه إلى الجلوس على الكرسي الملاصق للمكتب فيجلس ويضع الرزمة التي بيده على المكتب ويجلس بوعلام مواجها له].

بوعلام: صاحب مطعم ويفتح دار نشر! في العادة تتحول دور النشر عندنا إلى محلات لبيع البيتزا والعصير. أهنئك. أنت رجل ثقافة فعلا.

مختار: نحن أسرة لها علاقة بالثقافة منذ القديم. جدي كان يحفظ جزء عمّ عن ظهر قلب، وأبي درس في الكُتـّاب، وكان شيخ الكتّاب يحبه ويفضله على كل التلاميذ.

بوعلام: لماذا؟ هل كان متفوقا في القراءة والكتابة؟

مختار: لا. كان جدي يرسل له دائما أكلا من المطعم وكان الشيخ رحمه الله يحب بطنه كثيرا.

بوعلام: كيف جاءتك فكرة تحويل المطعم إلى دار نشر؟

مختار: الفضل يعود إلى السيد دحمان فهو صاحب الفكرة.

بوعلام: دحمان!

مختار: سأروي لك الحكاية من أولها. حين مات أبي وبسبب الإرهاب هاجرت إلى فرنسا وفتحت مطعما بحي "باربس" في باريس. صديقي دحمان هاجر أيضا بعد مدة وقال لي: "أريد أن أعمل"، فنصحته أن يفتح مقهى وباراً صغيرا.

بوعلام: تقصد "كباريه".

مختار: حاشا لله. مقهى وبار الغزالة الحمراء، فيه راقصتان لا غير، سوسو الجزائرية وليلي الفرنسية.

بوعلام[يقف على قدميه مندهشا]: ألم يفتح مكتبة في باربس؟

مختار [ يقف على قدميه أمامه مندهشا ومستنكرا]: مكتبة! تخاصم مع أبيه في الجزائر من أجل المكتبة وكان يريد تحويلها إلى مقهى لأنها ليست مربحة، لكن أباه رحمه الله أجابه: [ ينظر إلى صورة الأب المعلقة على الجدار ويصمت قليلا].

[يستمر الحوار بينهما وهما واقفان]

بوعلام: بماذا أجابه؟

مختار: أجابه "ستبقى المكتبة مفتوحة ما دمت حيا وحين أموت اصنع بها ما تشاء".

بوعلام: المهم أنه ندم وعاد ليخدم الثقافة، ولكن كيف أقنعك بفتح دار نشر؟

مختار: أنا جئت في الحقيقة لأفتح مطعما فوجدت العاصمة قد امتلأت بالمطاعم والبيزيريات ولم يعد المطعم مربحا. لفت نظري دحمان إلى أن الدولة بدأت تدعم الكتب وتشتري من دور النشر ما يضمن لها دفع تكاليف الطباعة والربح وبعملية حسابية بسيطة وجد دار النشر أربح من المقهى وأقل تكلفة. ونصحني بفتح دار نشر.

بوعلام [متعجبا]: وهل تستطيع مراجعة الكتب التي يحضرها المؤلفون.

مختار: لا. أنا أفك الخط. أستطيع أن أكتب اسمي وميلادي في استمارات البلدية وفي المطار أما مراجعة الكتب فيتكفل بها السيد دحمان.

بوعلام: السيد دحمان قال لك بأنه سيراجعها.

مختار: لديه لجنة من المختصين وأساتذة الجامعات وقد اتفقت معه أن أدفع تكاليف اللجنة كما طلب. وأحضرت معي خمسة كتب مرقونة بالكومبيوتر. [يسلمه ثلاثة ملفات قائلا]: هذه الكتب توضع في مكان بارد حتى لا تفسد.

بوعلام[مندهشا]: لماذا في مكان بارد؟

مختار: لأنها كتب في الطبخ وأخاف أن تفسد الوصفات التي فيها بالحرارة. [يسلمه الملفين الآخرين] وهذه توضع في مكان أمين بعيدا عن النمل.

بوعلام: لماذا؟

مختار: لأنها كتب في الحلويات، وفيها السكر والعسل والعسيلة والمعجون، وكلها تجذب النمل.

مختار: ألا تنشر إلا كتب الطبخ والحلويات؟

مختار:  طبعا. كنت صاحب مطعم ولا أفهم إلا بالطبخ والحلويات. يشرح لي المؤلفون الوصفات وأناقشهم فيها وما أوافق عليه أنشره.

بوعلام: معك حق، لو كان كل ناشر ينشر ما يفهم فيه لكنا بألف خير. وهل أنت مستعد لدفع تكاليف اللجنة؟

مختار: طبعا. التصحيح اللغوي مليون ومراجعة اللجنة مليونان.

بوعلام: الله الله. يأخذ ثلاثة ملايين عن كل كتاب ويعطيني مليونا عن كل الكتب.

مختار: لم أفهم ما تقول؟ من أنت؟ أقصد ما عملك هنا؟

بوعلام [ يتنحنح]: أنا اللجنة. أقصد أنا بوعلام المصحح اللغوي.

مختار: تشرفنا.

بوعلام: وهل تريد النشر في كتب أو في حلل وصحون.

مختار: حسب رغبة الزبون. [يضحكان ويتابع]: سأترك هذه الكتب للسيد دحمان.

بوعلام: سأسلمها له حين يعود.

مختار[ بالفرنسية]: إلى اللقاء.

بوعلام: مع السلامة.

[ يخرج مختار]

 

 "مسرحية هموم الكاتب بوعلام" - "الفصل الأول"

الأسئلة:

1- هل كان هدف مختار من تحويل مطعمه إلى دار نشر خدمة الثقافة أم ماذا؟ وضح رأيك وعلله بشاهد من النص.

2- لماذا تعجب بوعلام حين سمع بالمبالغ التي يدفعها مختار لدحمان نظير تصحيح الكتب ومراجعتها؟

3- هل ترى ضرورة وجود لجنة قراءة في دار النشر؟ علل رأيك مبينا وظيفتها إن وُجِدَتْ.

4- هل تحولت بعض المطاعم ومحلات العصير إلى مكتبات في في بلدك، أم أن العكس هو الذي حدث؟ وما دلالة ذلك في نظرك؟

5- ما الصفات التي يجب أن تتوفر في الناشر ليستطيع خدمة الثقافة؟ وهل هذه الصفات تتوفر في مختار؟ وضح رأيك وعلله.

6- ما الفرق بين الناشر والمتاجر بالكتب بالنسبة إلى هدف كل منهما؟

7- اذكر بعض دور النشر في بلدك وأيها تتمتع بالمصداقية واحترام القراء؟ واذكر بعض دور النشر الجزائرية والعربية التي خدمت الثقافة طيلة عقود وأهم الكتب العربية والمترجمة التي نشرتها؟

8- قيل: "إذا ازدهرت الكتابة والنشر، ازدهرت السينما والتلفزة والمسرح وازدهرت معها كل الفنون. وإذا توقف النشر أصبح ما يقدم في السينما والتلفزة والمسرح صوراً باهتة لا حياة فيها ولا روح".

       بين رأيك في هذا القول مؤيدا أو معارضا ودعم رأيك بأمثلة من الواقع.