الفـصـل الثـانـي

من مسرحية طارت السكنة

للكاتب عبد الله خمّار

 

المشهـد الأول

      (يفتح الستار على صالون البنسيون وتدخل زهرا من اليسار راكضة ويلحق بها نذير وتقف بعيدة عنه.)

زهرا: ربي يهديك خليني نرجع لبيتي.

نذير: لا لا. تجي للبيت نتاعي.

زهرا: يرحم والديك تتركني قبل ما يجي حد ويشوفنا.

نذير: ما تخافيش الرجال راهم في صلاة الجمعة، ومرتي ذهبية راحت تزور يمّاها ومرت عمي علي وبنتها نادية راحوا للقصبة، ومرت سي بولحية راهي في المسجد، ونسيمة وبنتها راحو لحديقة التسلية. وخالتك نورا عند بنتها في تيبازا. بقينا أنا وانتيّا، يلزم نتلاقاوْ احنا ثاني.

زهرا: خليني نروح نرضع بنتي الله يخليك.

نذير: خودي الراي خير لكْ، ومن بعد نخليكي ترضعي بنتك.

زهرا(تهدّده): درك نخرج لبرّا ونعيّط.

نذير(بلؤم): الباب مغلوق. يخرج المفتاح من جيبه، ما تقدريش تخرجي، وإذا عيطت محدش يسمعك، لو كان تستعقلي خير.

زهرا: راك غالط، أنا ماشي من هادوك النسا.

نذير( يضحك): ما كانش شجرة ماهزهاش الريح. (بلهجة جادة): إذا حبيتي تبقاي تخدمي هنا خودي الراي والا نخلي خالتك نورا تطردك. نقولها باللي سرقتيني.

زهرا(تستعطفه): ما تلعبليش بالخبزة ربي يخليك، إذا طردتني ما عندي وين نروح.

نذير: ما تخافيش، نقدر نخدْمِكْ في البلدية تولّي تسيْقي وتكنسي مكتب رئيس البلدية. تولي موظفة عند الدولة ما شي في بنسيون، والا نخدمك في الولاية تسيقي مكتب الوالي، ونزيد نعطيكي دراهم.

     (يقترب منها فتبتعد ويمسك بها فتصرخ.)

زهرا:(تصرخ بقوة): نادية! نادية!

نذير(يضحك): ماكانش إللي يسمعك.

      (تخرج نادية من المدخل الأيسر فتراهما.)

نادية: زهرا واش كاين؟

نذير(يفاجأ بنادية فيرتبك): إنت منين خرجت؟ (يطلق زهرا ويبتعد عنها ويسأل نادية): ماراكيش في القصبة مع يماك؟

نادية:(بجفاء): راك تشوف بللي راني هنا.

نذير(مرتبكا): كنت نقول لزهرا تسيّق بيتي وتنقيها. راني رايح نصلي الجمعة. (يخاطب زهرا): كي نولي نحب نصيب البيت نقية.

( تعانق نادية زهرا التي ترتجف وتربت على ظهرها لتهدئتها.)

نادية: ما تخافيش، درك تجي خالتي نورا نقولها كللش.

زهرا(تبتعد): لا لا. يرحم والديكي ما تقوليلها والو. ما نحبش نخلق مشاكل لخالتي نورا.

نادية: ما يحشمش.

زهرا: كل جمعة لما تخرجو كلكم يحوس عليا، أنا نغلق بيتي ونسكت. يطبطب فلباب بيديه ورجليه وأنا نسكت حتى يظني ماشي هنا، ونخاف بنتي تبكي ويفيق.

نادية: هادي المرة أنا السبب.

زهرا: لما طبطب فلباب خرجتلو. ما حبيتش يعرف بللي راكي عندي.

نادية: واش بيهم الرجال هبلو؟ واحد يضرب مرتو، والثاني يتعدى على جارتو.

زهرا: جارتو! أنا ماشي جارتو. أنا خدامة في البيوت، واللي تكنس وتسيّق الناس ما يحسبوهاش عبد، ما يحسبوهاش بْن آدم، القلّيل دايما الناس يعفسو عليه.

نادية: واش بيهم الرجال رخصو؟

زهرا: قولي حاشا إللي مايستاهلش، الرجال ما شي كلهم هكذا، شوفي باباك وسي عمار وسي صالح وسي محفوظ (ثم تضيف): ورفيق.

نادية(بلهجة شك): رفيق! منين على بالك؟

زهرا: ولد الحلال من وجهه يبان، وزيد بزيادة ولد سي عمار وخالتي نورا. (تخرجان من اليسار.)

 

المشهـد الثاني

(تطفأ الأنوار وتعزف الموسيقى دلالة على انقضاء الزمن، ثم تضاء الأنوار، فنجد عمي علي واقفا قرب الطاولة ينتظر. يدخل محفوظ إلى البنسيون وتظهر عليه علامات التعب فيجلس على الكنبة بجانب الطاولة..ساعة الحائط تشير إلى السادسة مساء.)

محفوظ: السلام عليكم.

عمي علي: وعليكم السلام، راك باين بللي تعبان.

محفوظ (يتنهد): من الصباح وانا نحوّس على خدمة حتّا لدُرْك، والو. كل فيلا نروح ليها يعرضو عليا خدمة نتاع نهار نقلملهم

الزرع ونزبرلهم الشجر. خدمة نتاع شهر يحبوها في نهار.

عمي علي: هاذو المرفهين نتاع درك يبنو فيلا طبقتين والا ثلاثة ويديروا حديقة كبيرة ويزيدوا حوض يعوموا فيه وما يخدْمو حتى واحد.

محفوظ: بكري اللي يبني فيلا يخدم فيها الجنايني والطباخ والعساس وإللي يسيقوا الدار.

عمي علي: درك إذا جابو خدام يحبوه يطبخ ويسيق ويعس ويسقي الزرع ويقضيلهم في السوق ويسوق السيارة ثاني.

محفوظ: ما يعرفوش قيمة الورد والزهر والأشجار يخلوها تذبل باش ما يصرفو عليها حتى دورو.

عمي علي: هادو همج ما نعرفش منين جاو، جدودنا كانوا يعرفوا قيمة الزرع والورد، شوف القصبة كيفاش كانت وكيفاش ولات.

محفوظ: اللي كنت نخدم عنده ربي يرحمو ويوسع عليه ما كانش يهتم بالزرع برك، كان يشجع الفن ويشري الكتب ويزين الفيلا باللوحات نتاع الفنانين الجزائريين.

عمي علي هاداك من المرفهين اللي يبنوا الحضارة ما شي من الناس اللي يخدمو ارواحهم ووْلادهم برك.

  (يرن جرس هاتف محفوظ المحمول)

محفوظ(يخاطب عمي علي): ااسمح لي. (يجيب على التلفون): ألو سيد علي واش راك؟ (يسمع باهتمام ثم يجيب وهو فرحان): صح واش راك تقول؟ الله يبارك غدوة ان شا الله نجي. (يغلق الهاتف.)

عمي علي : غير الخير.

محفوظ: خلاص لقيت خدمة. الولاية دارت حديقة جديدة في باتنة ويحبوني نخدم فيها، خويا قدم لهم ملفي وقبلوه.

عمي علي : وكاين السكنة؟

محفوظ: أنا عندي دار في باتنة، ودرك نخدم جنب داري.

عمي علي: الله يبارك هاو ربي فرجها.

محفوظ(يرفع يديه شكرا لله): الحمد لله. نحمدك ونشكرك ياربي.

(يدخل رفيق من اليسار)

رفيق: عمي علي. تقدر تدخل راهم نقاو الحالة. سي محفوظ درك نعطيك المفتاح.

 (يخرج عمي علي من اليسار. يعطي رفيق المفتاح لمحفوظ، يخرج محفوظ من اليسار.)

 

المشهد الثالث

(تدخل سعيدة وهي امرأة في أوائل الأربعينات، سمراء، جذابة، أنيقة)

سعيدة(تسأل رفيق): حبيت نشوف سي صالح بولعيون إذا كان هنا؟

رفيق: (ينظر إلى لوحة المفاتيح)، مفتاحو راهو هنا، معناها مازال ما دخلش.

سعيدة: نقدر نشوف السيّدة سكينة مولاة حانوت العرايس قالولي  تسكن هنا؟

رفيق: تفضلي ريحي مدام درك نناديلها. (يخرج رفيق ويعود بعض لحظات): درك تجي.

(تدخل سكينة ترتدي ثوبا منزليا وتغطي رأسها بشال)

سعيدة : مساء الخير، وقيل ما عقلتنيش؟

سكينة: عرفتك بالوجه لكن ما عقلتكش. فين تشاوفنا؟

سعيدة: شرينا عليكي قفاطن وجلابات في عرس أختي الصغيرة هادو سنتين.

سكينة: تفكرت. اسمحي لي وليت ما نشفاش وننسى بزاف.

سعيدة: درك حبيت نشري قفطان وجلابة من عندك ولقيت الحانوت غالق وقالوا لي بللي تسكني هنا.

سكينة: تشري للعرس نتاعك؟

سعيدة: نتاع وشّي. ماشي باين، لكن نقولو بالك ربي يكتب، شكون يعرف؟

سكينة: الحانوت مغلوق ومحجوز عليه، على بالك، دّيت قرض من البنك باش نوسع الحانوت ونخدم كل أنواع اللباس التقليدي الكراكو العاصمي، والجبة القسنطينية، والجبة الوهرانية والقندورة العنابية، والشامسة الجيجلية والبنوار السطايفي واللباس القبائلي والشاوي والتلمساني ونعلم البنات الصنعة.

سعيدة: هادي حاجة مليحة.

سكينة: واش تحبي؟ حلو طريق لستيراد ولاو يجيبو القفاطن والجلابات الرخاص من برّا نتاع الصين ونتاع تركيا. احنا السلعة نتاعنا يدوية ومتحوفة تستقام غالية والناس يحبو بورخصون. حبّست، وزيد بزيادة راجلي جواهرجي سرقولو الحانوت ما خلو فيها والو.

سعيدة: لا حول ولا قوة إلا بالله. ربي يصبركم، اسمحي لي والله ما كان على بالي.

سكينة: راكي مسامحة، وانت اسمحي لي ما قدرتش نعاونك.

سعيدة: ربي يصبرك ان شاء الله وينورك. ( تلتفت إلى رفيق): قول لسي صالح سعيدة جات تسال عليه. تبقاوْ على خير (تخرج من اليمين.)

سكينة: روحي بالسلامة. (تخرج من اليسار وتُطفأ الأنوار)

 

المشهد الرابع

(تنار الأضواء على صالون البنسيون فنجد نورا تحيك بالسنارة. يدخل عمار.)

عمار: واش تقولي لوكان نعطو السكنة لنسيمة؟

نورا: ( مندهشة) نسيمة!

عمار: مغبونة، مسكينة طلقها راجلها وراهي بلا سكنة هيا ووليدها.

نورا: ما تستاهلش خاطر القانون يرغم راجلها يدبرلها السكنة.

عمار: هادا لما يكون راجل نتاع الصح، واحد سكير وبطال تحملاته ست سنين يضربها ويعذبها وفي الأخير طلقها.

نورا: وانت منين جبت هادي الاخبار

عمار: ياخي على بالك شحال من مرة يجي هنا سكران وطردناه، وشكات بيه للبوليس مضاوه على ورقة مايزيدش يضايقها.

نورا(رافضة الفكرة): تسكن عند باباها ويماها.

عمار: على بالك باللي عايلتها قاطعتها خاطر تزوجت الراجل بالسيف عليهم.

نورا(ترفع صوتها): كثرت يا سي عمار. واش بينك وبين هادي المرا؟ حبيت تعطيها السكنة باش تتزوج بيها؟

   (تدخل ذهبية من اليسار دون أن يلحظها أحد)

عمار(منتفضا): أنا! خافي ربي يامرا، السكنة ماشي نتاعي باش نمدها. الجمعية هيّا اللي حبت تمد السكنة لأكثر واحد محتاج من اللي يسكنو هنا، وأنا ظنيت با للي هيّا أكثر واحدة محتاجة فيهم.

نورا: لا لا ، أكثر واحد محتاج عمي علي.

عمار: عمي علي عندو دارو في القصبة. حقيقة قريب رابت لما الجيران بداوْ يبنو وهدّو الحيط لكن البلدية راهي تسقـّم فيها درك.

نورا: وقيل نسيت بللي البنك حجز على الدار، وقريب تتباع؟ نسيت بللي سرقوا له الذهب والجواهر من الحانوت نتاعه. كان أكبر وأغنى جواهرجي في القصبة، درك راهو مايسعا دورو.

عمار: ونسيتي الحانوت نتاع زوجته اللي فيه اللبسة نتاع العرايس واش من قفاطن، واش من جلابات واش من سراويل غالية.

نورا(متجاهلة قوله): وزيد بزيادة حابة ناخد بنته نادية لوليدنا رفيق.

عمار: قولي هكذا من الصباح. أواه! هادي ما تجيش، كاين محتاجين أكثر منه.

نورا: واش تقول لو كان نجيبو بنتنا حورية من تيبازة هيّا وراجلها ونسكنوهم هنا معانا ونعمرو لهم ورقة ونعطوهم السكنة.

عمار: خافي ربي يا مرا، راهو عندهم السكنة في تيبازا.

نورا: شكون على باله باللي عندهم السكنة؟ يسكنو حدانا في الدزاير ويبيعو نتاع تيبازا.

عمار: وفين تسكنيهم هنا؟ ما كانش حتى بيت زايدة، ومن بعد الناس يفيقو واش بيكي. وهادا اللي تديريه حرام عند ربي يامرا.

(تدخل ذهبية من اليسار)

ذهبية: وانا وراجلي يا لاللا مالناش حق في السكنة؟ ما شاء الله، تعطي السكنة باش تزوجي وليدك والا تعطيها لبنتك. وتولي عندها زوج سكنات واحنا نخرجوا بلاش.

نورا: واش من سكنة؟

ذهبية: السكنة نتاع الجمعية، أنا وراجلي أولى بها.

نورا( تغضب): راكي تتصنتي علينا؟ واش قلة الأدب هادي؟

ذهبية : ما بيّاش نتصنت. كنت جايزة وسمعت الهدرا عالسكنة. كل اللي في البنسيون كان عندهم السكنة، غير أنا وراجلي عمرنا ما سكنا. تزوجنا من شهرين وماذا بينا تساعدونا ناخدو السكنة.

(تدخل ام عبد الرحمن وترفع نقابها)

أم عبد الرحمن: وانا وراجلي تزوجنا جديد واحنا ثاني نستاهلو السكنة. والا كل حاجة تديروها في السر؟

عمار(يخاطب زوجته): تهنيت درك، برّحت حتى سمعت السكان كلهم بالسكنة.

نورا: واحنا واش دخّلنا.  السكنة ما شي نتاعنا ، نتاع الجمعية يعطوها للي يحبو.

ذهبية: قولي لنا واش من جمعية نروحو لها؟

نورا: هما يجو لهنا، وعندهم سكنة فريدة حبو يمدوها للمحتاج بيناتكم.

ذهبية : وانا وراجلي محتاجين.

أم عبد الرحمن: وانا وراجلي ثاني.

نورا: لما يجو اهدرو معاهم.

عمار: أنا عندي شغل في المطبخ نروح نشوف شغلي. (يخرج)

نورا: وانا ثاني عندي شغل لداخل. ( تخرج)

(تخرج ذهبية وأم عبد الرحمن وتطفأ الأضواء)

 

المشهد الخامس

 (تضاء بقعة من النور في وسط المسرح ونرى أم عبد الرحمن قلقة تنظر إلى الساعة وهي ترتدي ثوبا بيتيا. يدخل أبو عبد الرحمن، فيتحادثان وكأنهما في غرفتهما.)

أم عبد الرحمن(تستقبله بلهفة): راني نستناك، بطيت.

أبو عبد الرحمن: علاه كاش ما كاين؟

أم عبد الرحمن: علاش اللي يسألك عالسكنة تقولو عندنا السكنة، واش هادا الهبال منين عندنا السكنة؟

أبو عبد الرحمن( بغضب): تقولي لي هبال؟ وقيل جلدك ياكل فيك حبيتي نضربك؟

أم عبد الرحمن: ما علابالكش باللي هادي الورقة إللي عمرناها نتاع السكنة؟

أبو عبد الرحمن: واش من ورقة؟

أم عبد الرحمن: إللي عطاها لنا سي عمار. أنا سمعت بودني باللي الجمعية الخيرية عندها سكنة فريدة حبت تمدها باطِل، وهما درك يشوفو الأوراق اللي عمرنا ها ويخيروا.

أبو عبد الرحمن: أنا كتبت في الورقة بللي وكالة عدل رايحة تعطينا السكنة في هادا الشهر.

أم عبد الرحمن: قول لسي عمّار راك غلطت في الورقة وبدلها واكتب باللي ما عندناش السكنة،  وانا ندبر راسي. (تطفأ بقعة النور.)

 

 المشهد السادس

(تضاء بقعة النور من جديد في وسط المسرح، فنرى ذهبية قلقة وهي تنظر إلى الساعة. يدخل نذير، فيتحادثان وكأنهما في غرفتهما.)

ذهبية: مزية اللي جيت.

نذير: علاش راكي مقلقة؟

ذهبية: راهي لعبة كبيرة تدور هنا، واحنا ما علابالناش، الما راهي تمشي تحت رجلينا.

نذير: علا ش راكي تمعني؟ قولي واش كاين.

ذهبية: علا بالك الورقة اللي عمرناها جابتها جمعية خيرية عندها سكنة فريدة حبت تمدها باطِل لعايلة محتاجة للسكنة في هادا البنسيون، ولاللا نورا خبات علينا وحبت تمدها لعمي علي.

نذير: يا خي عمي علي عندو سكنة في القصبة راهو يسقمها.

ذهبية: حبت تزوج بنته لوليدها وتمدلهم السكنة.

نذير: امّالا هكذا. شوفي، اليوم يشوم النهار.

ذهبية : وراجلها عمار حب يعطي السكنة لهديك نسيمة، تدبلو في عيونها وزوجته نورا فاقت بللي حاب يعطيها السكنة باش يتزوج بيها.

نذير: اللي يحسب وحدو يفضللو، والله والو، ما يديش هادي السكنة غيري.

ذهبية :غيرنا أنا وياك، ونكتبوها باسمنا ياك؟

نذير: العني ابليس يامرا. ياخي السكنة تتكتب باسم الراجل ربي يهديك. الصباح نهدر مع سي عمار.

ذهبية: واش راح تقولو؟

نذير: واش راح نقولو؟ سي عمار ما يعرفنيش لما يطلع لي الزبل. نخليه يهدر معا روحو إذا ما خديتش السكنة. نخلي الوالي يغلقلو البنسيون. ما تعرفنيش مليح يا سي عمار. غدوة الصباح تشوف. (تطفأ بقعة النور.)

 

المشهد السابع

(تضاء بقعة من النور من جديد في وسط المسرح ، فنرى عمي علي وزوجته سكينة يتحادثان وكأنهما في غرفتهما.)

سكينة: على بالك واش سمعت اليوم؟

عمي علي: خير ان شا الله واش سمعت؟

سكينة: سمعت النسا يهدرو باللي جمعية خيرية حبت تمد سكنة باطِل لعايلة تسكن هنا.

عمي علي: أنا ثاني سمعت هدرا كيما هادي.

سكينة: واش تقول لو كان يمدوها لينا؟ بالصح يلزم نجريو عليها.

عمي علي: عيب عليكي يا مرا تهدري هدرا كيما هادي. صحيح، الدنيا طاحت بينا درك، لكن ماشي للدرجة اللي تخلينا ندّناو لحاجة ما شي نتاعنا. كاين اللي هوما أولى منا.

سكينة: شكون أولى منا؟

عمي علي: اللي تزوجوا جديد وعمرهم ما سعاوْ سكنة.

سكينة: واحنا ثاني عندنا الحق ومحتاجين، وإذا ما قفزناش يقفزو لخرين ويدوها.

عمي علي: اللي خلق ما يضيعش. ماذا بيكي ما تزيديش تجبدي هادي الهدرا. انتيا امرا مومنة صابرة ما تخليش الشيطان يوسوسلك واحمدي ربي.

سكينة: الحمد الله. نحمدوه ونشكروه، لكن يلزم نخممو على بنتنا نادية إذا ما خممناش على ارواحنا. ما فيها والو إذا سعينا كيما لخرين.

عمي علي(يحاول تهدئة غضبه): لا حول ولا قوة إلا بالله. كيفاش نفهمك درك؟ أنا عضو في هادي الجمعية الخيرية اللي تمد السكنة، وما يمكنليش ندخل روحي في خدمتهم.

سكينة(تبتسم): هادا وين فهمت.

عمي علي: الحمد الله ياربي اللي فهمت.

سكينة(ببرود): قولي هكذا من الأوّل. إنت عضو في هادي الجمعية، أكيد خيرو هادا البنسيون باش يمدو لك السكنة.

عمي علي(بعصبية): لا لا يامرا. أنا اللي دبرت عليهم يمدو السكنة لواحد من سكان البنسيون، خاطر كلهم محتاجين السكنة. وما دام هادي دبارتي، ماشي أنا اللي ناخد السكنة.

سكينة(ببرود): ما تزعفش، فهمني برك وعلاش ما شي انتا؟

عمي علي(بنفاد صبر): خاطر أنا من الناس اللي يمدو ماشي اللي ياخدو. تعرفي واش يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟

سكينة: صلى الله عليه وسلم.

عمي علي: يقول: "اليد العليا خير من اليد السفلى"، يعني اليد اللي تمد خير من اليد اللي تاخد، اللي يعطي خير من اللي يطلب.

سكينة: كنا نمدو لما كان الخير كاين، لكن درك الله غالب.

عمي علي: على بالي يامرا باللي كنت دايما تمدي الصدقة ودرك يلزم نصبرو ونطلبو من ربي يفرج علينا خير ما نطلبو من العبد.

سكينة: ربي يفرج علينا وعلى كل الناس اللي راهم في ضيق.

عمي علي: اللهم آمين.

(تطفأ بقعة النور.)

 

المشهد الثامن

(يضاء النور من جديد على صالون البنسيون ونرى عمار يقشر القـَرعة "الكوسا" ويقطعها. ساعة الحائط تشير إلى السابعة صباحا. يدخل نذير متحفزا.)

نذير(بلهجة جافة): سي عمار حبيت نهدر معاك.

عمار(يرفع رأسه عن الجريدة): قول صباح الخير. انعم واش كاين؟ (يقرع جرس الهاتف): اسمح لي دقيقة.

عمار: بنسيون السعادة،، نعم.

صوت المتكلم: أنا سي الشريف صاحب وكالة عقارية، حبيت نسأل السيّد نذير بو درع إذا حاب يكري الفيلا نتاعه في حيدرة؟

عمار: راك متأكد إنك طالب السيد نذير بودرع؟

صوت المتكلم: نعم، السيد نذير بودرع، ما يسكنش هنا؟

عمار: انعم يسكن هنا. ( يهز رأسه): فيلا في حيدرة، (يعطي سماعة التلفون لنذير): هادا التلفون ليك.

        (يحاول عمار أن يسمع الحديث)

نذير: أنعم، أنا نذير بودرع.

صوت المتكلم: أنا سي شريف صاحب وكالة الشمس العقارية، مسيو جاك ريزان عطاني عنوان البنسيون. على بالك هوّا قنصل نتاع بلاده هنا. درك نقلوه لمصر. حبيت نعرف إذا تكري الفيلا.

نذير:(ينظر إلى عمار ويخفض صوته): فيلا واش من فيلا؟ راك غالط. ما نكريش مانكريش. (يغلق السماعة ويقول لعمار): السيد راهو غالط.

(يرن الهاتف من جديد فيرفع عمار السماعة ويتوقف نذير)

صوت المتكلم: ما حبيتش تكري الفيلا دبر راسك، لكن ما تغلقش التلفون في وجهي ياللي ما رباوك مّاليك. (يغلق السماعة)

عمار( يخاطب نذير): راهو زعف كي غلقت التلفون في وجهه.

نذير : ياخي الناس يتبلاو فينا بلا سبة، قال أنا عندي فيلا في حيدرة وحب نكريها لو. لو كان عندي فيلا في حيدرة نسكن هنا؟ ياخي مهبول.

عمار: واش حبيت تقول من قبيل؟

نذير: انا، والو، والو، ( يدخل)

 

المشهد التاسع

       (يدخل رفيق)

رفيق: بابا حبيت نهدر معاك.

عمار: واش حبيت ياوليدي.

رفيق، السكنة إللي راهم يهدرو عليها، أنا نظن باللي الكاتب سي صالح هو المضرور والمحتاج ليها باش يتزوج.

عمار: شكون قالك باش يتزوج؟

رفيق: انتوما قلتو ولده خرجو من السكنة خاطر كان حاب يتزوج بعد ما ماتت زوجته.

عمار: إنت ما تعرفش سي صالح. اللي حاب يتزوج بيها عندها السكنة وقالتلو نكتبها باسمك ما حبّش. كيفاش تحب يقبل سكنة تمدها لو جمعية خيرية؟ والله ما يقبلها.

رفيق: وعلاه ما يقبلهاش؟

عمار: هادا من الناس اللي يمدو ماشي من اللي ياخدو.

رفيق: وعلاش الفقير لما ياخد الصدقة عيب؟

عمار: لا ياوليدي، ماشي عيب. لكن سي صالح على بالو باللي السكان هنا كلهم محتاجين للسكنة أكثر منو: عمك علي، ونسيمة ومحفوظ. كلهم محتاجين. على بيها اتفقنا أنا ويماك باش ما نديروش المشاكل نقترحو على الجمعية تدير قـُرعة، كل واحد يسحب ورقة واللي تجي ورقة السكنة عنده يدّيها. 

رفيق: وقلتو للسكان هنا؟

عمار: يمّاك بدات تقول للنسا وانا نقول للرجال، هكذا، كل واحد وزهرو اللي تجي السكنة في سهمه يديها بلا ما حد يزعف.

رفيق: هادا حل مليح ويرضي الكل.

(يأخذ عمار القـَرعة المقطعة ويحملها هو ورفيق ويخرجان، تدخل نورا وتجلس على الكرسي وراء الطاولة.)

 

المشهد العاشر

(يدخل علال وتستقبله نورا.)

علال : السلام عليكم.

نورا: وعليكم السلام ، مرحبا بك.

علال: جيت ندي الأوراق اللي عمرتوها، السكان كلهم عمروها.

نورا: نعم، (تأخذ الأوراق الموضوعة على الطاولة وتسلمها له): هادو هوما.

علال: يتفحص الأوراق ويقول عائلة علي، عائلة نذير، عائلة أبو عبد الرحمن، محفوظ، نسيمة وبنتها، صالح بو لعيون، ما نسيتيش حد؟

نورا: لا هادو هوما السكان.

علال: والمرا اللي شفتها تكنس وتنقي البنسيون؟

نورا: زهرا؟

علال : انعم. ما عمرتيلهاش ورقة؟

نورا: هادي ماشي من السكان، هادي خدامة في البنسيون.

علال: عندها سكنة؟

نورا: لا لا. راهي ترقد هنا هي وبنتها.

علال: معناها يلزم نزيدوها. عندها الحق في السكنة كي لخرين.

نورا: الله يبارك، درك سي عمار يعمرلها ورقتها.

علال: شكون في رايك المحتاج منهم للسكنة أكثر من لخرين.

نورا: اتفقنا أنا وراجلي باللي كلهم محتاجين السكنة وندبرو عليكم تديرو القرعة.

علال: مليح، القرعة مليحة ما تزعف حتى واحد. لازم تهدرو مع السكان وتقولولهم باللي رايحين نديرو القرعة يوم الخميس الجاي. ديري ورقة زهرا مع هاذو الأوراق ونتلاقاو إن شا الله يوم الخميس. تبقاي على خير. (يخرج من اليمين وتطفأ الأضواء.)

 

المشهد الحادي عشر

(تضاء بقعة من النور من جديد في وسط المسرح ، فنرى ذهبية وأم عبد الرحمن تتحادثان.)

ذهبية: شفتي شفتي. قالك دخلو معانا زهرا في السكنة.

أم عبد الرحمن: شكون دخلها؟

ذهبية: لاللا نورا قالت نتاع الجمعية هوّا اللي دخلها وأنا نظن ما يكونش إلا نورا والا راجلها مكرو فينا.

أم عبد الرحمن: وبالك هي اللي تديها؟

ذهبية: واشنو واشنو؟ نقولك حاجة، والله إذا هيا خدات السكنة، راجلي ما يسكتش ويديرها كبيرة ويوصلها حتى للوالي.

أم عبد الرحمن: انايا ثاني راجلي مايسكتش. خدامة يمدو لها السكنة واحنا نتفرجو.

(تدخل نسيمة)

ذهبية: أرواحي لهنا.(تشدها من يدها): سمعتي باللي دخلو معانا زهرا في القرعة.

نسيمة: واش من قرعة؟

أم عبد الرحمن: القرعة نتاع السكنة.

ذهبية: تقبلي انتيا لو كان تخرج زهرا في القرعة ويمدولها السكنة واحنا نخرجوا بلوشي؟

نسيمة: علاش زهرا ماشي عبد كيفنا؟ ومحتاجة كيما احنا؟

ذهبية(لا لا كيما انتيا صحة): لكن كيما احنا لالا. احنا متزوجين برجالنا ونتسماو عايلات نتاع الصح وانتيا وزهرا ( تخاطبها باستعلاء وسخرية): مطلقات.

نسيمة: وقيل راكي تعايري فيا، لكن معليش أنا ما نقول لك والو، نشكيكي لربي.(تخرج.)

ذهبية: شوفي شوفي الستوتة، ما عرفتش كيفاش تجاوبني تقولي (تقلدها): نشكيكي لربي.

ام عبد الرحمن: ما تقدريش عليها، ما عندهاش راجل يحكم فيها.

       (تطفأ بقعة النور.)

 

المشهد الثاني عشر

(تضاء بقعة من النور من جديد في وسط المسرح ، فنرى رفيق ونادية يتحادثان.)

رفيق: ولو كان ندخلو أنا وانت في القرعة نتاع السكنة.

نادية: كيفاش يا خي هادي القرعة للعايلات ماشي للعزاب.

رفيق: ولو كان أنا وانت نديرو عايلة وناخدو السكنة نتاع الجمعية؟

نادية: أواه. أنا ما نسكنش في دار. أنا نحب فيلا. (تنظر إلى الأفق وكأنها تحلم وتتابع): فيلا متحوفة في حيدرة وفيها جنينة كبيرة معمرة بالأزهار: الورد والفل والنرجس والياسمين والزنبق وفيها أشجار التشينة والمشماش واللوز والجوز والموز والهندي، وفيها حوض سباحة كبير. ويكون عندي طباخ وجنايني وعساس وسائق للسيارة نتاعي BMW.  

رفيق: الله الله.

نادية: استنى. ونحب يكون عندي شاليه في تيبازا باش نصيف على شط البحر، وشاليه في الشريعة نروح ليه لما يصب الثلج في الشتا.

رفيق(يضع كفه بين وجهها وبين الأفق): اصحي يا لاللا. احلمي على قدنا، هادي الحوايج يلزمها ملياردير وما نعرف.

نادية(معاتبة): وعلاش انت ما تحلمش على قدك؟ شاب قد الحيط الله يبارك، وتحلم باللي جمعية خيرية تمد لك السكنة باطل. إذا تسكنّي في سكنة الصدقة غدوة توكلني من قفة رمضان. شحال من واحد كيما بحالك ربي منعم عليهم يزاحمو المحتاج والقليل في قفة رمضان.

رفيق(معاتبا): خسارة عليكي تقولي هكذا.

نادية: واش درت في عمري حتى يطيحني زهري في واحد يستنى الجمعية الخيرية تمدلو السكنة. ومن بعد رمضان بالك نولو نطلبو قدام الجامع. شوف يا ولد الناس.

رفيق(معاتبا): وليت دركا ولد الناس؟

نادية: أنا راضية تسكني في دار فيها بيت واحدة تبنيها بدراعك ونبنيها معاك حجرا بحجرا. وراضية أنا وياك نخدمو وناكلو واش يقدرنا ربي، لكن نحب راجلي يكون فحل هوا اللي يمد للجمعيات الخيرية ويساعد المحتاجين والقليلين ماشي يستنى الجمعية الخيرية تمدلو.

رفيق(بخجل): والله غير حشمتيني. يقولوا لمرا ما عندهاش العقل، وعلى حساب الشوفة عقلك خير من عقول الرجال.

نادية(تضحك): كانوا بكري ما يخلوهاش تتعلم، يغموها ويجهلوها ويقولو ما عندهاش العقل، العلم هوا اللي ينور لعقل. ودركا المرا تعلمت وعقلها نوّر.

رفيق: نعاهدك باللي ان شا الله نبني لك سكنة بدرعيّ هاذو.

نادية: درك نستعرف بيك. ارواح، ما نضيعوش الوقت ياخي وعدتني تعاوني في الإنجليزية.

رفيق: وانا راني حاضر.

نادية: نبداو من درك، الامتحانات قريبة. ( يخرجان)

       (تطفأ بقعة النور.)

 

المشهد الثالث عشر

       (تضاء الأنوار على صالون البنسيون فنرى عمار وراء الطاولة يقرأ الجريدة. يدخل من اليمين أبو الهيجاء وهو شاب يلبس ثوبا أبيض ويضع طاقية على رأسه.)

أبو الهيجاء: السلام عليكم.

عمار: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أبو الهيجاء: حبيت نشوف الأخ أبو عبد الرحمن؟

عمار: صحة، شكون نقول له؟

أبو الهيجاء: قوللو أبو الهيجاء؟

(يخرج عمار ثم يعود بعد قليل.)

عمار: راهو جاي.

(يدخل أبو عبد الرحمن فيستقبله أبو الهيجاء بابتسامة.)

أبو الهيجاء: مبروك عليك السكنة. (يعانقه): وكالة عدل بعثتلك استدعاء باش تروح تاخد السكنة.

أبو عبد الرحمن: بارك الله فيك.

أبو الهيجاء: تهنيت عالسكنة درك. راك صبحت ملاك.

أبو عبد الرحمن(هامسا): ماتعليش صوتك، ما نحبش الناس يسمعو.

أبو الهيجاء: علاه؟ (يرفع صوته): يلزم الناس كلها تسمع باللي عندك السكنة.

عمار: مبروك عليك السكنة، والله فرحتلك بزاف.

أبو عبد الرحمن: لا حول ولا قوة إلا بالله. طارت السكنة.

أبو الهيجاء(يرفع صوته): السكنة هادا وين جات. علاش تقول طارت؟

أبو عبد الرحمن(بعصبية وبصوت منخفض): سكنة الجمعية اللي طارت.(يمسك أبو الهيجاء من ذراعه): ارواح معايا نفهمك.(يخرجان من اليمين.)

عمار: واش بيه مافرحش بالسكنة؟

 (تُطفأ الأنوار.)

 

المشهد الرابع عشر

(تضاء الأنوار من جديد فنرى رفيق يدقق ويكتب في لوحة الأنترنيت Ipad. يدخل صالح بولعيون من اليمين ويتجه إلى الطاولة حيث يجلس رفيق.)

صالح: مساء الخير.

رفيق: (ينهض واقفا) مساء الخير أستاذ. (يناوله المفتاح): تحب تدخل البيت؟

صالح: لا أنا نقعد هنا في هادا الوقت، خاطر السكان كلهم يكونوا يتفرجو في التلفزيون. ما نقدرش نقعد في البيت خاطر نسمع المسلسل الجزائري من اليمين والتركي من الشمال، والمسلسل المصري من فوق ، ونقلق من الصوت العالي نجي نقعد هنا وحدي.

رفيق: عندك الحق، كلهم يحبو يشوفو التلفزيون.

صالح: وانت ماتشوفش المسلسلات؟

رفيق: لا في هادا الوقت أنا نتواصل مع احبابي في الفيس بوك ما عنديش المرض نتاع المسلسلات.

صالح: هادا ما شي مرض. هادا فن ، وكان فن راقي. الأفلام والمسلسلات كان عندها هدف، ومن بعد ولات تجارة.  كان الفن فيها سبعين في الميا ، والتجارة تلاتين في الميا، ودرك ولات التجارة سبعين في الميا والفن تلاتين في الميا.

رفيق: وعلاش الناس يتبعو فيها؟

صالح: الناس ياوليدي يحبو يتسلاو ويهربو من الواقع نتاعهم، وراك شايف السكان هنا كيفاش مشنفين نسا ورجال ما كانش حتى تبسيمة، ماشي غير هنا في كل مضرب تقول راهم في جنازة يا لطيف.

رفيق: معناها الناس ما راهومش مهنيين وما راهومش سعدا.

صالح: كيفاش يكونوا سعدا إذا كان يقضوا نص نهارهم في المواصلات، الطرق راهي مغلوقة، تركب في الحافلة والا في التاكسي والا في السيارة الخاصة كيف كيف.

رفيق: عندك الحق.

صالح: المعيشة ولات غالية، والخْلاص ولـّى ما يكفيش للماكلة واللبسة ومصروف الأولاد. يبقى رب العائلة دايما يخمم كيفاش تحبو يتبسم، وما نهدروش على مشاكل الخدمة.

رفيق: صحيح، مشاكل الخدمة كثيرة.

صالح: ولما يرجعو الناس للدار في العشية باش يريحو أعصابهم ما كانش حاجة تسليهم إلا التلفزيون، ومع الأسف ما كانش حاجة تزهي في التلفزيون، الأخبار ما تشكرش غير أخبار الحروب والفتن، والمسلسلات الوطنية والتركية والعربية والهندية يتعاندو في العنف وهادي ما شي رسالة الفن.

 رفيق: واش هيّا رسالة الفن؟

صالح: رسالة الفن هِيّا مع المتعة والتسلية يقربو الناس من بعضاهم، يرجعو يتلاقاوْ كيما بكري ويتضامنو، الغني والفقير والقوي والضعيف، ماشي كل واحد نفسي نفسي، راك شايف كل واحد يدخل لدارو ما يخرجش حتى الصباح. يبقى يتفرج في التلفزيون هو وعايلته, وساعات كل واحد يتفرج وحده والأولاد يبقاوْ مع الأنترنيت ومع التلفون طول الليل.

 

المشهد الخامس عشر

(يقطع النور فجأة. تسمع أصوات مختلفة: ما كانش الضو ما كانش التلفزيون. نرى شموعا تتحرك على السريع ثم توضع على الطاولة الصغيرة ونرى المائدة الكبيرة تنتقل إلى الأمام وتوضع حولها الكراسي. نرى عمار ونورا وهما يضعان الشمع. تخرج نادية، وتتجه إلى رفيق)

نادية: البورتابل احبس ماكانش الشبكة.

رفيق: معناها الأنترنيت راهي حابسة ثاني.

نادية: معلوم حابسة ما كانش الضو.

نورا: حتى الغاز راح، شوف ترى التلفون.

رفيق:(يرفع سماعة الهاتف) ما كانش التلفون.

(يخرج نذير ويخاطب سي عمار)

نذير(بلهجة آمرة وغاضبة): سي عمار، صلح لنا الضو باش نكملو المسلسل.

عمار: الضو في الحي ما كانش.

(يخرج أبو عبد الرحمن)

أبو عبد الرحمن: صلحتو الضو ولا مازال.

نورا: كون مهني، ما كانش لا ضو لا تلفون، مزية بللي الما مازال. ( تخاطب نادية): عاونيني نجيبو الماكلة. نتعشاو الليلة في ضو الشمع.

(بقعة ضوء ضعيفة تضيئ المسرح ونرى الكاتب صالح ينهض ليدخل إلى غرفته فتعترضه نورا)

نورا: والله ماراك داخل. تقعد تتعشى معانا.

صالح: لكن يا سيدتي أنا ما شي موالف نتعشى.

عمار: الليلة تتعشى في خاطرنا.

صالح: كثر خيركم كيما حبيتو.

(نرى في بقعة الضوء نورا تدخل مع نادية وتحضر صحون العشاء بينما يكون السيد عمار وضع الصحون على الطاولة من الخزانة ثم تضع نورا ونادية صحون الطعام وتدعوان السيد صالح فيجلس على المائدة. تنتقل بقعة الضوء إلى عمي علي وزوجته اللذين يدخلان يحمل كل منهما صحنين. يضعانهماعلى المائدة ويجلسان. تنتقل بقعة الضوء إلى أبي عبد الرحمن وزوجته أم عبد الرحمن وهما يدخلان يحمل كل منهما صحنا. يتوقفان وتدور بينهما المحاورة التالية):

أبو عبد الرحمن: هاتي الطبسي واكشفي وجهك.

أم عبد الرحمن(تكشف وجهها ثم تغطيه): كيفاش نكشف وجهي قدام الرجال؟

أبو عبد الرحمن: قتلك اكشفي وجهك، وجه المرا ماشي عورة.

أم عبد الرحمن: ونقدر نهدر قدام الرجال؟

أبو عبد الرحمن: اهدري ما تخافيش، صوت المرا ماشي عورة.

(تأخذ منه الصحن ويضع الاثنان الصحنين على المائدة ويجلسان. تنتقل بقعة الضوء إلى نسيمة وولدها سمير هي تحمل صحنين وولدها يحمل رزمة خبز يضعانها على المائدة ويجلسان. تنتقل بقعة الضوء إلى نذير وزوجته ذهبية وهما لا يحملان شيئا. يتوقفان وتدور بينهما المحاورة التالية):

 

ذهبية(تخاطب نذير): ندخلو بيدينا فارغين هكذا؟ تبهديلة. خليني نروح نجيب شطيطحة البطاطا اللي طيبتها اليوم؟

نذير(يجرها إلى المائدة): راكي تشوفي الطابلة معمرة بالماكلة الله يبارك، وعلاش التبذير ما دام كل خير كاين؟ خلي الشطيطحة نتغداو بيها غدوة.

ذهبية: خليني نجيب الخبز والعصير.

نذير(يجرها بالقوة إلى المائدة): الخبز كاين والعصير ما كان لا الما يكفي.

نورا: رفيق وليدي، عيط لزهرا قولها تجي تتعشى معانا ومن بعد نادي لمحفوظ ثاني.

سي عمار: سمحولنا اليوم ناكلو وجبة باردة خاطر ما كانش الغاز.

صالح: بالعكس هادي أكثر وجبة سخونة ناكلها في حياتي. (يضحكون. يسمر الجميع ويتحدثون. يحضر عمار مسجلة ويفتحها.)

عمار: هادي المسجلة تخدم بالبطارية ما علابلهاش بالضو. (نسمع صوت فضيلة الجزائرية ثم قروابي البارح كان في عمري عشرين.)

نذير(يصرخ فجأة): الكوميسير، الكوميسير. (يوقف عمار المسجلة.)

 

المشهد السادس عشر

(تنتقل بقعة الضوء فنرى محافظ الشرطة يدخل، وهو في أواخر العشرينات قوي حازم برتبة ملازم أول في الشرطة ، يسكت الجميع.)

عمار: مرحبا بيك سيدي الكوميسير، اسمح لنا ما خديناش رخصة باش نغنو، وقيل الجيران اشكاو بينا؟

محافظ الشرطة: لا لا، الوقت مازال بكري تقدرو تغنو وتشطحو ما جيتش على هادا الشي.

نورا: خير ياسيدي الكومسير.

محافظ الشرطة: جيت نحوس على عمي علي.

عمي علي(ينهض واقفا ويقترب من محافظ الشرطة): راني هنا، الله غالب ما عنديش باش نرجع الدين للبنكا، وقيل جيتو  ترفدوني.

محافظ الشرطة: حاشا، جيت نبشرك بعثتلك الشرطة في الصباح مالقاوكش.

عمي علي: خرجت، ما شفتهمش.

محافظ الشرطة: باش تجي لمحافظة الشرطة وتتعرف على اللي سرقو الحانوت نتاعك. على كل حال اعترفو بالسرقة والمجوهرات لقيناها كيما هيا ما نقص منها حتى حاجة.

عمي علي: فين لقيتوها؟

محافظ الشرطة: كاين مجوهراتي في تلمسان يعرفك مليح اتصلو بيه طمنهم بللي يشري عليهم  ومن بعد اتصل بالشرطة، الرزق نتاعك حلال يا عمي علي.

عمي علي: هادا الجواهرجي ما يكون الا سي أحمد بسطانجي.

محافظ الشرطة: هوّا بالذات، ولما عرف باللي الجواهر والذهب نتاعك فرح وبعثلك السلام معايا.

عمي علي: هادا الجواهرجي قديم وأمين، عمره ما يطمع ولا يشري على السراقين. امّالا رحت لتلمسان؟

محافظ الشرطة: لا زم، باش نجيبو المسروقات والسراقين.

(تزغرد النسوة)

عمي علي: بارك الله فيكم.

محافظ الشرطة: هادي خدمتنا، غدوة الصباح تجي عندنا نعطولك الأمانة نتاعك وأنا سمحو لي نروح.

نورا: اقعد تتعشى معانا

محافظ الشرطة: أنا مازلت خدام، جيت نبشر عمي على برك تبقاو على خير. (يخرج.)

الجميع: بالسلامة، بالسلامة.

(يفتح عمار المسجلة ويعود الجميع إلى الحديث والأكل. فجأة تضاء الأنوار وترن أجهزة الهاتف الثابت والبورتابل. تطفأ الشموع.)

عمار: واش تقولو لو كان نغلقو التليفونات؟

الجميع: موافقين.

صالح: ولو كان نزيدو نطفو الضو؟ ما كانش تلفزيون، ما كانش مسلسلات ، ما كانش أخبار.

الجميع: موافقين، موافقين.

(يطفأ النور وتضاء الشموع من جديد، وتغني نورا:

زاد النبي وفرحنا بيه     صلى الله عليهْ

ياعاشقين رسول الله      صلى الله عليهْ

ويغني معها الجميع ويصفقون.)

ستار