أما آن للسحابة السوداء في علاقات الجزائر ومصر أن تنجلي؟

Quand Le Nuage Noir Entre L'Algerie Et L'Egypte Se Dissipe?  

 

لم أكن في يوم من الأيام من عشاق كرة القدم، وما أحببت هذه اللعبة قط، لأنها لعبة عنيفة وتفتقر إلى الروح الرياضية التي يدعيها كثيرون نظريا، ولا يطبقونها عمليا. وليس معنى هذا أنني أكره هذه اللعبة، بل على العكس أعدها هامة جدا في حياتنا وحياة كل الشعوب. ذلك لأنها لعبة شعبية مائة بالمائة، ولأنها تمتص طاقات العنف التي تتجمع لدى الشعوب نتيجة ظروف الفقر والقهر والإحباطات المتتالية التي تتميز بها الطبقات الدنيا المسحوقة في كل مكان، فتكون بديلا حقيقيا عن أشكال التمرد والثورات والحروب. لكن أنصار الفرق يتماهون مع اللاعبين بقلوبهم وأعصابهم، ويبلغ هذا التماهي ذروته في نصرة الفريق الوطني حيث تعبر جماهير الأمة بكاملها عن انتصارها بشكل مبالغ فيه، وتنسب فوز الأحد عشر لاعبا في الملعب إلى نفسها، وتتبناه وتتحدث بلغة "نحن انتصرنا على البلد الفلاني" بدلا من "فريقنا لكرة القدم انتصر على فريق البلد الفلاني". أما عند الهزيمة فيصبح المدرب واللاعبون والحكام هم المسؤولون ويصبح اللوم على "هم" بدلا من "نحن". وفي حالتي الانتصار والهزيمة يفرغ الأنصار شحنات العنف بصور لا يمكن التكهن بها ومن الصعب التحكم فيها.

وتستغل الحكومات والأنظمة في العالم الثالث هذه اللعبة لأغراض سياسية كما حدث في مصر، ولأغراض اجتماعية كما حدث في الجزائر. ومما يحز في النفس أن تتحول الحرب الوهمية في كرة القدم إلى حرب حقيقية بين الأشقاء تجد لها وقودا كل يوم، وبدلا من أن يساهم المثقفون هنا وهناك في إطفاء نار الفتنة ومعالجة الشرخ الذي بدأ يتسع بين الشعبين يحاول بعضهم تعميقه ونكأ الجرح ورفض أي شكل من أشكال المصالحة والتسامح.

شهداؤنا خالدون في جنات النعيم، ولم ولن يتأثروا ولن تمس من قداستهم شتائم الغوغاء، وعلمنا سيرفرف عاليا موفور العزة ما دمنا نحميه بدمنا وجهدنا ونعلي شأنه بسلوكنا وتصرفاتنا ولن يحط من قدره وقيمته أن يحرقه بعض السفهاء.

الشعب الجزائري والمصري شعبان شقيقان توطدت علاقة الأخوة بينهما أيام المحن. وهذه ليست لغة الخشب كما يحاول بعض الصائدين في الماء العكر عندهم وعندنا تصويرها. فالشعب المصري وقف مع الجزائر منذ اندلاع الرصاصة الأولى للثورة بقيادته وفنانيه ومثقفيه وسينمائييه وإعلامييه وجماهيره وعرض أن يرسل متطوعين لكن الجزائريين أرادوا أن يسقوا أرضهم بدمائهم واكتفوا بالتأييد المادي والمعنوي، وهو أمر جليل لا يستهان به في دعم الثورة، والتعرض لغضب فرنسا ومشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.

وكذلك وقف الشعب الجزائري مع مصر في محنتها ومحنتنا ومحنة العرب جميعا من عام 67 إلى عام 1973 بقيادته وجنوده وفنانيه ومثقفيه وإعلامييه وجماهيره، وامتزجت دماؤه بدماء المصريين في سيناء في مواجهة العدو الإسرائيلي المشترك. ولا يمكن لحفنة من الغوغاء والسفهاء شاتمي الشهداء ومحرقي العلم أن يفسدوا العلاقة بين الشعبين الشقيقين وأن يسببوا شرخا بينهما يتعمق كل يوم، بحيث يراهن بعضهم على تحويله إلى قطيعة، فهؤلاء لا يمثلون في حال من الأحوال شعب مصر الشقيق والعريق.

وهل حملنا الشعب الفرنسي جريرة ما فعلته الأنظمة واقترفه السياسيون والجنرالات من جرائم تقتيل وتعذيب وتشريد وانتهاك للحرمات خلال مائة وثلاثين عاما؟ لقد بقيت علاقتنا مع الشعب الفرنسي علاقة طيبة ولم نحمله وزر جلاديه وحكامه، فكيف نحمل الشعب المصري ذنوب بعض الغوغاء الذين شتموا الشهداء ولا نحمل الشعب الفرنسي وزر من أعدموا وقتلوا الشهداء؟

لقد انتهت الألعاب الإفريقية وألعاب المونديال، وآن لهذه القطيعة بين الشعبين أن تنتهي، حتى لا تذكي الألعاب الجديدة التي تبدأ هذا الأسبوع أوار نار الفتنة من جديد، وأدعو الله أن نشترك جميعا هنا وهناك في إطفائها.

                                                             عبد الله خمـّار