من مقدمة المجموعة الشعرية المطبوعة

"محطات عاطفية في رحلة العمر"

قيل " إنّ من ينشر كتابا فهو يعرض عقله على الناس " . وقد نشرت من قبل أكثر من كتاب فلم أتهيّبْ مثلما أتهيّبُ الآن من نشر هذه القصائد. ذلك لأنني أعرض قلبي على الناس. ومن يعرض عقله يستطيع أن يحاجَّ قرّاءَهُ بالمنطق، أما من يعرض قلبه فلا يستطيع أن يحاجّهم بمنطق العقل، فقلوبنا ربما تقودنا إلى دروب مختلفة، وعواطفنا قد تجمعنا وقد تفرقنا.

        قلوبنا لا عقولنا هي التي تحدّد أهمّ محطات حياتـنا. بها نختار أصدقاءَنا وأحباءَنا وبها يختارُنا أصدقاؤنا وأحباؤنا. بها نختار عقائدَنا وروّادَنا وشعراءَنا وأدباءَنا وفنانينا ومطربينا المفضلين. ونحن نحكم على الناس والآداب والفنون والمدن بقلوبنا أكثرَ ممّا نحكم عليهم بعقولنا.

        كل ما أرجوه من القارئ الكريم أن يقرأ هذه الأشعار بقلبه لا بعقله. فإن نبض قلبه لهذا الشعر، وأحس أن إحدى هذه القصائد أو بعضها تعبر عما يكنه لأمه ولوطنه ولأصدقائه وللمرأة التي يحبها وتوَحّدَ معها وحلّـقت به الكلمات المجنَّحة إلى عوالم الشعر السحرية فذلك أقصى ما أطمح إليه.

        وإن أحسّ أن ما يقرؤه لا يعدو أن يكون كلماتٍ مرصوفة لا حياة فيها ولا روح، وعباراتٍ منظومة لا تمسّ شغاف قلبه، ولا تعزف على أوتار وجدانه، فليس له أنْ يتحرّجْ. فهكذا الشعر كالإنسان إما أن نحبّه أو لا نحبّه. إما أن نستخفّ ظلّه وينفتح قلبنا له أو نستثـقله ونغلق دونه القلب والعين والأذن من غير سبب معقول أو منطق مقبول.

ربّما يستهين بعضنا بالشعر ويتساءل: هلْ نحن بحاجةٍ إليه في عصر التقدّم العلمي والتكنولوجي والانفجار الرقمي؟

وهلْ يمكن لغير الشاعر أن يكون بلسمَ الرّوح وشفاءَ النّفس يداوي العلل ويعالج الأمراض التي يسببها هذا التقدم؟ مَنْ غيرُ الشاعر يعيد التوازن المفقود بين المادة والروح ؟ مَنْ غيرُهُ يغرس بذور التفاؤل في المستقبل ، لا بذور التطيّر والتشاؤم، حتى وإن كان شعره حزيناً، فحزن الشاعر نبيل يطهّر الرّوح ويغسل أدْرانها، وليس حزن اليائسين الجزعين الذي يصعقها ويميتها.

الشعر سلاحٌ في معركة الحق ضد الاستعمار والاستبداد والفساد في كل زمان ومكان. وهلْ غيرُ الشعر فصيحُهُ وَدارجُهُ يغذ ّي الرّوح ويحصِّنها لتقاوم الظلم وتجتاز الأزمات وتبدِّدَ سُحُبَ الكآبة وتواجه العقباتِ والمصاعبَ بثقةٍ وعزم ؟. ويبقى الشاعر في كل عصر روح الشعب وملهمه ومنشد أغانيه والمعبّر عن أصالته وقيمه.وقامة أيِّ بلدٍ تقاس بقامة مبدعيها وفنانيها وكتـّابها وشعرائها لا بقامة حُكّامِها.وقديما قال المثل الصيني :

   " أنا لا أسألك عمّنْ يحكم هذا البلد ، بل عمّنْ يكتب له الأغاني ".

        تشكل هذه القصائد مجموعتين : الأولى" محطات عاطفية في رحلة العمر" وتضم مختارات من القصائد التي كتبتها خلال أكثر من أربعين سنة من رحلة عمري. وهي قصائد تربوية واجتماعية ووطنية وقومية وغزليّة، تجمع بين البدايات في دمشق الحبيبة، وبين آخر ما كتبت في الجزائر الغالية كشاعر هـاو ٍ لا كمحترفٍ يسجل أحداث الوطن والأمة والإنسانية كلها، رغم انفعالي بها كبقية الناس فحرفتي هي التعليم.

وأسجل هنا شكري وتقديري لابن عمي الشاعر الكبير أبي القاسم خمّار الذي كان له الفضل في تشجيعي وإرشادي في بداياتي الشعرية

      وفي الختام لا يفوتني التنويه بما بذله أخي محمد وأختي عائشة من جهد في هذا الكتاب والكتب السابقة وبما أسدياه لي من نصح وملاحظات قيمة فلهما جزيل شكري وامتناني.  

                                           والله ولي التوفيق.

 عبد الله خمّار

للاطلاع على قصائد هذه المجموعة، انقر هنا: محطات عاطفية

للاطلاع على الأشعار الأخرى للكاتب انقر هنا:  الأعمال الشعريّة