الفصل الأول
من مسرحية طارت السكنة
للكاتب عبد الله خمّار
المشهد الأول
[تفتح الستارة على قاعة كبيرة هي صالون "بنسيون السعادة"، وفي مدخل القاعة في مواجهة الجمهور طاولة مكتب صغيرة على يمين المسرح مغطاة بمفرش تقليدي قديم بني وعليه جهاز تلفون قديم أسود، ووراءها كرسي. وبجانبها كنبتان قديمتان بنيتان إحداهما مزدوجة والثانية مفردة. وفي منتصف الجدار المواجه للجمهور نافذة متسعة يدخل منها النور مغطاة بستارة بيضاء شفافة مهترئة لا تحجب النور. على يسار القاعة طاولة مائدة مستطيلة وعلى طرفها عند الجدار خزانة لأواني الطعام، وعلى الأرض سجادة قديمة بنية اللون. جدران القاعة مطلية باللون السكري "البيج". تجلس وراء الطاولة امرأة في منتصف الأربعينات، سمراء، متوسطة الجمال ترتدي ثوبا بنفسجيا زاهيا ويبدو من ماكياجها أنها تهتم بزينتها وبتسريحة شعرها المموج الأسود الفاحم وتنسج بسنارتين في يديها كنزة صوفية بلون الزهر. وراءها على الجدار لوحة خشبية مطلية باللون البني تعلق فيها مفاتيح غرف البنسيون العشر وفوق اللوحة ساعة تشير إلى السابعة صباحا.
هناك بابان للصالون مفتوحان دائما: الباب الأول على يمين المتفرج هو باب الدخول إلى البنسيون والخروج منه، والباب الثاني على يسار المتفرج هو باب الخروج من الصالون إلى غرف البنسيون العشر في الطابقين الأرضي والأول. فالدخول من اليمين هو دخول من خارج البنسيون والدخول من اليسار هو دخول إلى الصالون من غرف البنسيون. والخروج من اليمين يعني إلى خارج البنسيون والخروج من اليسار يعني الدخول إلى غرف البنسيون.
يدخل من اليسار محفوظ وهو رجل في حوالي الثامنة والثلاثين يرتدي بدلة عمل زرقاء ويحمل حقيبة بيده اليمنى ويتجه إلى الطاولة حيث تجلس السيدة نورا.]
محفوظ(بخجل): صباح الخير. والله راني حشمان منك.
نورا: صباح الخير سي محفوظ. علاش؟ واش كاين؟
(يدخل من اليمين علال يحمل في يده محفظة دون أن تراه السيدة نورا وهو رجل في السبعين أشيب الشعر حليق الذقن، يرتدي بدلة بنية انيقة، وتحتها قميص حريري أبيض، يحمل عصا بنية فاخرة، وينتعل حذاء بنيا غالي الثمن ، ويقف بعيدا يستمع إلى الحوار.)
محفوظ(بخجل): ، حتى لدرك ما لقيتش خدمة، وجدت حوايجي باش نخرج.
نورا: راك تهدر عالكرا؟ والله ما راك خارج. إنت ناس ملاح واحنا نعرفوك مليح، والخدمة ما كانش الله غالب.
محفوظ: لكن سيدتي...
نورا(تقاطعه): رجع حوايجك. إذا ما لقيتش خدمة اليوم تلقى غدوة. ساعة الفرج عند ربي قريبة، غير ما تخممش.
محفوظ: كثر خيرك. نخلي حوايجي هنا ونخرج نحوّس على خدمة. هادا مفتاح البيت.
(تأخذ منه المفتاح وتضعه في مكانه في لوحة المفاتيح. يخرج محفوظ. يقترب علال من السيدة نورا.)
علال: صباح الخير.
نورا: صباح الخير. إذا راك تحوس عالسكنة ما كانش. لو كان عندي بيت فارغة في البنسيون ماذا بيا نعطيها لك. الله غالب. الناس اللي هنا ساكنين طول العام خاطر ما عندهمش السكنة.
علال: اسمحي لي جيت بكري، لكن ما جيتش باش نسكن.
(يقرع جرس بجانبها عدة مرات.)
نورا: اسمح لي خمس دقايق درك نجي. تفضل ريّح. (تشير إلى الكنبة ثم تخرج.)
المشهد الثاني
(تدخل من اليسار زهرا تحمل المكنسة والدلو حافية القدمين، وهي فتاة في الثالثة والعشرين شديدة النحول، وجهها أصفر وشعرها مجعد ومنكوش، ترتدي ثوبا قديما أصفر. تتجه إلى طاولة المكتب وتظهر الحيرة على وجهها حين لا تجد السيدة نورا.)
علال(يسألها): راكي تحوسي على السيدة نورا؟
زهرا: أنعم.
علال(يشير إلى المدخل الأيسر): دخلت منا. (وقبل أن تتجه إلى المدخل يستوقفها ويسألها): علال: تسكني هنا؟
زهرا: أنعم، نسكن هنا.
علال (يسألها): تعرفي رمز الحي هنا؟
زهرا: إذا كنت تقصد الرمز البريدي راهو 16000.
علال: ماسمعتكش، تقدري تعاودي؟
(في هذه الأثناء يدخل عمار زوج السيدة نورا من اليسار يحمل في يده قفتين فارغتين وهو رجل في الخمسين، أسمر، متوسط القامة، اختلط شعره الأسود ببعض الشعيرات البيضاء، حليق الذقن يرتدي سروالا رماديا وقميصا سكريا "بيج"، وينتعل حذاء أسود ويبدو من هيئته أنه لا يعتني بهندامه رغم نظافته بعكس زوجته نورا. يستمع إلى الحوار، فتراه زهرا فترتبك.)
زهرا(تسأل علال مرتبكة): قلت لي رمز؟ راجل والا مرا؟ اسمح لي ما نعرفش أسماوات اللي يسكنو هنا. خالتي نورا هي اللي تعرف(تخرج من اليسار.)
عمار(يقترب من علال ضاحكا): زهرا هادي مسكينة جاهلة، لا تقرا لا تكتب، عندها مشاكل ربي يعاونها. إذا كنت تسقصي عن رمز الحي هوا 16000.
علال(يكتب ويسأل): واش المشاكل اللي عندها؟
عمار (يهز رأسه بأسى): الفقر والجوع. طفلة يتيمة، تزوجت وعمرها واحد وعشرين سنة، وجابت طفلة عمرها سنة درك. راجلها ما لقاش خدمة حرق لاسبانيا وغرق مع عشرة من الناس قبل ما يوصلو للشط. نشفلها الحليب. شوف وجهها كيفاش أصفر. زوجتي خدْمِتها تكنس وتمسح باش تعاون روحها وتربي بنتها.
علال: نفهم من كلامك باللي إنت زوج السيدة نورا؟
عمار: أنعم.
علال: وراني متأكد باللي إنت تعاونها في البانسيون.
عمار: أنا اللي نقضي. نشري الخضرة واللحم، وانا اللي نطيّب.
علال(مستغربا): إنت اللي تطيّب؟
عمار: أنعم. أنا الطباخ. كان عندي مطعم في ساحة بور سعيد. كثير من المسؤولين الكبار كانوا ياكلوا عندي الكسكسي والبوراك والحوت حتى البوزلوف. ومن بعد بعت المطعم وحلـّيت البنسيون أنا ونورا.
علال: وزباين البنسيون ياكلوا هنا؟
عمار: ياحسرا! بكري كانوا يفطرو ويتعشاو هنا في هادا الصالون كان كل خير كاين ورخيص. نديرولهم كل يوم وجبة بالخضرة واللحم والشلاطة والفاكية والقهوة الظهر والعشية، والصباح الحليب والجبنة والزبدة والكرواسان.
علال: ودرك؟
عمار: درك كلش غلا، ولات النار تشعل في الخضرة والفاكية، واللحم ما نهدروش. ولاو ياكلو وحدهم، كل واحد في بيته.
علال: ويطيبوا؟
عمار: ساعات يطيبو في المطبخ. لكن الكثرة يجيبو من برّا، البيتزا والهامبورجر والكاشير، وساعات يطيبو المقرون بلا لحم، وبالك يقدرو ياكلو اللحم في يوم الجمعة.
علال: على حساب الشوفة ما راكش مهني؟
عمار(يتنهد): السعادة والهنا ليها أوقات. شفت أيام زينة ما ننكرش، لكن درك الحالة ما تشكرش، الغلا والغرامة والسكان يتفششو ما كانش حاجة تعجبهم. الحمد لله على كل حال. ما قتليش، إنت من وزارة السياحة؟
(تدخل السيدة نورا وتسمع)
علال: لا لا. أنا من جمعية أهل الإحسان الخيرية. كل سنة نتبرعوا بسكنة للمحتاجين يمدوها لنا أهل الخير. والسنة حبينا نعطوها لواحد من اللي يسكنو عندكم في البنسيون. مذا بيكم تساعدونا إنت والسيدة نورا وتخيرو معانا اللي محتاج للسكنة أكثر من لخرين، خاطر إنتوما تعرفوهم وعشتو معاهم.
عمار: راني فهمت. دُرْك نقول لنورا ونفهّمها.
نورا(تتجه إليهما): راني سمعت وفهمت.
علال: مذابيّا السرية التامة. ما حدش يعرف من السكان حتى نمدو السكنة للي يستاهلها.
نورا: كون متهني. (تضع يدها على فمها): هادي الهدرة بيناتنا وما تخرجش منا.
علال(يفتح المحفظة ويخرج منها مجموعة أوراق يعطيها لعمار): هادي الاستمارات يعمروها السكان. قولولهم باللي الدولة هيا اللي طلبت من سكان البنسيون يعمروها.
عمار: ما تخممش.
علال(يسأل السيدة نورا): حبيت نعرف برك حكاية البطال اللي جاكي الصباح؟
نورا: تقصد سي محفوظ، راهو بطال من تلت شهور مسكين.
علال: فين كان يخدم؟
عمار: سي محفوظ جنايني يفهم في الزرع والزهور والأشجار. كان يخدم في فيلا مدة عشرين سنة ويسكن في دار صغيرة هوا وعايلته.
نورا: مات صاحب الفيلا واولاده باعوها، ضيع المسكين الخدمة والدار.
عمار: مرته وولاده درك راهم في البلاد وهوا يحوس على خدمة.
نورا: سي محفوظ ناس ملاح، حده حد روحو، عمرو ما زعّف حد.
علال: هادا أول واحد من المحتاجين للسكنة.
المشهد الثالث
(تسمع أصوات عالية وقريبة)
صوت أبو عبد الرحمن: شحال من مرّة قتلك ما تعليش صوت التلفزيون في الليل، ما راكش تخلينا نرقدو. تحب نكسّر هولك؟
صوت نذير: تكسّر هولي! هاداك ما خصّك. إنت تكسر التلفزيون وانا نكسر لك سنيك.
علاّل(يسأل السيدة نورا): شكون هاذو؟
نورا: هاذو عند الجيران ما شي عندنا.
علاّل: جاب لي ربي الصوت قريب.
عمّار: على بالك العمارات نتاع درك، تسمع صوت الجيران كي اللي راهم في دارك.
صوت أبو عبد الرحمن: ما فهمتش بالعقل، ارواح نفهمك.
(يدخل أبو عبد الرحمن ونذير كل منهما يمسك بخناق الآخر)
نذير: والله غير نكسر لك راسك.
(تدخل أم عبد الرحمن ترتدي جلابية سوداء وتغطي رأسها ووجهها بنقاب أسود.)
أم عبد الرحمن(ترفع النقاب عن وجهها): واشنو واشنو؟ والله اللي يمس شعرة من راجلي يعشي في الجبانة.
أبو عبد الرحمن(يلتفت إلى امرأته وهو ما زال ممسكا بخناق نذير): اسكتي يامرا وغطي وجهك، ياخي قتلك وجه المرا عورة، وما ترفعيش صوتك صوت المرا عورة ادخلي لداخل درك نضربك.
(تدخل ذهبية وتغطي أم عبد الرحمن وجهها)
ذهبية: الشح، علاش تدخلي روحك بين الرجال؟ تستاهلي يضربك راجلك.
نذير: وانت ما تحشمش كل يوم تضرب مرتك؟
أم عبد الرحمن(تكشف وجهها من جديد): راجلي ويضربني واش دخلكم انتوما؟
أبو عبد الرحمن: قتلك ما تكشفيش وجهك وما تهدريش. إنتيّا بهيمة ما تفهميش؟
(يدخل عمي علي وصالح بو لعيون فيمسك عمي علي أبو عبد الرحمن ويمسك صالح نذير ويبعدان كل منها عن الآخر.)
عمي علي: صلو على النبي ولعنو الشيطان.
صالح بو لعيون: نتفاهمو بالعقل ماشي بالدبزة. واش كاين؟
أبو عبد الرحمن: كل مرة يعلي التلفزيون عالوحدة نتاع الليل ويدير الغنا والشطيح ما يخليناش نرقدو وزيد بزيادة لا يجوز.
نذير: أنا حر في بيتي ما تسالنيش ندير كيما نحب. القانون ما يمنعنيش.
أبو عبد الرحمن: أنا ما نعترفش بالقانون. أنا نمشي على شرع الله ولا يجوز في شرع الله.
عمي علي: ارواحو نتفاهمو لداخل بلعقل. ربي يهدينا جميع.
(يخرج عمي علي وأبو عبد الرحمن ونذير وأم عبد الرحمن وذهبية)
علاّل: هادو الجيران والا اللي يسكنو في البنسيون؟
نورا(بخجل وارتباك): هادي أول مرة يتعاركو فيها السكان.
علاّل: ربي يهدي ما خلق. ما تنساوش كيما تفاهمنا. (يخرج من اليمين.)
المشهد الرابع
(تدخل السيدة نسيمة من اليسار وهي امرأة في السادسة والعشرين جميلة التقاطيع، بيضاء البشرة، شعرها يميل إلى الشقرة، تضع ماكياجا خفيفا على وجهها وتضوع منها رائحة العطر. تبدو حزينة وعصبية، وابنها في السادسة يحمل على ظهره محفظة مدرسية ويحمل كرة يحاول اللعب بها. تسقط الكرة من يده.)
نسيمة(بغضب): قلت لك ما تلعبش بالكرة هنا، ما تفهمش؟
الطفل سمير(متذمرا): قلتيلي ما نلعبش في البيت، ما نلعبش في الصالون، وما نلعبش في الشارع. (بعصبية): فين نلعب؟
نسيمة: تلعب في المدرسة، في وقت الفسحة في الساحة.
الطفل سمير(بعصبية): الساحة ضيقة، ما نقدروش نوقفو فيها قدام بعضانا. كيفاش نلعبو فيها؟
(تتجه مع طفلها إلى الطاولة حيث تجلس السيدة نورا تحيك بالسنارة ويقف عمار)
عمّار(يسألها بحرارة وبابتسامة ترحيبية): واش راكي نسيمة؟
نسيمة(تتصنع الابتسام): نقولو لا باس.
عمّار(يضع يده على رأس الطفل ويربت على شعره): واش راهو سمير؟ راهو يكبر الله يبارك.
(تنتبه السيدة نورا فجأة للحديث فتترك الصوف والسنارة على الطاولة وتهب واقفة. تمد نسيمة يدها بالمفتاح إلى عمار فتخطفه السيدة نورا وتخاطب عمار)
نورا(بلهجة آمرة): روح جيب القضيان راح الحال.
(يحمل عمار القفتين ويخرج. تلتفت إلى نسيمة التي اتجهت نحو باب الخروج.)
نورا: اسمعي انتيا. (تلتفت نسيمة وتواصل السيدة نورا): شحال من مرة قتلك ما تطيبيش في بيتك، طيبي في المطبخ.
نسيمة(معتذرة): والله ما طيبت يا مدام. غليت الحليب وطيبت الشاي برك.
نورا: وهادا ماشي طياب؟ عندك الغاز في المطبخ، ما تستعمليش سخان الكهرباء. راهي الفاتورة تستقام غالية.
نسيمة: صحة، ما نزيدش نعاود. قبل ما ننسى هاداك السيد اللي عندو اللحية ما نعرفش اسمه.
نورا: واش بيه؟
نسيمة: كل ليلة يضرب مرته والمسكينة تبكي وتعيط طول الليل ما تخليناش نرقدو. والله غير تشف.
نورا: فهمت. أنا ندبر راسي.
المشهد الخامس
(يدخل أبو عبد الرحمن من اليسار وهو الشاب الذي رأيناه في المشهد الثالث يتعارك مع نذير. في أواخر العشرينات طويل القامة، شديد التأنق، يرتدي ثوبا بنيا غامقا وتحته قميص أبيض منشّى، وسروالا بنيا من لون الثوب يظهر الجزء الأسفل منه فوق الحذاء الأسود الفاخر. شعره الأسود شديد اللمعان ومُسرّح بعناية. لحيته معتدلة مصبوغة بالحناء. يتجه إلى السيدة نورا وهي كالعادة تحيك بالسنارة.)
أبو عبد الرحمن(يناولها مفتاح الغرفة): السلام عليكم.
نورا(ترفع رأسها وتتناول المفتاح): وعليكم السلام.
أبو عبد الرحمن(متذمرا): حبيت نشكيلك من الجيران؛ سي نذير طول الليل الشطيح والرديح في بيته ربي ينجينا، التلفزيون ما يحبسش، والطفل يلعب الكرة فوق راسنا. قوليلي كيفاش نرقدو.
نورا(تضع السنارة والصوف على الطاولة وتنهض): وانت نسيت روحك كل يوم تضرب المسكينة المغبونة وتزيد تقول وجه المرا عورة وصوتها عورة.
أبو عبد الرحمن: هادا شرع الله، ما نطبقوش شرع الله؟
نورا: هادا شرعكم انتوما ماشي شرع الله. ربي حاشاه ما يحقرش النسا. على كل ما تخممش نشوف مع الجيران.
(تدخل أم عبد الرحمن من اليسار وهي امرأة في أوائل العشرينات ترتدي جلابة طويلة سوداء وتغطي رأسها بنقاب ينسدل منه منديل يخفي وجهها وعينيها. ترفع المنديل فيظهر وجهها الأسمر الجذاب.)
أم عبد الرحمن(تنادي بصوت عذب رقيق): أبو عبد الرحمن! (يلتفت إليها فتقترب منه قبل أن يخرج): حبيت تديني عند يمّا.
أبو عبد الرحمن(منزعجا): واش حبيتي؟ علاش ما قلتيليش من قبل.
أم عبد الرحمن: هادا وين تفكرت. والله غير توحشتها.
أبو عبد الرحمن: باش تروحي تشكيلها.
أم عبد الرحمن: والله والو. من واش نشكيلها؟ الحمد لله راني مهنية ولا باس عليا. ربي يخليك ويزين سعدك توصلني.
أبو عبد الرحمن(بلهجة حازمة): ما شي اليوم. من بعد نشوف.
أم عبد الرحمن(بعناد): أنا حبيت اليوم، ودرك تديني عندها، وإذا ما تدينيش نروح وحدي.
(يدخل عمار من اليمين وهو يحمل القفتين المملوءتين)
أبو عبد الرحمن(يصرخ غاضبا): غطي وجهك قدام الراجل. (تغطي وجهها. يصرخ في وجهها): قلت لك اليوم ما تخرجيش، وإذا خرجت من هادا الباب راكي طالقة، سمعتي. ادخلي الغرفة درك وما تخرجيش منها حتى نجي.
(تجري أم عبد الرحمن وتخرج من اليسار ويسمع صوت بكائها.)
المشهد السادس
(تتناول السيدة نورا القفتين المملوءتين من عمار)
نورا: ريّح هنا، درك ندخل ننقي الخضرة ونقطعها. (تخرج من اليسار.)
عمّار(يسأل أبا عبد الرحمن): واش بيك زعفان؟
أبو عبد الرحمن: الناس معوجين نسا ورجال يحبو العوج ما يمشوش نيشان.
عمّار: نحي على خاطرك وما تزعفش.
أبو عبد الرحمن: تعرف لو كنت نحكم في هادا الشعب؟ اللي ما يمشيش نيشان " يشير بيده إلى عنقه": نذبحو.
عمّار: يالطيف! لكن لو كان الناس كلهم يمشوا نيشان ما يتلاقاوش. يلزم واحد يجي من اليمين والثاني يجي من الشمال باش يتلاقاو.
أبو عبد الرحمن: بالك يكون عندك الحق، لكن أنا نمشي نيشان لو ما تلاقيت بحتى واحد.
عمّار: إنت درك وين تروح؟
أبو عبد الرحمن: نروح للسوق.
عمّار: ياخي السوق منّا. (يشير بيده في اتجاه السوق): لما تكون في الصحرا تقدر تمشي نيشان لكن في المدينة ما تقدرش تروح نيشان للسوق. لما تخرج منا بالسيف تمشي عاليمين نتاعك ومن بعد تمشي عالشمال وتهبط دروج وتطلع دروج حتى توصل للسوق. ماشي صحيح؟
أبو عبد الرحمن: صحيح، والله غير عندك الحق.
عمّار: إذا حبيت تمشي نيشان روح للصحرا. في المدينة ما تقدرش تمشي نيشان.
أبو عبد الرحمن: والله غير تلفتها لي، السلام عليكم. (يخرج):
عمّار: وعليكم السلام، هوا معوج ويحب الناس يمشو نيشان.
المشهد السابع
(يدخل من اليسار عمي علي وهو كهل في الخمسين، أسمر، ذو لحية صغيرة وشارب قصير يرتدي لباس القصبة التقليدي: سروال دزيري وسترة أنيقة لونهما أزرق، ويضع شاشية حمراء على رأسه تشبه الطربوش التركي وينتعل حذاء أزرق. تدخل معه السيدة سكينة وهي في حوالي الأربعين، معتدلة القوام، بيضاء البشرة خضراء العينين، فيها ملامح من جدتها لأمها ذات الأصل التركي، ترتدي الحايك المرمّة فوق ثيابها وحين ترى عمار تضع العجار على أنفها ويبدو جبينها ناصع البياض.)
عمي علي(يخاطب سكينة): اسبقي انتيّا درك نجي.
سكينة: معليه. (تخرج من اليمين.)
(يقترب عمي علي من عمار ويناوله المفتاح فيأخذه عمار ويعلقه في مكانه في لوحة المفاتيح.)
عمي علي(يسأل): واش بيها المغبونة تبكي؟
عمار: راجلها زعفها. ياخي موالف يضربها كل ليلة.
عمي علي(متأسفا): هادا اللي يضرب مرته ماشي ابن آدم، وزيد بزيادة داير روحه إمام.
عمار: واش من إمام؟ عنده طابلة في السوق يبيع فيها الحشاوش والأدعية والعطور.
عمي علي: امّالا علاش يضل يفتي ويهدر على شرع الله.
عمار: رانا في آخر الزمان، كان المفتي يخاف ربي. درك تشوف كل واحد داير لحية ولـّى يفتي. تشوفهم في القنوات الفضائية كبار وصغار يكفرو المومنين ويفتيو بذبحهم. (يمرر يده على عنقه.)
عمي علي: ربي يبقي علينا الستر.
عمار: هاداك ما كان. (يسأل): خير ان شا الله، وين رايحين؟
عمي علي: رايحين نشوفو دارنا في القصبة، بالك اليوم يكملو تصليحها.
عمار: ونادية وين راهي؟
عمي علي: تقرا عالتسعة، من بعد تجيبلك مفتاح بيتها.
عمار: راهي تقرا مليح؟
عمي علي: ما تشكرش، عندها بكالوريا هادا العام والشيوخة راهم في إضراب. وزيد بزيادة هيا ضعيفة في الحساب. دارت دروس خصوصية وما فادتش.
عمار: ووليدك اللي في فرانسا؟
عمي علي: هادا وين بدا يخدم.
عمار: ربي يوفقه ا نشا الله.
عمي علي: اللهم آمين. تبقى على خير. (يخرج من اليمين)
المشهد الثامن
(يدخل نذير من اليسار وهو رجل في الثلاثين ممتلئ الجسم قصير القامة، يخفي صلعته بطاقية زرقاء "بيريه"، يرتدي بدلة سروال جينز أزرق باهت من الاستعمال وسترة رمادية ذات جيوب كثيرة من التي تباع في "البالة"، وحذاء أسود مهترئ. يتجه إلى الطاولة وهو عابس متجهم الوجه، وفي يده جهاز راديو صغير والسماعتان في أذنيه.)
عمّار: صباح الخير.
نذير(لا يسمع. يرفع السماعتان عن أذنيه): واش قلت؟
عمّار(يرفع صوته): صباح الخير.
نذير: الخير؟ واش من خير مع هاذو الناس. الطفل يلعب بالكرة فوق راسنا.
عمار: نشوف مع يمّاه ما تخممش.
نذير: شحال من مرة قلت لمدام نورا تشوف حل مع هادا السامط اللي يضرب مرته كل ليلة ما يخليناش نرقدو.
عمّار: ربي يهدي ما خلق. اصبر شوية راهم يقولو الصبر مفتاح الجنة.
نذير(معترضا): ويقولو ثاني كاين الصبر اللي يوصل للقبر.
عمّار: بعيد الشر.
نذير(بلهجة الواثق): أنا داير خاطر ليك وللسيدة نورا والا كنت نكلم الوالي يجو البوليسية يدوه ويبات في الحبس.
عمّار(بلهجة جدية): نستعرف بيك. بارك الله فيك اللي درت خاطر لينا. (يخرج من وراء الطاولة ويقترب منه): قل لي ياسي نذير.
نذير: أنعم.
عمّار: نعمتك دايمة. إنت تعرف الوالي مليح؟
نذير: نعرفه مليح مليح. هوا اللي قال لي: شوف يا نذير لما يكون عندك مشكل غير تليفونيلي.
عمّار: عندك التلفون نتاعه؟
نذير(متباهيا): عندي التلفون الخاص بتلت أرقام اللي يكلموه بيه الوزراء.
عمّار(متوسلا): يرحم والديك، عندي قضية مع الوالي، وماذابيك تساعدني.
نذير(يفاجأ بطلب عمار فيغير لهجته ويتراجع): في الحق أنا ما نعرفوش مليح مليح نعرفه غير شوية برك.
عمّار(بسخرية): درك كنت تقول عندك التلفون الخاص نتاعه. وقالك عيطلي.
نذير: الحق ما قالليش ليّا. قال لرئيس البلدية لما زارنا في الخدمة عطاه الرقم وقال له كي يكون عندكم مشكل في الخدمة عيطولي وأنا كنت حاضر.
عمّار(يعود إلى مكانه وراء الطاولة وبلهجة غاضبة): امّالا مرة أخرى ما تزيدش تحل فمك وتهددنا بالوالي، سمعت.
(تخرج ذهبية من اليسار وهي امرأة في الخامسة والعشرين قصيرة بدينة، تصبغ شعرها باللون الأصفر الفاقع، ترتدي ثوبا أصفر يصل إلى الركبتين وتنادي نذير.)
ذهبية: نذير!
عمار(يلتفت): واش كاين؟
ذهبية: نسيت نقولك تجيب لي معاك شوكولا.
نذير(معترضا): نجيبلك باش تزيدي تسمني!
ذهبية(متجاهلة تعليقه): ما تجيبش من الشوكولا الرخيصة اللي موالف تجيبها لي. نحبها ملفوفة بورق الذهب الاصفر اللي يوروها في التلفزيون.
نذير: الشوكولا كلها كيف كيف.
ذهبية: شفتها البارح عند نسيمة. اعطاتلي واحدة كليتها. شحال بنينة. حبيت نوريها باللي احنا ثاني نشرو الشوكولا الغالية.
نذير: خافي ربي يامخلوقة، نسيمة تخدم في البانكا وانا نخدم في البلدية.
ذهبية: علاش اللي يخدم في البانكا يطبع دراهم. هِيّا خدامة وانت خدّام.
نذير(بصبر نافد): صحة صحة، إنتوما النسا ما كانش اللي يقدرلكم. (يخرج من اليمين وتخرج ذهبية من اليسار.)
(تدخل السيدة نورا وتتجه إلى عمار.)
نورا(بلهجة شك واتهام): احكيلي ياسي عمار واش هيّا القضية اللي ليك عند الوالي ومخبيها عليّا؟
عمّار: يعطيكي الصحة، كملت بكري اليوم.
نورا: ما زال ما كملتش لكن شفت سي نذير خرج من بيته مقلق حبيت نعرف واش بيه. ودركا ما تبدلش الهدرة قل لي واش مخبي عليّا.
عمّار: وانتي صدّقت؟ حبيت نوريله برك باللي راني فايق بيه. لقيتو منفوخ كي البالون حبيت نفشّو. شفتي كيفاش هبط؟
نورا: يعني بالصح ماكش مخبي عليّا حاجة.
عمّار: خسارة عليكي ياعمري. أنا نخبي عليكي؟
نورا: امّالا نروح نكمل الخضرة ونجي. (تخرج من اليسار.)
المشهد التاسع
(يدخل الشاب رفيق من اليسار، وهو في الثالثة والعشرين من عمره، متوسط الطول، بشرته حنطية مائلة إلى البياض قليلا. رياضي يلبس بدلة مخططة بالأبيض والأزرق. يتجه إلى عمار.)
رفيق: صباح الخير بابا.
عمّار: صباح الخير.
رفيق: يمّا راهي تعيطلك.
عمّار(مندهشا): يمّاك درك كانت هنا، ما قاتلكش واش حبّت؟
رفيق: لالا. قاتلي برك نستحقه.
عمّار: اقعد دقيقة هنا ما نبطاش نرجعلك. (يخرج من اليسار.)
(تدخل نادية من اليسار وهي فتاة في الثامنة عشرة صبيحة الوجه ممشوقة القوام ترتدي صدرية مدرسية بنفسجية أنيقة فوق ثيابها ويظهر تحتها فستان وردي. وضفيرتاها السوداوان تنسدلان على كتفيها، وتحتذي حذاء بنفسجيا وجوارب وردية. تحمل محفظة مدرسية بنفسجية فاخرة. تتجه إلى رفيق وتعطيه المفتاح وهي تشيح بوجهها عنه.)
رفيق: صباح الخير نادية.
نادية(تعبس في وجهه): ما تكلمنيش وما تهدرش معايا.
رفيق(متعجبا): علاش واش درت؟
نادية: نستنى حتـّان تدير؟
رفيق: ما فهمتكش نادية. منك بصح.
نادية: معلوم مني بصح، درك تقل لي ياعمري ياحنونتي، ومن بعد تولي تضربني وتقول لي طنهة وبهيمة.
رفيق(مستنكرا ومتبرءا): أنا نقول لك هكذا ؟!
نادية: انعم انتا. راني شايفة بولحية يضرب مرته كل ليلة. تبات تبكي المغبونة.
رفيق: وانا واش دخلني في بولحية؟
نادية: غدوة إنت ثاني تدير لحية وتضربني، وتسيّف عليَّ ندير النقاب ونغطي وجهي، ما نقدرش حتى نتنفس، وتقول لي هكذا يقول الشرع.
رفيق: كوني متهنية أنا ما نديرش لحية، وحتى لو درت شكون اللي قال لك كل اللي عنده لحية يضرب مرته ويسيّف عليها تغطي وجهها. الشرع ما قالش هكذا.
نادية: على بالي باللي الشرع ما قالش هكذا لكن الرجال يحبوا يحكمو في النسا. كل الرجال حقارين وما فيهمش الأمان.
رفيق: كل الرجال؟
نادية: أنعم كلهم.
رفيق: وعمي علي ثاني؟
نادية: بعيد الشر، بابا سيد الرجال وما كانش خير منو.
رفيق: على بالي باللي عمي علي ناس ملاح وما كانش اللي ما يحبوش وما يحترموش. شفتي باللي الرجال ماشي كلهم كيف كيف.
نادية: والنسا ماشي كلهم كيف كيف.
رفيق: معلوم ونادية زينة النسا ونوارتهم.
نادية(يتورد وجهها من الخجل): حشمتني.
رفيق: تجي نوصلك للثانوية.
نادية: طريقنا ماشي وحدا. إنت تروح للجامعة، وانا غير هنا برك.
رفيق: قريب تولي طريقنا وحدا.
نادية(بدلال): ما نعرف. (تتذكر فجأة): نسيت الهاتف نتاعي. رد لي المفتاح.
(يخرج من اليسار صالح بو لعيون وهو شيخ في الستين، أشيب الشعر متوسط الطول يرتدي بدلة خضراء زيتية تحتها قميص أبيض دون ربطة عنق، ويضع على عينيه نظارات طبية.)
صالح(يخاطب نادية ورفيق): صباح الخير. (يسلم رفيق المفتاح.)
نادية: صباح الخير أستاذ. (تأخذ المفتاح وتخرج من اليسار.)
رفيق: صباح الخير أستاذ.
(تدخل السيدة نورا من اليسار)
نورا: سي صالح، راك خارج وتبطى؟
صالح: رايح للمكتبة الوطنية. علاش راكي تسقصي؟
نورا: حبيت نعرف إذا ما تبطاش باش زهرا تبدا بالبيت نتاعك.
صالح: راني ما نجيش للعشية.
نورا: الله يبارك.
رفيق: وانا ثاني رايح للمكتبة الوطنية باش نرجع كتاب. نوصلك في طريقي.
صالح: شكرا.
رفيق: بلا مزية. (يخرجان من اليمين.)
المشهد العاشر
(تدخل نادية من اليسار وتتجه إلى السيدة نورا وتسلمها المفتاح.)
نادية: صباح الخير خالتي نورا.
نورا: صباح الخير بنتي. واش راهي القراية؟
نادية: واش من قراية خالتي نورا؟ غير الإضرابات والغيابات رانا عايشين في محنة.
نورا: بسم الله الرحمن الرحيم. علاش يابنتي؟
نادية: صديقاتي في الفيس بوك...
نورا(تقاطعها): واش هوا الفيس بوك؟
نادية: الفيس بوك كرّاس نتاع البريات، أنا نكتب فيه وصديقاتي يكتبوا فيه ونديرو التصاور في الأنترنت.
نورا: في الأنترنت، فهمت.
نادية: قتلك صديقاتي من كل بلاد يديرو حفلات في المدرسة ورحلات. (تتنهد متحسرة): واش من تصاور واش من حطّة، يقراو ويزهاو، واحنا ما نقراو ما نزهاو.
نورا: لا يابنتي يلزم تقراي، السنة عندك بكالوريا.
نادية: عندي بكالوريا وضعيفة في الرياضيات، والأساتذة نتاع الدروس الخصوصية كلهم محكومين، ما صح لي حتى واحد.
نورا: رفيق يقرا الانكليزية في الجامعة، الرياضيات خاطياته، كنت قتله يعاونك.
نادية: ماذا بيا يعاوني في الانكليزية، والرياضيات نزيد نحوس، (بلهجة يائسة): لكن ما شكيتش نلقى اللي يعاوني. ادعي لي خالتي نورا.
نورا(ترفع يدها بالدعاء): يزيّن سعدك، ويعمي حسادك، ويديرها خضرا وراكي وقدّامك.
(تدخل زهرا من اليسار وتتجه إلى السيدة نورا)
زهرا(تخاطب السيدة نورا): سي عمار راهو يعيطلك.
نورا: راني جاية. ارواحي زهرا اوقفي هنا حتى نجي. (تخرج من اليسار)
زهرا(تخاطب نادية): سمعت باللي راكي تحوسي شكون يعاونك في هادي واش يسموها أرضيات.
نادية(تضحك): رياضيات. صح راني نحوس وما لقيتش.
زهرا: أنا نجيب لك اللي يعاونك.
نادية(بلهفة): تعرفي كاش أستاذ؟ عطيني العنوان نتاعه.
زهرا: كي تجي لعشية نجيب هولك حتى لهنا. بصح ما تقولي لحتى واحد حتى نجيبه.
نادية: ويقري مليح؟
زهرا: لما نجيبهولك تجربيه.
نادية (تنظر إلى الساعة): قريب يفوت الوقت. تبقاي على خير.
زهرا: بالسلامة.
(تخرج نادية من اليمين)
المشهد الحادي عشر
(يدخل من اليمين عباس وهو شاب أسمر، وسيم، طويل، أنيق، في الثانية والثلاثين، يرتدي بدلة زرقاء سماوية ربيعية فاخرة، ويضع نظارات سوداء تخفي عينيه. شعره الأسود اللامع مسرح إلى الوراء، ينتعل حذاء أزرق. وتدخل معه دليلة وهي شابة في السابعة والعشرين، متوسطة الجمال، بيضاء البشرة، شعرها الأشقر مسرح بتسريحة ذيل الحصان. أحمر الشفاه القاني على شفتيها يتلاءم مع لون "التايور" البدلة النسائية الحمراء التي ترتديها، ومع لون الحذاء ذي الكعب العالي. يدخلان عابسي الوجه ويتوجهان إلى السيدة نورا.)
عباس: حبيت نشوف السيدة نورا.
نورا: وعليكم السلام، أنا هيا. واش تستحقو؟
عباس: أنا عباس ولد صالح بو لعيون.
نورا(تنهض مرحبة): مرحبا بيكم. أهلا وسهلا، تفضلو. (تشير لهما بالجلوس فيجلسان وترتفع تنورة دليلة "الجيبة" فوق الركبة.)
عباس(بلهجة جافة):: نقدر نعرف علاش عيطتيلي؟
نورا: حبيت نهدر معاك على باباك.
عباس: هوا اللي قال لك تعيطيلي؟
نورا: لالا. هوا خرج درك راح للمكتبة الوطنية.
عباس(بجفاء): راني مشغول ومستعجل إذا عندك حاجة غير قوليها. (يطقطق باليد اليمنى أصابع اليد اليسرى.)
نورا(تنظر إلى دليلة): حبيت الهدرا تكون بيناتنا.
عباس: إذا راكي على دليلة، هادي مرتي ومانخبيش حاجة عليها.
نورا: حبيت نقول كيفاش تكون عنده دار ويسكن في بنسيون؟
عباس: هادي الدار ماشي داره، دار يمّا ويمّا ماتت الله يرحمها.
نورا: لكن هوا اللي كتبها باسمها.
عباس: راكي قلتِ كتبها باسمها. ولات دارها. ما نسمحلوش يتزوج في سكنة يمّا ولما يموت تشاركنا مرته في الورثة.
نورا: هكذا تهدر على باباك؟
عباس: إنت ما تعرفيش واش دار. خرّج كتاب بتلاتين مليون سنتيم.
نورا: منين خرجه؟
عباس: طبعه في المطبعة بتلاتين مليون. وانا ومرتي وولادي ميتين بالشر.
نورا(مستنكرة): ميتين بالشر!
عباس: حبيت نقول نحتاجو هاذو الدراهم اللي ضيعهم.
دليلة(بلهجة تحريض): قول لها واش قال لك الناشر؟
عباس: الناشر اللي طبع له الكتاب وزعما سماه رواية قال لي: روايته ما حدش يقراها ما حدش يشريها.
دليلة: يتسمى ضيّع دراهمو باطل.
عباس: هادا الناس يحجروا عليه ماشي يزوجوه.
نورا: عيب تهدر على باباك هكذا.
دليلة: واش بقالو في حياتو؟ يتوب لربي ويقعد في الجامع، ماشي يفكر في الزواج.
عباس(بسخرية): حاب يتزوج. يحسب في عمره عشرين سنة.
نورا(تخاطب عباس وتتجاهل دليلة): باباك ما زال في عمره ستين سنة ماشي ميات سنة.
(تحرك دليلة قدمها اليمنى بعصبية)
عباس: ستين سنة يعني يتقاعد يقعد في حالو وما يديرلناش مشاكل.
نورا: ماشي مليح تعامل باباك هكذا.
دليلة(تنهض وتواجه نورا): واشنو واشنو؟ واش قلت؟ إنت تعلمينا كيفاش نعاملو سي صالح؟ علاش إنت تعرفي صلاح باباه خير من ولده وخير مني أنا كي بنته؟
عباس(يخاطب دليلة): هادي عندك الحق فيها. (يخاطب نورا): يامدام إنت ما تعرفيش صلاح بابا كيما أنا ولده وكيما دليلة وهيا كي بنته؟
نورا(تتجاهل دليلة وبلهجة جافة): اسمح لي راني عطلتك، باين باللي ماشي ممكن نتفاهم معاك. ما نزيدش نعيطلك.
عباس: تقدري تعيطيلي كي يموت بابا ، ساعتها نجي ونلتا بيه، نغسله ونكفنه ونقرا الفاتحة عليه. وغير هكذا ما تزيديش تعيطيلي. (ينهضان)
دليلة(تخاطب عباس): شفت كيفاش ما قيمتنيش؟ ما تخزرليش وما تهدرش معايا، حقارة. رانا مخطيين اللي جينا هنا. (يخرجان من اليمين.)
(يدخل عمار من اليسار)
عمّار(يخاطب نورا): راني سمعت واش كانوا يقولوا. وقيل عندهم الحق. خايفين سي صالح يتزوج والمرا تاخد الدار وتخرجهم لبرّا.
نورا: إنت ما علابالك بوالو. باباه كتب لو باسمه الدار المخيرة اللي ورثها عن باباه. واكتب دارو باسم مرته. خاف لما يموت يخرجوها من الدار. هيا ماتت وخرجوه هوا من الدار.
عمّار: لالا. ما يقدروش يخرجوه من الدار. القانون ما يسمحلهمش وهوا يورث ربع الدار.
نورا: ربع الدار يعني بيت. ما يقدرش يتزوج في بيت.
عمّار: هكذا فهمت، وهوا من حقو يتزوج ثاني، ما يقعدش وحدو يستنى الموت.
المشهد الثاني عشر
(يرن جرس الهاتف فترفع السيدة نورا السماعة.)
نورا: بنسيون السعادة. شكون معايا؟
صوت المتكلم: قولي لي يرحم والديك: السيدة نسيمة تسكن عندك؟
نورا(تنتفض): شكون قلت؟
صوت المتكلم: السيدة نسيمة هيا ووليدها. حبيت نهدر معاها.
نورا(ترتبك): لالا، ما تسكنش عندنا السيدة نسيمة. راك غالط. (تغلق السماعة وتقول لعمار): هادا ما يكون إلا الشيطان راجلها. لما جبنالو البوليس ومنعوه يجي لهنا ولخدمتها حب يكلمها في التلفون كاش ما يهددها. الله يلعنو.
(يدخل نذير فجأة من اليمين)
نذير(بلهفة): عمي علي ما زال ما رجعش؟
نورا: لالا. ما زال. علاش راك تحوس عليه؟
نذير(بلهجة التشفي): ماشي أنا اللي نحوس عليه، البوليس راهو يحوس عليه.
عمار: علاش راهم يحوسوا عليه؟
نذير: وين على بالي؟ لما خرجت قبيلة سقصاوني عليه قلتلهم خرج. سألوني وقتاش يرجع؟ قلتلهم ما علاباليش. ما جاوش سقصاو هنا؟
عمار: لا لا، ما جاوش. بالك حبو يسقصوه على كاش حاجة.
نذير: أواه. كاش ما دار. سيارة البوليس تستنى فيه.
نورا: عمي علي ناس ملاح، ما كانش كيفو.
نذير: إنتِ راكي نيّة. (يقلدها): ناس ملاح. ناس بكري قالو: شحال من قبة تنزار وصاحبها في النار. (يخرج من اليمين)
نورا: بعيد الشر. (تدعو على نذير): الله يعطيك رصاصة قصاصة. (تلتفت إلى عمار): عرفت واش يخدم هادا الشيطان في البلدية؟
عمار: والله ما عرفت. بالك يكون كاتب. بالك بوّاب. بالك يكون رئيس بلدية.
نورا: هاداك ما خصّو. هادا وجهو مقشر ماشي وجه رئيس بلدية. يصفـِّر وجهو، ويسوّد سعدو.
عمار: وانت تحسبي وجه رئيس البلدية خير منو. كل واحد يجي منهم يدي ليه ولولاده واحبابه السكنة والتراب وما يخممش في لخرين، حاشا اللي ما يستاهلش.
نورا: عندو الحق، المومن يبدا بروحه.
عمار(بعصبية): المومن يبدا بروحه بالخدمة ماشي بالهمهم. (يشير بيده إلى فمه)
ستار