الفصل الأول

من مسرحية هموم الكاتب بوعلام

للكاتب عبد الله خمّار

 

المشهد الأول

[تفتح الستارة على غرفة مكتب، تتألف من طاولة مكتب فخمة عليها بعض الملفات ومقلمة وأوراق بيضاء وجهاز الهاتف ووراءها كرسي من خشب الجوز المحفور والمطلي باللون البني المحروق يجلس عليها رجل في الخامسة والثلاثين يميل إلى البدانة ربع القامة أبيض البشرة شديد تورد الوجه والوجنتين عيناه الزرقاوان جاحظتان، يرتدي سترة جلدية وسروالا من المخمل البني، يمسك بسماعة الهاتف. وبجانب الطاولة خزانة من نفس خشب ولون الطاولة، فيها كتب ومخطوطات. وأمام المكتب كرسيان فاخران منجدان بالمخمل الأحمر، مواربان بحيث من يجلس عليهما يواجه الجمهور وبحركة بسيطة يواجه الجالس على كرسي المكتب. لون الجدار بني فاتح وعليه في الصدر خلف الطاولة والكرسي صورة شيخ في الستين باللباس التقليدي العاصمي، وعلى جانبي الصورة لوحتان بالخط الكوفي كتب على الأولى: "وخير جليس في الأنام كتاب"، وعلى الثانية: "القناعة كنز لا يفنى". على يسار المسرح طاولة صغيرة جدا عليها بعض الملفات. وراءها كرسي عادي وبجانبها الباب المؤدي إلى غرفة السكرتيرة وهو باب الدخول إلى مكتب المدير والخروج منه، وعلى يمين المسرح نافذة صغيرة في أقصى الجدار يدخل منها النور عليها ستارة بيضاء شفافة، تفتح وتغلق وبجانبها باب يؤدي إلى المطبخ والمرافق].

دحمان: آلو. نعم أنا دحمان السبع مدير دار النشر. [ينصت إلى المتكلم على الطرف الآخر ثم يتابع]: ماذا؟ صحيفة المرآة. أهلا وسهلا. مستعد للحديث في أي وقت. العنوان؟ اكتبي عندك: حي العناصر الجديدة. عمارة رقم 56 المدخل الأول، الطابق الثالث. تحضرين بعد قليل. أهلا بك في أي وقت.

      [ يدخل أثناء المكالمة شيخ في الستين أسمر نحيل الجسم يرتدي نظارة طبية عادية على عينيه العسليتين ويلبس بدلة رمادية بهت لونها ولكنها نظيفة، وتحتها قميص دون ربطة عنق،ويحمل في يده ملفا. يشير إليه دحمان بالجلوس، فيجلس على الكرسي الأيسر بحيث يستطيع الجمهور رؤية الاثنين. يتم دحمان المكالمة ويتوجه إلى الشيخ]:

دحمان: أهلا وسهلا.

بوعلام: شكرا يا سيدي . وجدت الباب مفتوحا فدخلت.

دحمان: الباب مفتوح لأن العمال يرممون الشقة.

بوعلام: حضرت بشأن الإعلان المنشور في الصحيفة.

دحمان:أي إعلان تقصد، الإعلان عن طلب حارس ليلي أو مصحح لغوي؟

بوعلام: هل يوحي سني بأن أعمل حارسا ليليا؟

دحمان: في الحقيقة، لا. إذاً أنت المصحح اللغوي.

بوعلام: نعم. اسمي بوعلام وهذا الملف فيه كل شيء عني. [يناوله الملف]

دحمان[يأخذ منه الملف ويضعه أمامه دون أن يفتحه ويسأله]: أين كنت تعمل ياسيد بوعلام؟

بوعلام: في المكتبة الوطنية. عملت فيها خمسة وثلاثين عاما وأحمل ليسانس مكتبات، لكني أحلت على التقاعد.

دحمان: لماذا تريد العمل ما دمت متقاعدا. أليس الأفضل أن ترتاح وتترك العمل للشباب؟

بوعلام[بحرارة وحرقة]: أنا محتاج إلى هذا العمل من أجل الشباب. عندي شابان أنا من ينفق عليهما. وحين أحلت على التقاعد نقص الراتب وازدادت النفقات.

دحمان: أنت بحاجة إلى هذا العمل إذا؟

بوعلام[بلهفة شديدة ]: جدا جدا ياسيدي.

دحمان: عظيم. أنت من الآباء الرائعين. في أوربا عندما يصبح عمر الولد ثمانية عشر عاما يصبح مسؤولا عن نفسه.

بوعلام[ينظر باهتمام إلى الصورة ثم يقف أمامها متأملا ويسأل]: أليست هذه صورة الشيخ بلقاسم السبع؟

دحمان[ينهض من مكتبه ويقف بجانبه يتأمل معه الصورة]: نعم. إنه أبي.

بوعلام[متحسرا]: رحمة الله عليه. كان صاحب مكتبة مهمة في القصبة، خدمت الثقافة واللغة العربية. ولكن المكتبة أغلقت منذ وفاته.

دحمان: كسد سوق الكتب في زمن الإرهاب فقررت أن أهاجر إلى فرنسا[يستدرك قائلا ]: مؤقتا. وفتحت هناك مكتبة لنشر الثقافة في فرنسا. والآن حين تحسنت الأوضاع قررت العودة إلى بلادي لنشر الثقافة فيها بدلا من نشرها في بلاد الآخرين.

بوعلام: بارك الله فيك. أنت رجل ثقافة وأينما ذهبت تخدم الثقافة حتى في فرنسا. [يهز دحمان برأسه ويتابع بوعلام]: يسرني أن أتعامل مع رجل مثلك.

دحمان: هل تفضل راتبا شهريا أم بالقطعة؟

بوعلام[ مستفهما]: بالقطعة! ما معنى بالقطعة؟

دحمان [ يشير إلى بوعلام بالجلوس ويجلس على الكرسي المقابل لبوعلام]: أقصد بالكتاب الذي تصححه. أنا أقترح راتبا شهريا حتى تكون مستقرا. كم تريد؟

بوعلام[ بخجل شديد ]: أنا لا أعرف. اقترح أنت فأنا أثق بك لأنك رجل ثقافة ولست تاجرا.

دحمان: سأعطيك مليون سنتيم في الشهر. [ يناوله الملف دون أن يفتحه قائلا]: لا حاجة للملف فلن أسجلك رسميا حتى لا يحسموا من راتبك الضرائب والضمان الاجتماعي والقيمة المضافة. ساعطيك مليون سنتيم صافية دون أي حسم.

بوعلام[موافقا]: كما تريد ياسيدي.

 دحمان:[ينظر إليه مليا ويتابع]: أظن أنه يكفي مع راتب التقاعد. [ يضع يده على كتفه]:  ولكن عليك أن تراجع كل المخطوطات التي تصل إلى الدار. اتفقنا؟

بوعلام: اتفقنا.

دحمان: القناعة كنز لا يفنى، وأنت رجل قنوع. يعني لديك كنز لا يفنى.

بوعلام: لكن الزوجة والأولاد لا يشبعهم هذا الكنز المعنوي. يريدون صرفه بالدينار.

دحمان [يقف ويشير إلى الطاولة الصغيرة متجاهلا تعليقه]: هذا مكتبك مؤقتا حتى ينتهي العمال من ترميم الشقة. ستقوم مؤقتا أيضا بمهام السكرتيرة حسيبة لأنها في إجازة مرضية.

بوعلام [ ينهض من مكانه قلقا ]: مهام السكرتيرة حسيبة!

دحمان: نعم. تستقبل الضيوف وتحضر القهوة والأمور الأخرى.

بوعلام [ متسائلا في قلق]: ماذا تقصد بالأمور الأخرى؟

دحمان: لا يذهب ذهنك بعيدا. أقصد بالأمور الأخرى الإجابة عن رسالة. الرد على الهاتف. [ يسمع طرق على الباب فيقول دحمان]: من المؤكد أنها الصحفية أرجو أن تدخلها إلى هنا ثم تجلس على مكتبك لتبقى قريبا مني حين أحتاجك.

[يخرج بوعلام ويجلس دحمان وراء مكتبه].

 

المشهد الثاني

[ تدخل الصحفية ووراءها بوعلام، وهي صبية في منتصف العشرينات طويلة، سمراء، تلبس ثوبا أزرق وحذاء وتحمل حقيبة يد من نفس اللون، تبدو جميلة، لكن عدم اهتمامها بزينتها وأناقتها والنظارة الطبية السميكة التي تضعها على عينيها تنتقص من أنوثتها وجمالها. ينهض دحمان لاستقبالها مرحبا ويدعوها إلى الجلوس على الكرسي بجانب طاولة المكتب وتكاد تصطدم بالكرسي وتتحسسه ثم تجلس عليه. ويجلس دحمان على الكرسي المواجه]

دحمان: أهلا وسهلا [يبتسم مجاملا ويتابع]: اسم الأخت.

الصحفية[تقرب أذنها منه وتسأل]: ماذا قلت؟

دحمان: يبدو أنها طرشاء. [يقرب فمه من أذنها ويصرخ]: ما اسمك؟

الصحفية[تهب منتفضة]: لماذا تصرخ هكذا؟ لست طرشاء. [ بلهجة جدية جافة]: اسمي لطيفة من مجلة المرآة.

دحمان: تشرفنا آنسة لطيفة.

الصحفية: ماذا قلت؟

دحمان[يقرب فمه من أذنها ويقول]: تشرفنا آنسة لطيفة.

الصحفية: سيدة من فضلك. هل نبدأ الأسئلة.

دحمان: أنا تحت أمرك.

الصحفية: [ تضع المسجلة بينها وبينه على المكتب وتفتحها]: أرجو أن تسجل الأجوبة بصوت مرتفع وواضح في المسجلة.

دحمان: كما تريدين.

الصحفية: لاحظت هذه الأيام تكاثر عدد دور النشر بصورة غير طبيعية وأنا بصدد البحث عن الأسباب.

دحمان[يقرب فمه من المسجلة ويرفع صوته]: معك حق فتكاثر دور النشر ليس مؤشرا على التطور الثقافي في بلادنا بل سببه دعم الدولة للكتاب مما جعل كثيرا من الطفيليين الدخلاء على المهنة يمارسونها دون حق.

الصحفية: ولكنك ناشر جديد مثلهم.

دحمان [ باستنكار مهذب]: لا ياسيدتي. أنت مخطئة تماما. أنا كتبي وناشر أبا عن جد. انظري هذه صورة أبي بلقاسم السبع صاحب دار السبع المشهورة التي أسسها جد جدي.

بوعلام [ يتدخل قائلا ]: نعم ياسيدتي فمنذ كنت صغيرا كنت أشتري كتب الأطفال من هذه المكتبة في القصبة.

الصحفية: ماذا قلت؟

بوعلام [ يقترب من المسجلة ويرفع صوته مرددا نفس العبارة]: نعم ياسيدتي فمنذ كنت صغيرا كنت أشتري كتب الأطفال من هذه المكتبة في القصبة. [يعود إلى مكانه].

الصحفية: ولكن لم يعد لها وجود منذ زمن طويل.

دحمان[يقرب فمه من المسجلة]: في زمن الإرهاب، حين كسد سوق الكتب لم أرض أن أحول المكتبة إلى "بيزيريا" وهاجرت وصبرت كثيرا حتى تحسنت الأحوال لأستأنف العمل في مهنة أبي وأجدادي. الصحفية: وما هي سياستكم في النشر.

 دحمان: [يقرب فمه من المسجلة ويشير بإصبعه]: نحن نعمل من أجل نشر الثقافة وليس من أجل الربح لذلك ننشر كل ما هو جيد في كل علم وفن.

الصحفية: وكيف تعرفون الجيد من الرديء؟

دحمان [يقرب فمه من المسجلة]: هذا سؤال هام ياسيدتي، أشكرك لأنك طرحته. لدينا لجنة قراءة من كبار المختصين وأساتذة الجامعات. [ ينهض من مكانه ويقترب من بوعلام ويسأله بحيث يسمعه الجمهور ولا تسمعه الصحفية]: هل تعرف قليلا في التاريخ؟

بوعلام: نعم.

دحمان [ يهز برأسه]: وفي الفلسفة؟

بوعلام: قليلا.

دحمان [ يهز برأسه]: وفي الاقتصاد؟

بوعلام: أقل من القليل.

دحمان [ يهز برأسه ثم يعود إلى المكتب ويضع فمه على جهاز التسجيل مرددا]: تضم لجنة القراءة أساتذة مختصين في اللغة والأدب والتاريخ والفلسفة والاقتصاد. [ يقترب مجددا من بوعلام هامسا]: هل تحسن الفرنسية؟

بوعلام: لا أتقنها تماما ولكن أستطيع أن أقرأ بها.

دحمان: [يهز برأسه]: والإنكليزية؟

بوعلام: أعرف بعض الكلمات والجمل. 

دحمان[ يهز برأسه ويخطو إلى المكتب ولكن بوعلام يشده فيهمس]: ماذا تريد؟

بوعلام: أحسن الأمازيغية أيضا.

دحمان[ يهز برأسه ويتجه بسرعة إلى المكتب ويضع فمه على جهاز التسجيل مرددا]: ولدينا مترجمون من الفرنسية والإنكليزية إلى العربية والأمازيغية وبالعكس.

الصحفية [ تشير إلى بوعلام مستفهمة]: إذا كان هذا السيد من أعضاء اللجنة، أريد الحديث معه.

دحمان[يقرب فمه من المسجلة]: لا ياسيدتي. هذا السيد هو أحد المصححين اللغويين.

الصحفية: ألا أستطيع الحديث مع أحد أعضاء اللجنة.

دحمان [يقرب فمه من المسجلة]: مع الأسف هذا غير ممكن ياسيدتي، فأعمال اللجنة تجري بسرية تامة حتى لا يتعرضوا لضغوط أشباه المثقفين والمتأدبين.

الصحفية: شكرا لك ياسيدي [ تغلق المسجلة وتهم بالانصراف]

دحمان: انتظري حتى نضيفك بفنجان قهوة.

الصحفية: ماذا قلت؟

دحمان[ يأخذ المسجلة ويفتحها من جديد ويقرب فمه منها مرددا نفس العبارة]: انتظري حتى نضيفك بفنجان قهوة.

الصحفية: في المرة القادمة فأنا مستعجلة الآن. [ تحاول الخروج فلا تعرف الباب وأوشكت أن تصطدم بالحائط فيمسك بها بوعلام ويقودها إلى الخارج ثم يعود قائلا]: عمياء وطرشاء وتريد العمل في الصحافة. المرأة المناسبة في المكان المناسب.

دحمان:[يتوجه إلى الطاولة الصغيرة ويحمل الملفات مخاطبا بوعلام]: هذه الكتب مكتوبة في الحاسوب وهي للتصحيح. والكتب الباقية ما تزال مخطوطة. اقرأها واكتب ملخصا عن كل كتاب وصلاحيته للنشر.سأذهب الآن إلى وزارة الثقافة ولا أدري متى أعود. انتبه إلى المكتب. [يخرج].

 

المشهد الثالث

[يجلس بوعلام على مكتب المدير بعد خروجه. يُسمع طرقٌ على الباب ويدخل رجل في الأربعين أسمر طويل ممتلئ الجسم يرتدي سروال جينز وسترة مختمة بالأبيض والأزرق، ويضع قبعة زرقاء على رأسه ويحمل في يده رزمة ملفات. يلقي تحية الصباح بالفرنسية]

بوعلام[ يرد التحية بالعربية]: أهلا وسهلا.

مختار[ يتكلم أثناء الحوار بالدارجة الممزوجة بالفرنسية]: هل السيد دحمان هنا؟

بوعلام: خرج قبل خمس دقائق ولا أدري متى يعود. هل من خدمة؟

مختار: أنا مختار الصلاحي، صاحب دار الشهية الطيبة للنشر.

بوعلام [ متعجبا]: دار الشهية الطيبة! لماذا؟ هل هي أكلة؟

مختار [ ضاحكا]: في الحقيقة كان لدي مطعم في باريس اسمه مطعم الشهية الطيبة، وسميت دار النشر بنفس الاسم لأن الكتاب غذاء للروح كما يقولون.

[يدعوه إلى الجلوس على الكرسي الملاصق للمكتب فيجلس ويضع الرزمة التي بيده على المكتب ويجلس بوعلام مواجها له].

بوعلام: صاحب مطعم ويفتح دار نشر! في العادة تتحول دور النشر عندنا إلى محلات لبيع البيتزا والعصير. أهنئك. أنت رجل ثقافة فعلا.

مختار: نحن أسرة لها علاقة بالثقافة منذ القديم. جدي كان يحفظ جزء عمّ عن ظهر قلب، وأبي درس في الكُتـّاب، وكان شيخ الكتّاب يحبه ويفضله على كل التلاميذ.

بوعلام: لماذا؟ هل كان متفوقا في القراءة والكتابة؟

مختار: لا. كان جدي يرسل له دائما أكلا من المطعم وكان الشيخ رحمه الله يحب بطنه كثيرا.

بوعلام: كيف جاءتك فكرة تحويل المطعم إلى دار نشر؟

مختار: الفضل يعود إلى السيد دحمان فهو صاحب الفكرة.

بوعلام: دحمان!

مختار: سأروي لك الحكاية من أولها. حين مات أبي وبسبب الإرهاب هاجرت إلى فرنسا وفتحت مطعما بحي باربس في باريس. صديقي دحمان هاجر أيضا بعد مدة وقال لي: "أريد أن أعمل"، فنصحته أن يفتح مقهى وباراً صغيرا.

بوعلام: تقصد "كباريه".

مختار: حاشا لله. مقهى وبار الغزالة الحمراء، فيه راقصتان لا غير، سوسو الجزائرية وليلي الفرنسية.

بوعلام[يقف على قدميه مندهشا]: ألم يفتح مكتبة في باربس؟

مختار [ يقف على قدميه أمامه مندهشا ومستنكرا]: مكتبة! تخاصم مع أبيه في الجزائر من أجل المكتبة وكان يريد تحويلها إلى مقهى لأنها ليست مربحة، لكن أباه رحمه الله أجابه: [ ينظر إلى صورة الأب المعلقة على الجدار ويصمت قليلا].

[يستمر الحوار بينهما وهما واقفان]

بوعلام: بماذا أجابه؟

مختار: أجابه "ستبقى المكتبة مفتوحة ما دمت حيا وحين أموت اصنع بها ما تشاء".

بوعلام: المهم أنه ندم وعاد ليخدم الثقافة، ولكن كيف أقنعك بفتح دار نشر؟

مختار: أنا جئت في الحقيقة لأفتح مطعما فوجدت العاصمة قد امتلأت بالمطاعم والبيزيريات ولم يعد المطعم مربحا. لفت نظري دحمان إلى أن الدولة بدأت تدعم الكتب وتشتري من دور النشر ما يضمن لها دفع تكاليف الطباعة والربح وبعملية حسابية بسيطة وجد دار النشر أربح من المقهى وأقل تكلفة. ونصحني بفتح دار نشر.

بوعلام [متعجبا]: وهل تستطيع مراجعة الكتب التي يحضرها المؤلفون.

مختار: لا. أنا أفك الخط. أستطيع أن أكتب اسمي وميلادي في استمارات البلدية وفي المطار أما مراجعة الكتب فيتكفل بها السيد دحمان.

بوعلام: السيد دحمان قال لك بأنه سيراجعها.

مختار: لديه لجنة من المختصين وأساتذة الجامعات وقد اتفقت معه أن أدفع تكاليف اللجنة كما طلب. وأحضرت معي خمسة كتب مرقونة بالكومبيوتر. [يسلمه ثلاثة ملفات قائلا]: هذه الكتب توضع في مكان بارد حتى لا تفسد.

بوعلام[مندهشا]: لماذا في مكان بارد؟

مختار: لأنها كتب في الطبخ وأخاف أن تفسد الوصفات التي فيها بالحرارة. [يسلمه الملفين الآخرين] وهذه توضع في مكان أمين بعيدا عن النمل.

بوعلام: لماذا؟

مختار: لأنها كتب في الحلويات، وفيها السكر والعسل والعسيلة والمعجون، وكلها تجذب النمل.

مختار: ألا تنشر إلا كتب الطبخ والحلويات؟

مختار:  طبعا. كنت صاحب مطعم ولا أفهم إلا بالطبخ والحلويات. يشرح لي المؤلفون الوصفات وأناقشهم فيها وما أوافق عليه أنشره.

بوعلام: الحق معك، لو كان كل ناشر ينشر ما يفهم فيه لكنا بألف خير. وهل أنت مستعد لدفع تكاليف اللجنة؟

مختار: طبعا. التصحيح اللغوي مليون ومراجعة اللجنة مليونان.

بوعلام: الله الله. يأخذ ثلاثة ملايين عن كل كتاب ويعطيني مليونا عن كل الكتب.

مختار: لم أفهم ما تقول؟ من أنت؟ أقصد ما عملك هنا؟

بوعلام [ يتنحنح]: أنا اللجنة. أقصد أنا بوعلام المصحح اللغوي.

مختار: تشرفنا.

بوعلام: وهل تريد النشر في كتب أو في حلل وصحون.

مختار: حسب رغبة الزبون. [يضحكان ويتابع]: سأترك هذه الكتب للسيد دحمان.

بوعلام: سأسلمها له حين يعود.

مختار[ بالفرنسية]: إلى اللقاء.

بوعلام: مع السلامة.

[ يخرج مختار]

المشهد الرابع

[ يدخل شاب في السابعة والعشرين من عمره تقريبا، مربوع القامة ذو وجه حنطي مستدير وشعر مجعد يرتدي سروالا رماديا وسترة شبابية.ويسلم على بوعلام معانقا إياه بحرارة].

بوعلام: أهلا فضيل. هذه مفاجأة. كيف عرفت العنوان؟

فضيل: من استعلامات الهاتف. سألت عن دار السبع للنشر فأعطوني العنوان. هاتفك المحمول لا يرد.

بوعلام: انتهت صلاحية البطاقة ولم أجددها. شكرا على زيارتك وتذكرك لي.

فضيل: كيف لا نذكرك وأنت الذي علمتنا المهنة وكنت أستاذنا وأبانا. كل العاملين في المكتبة يسلمون عليك والقراء أيضا. لم أقل لهم إنك تعمل هنا وإلا لحضروا جميعا لزيارتك.

بوعلام: إياك أن تخبرهم. كيف حال المكتبة الوطنية؟

فضيل: يتزايد عدد القراء باستمرار، لأن أسعار الكتب والمراجع والقواميس أصبحت غالية جدا ولولا المكتبات العامة لانهارت الثقافة.

بوعلام: هذا صحيح. كانت الكتب والقواميس في زماننا رخيصة لأنها كانت مدعمة فاستطعنا تكوين مكتبة في المنزل. وليس الكتاب وحده بل الحليب والسلع الغذائية والأدوية كانت كلها مدعمة.

فضيل: ذلك زمان مضى وانقضى، أما زماننا نحن فكل شيء غال ومفقود حتى البطاطا والخضار.[يغير الموضوع]: قل لي. أنت كاتب كبير فلماذا تعمل مصححا؟

بوعلام: كاتب مع وقف التنفيذ. أكتب منذ عشرين سنة ولدي خمس مخطوطات لم أستطع نشر واحدة منها. ربما أستطيع الآن وأنا أعمل مصححا أن أقنع صاحب هذه الدار بنشر كتاب لي. مشكلة الكاتب في بلادنا مشكلة كبيرة فالنشر صعب والتوزيع مستحيل.

فضيل: لماذا تكتب وتتعب نفسك إذا؟

بوعلام: أكتب لأني أجد متعة في الكتابة وأتمنى أن أوصل هذه المتعة إلى القارئ، ثم إن الكتابة ضرب من التنفيس عن الهموم. ولكن حتى لو نشرت فسأصبح مثل بقية الكتاب أقفز نحو المجهول بل نحو المعلوم.

فضيل: ماذا تعني بالقفز نحو المعلوم؟

بوعلام: أعني أنني أعرف سلفا أن أحدا لا يقرأ وأن أحدا لا ينقد.

فضيل: على كل حال نحن محظوظون في الجزائر فليست لدينا رقابة ومصادرة وسجن.

بوعلام: لدينا ما هو أسوأ من الرقابة والمصادرة والسجن؟

فضيل[مندهشا]: وهل هناك أسوأ من كل هذا؟

بوعلام: طبعا، التجاهل التام. الرقابة لا تقتل الكاتب ولا مصادرة كتبه وسجنه بل تجعله يحس بوجوده أما الصمت المطبق؛ صمت النقاد وصمت الإعلام فهو الذي يقتل الكاتب فكأن ما كتبه وأصدره من أجل هذا المجتمع لا حدث. أنت تكتب إذا أنت غير موجود.

فضيل: لماذا أنت مستعجل على النشر إذا؟

بوعلام: لأن الكتاب المخطوط يمكن أن يتلف أو يضيع أما المطبوع فلابد أن تصل بعض نسخه إلى الأجيال القادمة. وأنا متأكد بأن ما أكتبه سيقرؤه الناس يوما ما، إن لم يكن غدا فبعد سنة أو عشرين سنة.

فضيل: وهل أنت مرتاح في هذا العمل؟

بوعلام: العمل لا يتعبني كما تعلم.

[ يسمع صوت في الخارج]

بوعلام: هذا السيد دحمان صاحب الدار.

فضيل: سأذهب الآن. سأزورك مرة أخرى وسنتكالم في الهاتف.

[ يخرج فضيل ويدخل دحمان مباشرة].

 

المشهد الخامس

دحمان: من هذا الذي كان عندك.

بوعلام: زميل من المكتبة الوطنية.

دحمان: قل لهم أن يزيدوا عدد النسخ التي يشترونها منا.

بوعلام [ يسلمه الملفات التي أحضرها مختار ويبقي ملفا أصفر في يده]: هذه الكتب أحضرها السيد مختار مدير دار الشهية الطيبة.

دحمان [ ينتفض ويسأل بخبث]: هل قال لك شيئا؟

بوعلام: نعم.

دحمان: وماذا قال؟

بوعلام: قال [ يتوقف ويحك رأسه ويتابع]: قال [ يصمت بوعلام].

دحمان [ ينظر إليه بنفاد صبر]: ماذا قال؟ قل ولا تخف.

بوعلام [ يحك رأسه من جديد]: قال لي سلم هذه الكتب إلى السيد دحمان.

دحمان: ألم يقل شيئا آخر. أعرف أنه ثرثار. ألم يحدثك بشيء؟

بوعلام [ بخبث]: مثل ماذا؟

دحمان: أنا الذي أسأل.

 بوعلام[بلهجة جادة]: تحدثنا عن الثقافة، وعن تجربة مكتبة الغزالة الحمراء في باريس.

دحمان[بقلق]: ماذا؟

بوعلام: أخبرني أن فيها كتبا قيّمة جدا يجب أن نستفيد منها في الجزائر.

دحمان[مندهشا]: كتب قيّمة!

بوعلام[بنفس اللهجة الجادة]: نعم؛ كتاب للمؤلفة سوسو من أهم كتب التراث، وكتاب للمبدعة ليلي من الكتب الأوربية المعاصرة.

دحمان: هل قال لك من صاحب هذه المكتبة؟

بوعلام: قال إنه جزائري مهتم بتشجيع الثقافة والفن.

دحمان: كنت أعرف أن هذا الثرثار لن يغلق فمه. ما هذا الذي في يدك؟

بوعلام: هذا كتاب أحلم بنشره منذ سنوات. واليوم حان الوقت. ترددت قليلا قبل أن أقدمه.

دحمان: هل أنت الذي ألفته؟

بوعلام [ بفخر]: نعم.

دحمان [ ينظر إليه من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى]: أنت؟

بوعلام: نعم أنا. هل هذا غريب؟

دحمان: ما شاء الله. أصبح كل من هب ودب يريد أن يصبح كاتبا ومؤلفا. أنت مجرد مصحح تحت التمرين.

بوعلام: أنا!

دحمان: طبعا. كيف تطمع أن تصبح كاتبا؟ العاقل من عرف قدره فوقف عنده. كتابك مرفوض.

بوعلام: لماذا؟ ما السبب؟ هل قرأته؟

دحمان: لا. ولكن إذا أصبحت أنت كاتبا فمن يراجع الكتب ويصححها؟ احضر لي فنجان قهوة الآن وانس الكتاب.[ يتلكأ بوعلام فيدفعه دحمان بقوله]: هيا هيا.

بوعلام: قبلت هذا العمل لأنشر كتابي، وما دمت لا تريد نشره، أنا مستقيل إذا. سأسلمك الكتب والمخطوطات قبل أن أذهب. [يتجه إلى الطاولة التي عليها الكتب والمخطوطات].

دحمان[مراجعا نفسه]: انتظر. هات الكتاب. [يقرأ عنوانه بصوت مسموع]: "اخترت لك من المكتبة". [يلتفت إلى بوعلام قائلا]: سأريه لأعضاء اللجنة.

بوعلام: أي لجنة؟

دحمان: لجنة وزارة الثقافة، فإن وافقت عليه اللجنة سأنشره. أعدك بذلك.

[ ييسمع طرق على الباب ويدخل رجل في منتصف الأربعينات،وسيم، طويل، أنيق].

المشهد السادس

دحمان: أهلا دكتور وجيه. [ يتعانقان]: لم أرك منذ التقينا في فرنسا.

وجيه: ما أجمل ليالي "الغزالة الحمراء".

[ يقف بوعلام وينتفض حين يسمع اسم الغزالة الحمراء]

دحمان: [ يضع يده على فم وجيه]: انتبه إلى ما تقول. [ يخاطب بوعلام]: احضر لنا فنجاني قهوة. [ يتلكأ بوعلام قليلا وهو ينظر إليهما ثم يخرج].

وجيه: من هذا؟

دحمان: مصحح يعمل عندي ولا أريده أن يعرف بحكاية بار الغزالة الحمراء. هو يظن أنني فتحت مكتبة في باريس.

وجيه[بمرح]: مكتبة الأنس والانشراح. كانت أجمل مكتبة. شخصياتها حية وليست على الورق. ليلي وسوسو. [ يجمع أصابع يده اليمنى الخمسة ويقبلها بصوت مسموع]. بالمناسبة، ما أخبار ليلي وسوسو؟

دحمان: اخفض صوتك. لا تفضحنا. ما زالتا تعملان في نفس البار مع الشاري الجديد.

وجيه: لدي لك مفاجأة. كتاب بعشرة آلاف نسخة وبسعر مغر ولكن بشرط ألا تنسى عمولتي، عشرة بالمائة.

دحمان: أنا مستعد. ولكن ما موضوع الكتاب ومن المؤلف؟

وجيه: المؤلف أنا وموضوع الكتاب هو سيرة السياسي المعروف مسعود الحلوي وهو ممول الكتاب. على كل حال غدا سيزورك رئيس جمعية المنارة الذهبية ويتفق معك على كل شيء ولكن لا يجب أن يعرف أحد بهذا الاجتماع.[ يدخل بوعلام يحمل صينية القهوة فيتوقف وجيه عن الكلام].

دحمان: فهمت. [ يضع بوعلام فنجان القهوة أمام وجيه]

وجيه [ ينظر إلى الساعة]: أنا مستعجل وأعتذر عن القهوة. سأشربها في فرصة أخرى. [ يخرج]

[تطفأ الأضواء وتعزف الموسيقى]

 

المشهد السابع

[تضاء الأنوار من جديد فنرى دحمان وهو يتحدث بالهاتف]

دحمان: منْ؟ سكرتيرة جمعية المنارة الذهبية. نعم أنا دحمان. لم أفهم جيدا. أعيدي من فضلك. سيزورني السيد غانم رئيس جمعية المنارة الذهبية ومعه الأستاذة جويدة. متى؟ هما في الطريق الآن. نعم، أنا في المكتب مرحبا بهما. [ينادي بوعلام]: بوعلام. أين أنت؟

بوعلام[ يدخل إلى المكتب]: كنت أعطي العمال بعض القهوة.

دحمان: يمكنك الآن أن تنصرف لتستريح ولكني أحتاجك في المساء فلا تتأخر.

بوعلام: لست تعبا سأبقى هنا، فليس لدي ما أفعله.

دحمان: قلت لك انصرف واحضر في المساء.

بوعلام: كما تريد ياسيدي [ يخرج بوعلام].

[ يدخل السيد غانم جبري رئيس الجمعية، وهو في أواخر الأربعينات، بدين قصير أصلع يرتدي بدلة بيضاء أنيقة، ووراءه الأستاذة جويدة وهي امرأة في أواخر الأربعينات، متوسطة الطول سمراء، بدأ الشيب يغزو شعرها الأسود، تهتم بأناقتها وزينتها، ترتدي بدلة قهوية مكونة من سترة وبنطال وتحتها قميص حريري أبيض وتحمل محفظة مكتب جلدية. ينهض دحمان لاستقبالهما ويدعوهما إلى الجلوس على الكرسيين الملاصقين للمكتب].

دحمان: أهلا وسهلا.

رئيس الجمعية: السيد دحمان السبع على ما أظن؟

دحمان:: نعم. اعذراني فالعمال ما يزالون يصلحون المكتب والسكرتيرة مريضة.

رئيس الجمعية: هذا يناسبنا فما سنقوله لا يجب أن يسمع به أحد حتى السكرتيرة. في البداية أقدم نفسي أنا رئيس جمعية المنارة الذهبية وهذه الأستاذة جويدة عضو إدارة الجمعية.

دحمان: تشرفنا.

رئيس الجمعية: ستعلن الجمعية عن مسابقة لاختيار أفضل كتاب لهذا العام. وفي الحقيقة نحن نعرف سلفا أن أفضل كتاب هو "كفاح عصامي" للدكتور وجيه قصاب صديقك. وهو الذي اقترحك عضوا في اللجنة. وسنطبع من الكتاب الفائز عشرة آلاف نسخة في دار نشر السبع طبعا.

دحمان: شكرا على هذه الثقة.

رئيس الجمعية: سيحضر بعد قليل السيد نذير سكرتير الوجيه والسياسي المعروف السيد مسعود الحلوي ممول الجائزة. وكتاب " كفاح عصامي" يتحدث عن سيرة حياته.

دحمان: مفهوم، مفهوم.

رئيس الجمعية: سنبحث معه الإجراءات الكفيلة بفوز الدكتور وجيه بالجائزة. [يخاطب الأستاذة جويدة]: أين المجموعة الشعرية التي سلمتها لك؟

جويدة: تقصد مجموعة الآنسة أنغام. فيها خمسون قصيدة. لم أقرأها كلها.

رئيس الجمعية: لا لزوم لذلك، دحمان السبع لديه لجنة قراءة مختصة كما أخبرنا الدكتور وجيه، هي تصححها وتنشرها. أليس كذلك؟

دحمان: طبعا ياسيدي.

جويدة [ تفتح محفظتها وتخرج ملفا منها وتسلمه إلى دحمان]: ها هي.

رئيس الجمعية: هذه مجموعة شعرية لشاعرة موهوبة اسمها أنغام يهمني أمرها كثيرا. أرجو تصحيحها ونشرها.

دحمان: اعتبرها نشرت.

رئيس الجمعية [ يخاطب الأستاذة جويدة]: حان وقت موعدك ولكن أرجو أن تنتظري السيد نذير في الخارج. ربما لا يعرف العنوان بالضبط.

[ تهم جويدة بالخروج فيدخل نذير وينهض الجميع مرحبين به، وهو شاب في الثلاثين، شديد السمرة، رياضي، قوي البنية، طويل، يرتدي بدلة رصاصية شبابية].

دحمان: أهلا وسهلا بك. تفضل بالجلوس. يجلسه على مكتبه.

جويدة: سأراكم فيما بعد. [تخرج جويدة ويجلس دحمان مكانها].

 

المشهد الثامن

رئيس الجمعية: هذا هو السيد دحمان السبع وهو الذي سيطبع الكتاب كما أنه عضو في لجنة المسابقة.

نذير: هل كل شيء جاهز لهذه المسابقة؟

رئيس الجمعية: نعم ياسيدي.

نذير: وهل نجاح كتاب وجيه في المسابقة مضمون مئة بالمئة؟

رئيس الجمعية: بالتأكيد ياسيدي. أولا تم الإعلان عن المسابقة على نطاق ضيق في لوحة إعلانات الجمعية وفي جريدة الضحى التي لا يقرأها أحد كما اتفقنا.

نذير: ماذا فعلتم بأعداد جريدة الضحى؟

رئيس الجمعية: جمعنا معظم الأعداد التي نشرت الإعلان في العاصمة، واشترينا من الموزع كل الأعداد المرسلة إلى الولايات. وهي موجودة عندنا في الجمعية.

نذير: وجودها في الجمعية يثير الشبهة وربما يراها المترددون على الجمعية. أريد مكانا آمنا.

دحمان: أحضروها إلى هنا، فلن يراها أحد عندي.

نذير: من المهم ألا يشارك كتاب وجيه في المسابقة وحده ويربح الجائزة، فيظهر أن العملية مطبوخة.

رئيس الجمعية: معك الحق ياسيدي. هناك مشاركون آخرون من الشباب، وقد شجعناهم على دخول المسابقة.

نذير: يجب أن تضمنوا ألا يشكل أحدهم خطرا على كتاب وجيه، فرئيس اللجنة الدكتور ناصر يدعي النزاهة وهو متشدد، ولا يمكن التأثير عليه.

رئيس الجمعية: أعرف ياسيدي، فقد اخترناه خصيصا ليمنح للمسابقة مصداقية. ولكن اطمئن ياسيدي فتحسبا للمفاجآت شكلنا لجنة قراءة لتصفية الأعمال غير الصالحة للمسابقة وأنا أشرف عليها شخصيا. وكل كتاب يمكن أن يكون منافسا لكتاب وجيه يتم استبعاده في الحال، ولن يقدم إلى لجنة المسابقة.

نذير: وماذا  لو اعترض أحدهم على نتيجة المسابقة؟

رئيس الجمعية: لجنة التصفية لديها صلاحية استبعاد أي عمل من حيث الشكل أو المضمون على مسؤوليتها والحجج كثيرة.

نذير: يمكن أن يتصل أحدهم بالدكتور ناصر ويبلغه أن عمله لم يقدم إلى اللجنة.

رئيس الجمعية: الاعتراض على النتيجة بعد إعلانها لا قيمة له ولا يلتفت إليه أحد.

نذير: متى يبدأ الطبع؟

رئيس الجمعية: فور ظهور النتيجة.

نذير: ألا يمكن أن يبدأ الآن حتى يكون الكتاب جاهزا للتوزيع فور إعلان النتيجة؟

رئيس الجمعية:  من الصعب يا سيدي فإن اكتشفت الصحافة أن الكتاب طبع سلفا فلن تسكت وسيؤثر ذلك على مصداقية المسابقة وعلى سمعتكم. يجب أن تبدو الأمور طبيعية ولا تسلم نسخة الكتاب الفائز إلى المطبعة إلا عقب إعلان نتائج المسابقة وأمام الصحافيين الحاضرين.

نذير[ ينهض للخروج]: سأبلغ السيد مسعود بكل هذا وهو يبلغكم سلامه طبعا.

ستار

 

  لقراءة الفصل التالي انقر هنا: الفصل الثاني

للاطلاع على فصول المسرحية، انقر هنا: هموم الكاتب بوعلام

للاطلاع على المسرحيات الأخرى للكاتب انقر هنا: المسرحيّات