الفصل الثاني
من مسرحية الزينة وزوج خطـّابين
للكاتب عبد الله خمّار
المشهد الأول
(يفتح الستار على صالون شقة الحاج محمود فنرى زينة وهي فتاة في الرابعة والعشرين، ذات قد ممشوق، حنطية اللون ذات عينين نجلاوين ساحرتين وشعر أسود تظهر خصلاته من خلال غطاء الرأس الأبيض الذي تضعه على رأسها أثناء التنظيف وترتدي فوق ثوبها مئزرا أبيض وتحمل منفضة الغبار تنفض بها الغبار عن الصالون البني الفاخر المنجد بالمخمل السكري "البيج" الملائم للون الجدران. وأرض الصالون مفروشة بسجادة كبيرة بنّية فاخرة. يقرع جرس الباب فتذهب زينة لفتح الباب. ونسمع بداية حوارها مع سليم دون أن نراه)
زينة:اشكون؟
سليم: أنا سليم وليد سي البشير. بابا وصاني نشوف إذا كنتو محتاجين حاجة. (يسلمها بطاقة): هذا عنوان الحانوت ورقم التلفون قوليلها لبنت سي البشير تكلم وتطلب اللي حبت.
زينة: صحيت.
سليم: نقدر نطلب كاس ما بارد، راهي السخانة بزاف ونا ميّت بالعطش.
زينة: استنى درك نجيبلك كاس ما.
(تدخل زينة ثم تخرج من اليسار لإحضار كأس ماء. يدخل سليم ويجلس في الصالون على الكنبة الطويلة. تعود زينة تحمل كأس الماء متوجهة إلى الباب)
سليم: راني هنا في الصالون. اسمحيلي راني دخلت بلا ما نطلب الإذن.
زينة(بجفاء): السماح.
سليم: تسمحيلي نريّح شويّة، عييت؟
زينة: راك عارف باللي مولى الدار ماشي هنا وما يلزمش تدخل في غيابو.
سليم: ماشي انتيّا زينة؟
زينة: انعم.
سليم: كيفاش السعيد دخلتيه الصالون وخليتيه يريّح، وهوّا خدّام عندنا، ونا وليد سي البشير تحاوزيني.
زينة: اشكون السعيد؟
سليم: اللي جاب شكارة السميد.
زينة: اللي راك تهدر عليه رفد شكارة فيها 25 كيلو سبع طوابق.
سليم: ونا طلعت سبع طوابق.
زينة: انت طلعت بالأسانسير.
سليم(يخفض صوته): حبيت نسقصيكي على بنت الحاج، لكن خايف تسمعنا.
زينة: بنت الحاج؟ واش من حاج؟
سليم: الحاج محمود اللي راكي تخدمي عندو؟
زينة: اللي راني نخدم عندو؟ قوللي واش حبيت؟
سليم: حبيت نسقصيكي على بنت الحاج، خاطر بابا حب يزوجهالي. فين راهي درك؟ نخاف تسمعنا؟
زينة: ما تخافش. راهي مريضة وراقدة.
سليم: لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا ما نحبش النسا اللي يمرضو.
زينة: راك خايف عليها؟
سليم: أنا خايف على روحي نتزوج واحدة ممراضة. تعرفي؛ المرا المريضة كل يوم تجيب وجعة جديدة، مرة راسها ومرة ظهرها ومرة بطنها. ونا نحصل كل يوم نجيبلها طبيب.
زينة: علاش إنت خطبتها باش تتزوج بيها؟
سليم: ما زال. بابا حبني نتزوج بنت الحاج خاطر هوا حبيبه من بكري.
زينة: فهمت. باباك سيف عليك تتزوج بيها.
سليم: ولو كان ما نتزوجش بيها تطيح السما عالأرض. قولي لي: اشحال عندك وانت تخدمي عند الحاج؟
زينة: علاه؟
سليم: حبيت تعطيني معلومات عن الطفلة وعن العايلة.
زينة(بغضب): الدار اللي ناكل فيها الخبزة ما نهدرش على امّاليها وما نخرجش الأسرار انتاعهم.
سليم(يخرج من جيبه ورقة ألف دينار ويعطيها إياها): هاكي اشري حاجة ليكي.
زينة: لالا. ما نقدرش.
سليم: (يضعها في جيب مئزرها): ما تحشميش خوديها. وزيد بزيادة إنتي تعطيني معلومة ونا نعطيكي معلومة تفرحك.
زينة: واش المعلومة اللي تفرحني.
سليم: السعيد هابل عليكي وحب يخطبك. قال لبابا حبيت نخطب الخديمة اللي في بيت الحاج محمود.
زينة: يخطبني ونا خديمة؟ واش عجبو فيّا؟
سليم: بابا قاللو: تكون جاهلة ما تقرا ما تكتب، جاوبو: أنا نعلمها ونقريها خاطر ذكية وأمينة وزينة.
زينة: هكذا قال؟
سليم: انعم، هكذا قال لبابا. ودرك قوليلي بنت الحاج دايما ممراضة هكذا؟
زينة: واش تحب نقولك: ساعات تكون مريضة وساعات تلعبها. بالصح الكثرة راهي مريضة.
سليم: وهيّا شابّة والا مزعوقة.
زينة: كيفاش تكون شابة وهيّا ممراضة مصفارة، وزيد بزيادة سمينة وقصيرة.
سليم: أعوذ بالله. وتعرف تطيّب؟
زينة: بوه. حبتين اولاد الجاج ما تعرفش تقليهم، خاطر راهي قرات في الجامعة وخدات الإيسانس.
سليم: حب يقول الليسانس.
زينة: الإيسانس، الليسانس كيف كيف.
سليم: اشحال ما نحبش المرا اللي تقرا في الجامعة.
زينة: علاه؟
سليم: خاطر تكون رافعة نيفها للسما ولسانها طويل وتدير روحها تفهم كلش.
زينة: عندك الحق، وانت ما قريتش في الجامعة؟
سليم: اللي يقراو في الجامعة يقراو باش يخلصو زوج دورو عند الحكومة والا عند الخواص. وانا عندي الملاير قولي لي علاش نقرا.
زينة: الله يبارك وربي يزيد لك. ما كان لا تضيّع وقتك في القراية؟
سليم: هذا كلام صواب.(يرن جرس هاتف سليم المحمول فيقول لزينة): هذا بابا.
المشهد الثاني
سليم:ألو عالسلامة بابا. انعم راني في الحانوت. السعيد ماراهوش هنا تستحقو. حبيت تطمن برك. راهي كل حاجة ماشية كيما تحب. تهلا في روحك بابا وسلم على الحاج. (يغلق الهاتف): واش كنا نقولو.
زينة: قلت باللي تقدر تشري كل حاجة بدراهمك، وزعما تقدر تشري بنت الحاج بدراهمك.
سليم: نشريها ونشري باباها ويمّاها.
زينة: ما عندهاش يمّاها.
سليم: نقدر نشري العايلة كلها بدراهمي.
زينة: وكيفاش تدير بنيفها المرفوع ولسانها الطويل؟
سليم: ما تخمّميش نكسّر لها نيفها ونقص لها لسانها من أول ليلة.
زينة: يعطيك الصحة. هكذا الرجال والا لالا.
سليم: أنا راجل انتاع الصح ونعجبك.
زينة(بسخرية): راهو باين. سيماهم في وجوههم.
سليم: عاودي عاودي واش قلتي.
زينة: قلت باللي راك راجل انتاع الصح.
سليم(يبتسم وينتفخ زهوا): راني عجبتك، حتى انتيّا عجبتيني. هذا الزين خسارة في السعيد. واش تقولي لو كان نتزوجو؟
زينة: نتزوجو!. وبنت الحاج؟
سليم:هيّا نتزوج بيها في خاطر بابا، وانت نتزوج بيك في خاطر رويحتي. بالصح نتزوج معاك عرفي.
زينة: واش حب يقول عرفي؟
سليم: نجيبو الشيخ وزوج شهود ونكتبو الورقة انتاع الزواج. بالصح الورقة تبقى عندي في صندوق الحديد باش حد ما يعرف باللي رانا متزوجين.
زينة: معناها نتزوجو بالسر؟
سليم: انعم، حتى يكتب لي بابا الحانوت والفيلا ومن بعد نعلمو كل الناس.
زينة: أواه، جاب لي ربي كاش نهار تفيق.
سليم: ما يهمناش إذا فاقت. تخبط راسها على حيط. تفاهمنا.
زينة: ما نعرفش، خليني نخمم.
سليم: قوليلي: تعرفي واش عندو باباها؟
زينة: عندو غير هيّا.
سليم: ما نقصدش الذريّة. واش عندو هوّا؟
زينة: عندو خمسين سنة.
سليم: ما قتلكش اشحال في عمرو، قتلك واش عندو؟
زينة: فهمت، فهمت. وقيل عندو السكر والضغط وبالك القلب ثاني.
سليم(بنفاد صبر): سبحان الله. حبيت نعرف واش عندو أملاك، تراب، دراهم في البنك، فهمت؟
زينة: امّالا قول هكذا. ما ظنيتش يكون عندو غير هذي الدار اللي يسكنها، وسمعت باللي عندو الدين ورهن الحانوت انتاعو.
سليم: يحّي يحّي. وبابا كي نسقصيه واش عندو يقولي عندو الدين والأخلاق.
زينة: نقول الحق الدين والأخلاق بالصح عندو.
سليم: الدين والأخلاق زعما ينصرفو دراهم؟ شوفي نتزوج بيها إيامات ومن بعد ندير سبة نطلقها، نكون خديت الحانوت والفيلا ونبقى غير أنا وانتيّا.
زينة: وقيل راك تتمسخر بيّا.
سليم: والله ما راني تتمسخر. نعيشك عيشة الملوك نلبسك الذهب، نوكلك ذهب نشربك ذهب نعومك في الذهب.
زينة: كيما ميداس تولي كل حاجة نمسها ذهب.
سليم: اشكون ميداس؟ وقيل واحد حب يخطبك وقالك نعومك في الذهب؟
زينة: كيفاش عرفت؟
سليم: أنا نفهم بالخف واش عند بالك؟ شوفي ليّا، الحاجة اللولا ميداس هذا ما تزيديش تتلاقاي معاه خلاص، والحاجة الثانية تقولي لبابا لما يجي يخطبك للسعيد، باللي راكي مخطوبة. متفاهمين؟
زينة: متفاهمين. لكن ما راكش تتمسخر بيّا؟
سليم: خلاص، راني حلفتلك. (يتنهد): حبيت نشوف وجهو لما تقوليلو لالا.
زينة: علاش راك تكرهو؟ واش دار لك؟
سليم: واش دارلي؟ هداك ماخصو. ما نحبوش خاطر ما يقيمنيش، وبابا يسمعلو وما يسمعليش.
زينة: فهمت.
سليم: بالك الحاج والا بنتو يسمعو باللي أنا جيت هنا؟
زينة: كون متهني. (يخرج)
(تطفأ الأنوار وتعزف الموسيقى دلالة على انقضاء الزمن)
المشهد الثالث
(تنار الأضواء من جديد. يقرع جرس الباب. يفتح الحاج محمود لهم الباب ويستقبلهم ويدخل معهم. وهو رجل في حوالي الخمسين يرتدي جلابة عاصمية أنيقة ويغطي رأسه بشاشية بيضاء. ونرى زينة تطل من يسار المسرح وتستمع إلى ما يجري دون أن يلحظها أحد)
الحاج محمود: مرحبا بيكم.
بشير: هذي المرّة جيناك ولينا حاجة عندك ماذا بينا ما تردناش.
الحاج محمود: سي البشير إنت تأمر ما تطلبش. قول واش تحب نلبيه في الحين.
بشير: الحاجة اللي نطلبها تخص السعيد. صحيح هوّا خدام معايا في الحانوت، لكني نحبو كي وليدي ونثيق فيه. نصحتو وما قبلش نصيحتي، وانت كي خويا مذابيّا تنصحو وإذا ما حبّش مذابيك تديرلو كيما يحب.
الحاج محمود: ما يكون غير خاطرك وخاطرو بالصح حبيت نفهم واش يحب؟
بشير: سعيد حاب يتزوج وهوّا شاب متعلم وقاري وعندو ليسانس في المحاسبة. حب يتزوج واحدة تخدم في البيوت، ما يعرفش إن كانت تقرا والا تفك الخط، والا ما تقراش خلاص.
الحاج محمود: سي البشير عندو الحق. كيفاش تاخد امرا جاهلة ما تعرفش حتى تربي اولادك.
سعيد: أمّي الله يرحمها كانت امرا ما تعرف لا تقرا لا تكتب لكن ما كانتش جاهلة، ورباتنا أحسن تربية في الدين والأخلاق. اللي ما يعرفش القراءة والكتابة أمّي لكن ماشي جاهل. أنا مستعد نقرّيها ونعلمها. المهم هيّا توافق وامّاليها يوافقو وإنت توافق.
الحاج محمود(يضحك): وأنا واش دخلني حتى نوافق؟
سعيد: خاطر هيّا تخدم عندك في الدار.
الحاج محمود: تخدم عندي في الدار؟
بشير: انعم، ما دام راهو معمّد اسألها هيّا إذا موافقة نروحو نخطبوها من امّاليها.
سليم: استنـّو استنـّو، أنا ما نوافقش.
بشير(بغضب): وانت واش دخلك توافق والا ما توافقش. ومن بعد(بعصبية): قوللي علاش ما توافقش.
سليم: ما نوافقش خاطر(يتبلكم): ما نوافقش وخلاص. أنا نعرف اللي ما تعرفوش انتوما. سعيد كيما خويا ما نحبوش يتوخّذ.
بشير: قول واش تعرف اللي يخليك ما توافقش.
سليم: ما نقولش لازم تثيقو فيّا وتبطلو هذا الزواج.
الحاج محمود: على كل حال تسمحولي ما نقدرش نلبّي الطلب انتاعكم.
بشير: علاه؟
الحاج محمود: خاطر الخديمة اللي عندي متزوجة وعندها طفل يرضع.
سليم(بخيبة أمل): امّالا متزوجة.
سعيد(بخيبة أمل): خسارة.
بشير: امّالا افرات. كاين حاجة أخرى نطلبوها منـّك.
الحاج محمود: ان شا الله نقدر نديرها.
بشير: تقدر إذا حب ربي. وليدي سليم حاب يتزوج، وما نصيبش نناسب خير من صاحبي وحبيبي الحاج محمود. نتشرف نطلب بنتك لوليدي سليم. صحيح وليدي ما عندوش شهادة عالية لكن...
سليم(يقاطعه): عندي خير من الشهادة، عندي المال.
بشير(ينظر إلى ابنه معاتبا ثم يتابع): هوّا وليدي الوحيد، درتلو حانوت مجوهرات هنا في العاصمة وبنيتلو فيلا زوج طبقات وهوّا الوريث الوحيد لأملاكي ومجوهراتي.
سليم: كاين عايلات بزّاف يحبو يزوجوني بْناتهم لكن بابا حب يخطبلي بنتك، ونظن عندها الزهر اللي خيّرها لي بابا للزواج.
الحاج محمود: أنا نتشرف وما عندي ما نخيّر عليكم، لكن في هذا الوقت اللي احنا فيه ماشي احنا اللي نقرروا. لازم ناخد راي بنتي وربي يجيب اللي فيه الخير. تسمحو لي نروح نسقصيها. (يخرج الحاج محمود ثم يعود يحمل القهوة والحلوى)
الحاج محمود: اشربو قهوتكم بين ما نشاورها. (يخرج الحاج محمود)
المشهد الرابع
بشير: واش هادي الهدرا ياوليدي، حشمتني قدام الحاج محمود.
سليم: الحق يابابا همّا اللي رابحين في هادا الزواج، الطفلة مزعوقة، والحاج عليه الدين.
بشير: منين جبت هادي الهدرا ياوليدي. فين شفت الطفلة؟
سليم: ما شفتهاش لكن الناس اللي يعرفوها هدرولي.
بشير: سكتنا درك راهو جا الحاج.
(يعود الحاج محمود)
الحاج محمود: تسمحولي بطيت عليكم.
بشير: لالا، خود وقتك.
الحاج محمود: ما نيش نزوخ ببنتي لكن حتى لدرك قالت لالا لكل الخطابين اللي جاوها، خاطر كانو طامعين في مالها، واليوم الطفلة فرحت بالنسب انتاعكم لكن قالتلي قول لعمي البشير يعطيني شهر مهلة وان شا الله نرد عليه كيما يحب.
بشير: الله يبارك. امّالا نتسهلو.
الحاج محمود: اقعدو تعشاو معانا.
بشير: ان شاالله لما نجيو بعد شهر ونقراو الفاتحة.
ستار