لماذا يحب التلميذ اللغة العربية أو يكرهها؟      

  Pourquoi l'élève aime ou déteste l'Arabe?        

لا علاقة لتعلم اللغة في المجتمعات بالحب والكره، فالطفل يتعلمها بدافع الحاجة إلى التعبير والتواصل مع الآخرين. وكثير من أجدادنا كانوا أميين تعلموا اللغة عن طريق السماع، وكانوا يتناقلون الشعر والحِكَمَ والأمثال والحكايات ويتوارثونها شفاها. لكن اللغة عندما تصبح مادة تُعلـَّمُ في المدرسة تغدو كبقية المواد الأخرى خاضعة لحب التلميذ وميله إليها، أو كرهه لها وانصرافه عنها نتيجة عوامل عديدة أهمها الأستاذ وطريقته في التعليم. أدركت هذا في السنة الثانية من تدريس العربية، وأنا أرى كثيرين ممن يدْرُسون عند الأستاذ مقادري يكرهونها. تذكرت نوّارة وكثيرا من نظيراتها ونظرائها. وعدت بذاكرتي إلى الصغر، فأنا أحببت العربية وولعت بها في مكتبة خالي مع قصص كامل الكيلاني ومجلة السندباد وروايات جرجي زيدان وغيرها. أدمنت القراءة ثم الكتابة منذ ذلك الوقت. وتذكرت كثيرا من زملائي الذين يكرهون هذه المادة، ويعجبون من حبي لها وتفوقي فيها. فلم تتح لهم مكتبة خالي العربية. كان أساتذتهم يلقنونها تلقينا على طريقة مقادري. إلا أن بعضهم أتيحت له مكتبة مثل مكتبة خالي ولكن بالفرنسية وفَّرها له أهله في المنزل أو أستاذه في القسم فأدمن القراءة بها وبرع فيها. ونجد بعض التلاميذ الفرنسيين والإنجليز يكرهون مادة لغتهم بسبب أساتذتها، وليس معنى هذا أنهم يكرهون لغتهم، وبالنتيجة فإن الفضل يعود في حب مادة أي لغة كانت والتفوق فيها إلى الأستاذ وطريقته في التعليم، وإلى المكتبة التي يتعلم التلميذ فيها حب القراءة، ثم يتعودها فتصبح سلوكاً يرافقه طيلة حياته.

لا علاقة إذن لحب التلميذ أو كرهه مادة اللغة العربية بالوطنية. ومن الخطأ التربوي اتهام من أحب اللغة الفرنسية وفضل التعبير بها بقلة الوطنية. كان علي إذن أن أعمل مع غيري من الأساتذة على تطوير أساليب تعليم العربية لنحبِّبَها إلى التلاميذ ونكسِبَهُمْ عادة القراءة بها. المهمة سهلة في الابتدائي وصعبة في المتوسط وشديدة الصعوبة في الثانوي. ومما يزيد من صعوبتها أننا نتنافس تنافسا غير متكافئ مع أساتذة اللغة الفرنسية والإنكليزية لما لديهم من وسائل حديثة ومؤسسات داعمة.

بدأت هذا العام بتشجيع تلاميذي على زيارة المكتبة، وحاولت ربطهم بها من خلال الوظائف التي أكلفهم بها، كما بدأت أهتم نتيجة لتأثري بطرق تعليم اللغات الأجنبية بالتعبير الكتابي. أدركت أن الكتابة لا تُعَلَّم لأنها تتعلق بالأسلوب. ومهمة المعلم أن يعلم التلميذ تقنيات الكتابة، وحين يتدرب التلميذ على الكتابة يكتشف أسلوبه بنفسه.

حرصت على ربط الأدب بالفن، والشعر بالأغنية، والرّواية بالمسرح والسينما، وحث التلاميذ على زيارة المسرح الوطني حين عرض إحدى المسرحيات الجزائرية والعالمية، وتنبيههم إلى الأفلام الجيدة الجزائرية والعربية والعالمية لإدراكي أن الكاتب الروائي والمخرج الإذاعي والمسرحي والسينمائي والشاعر ومؤلف الأغاني وملحنها يتكونون في المدرسة. كنت أهتم كثيراً بالقراءة المعبّرة، فسوف يحتاج إليها في المستقبل كل هؤلاء، كما يحتاج إليها جمهورهم.

لم أستطع التنسيق مع مقادري تنفيذاً لقرار الناظر، فهو يركز على النصوص الطنّانة الرنّانة الحافلة بالسجع والترادف، والخطب الوعظية. أما النصوص الوصفية التي تنمّي الذوق وتربّي الحواس، وتقوّي ملاحظة التلميذ واهتمامه بما حوله من جمّاليات  الأبنية والمساجد والقصور والآثار والطبيعة الخلابة، فهو لا يعتبرها بالبديهة أدبا،ً باعتبارها تدخل في عالم المحسوسات، وعناصرها الأشكال والألوان والأصوات والطعوم والروائح وهي لا ترقى إلى عالم المجردات فلا تستحق الدراسة كأدب.

لم يكن مقادري مستعدا للتبادل أو التنازل ،فهو صلب لا يلين ولا يقابلك في الوسط. نسّقت مع الأساتذة الآخرين ممّن يفضي الحوار معهم إلى نتيجة مثمرة لنا جميعا.

                                                                                                عبد الله خمّار               

                                                                                                                                          من رواية "جرس الدّخول إلى الحصّة"                    

                                                                                                                                         12- الثلاثي الثالث: مدير أم سجّان؟